أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - سعد محمد رحيم - إيان مكيوان في -أمستردام-















المزيد.....

إيان مكيوان في -أمستردام-


سعد محمد رحيم

الحوار المتمدن-العدد: 2189 - 2008 / 2 / 12 - 10:08
المحور: قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
    


لم أقرأ قبل ( أمستردام ) أية رواية للروائي الإنكليزي إيان مكيوان. ولا أعلم إن كانت هناك روايات أخرى له مترجمة إلى العربية. والإضاءة الوحيدة المقدّمة لنا من قبل الناشر عنه هي أن هذا الكاتب أعاد للرواية الإنكليزية اعتبارها. ورواياته هي الأكثر مبيعاً، الآن، بين قراء اللغة الإنكليزية. وبجولة سريعة في الشبكة العنكبوتية بحثاً عن معلومات تخص مكيوان سنعرف أنه ولد في الدرشوت في العام 1948، وكان والده ضابطاً في الجيش البريطاني، وأنه لهذا السبب عاش حياة تنقل واسعة. وقد درس الكتابة الإبداعية على يد الناقد الكبير مالكولم بردابري. ونشر أكثر من عشر روايات، وحصل على جائزتي بوكر وويتبريد، ورشحه بعض النقاد للحصول على جائزة نوبل للآداب.
( أمستردام/ من منشورات دار المدى للثقافة والنشرـ دمشق/ 2007، بترجمة؛ أسامة منزلجي ) ) هي رواية عن أزمة العلاقات الاجتماعية في راهن إنكلترا. عن التشابك بين السياسي والاجتماعي والإعلامي في المدينة القديمة الصاخبة ( لندن )، حيث تُظهر الشخصيات أفضل وأسوأ ما لديها من خلال أفكارها ومواقفها وسلوكياتها. فهذه رواية عن الخيانة والدسائس والانتقام.. عن الصداقة والحب والكره.. عن العزلة والوحدة والموت. وأخيراً عن الفعل والتجربة والخطأ. إذ يُحسب تاريخ حياة كل شخصية بمجموع ما اقترف من أخطاء. ويصدر الروائي روايته بمقطع شعري لـ ( هـ. و. أودن ): "الأصدقاء الذين تقابلوا هنا، وتعانقوا، ذهبوا كل إلى أخطائه". ولكن؛ هل سيكون ثمة هامش للندم أيضاً؟.
تبدأ الرواية بمراسيم جنازة مولي لين في كنيسة المحرقة. ومولي كما يخبرنا الراوي امرأة جميلة ذكية مرحة ولعوب، لها عديد من العشاق بينهم جوليان غارموني وزير الخارجية. تُصاب في منتصف عقدها الخامس بمرض السرطان فتفقد السيطرة على أدائها الجسدي ويغيب حسها الفكاهي، وتتدهور قوتها البدنية قبل أن توافيها المنية.
يصوّر لنا الروائي، في هذه الرواية، عالم الطبقة الوسطى الإنكليزية في الربع الأخير من القرن العشرين، وما يتخلل ذلك العالم من اضطراب في القيم، ونفاق اجتماعي ومؤامرات. وما يطبع سلوك أفرادها من رياء وأنانية.
نتعرف على شخصية كلايف لينلي المؤلف الموسيقي الذي سبق له وأن عاش مع مولي حياة فوضوية مذ كانا تلميذين في المدرسة في العام 1968، وشخصية فيرنون هاليداي الذي عاشر مولي مدة عام ( 1974 ) في باريس. ومن سياق السرد نفهم أن مولي هي البؤرة التي تدور حولها الشخصيات والعلاقات.
فرنون صحافي، يبلغ منصب رئيس تحرير صحيفة ( جدج/ الحاكم ) بمحض مصادفة.. رجل يفتقر، كما يزعم الراوي، إلى الانفعالات الحادة، وخال من الأخطاء والمزايا، ويكاد يكون بلا هوية.. يقع في فخ، يبدو أن جون لين، زوج مولي، نصبه له. وجون له أسهم في الصحيفة ذاتها، يعطي فرنون بضع صور عن غارموني ( وزير الخارجية ) وهو يرتدي ملابس نسائية ويتخذ وقفة عارضة أزياء بثديين زائفين ووجه مطلي بمساحيق التجميل.. ينشرها فرنون في الصحيفة وهدفه تدمير غارموني وإبعاده عن رئاسة الوزارة.. يحاول الحصول على دعم صديقه الموسيقي كلايف إلا أن الأخير يرفض فكرته لأن الصور ملتقطة بكاميرة مولي، حيث تظهر شخصياً في إحدى الصور، ونشرها في صحيفة هي خيانة لذكراها.. كان جون لين يسعى للانتقام من غارموني، أو أن يضرب عصفورين بحجر ويطيح بفرنون أيضاً طالما كان عاشقاً لمولي هو الآخر. وتفشل محاولة فرنون بسبب حيل الميديا الجديدة، ويخرج فرنون من القضية أكثر قوة، ويضطر فرنون إلى الاستقالة ليجد نفسه وقد تحطمت آماله، فيلحق بكلايف إلى أمستردام، وهناك تحدث واقعة مدوية؟
ولكن؛ لماذا أمستردام، وماذا يصنع كلايف هناك؟.
يكلف كلايف بإعداد سيمفونية نهاية الألفية من قبل الحكومة. وسنكون معه في معاناته وهو يبدع الفقرات والمقاطع الموسيقية.. يغيّر ويصحح.. يُصاب بالإحباط وتعسر عليه عملية الخلق، ثم يأتيه الإلهام.. يغتبط لما أنجز، ويقلق حين يحس بفقدان الانسجام، ويشك أحياناً بقدراته، وتبقى حواسه متيقظة بانتظار اللحظات النادرة التي تتكشف عن المدهش والجميل "فالتركيز هو على الموسيقا، على التحويل العجائبي للفكر إلى صوت... أن يجعل من تلك المسرّة في وقت واحد غاية في الحسية والتجريد، أن يترجم إلى أثير متبخر هذه اللالغة التي لا سبيل أبداً إلى بلوغ معانيها".
ستكون أمستردام هي المحطة التي تنتهي عندها الأحداث الدراماتيكية.. الذروة التي ستبلغها صداقة فرنون وكلايف.. هناك إذ ستُعزف سيمفونية كلايف عزفاً أولياً، وسيكون معه فرنون الذي سبق وأن وشاه للسلطات بسبب أنه ( أي كلايف ) شاهد مقدمات جريمة قتل ولم يخبر الجهات المعنية.. سيقدّم كل منهما كأساً مسمومة للآخر، وسيموتان معاً.
تبدو نهاية كل من الصديقين، وعلى هذه الشاكلة، الدراماتيكية لا معقولة.. نوعاً من الكوميديا السوداء، يشي عن اختلال أخلاقي.
"لم يكن انتحاراً مزدوجاً.. بقول غارموني ويضيف: "لقد سمم أحدهما الآخر؛ عمل على تدمير الآخر. يعلم الله لماذا . كانت جريمة قتل مزدوجة".ولا شك نحن نعرف، كقراء، عن خلفية الحدث أكثر مما تعرف شخصيات الرواية الأخرى. فأن يقتل كل منهما الآخر، ذروة تراجيدية، غير منطقية.. محاولة انتقام تشبه الانتحار تماماً. كما لو أنهما اتفقا على هذا الأمر، أو لم يكونا صاحيين تماماً، أوكأن يداً غريبة مجهولة دفعتهما لارتكاب الفعل الشنيع.. المقدمات التي نعرفها عن الشخصيتين لن تجعلنا نعتقد بأنهما بصدد الإقدام على القتل، ولاسيما كلايف بشخصيته الحساسة وتاريخه. ستصدم الجريمة أفق توقعنا، فهما سيقترفانها كما لو كانا مخدرين. أو هي جريمة تحدث في حلم مشترك سيستيقظ كل منهما منه برأس مصدوع، وشيء من الاستغراب والدهشة.
يتنقل الراوي بين الشخصيتين الرئيستين كلايف وفرنون.. ففي البدء هما مع بعضهما يحضران جنازة مولي، وفي النهاية، وهما في كفنيهما يصلان ميتين إلى مطار هيثرو. وبين البدء والنهاية نتعرف على دقائق حياة الرجلين وهما يؤديان عملهما ويستعيدان ذكرياتهما. أما الشخصيات الأخرى فتظهر وتختفي خلل الإيقاع الذي تؤديه حركة الشخصيتين تلك.
مولي هي السبب والمناسبة في تعرّف شخصيات الرواية بعضهم ببعض. وكانت واقعة مراسيم جنازتها استهلالاً لفعل القص من قبل الراوي/ الروائي، وانفتاح السرد على عوالم أولئك الذين كانوا مقربين منها. وإذ كانت تمسك بخيوط العلاقات قبل موتها، فإنها ما تزال تفعل الأمر عينه حتى وهي ميتة.. هي الحاضرة الغائبة على طول الشريط السردي للرواية. فـ ( أمستردام ) هي رواية عن ( مولي ) ومن ثم عن عشاقها. عن العالم التي صنعته بيديها وتركته في احتدامه وتناقضاته ومفارقاته وقسوته وهشاشته.. عالم يوشك على الانهيار، ويتبدل، ويتخذ مساراً مختلفاً، غير أنه يحافظ على استمراره.
ثمة قشرة سياسية خفيفة تغلّف أجواء الرواية. ولغة السياسة تتخلل الأحداث والحوارات. وها هو فرنون صاحب جريدة ( جدج ) في سعيه للإطاحة بوزير الخارجية ( غارموني ) ليحول دون تسنمه رئاسة الوزارة، تدفعه إلى جانب كرهه الشخصي لغارموني اليميني جملة من الأفكار السياسية ذات الطابع اليساري. إنه يفكر بمضامين المقال الذي سينشره بعد استئصال هذا السرطان ( غارموني ) من الجسد السياسي، على حد تعبيره. فمع استقالة الأخير "سوف يُكشف النقاب عن النفاق، وسوف يبقى البلد موجوداً في أوروبا، وسيبقى العقاب الأكبر والتجنيد الإلزامي حلم شخص مهووس، وسوف يتم إنقاذ الانتعاش الاجتماعي بشكل أو بآخر، وسوف تتاح للبيئة العالمية فرصة جيدة، وأوشك فرنون أن يصدح بالغناء".
يفصح الكاتب ( مكيوان ) في هذه الرواية، وهو يعرض لنا شخصياته المبتكرة في حيواتها وصراعاتها عن ثقافة موسيقية واسعة، ناهيك عمّا يحدث خلف الأبواب المغلقة لإدارات الصحف، والمؤامرات التي تُحاك في إطار العمل حيث يتداخل الإعلامي بالسياسي بالشخصي.
لا تخلو رواية ( أمستردام ) من التعقيد الذي يسم العلاقات البشرية، والتشابك الذي يطبع تقنيات فن الرواية الحديثة. غير أن القارئ لن يُصادف أية معمّيات في بنائها السردي، وستتكشف له صلتها بتقاليد الرواية الإنجليزية، تلك التي يمكن تلمسها في أعمال ديكنز والأخوات برونتي وتوماس هاردي ولورنس، مع فارق أساسي فرواية ( أمستردام ) تتصف على عكس كثر من الروايات الإنكليزية ثقيلة الظل، بسرعة إيقاعها وخفته، فهي مكتوبة بلغة مختزلة، من غير زوائد. رشيقة، شيقة، ومحكمة البناء.



#سعد_محمد_رحيم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قصة قصيرة: ضاحية التيه
- هناك مع الوردة حلم زنزانة
- السرد وميثاق التخييل
- ماركس الناقد
- غوايات القراءة: -أن تحسب حصاد السنين بعدد الكتب التي قرأت-
- بحثاً عن ماركس
- رعد عبد القادر ومؤيد سامي: في ذكرى رحيلهما المبكر
- استعادة ماركس
- أسئلة عام جديد
- كاواباتا في ( العاصمة القديمة )
- أحلامنا المؤجلة
- قيم السرد بين كالفينو وإيكو
- حروب المياه
- ( العمى ) لساراماغو
- حفلة التيس؛ فضح البلاغة الرثة للديكتاتورية
- على قلق..
- تباشير فكر النهضة في العراق: 8 نحو الراديكالية
- تباشير فكر النهضة في العراق: 7 بطاطو، والطبقة الوسطى العراقي ...
- تباشير فكر النهضة في العراق: 6 فكر النهضة؛ السرد والصحافة وع ...
- تباشير فكر النهضة في العراق: 5 الشعراء والنهضة ( الرصاقي وال ...


المزيد.....




- أثار مخاوف من استخدامه -سلاح حرب-.. كلب آلي ينفث اللهب حوالي ...
- كاميرا CNN داخل قاعات مخبّأة منذ فترة طويلة في -القصر الكبير ...
- جهاز التلقين وما قرأه بايدن خلال خطاب يثير تفاعلا
- الأثر الليبي في نشيد مشاة البحرية الأمريكية!
- الفاشر، مدينة محاصرة وتحذيرات من كارثة وشيكة
- احتجاجات حرب غزة: ماذا تعني الانتفاضة؟
- شاهد: دمار في إحدى محطات الطاقة الأوكرانية بسبب القصف الروسي ...
- نفوق 26 حوتا على الساحل الغربي لأستراليا
- تركيا .. ثاني أكبر جيش في الناتو ولا يمكن التنبؤ بها
- الجيش الأمريكي يختبر مسيّرة على هيئة طائرة تزود برشاشات سريع ...


المزيد.....

- الكونية والعدالة وسياسة الهوية / زهير الخويلدي
- فصل من كتاب حرية التعبير... / عبدالرزاق دحنون
- الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية ... / محمود الصباغ
- تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد / غازي الصوراني
- قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل / كاظم حبيب
- قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن / محمد الأزرقي
- آليات توجيه الرأي العام / زهير الخويلدي
- قراءة في كتاب إعادة التكوين لجورج چرچ بالإشتراك مع إدوار ريج ... / محمد الأزرقي
- فريديريك لوردون مع ثوماس بيكيتي وكتابه -رأس المال والآيديولو ... / طلال الربيعي
- دستور العراق / محمد سلمان حسن


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - سعد محمد رحيم - إيان مكيوان في -أمستردام-