|
الديمقراطية و التنمية البشرية
فلاح أمين الرهيمي
الحوار المتمدن-العدد: 2185 - 2008 / 2 / 8 - 12:04
المحور:
المجتمع المدني
إن الإنسان يولد و يترعرع و ينشأ و تكتمل قوته البدنية و مداركه و تنضج ملاكاته العقلية وفق التطور الطبيعي لناموس الحياة باستثناء المعرفة و السلوك و التصرف و التقاليد و العادات فأنه يدركها من خلال الممارسة و الاكتساب لذلك تصبح تقويم الشخصية الإنسانية من واجبات البيئة و ما يحيط الإنسان و يتأثر به من ظروف و سلوك و تصرف ووعي فكري و ثقافة من عائلته و المدرسة و المجتمع لذلك يعتبر الإنسان بما يملكه من عقل و طاقات و إمكانيات هو القوة الديناميكية المحركة نحو التقدم و التطور و التغير في مسيرة الحياة و التاريخ و من خلال ما يتمتع به من مقدرة على خلق و إبداع جميع مستلزمات و مكونات الحياة المادية و المعنوية . إن التنمية البشرية تعتمد بالأساس على الحاجة الإنسانية و دور ممارسة الإنسان و حريته في المجتمع لان الديمقراطية الصحيحة و الناضجة في المجتمعات الواعية تسعى للوصول بالمجتمع إلى درجة عالية من التطور الاقتصادي و الاجتماعي و الثقافي لكي يكفل نجاحها و إثبات تقدمها و تطورها في فسح المجال و الحرية و تفتح آفاق جميع أبناء الشعب في اكتساب الوعي و المعرفة و نشرهما و توظيفهما بفعالية و نشاط و إبداع . و بقدر ما تتدهور الديمقراطية و معها البنية الاجتماعية و تسود البيروقراطية و الجمود الفكري تتدهور الأوضاع السياسية و الاقتصادية فتفرز التوترات و النزاعات بين القوى الاجتماعية و تضعف بالمقابل و تزول الخطوات على طريق الديمقراطية الصحيحة و يتأثر بشكل سلبي و يتدهور الوعي الاجتماعي مما يؤدي به أن يتحول من وعي وطني و إنساني إلى وعي طائفي و فئوي مما يؤدي إلى تشتت الهوية الوطنية و تشرذم الشعب إلى كتل متصارعة و متنازعة مما يؤدي بالنتيجة النهائية إلى تعميق التناقضات و الحساسيات و التوترات الاجتماعية و السياسية حتى تصبح هذه الأزمات و تتحول إلى صراعات و منازعات كارثيه تفتك بالبلاد و العباد و تشتت و تمزق الهوية الوطنية و تشرذم الشعب إلى كتل و طوائف و فئات بعكس السلوك الواعي و المدرك و المنهج العقلاني الذي يستلهم من الديمقراطية احترم الرأي و الرأي الأخر و المحاورة الشفافة و النقد الهادف و البناء و حرية الفكر و الاجتهاد الذي يعتبر المحرك الأساسي و الدافع الوطني للحلول العقلانية لجميع التوترات و المشاكل مما يؤدي في النهاية إلى تنمية و تطوير القوى البرية التي تلعب الدور الأساسي في تقدم و تطور المجتمع سياسياً و اقتصادياً و اجتماعياً و يدفع و يحفز العامل المحرك و المطور للجانب الفكري و الثقافي و المعرفة و الوعي الفكري الخلاق لدى جماهير الشعب و هذه الحالة تفرز الجوانب الايجابية التي تؤدي إلى الاستقرار و الأمان و الأعمار و المستقبل الأفضل و العيش الرغيد لأبناء الشعب . إن التأخر في انجاز الايجابيات يؤدي إلى إفراز السلبيات في حالة تجاهل الجوانب و النقاط التي تؤدي إلى تهميش و التنكر للحقوق و القيم الروحية للقوى الأخرى و عدم إيجاد الحلول المناسبة لها و الاعتراف بها و احترامها و عدم إهمالها مما يؤدي إلى تراكمات و مع مرور الوقت تتفاعل و تتحول إلى صراعات و نزاعات و تكتلات تبرز و تتزعم فيها و تخترق صفوفها القوى و العناصر الشوفنية و الطائفية المتطرفة التي لا تريد الخير و السعادة و الاستقرار للوطن و الشعب . إن الديمقراطية الصحيحة تعني المشاركة و الإسهامات المجدية من خلال النقاش و إبداء الرأي مما يتيح المجال إلى ظهور أشياء جديدة و الوصول إلى حلول صائبة لان الديمقراطية مجموعة من الأسس و المؤسسات تنمو حول ترسيخ الوحدة الوطنية مما يؤدي إلى التنمية البشرية و التطور و التقدم السياسي و الاقتصادي و الاجتماعي و لذلك تعتبر أكثر الأسلحة فاعلية لخلق نهضة حقيقية واسعة في كافة مجالات المجتمع كما تعتبر الرؤيا الواضحة و الصائبة و الباب الواسعة لتحرير المقومات البشرية الهائلة و الأداة التي تحقق العدالة الاجتماعية و المساواة على المستويين الاجتماعي و الاقتصادي مما يفسح المجال أمام الإبداع و الابتكار و إتاحة قدر أفضل من الفرص الاقتصادية و الاجتماعية في التقدم و التطور لبناء المجتمع و التطور لبناء المجتمع السعيد . إن تطور و تحقيق الديمقراطية تعتبر الخط الفاصل بين الغنى و الرفاه و التقدم الاجتماعي و القدرة و الإمكانية و التحقيق و تطور الذات الإنسانية و العيش بحرية و كرامة وبين الفقر و الجهل و الأمية و الحرمان و الاستعباد و التأخير و لذلك فأن الشعوب القادرة على التحرك نحو الديمقراطية و نشر المعرفة و الوعي الفكري الخلاق تستطيع إن ترفع مستوى التنمية البشرية و يتبوأ الشعب مكاناً مرفوعاً من النمو و الازدهار و التقدم و الرفاهية في عالم القرن الواحد و العشرين و بالضد من ذلك فأن الوقوف في طريق مسيرة و نجاح الديمقراطية و تطبيقها يمثل إهداراً خطيراً للمقومات و المواهب البشرية نتيجة لافتقارها إلى حرية البحث المعرفي و الوعي الفكري الخلاق مما يخلق انغلاقاً و سجناً لإمكانياتها و مكوناتها العقلية لذا يجب إطلاق الحريات الديمقراطية و تطبيقها و نشرها و إشاعتها بكل صحيح و فتح الأبواب الواسعة أمامها لينهل منها الشعب . الوعي الفكري الخلاق و المعرفة المنورة من أجل تحرير الشعب و خلاصه من كابوس الأمية و الجهل و المرض و الحرمان و العوز الذي يقف عائقاً و معرقلاً لتطور الشعب و تقدمه في طريق التنمية و التطور البشري في المجتمع و بناء الحياة الحرة و الكريمة و المستقبل الأفضل لجميع أبناء الشعب. إن الشعب حينما يدرك بأن الديمقراطية هي الطريق المؤدي الى سعادته و ازدهاره و حريته و كرامته و تفتح إبداعاته و تطلعاته فليس هنالك من سبب أو تبريراً منطقياً يؤدي إلى الانصراف عنها و تقويض أركانها ضمن إطار التجربة الإنسانية لا يوجد ثمة ما يشير إلى إن الديمقراطية تنهار أو تكون مرفوضة من الشعب حينما يلتزم بأسسها و مؤسساتها و تكون ذات سياق عملي منسجمة مع وعيه و إدراكه و ثقافته و بذلك سيكون ملتزماً منطقياً و أخلاقيا بالحفاظ على حقوقها و مبادئها الضرورية و العملية كما إن النظام الديمقراطي تضمن وجوده و استمراريته و ديمومته ضمانات مؤسسية للحقوق الأساسية و ليس مجرد إجراءات شكلية لان الواقع الموضوعي الملموس لا يحتمل المحافظة على ممارسة العملية الديمقراطية و تطبيقها بشكل صحيح بدون وجود مؤسسات تعمل في إطارها و إيمان الشعب و ثقته بضرورة تواصلها من خلال إيمانه و عاداته و ممارساته و حضارته ووعيه لان العلاقة بين ممارسة العملية الديمقراطية الصحيحة و الحقوق السياسية الأولية ليست في الواقع صيغة مجردة من ضوابط لأنها تنطق و تمارس من خلال التفكير المنطقي و الإدراك السليم و الوعي الخلاق و من خلال قيام شعب ديمقراطي و قادته السياسيين و أولي الرأي و الفكر و العقل بالتفكير بمتطلبات نظامهم السياسي فأنهم بالتأكيد سيجدون ضرورة و أهمية العملية الديمقراطية و ممارستها من خلال السياسة الواقعية الموضوعية و الدفاع عنها و الالتزام بها و نتيجة لذلك يتمازج إيمانهم و أفكارهم برغبة أكيدة و الالتزام بالممارسة الديمقراطية و جعلها جزء حميمي من العملية السياسية التي تصبح عنصراً أساسياً في الثقافة للشعب لا سيما إذا كانت هذه الثقافة و الوعي الفكري الخلاق وليدة جهود قوى مدركة وواعية يحملون على عاتقهم مسؤولية اعتناق و تفسير و تطبيق هذا النهج الوضاح و هذه الحقوق . و إذا لم يتم دعم العملية الديمقراطية و الحقوق السياسية الأولية الضرورية لها بهذه الطريقة من خلال الثقافة السياسية و الوعي الفكري الخلاق و دعم مؤسسات المجتمع المدني و القوى و الحركات السياسية تصبح ديمومة العملية الديمقراطية أمراً مشكوك فيه و معرضة إلى حدوث هفوات و انحرافات و تشوهات في سلوك و ممارسات العملية الديمقراطية مما يؤدي إلى زعزعة أركان النظام السياسي في البلد . إن ضمان و استمرارية العملية الديمقراطية و مؤسساتها و قيمها يأتي عن طريق الثقافة السياسية و المعرفة و الوعي الفكري الخلاق و يجب أن تنطلق هذه الرؤيا من عقيدة و إيمان راسخ بالنظام و العملية الديمقراطية و أسسها و مؤسساتها التي يجب أن تكون حرة و غير مقيدة و غير خاضعة للجيرية و التسلط و الهيمنة و إذا ما ساد هذا السلوك و الممارسة ستعزز الديمقراطية و ستعزز الثقة و الطمأنينة بين جماهير الشعب و السلطة الحاكمة و هذا لا يتم إلا حينما تتوفر الفرص و الوعي الفكري الخلاق و المعرفة و ذلك من خلال ممارسة النقاش الحر الشفاف و النقد و البناء وفق معاير احترام الرأي و الرأي الأخر و حرية التعبير و الاعتراف و الإقرار بحقوق وواجبات و حرية الآخرين . كما إن للنظام الديمقراطي جانب أخر حيث يعتبر الحقوق الجوهرية و المصالح أجزاء متممة للعملية الديمقراطية و من هذه الحقوق حق حكم الذات و الحرية الشخصية التي تعتبر غير قابلة للتحويل لان هذه الحقوق ليست حقاً في مجرد عملية كلية إذ إن العملية الديمقراطية ليست مجرد عملية و لا مجرد عملية شكلية لأنها تشكل في الحيز ذاته نوعاً هاماً من العدالة التوزيعية فهي فرض و تعزز و تساعد على توزيع كافة المصادر الحيوية الضرورية الأخرى و حينما يعتبر الحق في العملية الديمقراطية ليس مجرد حق شكلي إذ انه من أجل ممارسة هذا الحق لا بد من وجود كافة الأسس و المصادر و المؤسسات الضرورية التي تضمن تلك الحقوق و إذا ما انعدم وجودها ينعدم وجود العملية الديمقراطية كما إن الحق في العملية الديمقراطية ليس مجرد مطالبة تجريدية لأنه مطالبة بكافة الحقوق العامة و الخاصة سواء كانت حقوقاً دستورية أو قانونية أو معنوية و التي تشمل حرية التعبير الصحافة ( السلطة الرابعة ) و حرية التجمع و حرية تعدد الأحزاب و حرية الأحزاب و حرية المعارضة كما إنها تضمن لأبناء الشعب تشكيلة واسعة من الحقوق و الواجبات و الحريات و الموارد الطبيعية التي توفر لهم و تؤمن العيش الرغيد و المستقبل الأفضل لهم و للأجيال القادمة و المشاركة العامة و الإسهام التام بوصفهم مواطنين متساوين في الحقوق و الواجبات في صناعة القرارات الجماعية التي يلتزمون بها جميعاً من أجل مصالحهم الشخصية كأعضاء في المجتمع و في تطوير و تنمية قدراتهم الإنسانية و في قدراتهم على التصرف كأشخاص مسئولين أدبياً و أخلاقياً و قادرين على حكم ذاتهم و لذلك تعتبر العملية الديمقراطية ليست جوهرية فقط لواحدة من أكثر المصالح السياسية أهمية ( حق الناس في حكم أنفسهم ) بل إنها تكون في ذاتها مجموعة ثرية من المصالح الجوهرية .
#فلاح_أمين_الرهيمي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
من يحسم جدل نهاية التاريخ ... الاشتراكية أم صدام الحضارات ؟
-
الديمقراطية والتجديد ركنان أساسيان في النظرية الماركسية
-
خاتمة المطاف
-
التطور اللارأسمالي والتحول إلى الاشتراكية(1)
-
التطور اللارأسمالي والتحول إلى الاشتراكية(2)
-
الماركسية اللينينية
-
وفاة لينين
-
مفهوم الليبرالية
-
هل انتهى الصراع والنزاع في المجتمع حتى ينتهي التاريخ ؟
-
المصالح البورجوازية وأساليبها في الاستغلال والتجديد والتغير
-
هل ينتهي التاريخ بصدام الحضارات وإعادة بناء النظام العالمي ؟
-
الصعود والتطور السلمي في الوصول للسلطة للسلطة(2)
-
لمحات مضيئة في رحاب الاشتراكية الخلاّقة
-
الديالكتيك منطق الحركة
-
لمحات مضيئة من كتاب ( رأس المال )
-
دور الحزب الشيوعي في أنجاز المرحلة الوطنية الديمقراطية والوص
...
-
الصعود والتطور السلمي في الوصول للسلطة(1)
-
وحدة القوى الوطنية ضمانة أكيدة لمستقبل سعيد
-
النظرية الماركسية والعصر الراهن
-
الديمقراطية والتقدم الاجتماعي
المزيد.....
-
عائلات الأسرى الإسرائيليين: تصعيد القتال لن يقتل المحتجزين ف
...
-
دعوات في موريتانيا لإلغاء قانون حماية الرموز الوطنية لـ-تضيي
...
-
الاحتلال يستهدف آخر ملاذ للحصول على الطعام ويكثّف قتل المدني
...
-
اعتقال أبرز قادة الفصائل المقاومة الفلسطينية في سوريا
-
الأمن العراقي : اعتقال متهم بتهريب الأموال بحوزته 113 بطاقة
...
-
مصدر يؤكد اعتقال طلال ناجي في سوريا
-
-الأغذية العالمي-: هناك -حاجة ماسّة- لدخول المساعدات إلى غزة
...
-
قضى 8 ساعات فوق شجرة.. شاهد عملية اعتقال رجل من قبل إدارة ال
...
-
السعودية.. الداخلية تعلن إعدام مواطنين -تعزيرا- بالمنطقة الش
...
-
معاناة الصحفيين في فلسطين ولبنان.. في اليوم العالمي لحرية ال
...
المزيد.....
-
أسئلة خيارات متعددة في الاستراتيجية
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال
...
/ موافق محمد
-
بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ
/ علي أسعد وطفة
-
مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية
/ علي أسعد وطفة
-
العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد
/ علي أسعد وطفة
-
الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي
...
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن
...
/ حمه الهمامي
-
تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار
/ زهير الخويلدي
-
منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس
...
/ رامي نصرالله
-
من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط
/ زهير الخويلدي
المزيد.....
|