في العدد 347 من صحيفة "المؤتمر" ، ثم في العدد 348 كتب موضوعا، و ردا وكلاهما كان موجها الى الشاعر سعدي يوسف وفيهما من الكلام الحاد والقاسي ما اربكني ، وحيرني، وألمني كثيرا . انا في الواقع لم اقرأ ما كتبه شاعرنا الكبير في جريدة القدس العربي ، فانا لا اتصفح جريده تشتم شعبنا ليل نهار باسلوب العرب القديم، اي الذم بطريقه المدح . وانا اتفهم جيدا مدى حنق، وغضب، وانفعال السيدين الكاتبين. وعندي ثقه كامله بحسن نواياهم وصدق مقاصدهم . ولكني لااتفق مع الأسلوب الذي تحدثا به عن الشاعر سعدي يوسف . ليس لأنه لا حق لهم في ذلك فانا لست رقيبا، ولا حكما على احد . ولست مدافعا عن سعدي فهو ليس عاجزا عن ذلك ، ولا انا متحدث باسمه . ولكني اردت القول ان هناك اسلوبا اخر للحوار، والتفاهم، والنقاش . وعندي ثقه كامله بان بامكان الكاتبين الرد بطريقه اخرى لكي يستمر النقاش والحوار باسلوب نتمنى ان يترسخ في حوارنا العراقي العراقي . ولكي لانمنح للمتربصين بشعبنا استغلال الفرصه ، وصب الزيت على النار . خاصه وان المرحله دقيقه جدا، وحساسه جدا، وهشه جدا، ومن السهل للمتصيدين بالماء العكر من استغلاله. غريب ان احد الكاتبين اعتبر ان سعدي يوسف محسوب على الشيوعيين، في نفس الوقت الذي يذكرنا باساليب النظام المقبور في قتل المعارضين والشيوعيين العراقيين في مقدمتهم . أنها صوره جميله ابتدأ بها الكاتب مقالته بكل براعه .
ما اود قوله ان ما يجمعنا وما يميزنا عن النظام الصدامي الفاشي هو مطالبتنا بالديمقراطيه ونضالنا في سبيلها . وتشردنا وتغربنا بسبب غيابها . والأن و بعد ان توفرت لنا علينا ان لا نسئ استعمالها . وبودي ان اورد مثلا من السويد . ففي فتره ازداد نشاط العنصريين وبدؤا بالأعتداء على الأجانب، ومضايقتهم وحتى اغتيال بعضهم . فشن بعض الصحفيين والسياسيين السويديين حمله من اجل استصدار قانون لمنع الأحزاب العنصريه، والنازيه الجديده . واول من توجهوا اليه كان زعيمه حزب اليسار السويدي ، "الشييوعي" سابقا، لتضم صوتها لهم . فرفضت ذلك بشده وبررت رفضها بان السويد مجتمع ديمقراطي ولا يمكن ان نقبل بمنع حريه التفكير، والتعبير عن الرأي مهما كان تطرفه . نحن نستطيع ان نعزلهم عن طريق الحوار، والنقاش، وتعرية افكارهم ، وليس بكم افواههم ، ودفعهم للعمل السري ، وتحويلهم الى مناضلين ، وشهداء . ما اريد قوله هو: كفانا تبادل للشتائم ، والنعوت. فلقد شبعنا سابقا من وصف الشيوعيين بعملاء موسكو، ووصف القوميين العرب بعملاء القاهره او دمشق او طرابلس، ونعت القوميين الأكراد بالأنفصاليين و "ألجيب العميل" . والمستقليين بالجبناء ، والأنتهازيين الخ ،الخ . واليوم نصف الأحزاب الأسلاميه بعملاء ايران، او افغنستان . ونصف مناصري المؤتمر الوطني العراقي بعملاء امريكا وهكذا .
صدام قمعنا جميعا . فلماذا نحاول ان نقمع بعضنا بعد ان سقط غير مأسوفا عليه؟ لماذا نحاول صلب الحلاج مرة اخرى ؟ انا لا اتهم احدا بشئ، ولا القي بموعظه، ولا اطالب بوقف الحوار، والنقاش . بل انا خائف ، وانا اتذكر كيف احتربنا بعد ثورة تموز1958 . فضعفنا وضاعت الثوره . انا خائف لأنني شاهدت ما جرى في يوغسلآفيا السلبقه . انا خائف ان نحارب نيابة عن اعدائنا دون وعي منا . وربما يقفون الى جنب ويضحكون منا ويصفقون لأحترابنا، ويغذونه ، ويحثونا على المزيد وبشكل اعنف . انا حزين لأنني اعرف اننا نستطيع ان نتحاور بطربقه اخرى دون ان نهين بعضنا. دون شتم وتجاوز، دون استهانه ، او سخريه من قدرة الأخرين ، اين كانوا، ان يفكروا بشكل مستقل . انا متالم لأننا نتباهى في الخارج ، وعن حق ، بأن شعبنا شعب التسامح ، والتعايش ، وان في بلادنا توجد طوائف ، واديان لاتوجد في بقعه اخرى من الأرض . ولكننا في الكتابات لانحتمل بعضننا . لا نحتمل اختلاف الرأي ، ونحن في اولى ايام ديمقراطيتنا الوليده حديثا . انا احلم اننا سنتبع مثل فولتير وهو يبدي استعداده للموت في سبيل من يخالفه الرأي . ولماذا نذهب بعيدا ، او نغور في اعماق الماضي، اونتبجح بتجارب الأوربيين . الم يخرج هؤلاء الذبن سماهم البعض متعصبين ، وحاقدين ، بل حتى متخلفين، وجهله، وسلفيين .. الخ من السمات ، والنعوت وهم يصرخون امام العالم : لاسنيه ولا شيعيه امه امه اسلاميه . فحري بنا نحن الذين تمتعنا بالعيش في ظل انظمه ديمقراطيه ، نحن الذين تغربنا من اجل ان نتخلص من مقص الرقيب ، وقمع الديكتاتوريه . ومارسنا حق التظاهر، والمسيرات دون هراوات، ولا خراطيم مياه . ان نتحاور بشكل افضل مهما كان الأختلاف عميقا فكلنا نريد اليمقراطيه ، كلنا نريد الحريه ، كلنا نريد ان يرحل جنود الأحتلال، او التحربر، او الغزاة، او الأصدقاء، او التحالف . سمهم ما شئت طالما تسمح لي ان اسميهم ما اشاء . كلنا يريد عراقا حرا ، مستقلأ ، ديموقراطيا ، من زعيم المؤتمرالوطي العراقي، الى سكرتير الحزب الشيوعي العراقي . اختلفنا على الحرب ، ثم فرحنا جميعا لسقوط صدام نتيجة لها . اختلفنا على شرعيه التعاون مع القوات الأجنبيه ثم اتفقنا جميعا على ضرورة التعاون من اجل حكومه وطنيه عراقيه شامله . وللتسريع برحيل قوات الأحتلال ، وتفويت الفرصه على اعداء شعبنا، وازلام النظام، وبواقيه من اتهام شعب الأنتفاضات ، والوثبات، والتأميم ، والثورات ، بعدم النضج السياسي.
مثلما نفتخر، ونتباهى عن حق ، بتعددنا ، وتنوعنا العرقي، والثقافي، والديني، والطائفي، والقومي الخ ، علينا ان نقبل، ونفتخر، ونتباهى بتنوعنا السياسي وتعدد اجتهاداتنا ، واتجاهاتنا ، واختلاف تصوراتنا كدليل على أن سنوات القمع الطويله منعتنا من التعبير عن ارائنا ولكنها لم تستطع قتل روح التفكير، والأحتجاج . بدون ذلك سيتحول كل واحد منا الى ديكتاتور دون ان يعي ذلك . علينا ان نفرح للفسيفساء السياسيه . تصوروا لو ان قوس قزح كان بلون واحد . فهل هناك من يقف ليمعن النظر فيه؟ ويتوقف ليمتع نفسه بذلك المنظر الخلاب؟ نحن شعبا ورث عدة حضارات وانصهر فيها . دعونا أن لانفتخر بماضينا فقط . دعونا نفتخر بحاضرنا ايضا . تذكروا ان كل اطياف اللون السياسي العراقي تكتب في صحيفة المؤتمر . اليس ذلك جميلآ ؟ اليس هذا مثلا حيا على قدرتنا على التعايش رغم اختلافنا؟ ولو استعرنا كلام الفلاسفه فالوحده في التنوع . وقول الحكماء ان في الوحده قوه . ان كلمه عتاب افضل الف مره من اعصم ،واطول قصيده هجاء . صدقوني . هذا ليس ردا على احد، بل مجرد راي . ولا مصادره لرأي الأخرين . وما احلى تعدد، وتصارع، وتعايش ، وتنوع الأرا ء بشكل حر ، وبروح عاليه من الأنصات والتفاعل . وليعذرني من يشمله الأمر فما قصدت الا خيرا. وشعبنا الطيب يقول : احببتك ، فعاتبتك. وما احلى عتاب الأحباب !!!!
السويـــــــــد