أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير - برهان غليون - في جذور الثقافة السلبية















المزيد.....

في جذور الثقافة السلبية


برهان غليون

الحوار المتمدن-العدد: 2204 - 2008 / 2 / 27 - 10:43
المحور: القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير
    


كما أن من الصعب فهم الوضع الذي وصلت إليه المجتمعات العربية من دون اعتبار الشروط الجيوسياسية والعوامل الخارجية التي جعلت من منطقة الشرق الأوسط مركز نزاعات دولية استراتيجية، وشلت حركة أبنائه عن بناء حياتهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأخلاقية بصورة طبيعية، من الصعب أيضا فهم التخبط الذي تعيشه هذه المجتمعات وعجزها عن التحرر والانعتاق السياسي، أي عن التحكم بشرط وجودها التاريخي، من دون اعتبار طبيعة الثقافة السياسية التي تسيطر عليها، وتوجه عقول أبنائها وقلوبها.
وليس المقصود بهذه الثقافة ثقافة العرب أو المسلمين الكلاسيكية، أي ما بقي حيا من التراث العربي المدني والديني، وإنما تلك الاختيارات والتوجهات والاستعدادات الذهنية الجديدة التي نمت وتطورت وترسخت خلال القرن الماضي، وتحولت إلى ثقافة رئيسية، تطبع تفكيرنا وسلوكنا وتوجه أفعالنا الفردية والجمعية، وتشكل أساس هويتنا. وهي نمط من الثقافة السلبية والسالبة التي تعززت في المواجهة مع العدوان الخارجي - وفي مرحلة لاحقة مع العدوان الداخلي الذي تمثله النظم الاستبدادية الداخلية. وبصرف النظر عما حققته من نتائج في مواجهة الاستعمار، رسخت هذه الثقافة قيما وأنماطا من التفكير والنظر تنحو إلى توجيه التفكير نحو استيعاب المخاطر الخارجية وإحباطها، أكثر مما تعمل على تنمية النظر إلى النفس والتأمل في نقائص الذات والعمل على إصلاحها وبناء الحياة الجمعية المنظمة والأخلاقية. ومن مقدمة تلك المواجهات وما آلت إليه الموقف الذي يسيطر على رؤيتنا للغرب وطرق الكفاح ضد سيطرته والتعامل معه.
وضعت التجربة الاستعمارية منذ القرن التاسع عشر العرب أمام معضلة مواجهة القوة الضاربة للعسكرية الأوروبية التي كانت تجهلها من قبل. وقد زاد من الشعور بخيانة الغرب مبادئه وتعاليمه اتسام ثقافة النخبة العربية التي كانت سائدة في ذلك الوقت بالقيم الليبرالية وتمثلها العميق لها أحيانا، مما جعلها تعتقد وتتصرف على أساس أنها ند لأخواتها الغربيات وشريكة لها في بناء عالم الحداثة والديمقراطية والازدهار الاقتصادي.
لكن مواجهة الاستعمار وضعت العرب في وضعية جديدة. فقد كان من الطبيعي والمنتظر أن يكفوا عن أن ينظروا إلى أنفسهم كشركاء للغرب في الحضارة وحلفاء له في الكفاح من أجل الحرية والديمقراطية في وجه الامبرطوريات المحافظة، كما حصل خلال مرحلة النهضة الثقافية في القرن التاسع عشر، وأن ينظروا بالعكس إلى الدول الغربية كخصم أو عدو ينبغي مقاومته واتقاء شره. وعلى هذه الأرضية سوف تولد منذ العقود الأولى للقرن العشرين حركات الاسلام السياسي المحذرة من الغرب والداعية إلى الفصل بين الأخذ بالمدنية أو الحداثة والتحالف مع الدول الغربية أو الخضوع لها، كما ستولد الحركات اليسارية أو الشيوعية العربية المعادية أيضا للغرب بوصفه مركز الاستعمار والامبريالية. وإلى هذه الحقبة يرجع شك العرب بالغرب وبنواياه الحقيقية والتشكيك الأول بالحداثة ذات المصدر الغربي، نفسها، وخلطها البسيط أحيانا بثقافة الغرب وخياراته.
وقد جاءت المسألة الاسرائيلية لتمدد في عمر هذه اللحظة الاستعمارية وتزيد في تعميق الشرخ الذي أحدثته في ثقافتنا السياسية. لقد كان تبني الغرب مشروع الاستيطان الصهيوني في فلسطين، ثم الاعتراف بإسرائيل دولة مستقلة على أرض فلسطين أو على جزء منها، ضد آمال الفلسطينيين والشعوب العربية جميعا، ثم تزويدها بالوسائل والأسلحة التي تمكنها من فرض سيطرتها بالقوة على العرب والانتصار عليهم في حروب عديدة متوالية، وأخيرا تهرب الدول الغربية من مسؤولياتها تجاه الفلسطينيين وإزاء ما نجم عن إنشاء إسرائيل ودعم مشاريع توسعها العسكرية من نزوح للفلسطينيين وتفاقم محنتهم الانسانية والوطنية، ومن الحروب الدورية العربية الاسرائيلية، والاستيطان والعنف، كان كل ذلك سببا في إحداث شرخ لا يرمم بين العرب والغرب. وقد تجاوز هذا الشرخ اليوم حلبة النزاع السياسي والعسكري ليدخل مجال الثقافة والدين والأخلاق، ويؤسس لما أصبح يسمى بالحرب الحضارية أو الثقافية. لم يعد المطلوب مقاومة الغرب أو سيطرته الاستعمارية بسلاحه، أي بسلاح الوطنية والدولة القومية والمقاومة المسلحة والسياسية لتأكيد الحرية والاستقلال. أصبح من الضروري التبرؤ من التحالف معه ومن نمط تنظيمه المدني والسياسي وازدواجية المعايير التي تميز أخلاق ساسته وأهله. وهكذا سيقود إخفاق المقاومة الوطنية للتوسع الاسرائيلي إلى نشوء "المقاومة" الاسلامية بكل ما يعنيه ذلك أيضا من إعادة أسلمة النظم المدنية والسياسية العربية والتحرر كليا إذا أمكن مما تركته الحقب السابقة من آثار للغرب في الحياة العامة والعمومية. لم تعد المقاومة تعني هنا في الواقع سوى القطيعة مع الغرب بكل ما يعنيه ويعبر عن هويته، أي الانسحاب ببساطة من العالم الذي يسيطر هذا الغرب عليه وعلى توجهاتها الرئيسية.
تشير هذه اللحظة الاستعمارية وما تلاها من مناورات وصراعات عنيفة إلى بعض الشروط التي قادت إلى بلورة الاتجاهات السلبية البعيدة المدى التي سوف تسم موقف الرأي العام العربي من الغرب ومن ورائه من العالم الحديث بأكمله، وتعكس النتائج السلبية التي أدت إليها. ولعل الاتجاه الأكثر تعبيرا عنها هو الانقلاب الذي طرأ على الموقف الايجابي الذي ولد في منتصف القرن التاسع عشر، عند المثقفين والنخب الاجتماعية، من العالم ومن الحداثة المكتشفة. فبعد التماهي مع ايديولوجيات التقدم الغربية والسعي إلى تمثلها ونقلها إلى الثقافة العربية بكل السبل، ساد موقف سلبي لم يلبث حتى تحول إلى موقف العداء للحداثة نفسها بوصفها هوية الغرب وجزءا من تراثه.
أما في ما يتعلق بالنتائج السلبية لهذه التجربة المرة، فتتجسد، في المشرق العربي بشكل خاص، في ما أدت إليه من دفع النخب العربية إلى خيانة مبادئها هي نفسها. ففي السعي إلى بناء رد فعال على هذه السيطرة الاستعمارية، لم يكن امام هذه النخب سوى المراهنة على تشكيل وطنيات محلية تعتمد عليها ضمن حدود الدول القائمة لخوض معركتها الخاصة، مبتعدة بذلك بشكل متزايد عن الفكرة العربية التي أسست عليها شرعية استقلالها عن السلطنة العثمانية وتكوينها مشروع دولة عربية مستقلة عن الخلافة والدين. وكان هذا أول انشقاق يحصل في الضمير السياسي العربي، ويدخل التشوش والنزاع داخل مفهوم الأمة وتصورها، مما لا يزال مستمرا حتى اليوم، بين الانتماء القومي العربي والانتماء الوطني المحلي. ومما فاقم من أزمة المفهوم والضمير القومي معا هو استناد هذا المشروع القومي منذ البداية إلى التحالف مع الدول الغربية. وهو ما لم توفر استغلاله في ما بعد الحركات الاسلامية أثناء انتقامها من سيطرة الأفكار القومية الحديثة على الرأي العام.
ولعل هذا يفسر إلى حد كبير لماذا لم يكن بمقدور الحقبة الاستقلالية ولا الكفاح ضد السيطرة الغربية أن يسفرا، كما كنا نتوقع ونسعى، عن قيام دولة العرب القومية ولا عن بناء دولة أمة، عربية كانت أم قطرية، بقدر ما أدى إلى تخبط الرأي العام العربي وتنامي نزاعاته الداخلية إزاء تحديد مفهوم الأمة ومفهوم الدولة نفسها، ومفهوم الهوية والقومية. مما ترك مؤسساتنا السياسية مفتقرة لأي مبدأ محرك واضح أو رؤية متسقة سياسية وأخلاقية.



#برهان_غليون (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في مخاطر الاستهتار بحق المعارضة وهدر القانون
- حتى يمكن فك الحصار عن غزة
- الليبرالية وتجديد ثقافة العرب السياسية
- الجماعة والجماعة السياسية والمواطنة
- إلغاء الوصاية شرط انبعاث الشرق الأوسط
- دفاعا عن تكتل إعلان دمشق
- مستقبل المعارضة الديمقراطية في سورية
- بين العداء للغرب ومقاومة سياساته
- أنا فعلا سعيد بهذا الموقع المتميز
- تجاوز الطائفية شرط لتحرير الدولة من المافيوية
- في أصل الخوف العربي من التغيير
- معركة الحرية
- دفاعا عن الديمقراطية والديمقراطيين العرب
- الدين والسياسية في مواجهة تحديات العصر
- في شروط تجاوز الأزمة الوطنية العربية
- من العلمانية إلى العلمنة
- في أصل المصاب العربي
- من أجل علمانية إنسانية
- سياسة سورية الخارجية أو نهاية الحقبة الامبرطورية
- حول المجتمع المدني


المزيد.....




- قُتل في طريقه للمنزل.. الشرطة الأمريكية تبحث عن مشتبه به في ...
- جدل بعد حديث أكاديمي إماراتي عن -انهيار بالخدمات- بسبب -منخف ...
- غالانت: نصف قادة حزب الله الميدانيين تمت تصفيتهم والفترة الق ...
- الدفاع الروسية في حصاد اليوم: تدمير قاذفة HIMARS وتحييد أكثر ...
- الكونغرس يقر حزمة مساعدات لإسرائيل وأوكرانيا بقيمة 95 مليار ...
- روغوف: كييف قد تستخدم قوات العمليات الخاصة للاستيلاء على محط ...
- لوكاشينكو ينتقد كل رؤساء أوكرانيا التي باتت ساحة يتم فيها تح ...
- ممثل حماس يلتقى السفير الروسي في لبنان: الاحتلال لم يحقق أيا ...
- هجوم حاد من وزير دفاع إسرائيلي سابق ضد مصر
- لماذا غاب المغرب وموريتانيا عن القمة المغاربية الثلاثية في ت ...


المزيد.....

- الرغبة القومية ومطلب الأوليكارشية / نجم الدين فارس
- ايزيدية شنكال-سنجار / ممتاز حسين سليمان خلو
- في المسألة القومية: قراءة جديدة ورؤى نقدية / عبد الحسين شعبان
- موقف حزب العمال الشيوعى المصرى من قضية القومية العربية / سعيد العليمى
- كراس كوارث ومآسي أتباع الديانات والمذاهب الأخرى في العراق / كاظم حبيب
- التطبيع يسري في دمك / د. عادل سمارة
- كتاب كيف نفذ النظام الإسلاموي فصل جنوب السودان؟ / تاج السر عثمان
- كتاب الجذور التاريخية للتهميش في السودان / تاج السر عثمان
- تأثيل في تنمية الماركسية-اللينينية لمسائل القومية والوطنية و ... / المنصور جعفر
- محن وكوارث المكونات الدينية والمذهبية في ظل النظم الاستبدادي ... / كاظم حبيب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير - برهان غليون - في جذور الثقافة السلبية