أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جواد حمدي غرايبه - المقامة اللصوصية














المزيد.....

المقامة اللصوصية


جواد حمدي غرايبه

الحوار المتمدن-العدد: 2187 - 2008 / 2 / 10 - 10:04
المحور: الادب والفن
    



حدثني أبو المعتز فقال:
لقد كان يسكن حيَّنا لصٌّ بالنصب والدجل فنان، ولم ينجُ من حِيَلِهِ شجاعٌ أو جبان، وكان صاحب مكر ودهاء، ولا ينقصه في غوض عملياته فكر أو ذكاء، سريع التصرف والعطاء، وكان عندما يُشكى من المغدورين للعسس، يثبت أنه لم يسرق ولا اختلس، وأنه بعيدٌ عن ذلك الدنس، بقي ذلك النصاب على ذلك الحال، حتى كثر فيه القيل والقال، لا يستخدم عدَّة ولا مال، ويكسب من فرائسه التقدير والإجلال عند سلبهم كل ما لم يخطر لهم ببال، وأصبح مشهوراً بالأخذ وعدم السّداد، حتى وصل خبره لملك البلاد، الذي استغرب من جهل العباد، الذين يقعون في شرك ذلك الجلاد، ليأمر بإحضاره عاجلاً لا آجلا، ليفهم ويدرك كم كان الشعب غافلاً، ولم يسلم منه غبياً أو عاقلاً، أُحضر النصاب إلى القصر، فطلبه الملك على الفور، ليتعرف عليه ويسبُر ذلك الغور، ويتحدث معه بذلك الأمر، وما أن مَثُلَ أمامه، ووقف منتصب القامة حتى فاجأة الملك بطلبه السريع، وقال له: سمعت عنك القليل والكثير، ولم يبقَ أمامك أمر عسير، إلا وتجاوزته بالسهولة والتسيير، فأُريدك أن تَنْصِب عليَّ إن كنت تستطيع، لأعرف ذكائك الرفيع، أيها اللص الجريء، فأنت لم تفشل قط بعملك البذيء، في استنزاف الجيوب أيها الرديء، فقال النصاب بلطف شديد، يا صاحب الرأي السديد، كيف أجرؤ على عملٍ كهذا مع الملك الرشيد، فقال له الملك مقاطعاً: احمِ نفسك، وإن فشلت قطعت رأسك، فرد النصاب بعجالة: سمعاً وطاعة يا صاحب الجلالة، فأنا هو من يَفهم حاله، لينجو من عقاب واقع لا محالة، لينقذ أهله وعياله.

فسأله الملك: ماذا تنتظر إذن؟ هيا واختصر الزمن، لأعرف كيف جلبت من المحن، لأولئك المساكين، الذين لم يفلتوا منك ولو بعد حين، مع علمهم بأنك نصاب مكين.
فقال النصاب مجيباً: يا صاحب الجلالة، إني اقتنص الموقف وأصول وأجول خلاله، حتى أسلب من الشخص أشياءه وماله، ولكن يصعب عليَّ في هذه الحالة، أن أفسد على جلالة الملك شؤونه، لأن عدة النصب التي تخصني مرهونة، والسبب أن كل فرد في العسس قد فَتَّحَ عليَّ عيونه، فقال الملك بكل سرور: حسناً أيها المغرور، كم هي قيمة الرهن لتلك الشرور؟ التي رهنتها وأنت مجبور؟ فأجاب النصاب: مبلغ كبير، وأثَّر فيَّ أكثر تأثير، لأن الراهن اغتنم الفرصة، وقرصني تلك القرصة، وثأر مني ثأرا، ليجبرني على الوقوف عن عملي شهرا، حتى أصبحت أتعاطى خمرا، لأنسى كيف قُهرت قهرا، (ولم يبق في جيبي مليم، لأشتري سجائر ونستون أو ريم)، وعلم بي كل الناس، أنني أصبحت أشكو وأعاني من الإفلاس، فضحك الملك وقال: سأُعطيك ما يفك رهنك من المال، لكي لا تتهرب بأي حال، فكم تحتاج لأعطيك؟ لأنني من قَطْعِ رأسك لن أعفيك.
فقال النصاب متصنعاً الأدب: كنت قد أخذت من الدراهم خمسة آلاف، وأُخِذَتْ عُدَتي باستخفاف، وو... فقاطعه الملك وقال: لا تُكمل ودعنا من قصتك الطويلة، فخُذ المبلغ وأحضر عدة نصبك بأية حيلة، ولا تَعُد إليَّ كمن فقد سبيله، فتناول النصاب النقود، ووضعها في جيبه المعهود، وبقي واقفاً أمام الملك بصمود. حتى خاطبه الملك بصوت مرتفع: ما بك ما زلت واقفاً؟ إذهب مع العسس واحضر عدّتك ولا تكن خائفاً، فأنا لن أعطيك أماناً زائفاً، فرد عليه النصاب وبكل برودة أعصاب: لقد انتهى عملي الآن، فعدتي هي اللسان، الذي أطلق له العنان، ليقتنص أي إنسان، وها انذا قد نفذت ما طلبت، وبرأسي قد نجوت، وخمسة آلاف فوقه قد ربحت.
فضحك الملك لدهائه، وزاده مثلهن لذكائه، وأمر له براتب شهري، يأخذه بأسلوب رَضِيِّ لا قَهريِّ، شرط أن يبتعد عن عمله الذي هو كلسع العقارب، بإيقاع الغرباء والأقارب، في مصائده الذكية التي كادت تعتبر من السبع العجائب، فوعد النصاب الملك بالسمع والطاعة، بأن يستثمر ذكائه وصفاته اللماعة، بخدمة الناس جميعاً، صيفاً وخريفاً وشتاءً وربيعاً.
وبعد زمنٍ ليس بقصير، اعتدل ذلك النصاب اعتداله الكبير، ليصفه الكبير والصغير، بأنه صاحب الحكمة والرأي السديد، ويأخذ برأيه القريب والبعيد، ليصبح لجلالة الملك ذلك المستشار، إذ اختاره الملك فيما بعد أفضل اختيار، ليرفع برأيه شأن البلاد، ثم يبتعد بشرِّه عن البلاد والعباد.








ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المقامة الجمالية
- المقامة الاحتياليّة
- المقامة الرشديّة
- المقامة الاحتيالية


المزيد.....




- مصر: مبادرة حكومية لعلاج كبار الفنانين على نفقة الدولة
- غمكين مراد: الرُّوحُ كمزراب
- مصر: مبادرة حكومية علاج كبار الفنانين على نفقة الدولة
- رحلة العمر
- حماس: تقرير العفو الدولية مغلوط ويتبنى الرواية الإسرائيلية
- مهرجان -البحر الأحمر السينمائي- يكرم هند صبري بالشراكة مع غو ...
- فيلم -الملحد- يُعرض بدور السينما المصرية في ليلة رأس السنة
- كابو نيغرو لعبدالله الطايع: فيلم عن الحب والعيش في عالم يضيق ...
- -طفولتي تلاشت ببساطة-.. عرائس الرياح الموسمية في باكستان
- مسابقة كتابة النشيد الوطني تثير الجدل في سوريا


المزيد.....

- مراجعات (الحياة الساكنة المحتضرة في أعمال لورانس داريل: تساؤ ... / عبدالرؤوف بطيخ
- ليلة الخميس. مسرحية. السيد حافظ / السيد حافظ
- زعموا أن / كمال التاغوتي
- خرائط العراقيين الغريبة / ملهم الملائكة
- مقال (حياة غويا وعصره ) بقلم آلان وودز.مجلةدفاعاعن الماركسية ... / عبدالرؤوف بطيخ
- يوميات رجل لا ينكسر رواية شعرية مكثفة. السيد حافظ- الجزء ال ... / السيد حافظ
- ركن هادئ للبنفسج / د. خالد زغريت
- حــوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الثاني / السيد حافظ
- رواية "سفر الأمهات الثلاث" / رانية مرجية
- الذين باركوا القتل رواية ... / رانية مرجية


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جواد حمدي غرايبه - المقامة اللصوصية