أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - منير شحود - بين ثقافة الاستشهاد و-عقيدة- الانتحار















المزيد.....

بين ثقافة الاستشهاد و-عقيدة- الانتحار


منير شحود

الحوار المتمدن-العدد: 671 - 2003 / 12 / 3 - 05:37
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


نظرا لعدم اكتمال دائرة النضج العاطفي العقلي, فإنه يمكن الوصول عند الشباب, ولأسباب اجتماعية متعددة, إلى حالة تسود فيها إحدى العواطف وتطغى على العواطف الأخرى, كعاطفة الحب (الشوق والهيام), والعاطفة الدينية, والانفعالات العدوانية....الخ. وبذلك يصل الأمر إلى درجة لا يمكن للقشرة المخية أن تكبح ثورات الانفعال وتحوِّرها, فتخيِّم هذه الانفعالات على الوعي, وقد تدفعه لاتخاذ القرار بالموت حبا أو تضحية بصورة فردية, أو تتوجه نحو الآخرين قتلا وتدميرا.
ما يميز تصرفات أفراد المجتمعات المأزومة, ومنها مجتمعاتنا في الوقت الحاضر, هو الميل إلى تغليب الانفعالات والعواطف في ردود الأفعال والاستجابات المختلفة؛ بكلام آخر, لا تشكل الانفعالات والعواطف خلفية رد الفعل العقلاني إنما واجهته في أحيان كثيرة, وخاصة على المستوى الشعبي.  وعندما يتعلق الأمر بمواجهة عدو أكثر عقلانية, فإن ذلك يؤدي إلى الفشل في تحقيق الأهداف المعتمدة على مثل ردود الأفعال – القرارات – هذه. ويقود الفشل بدوره إلى البحث عن وسائل أخرى, انطلاقا من صدق الرغبة في المواجهة, ومن هذه الوسائل الأضاحي البشرية, كحالة قصوى في التضحية.
وقد تطور مفهوم التضحية تاريخيا جنبا إلى جنب مع تقدم المجتمعات البشرية. فمن التضحية بالبشر كقرابين لاسترضاء آلهة قوى الطبيعة الجبارة في المجتمعات البشرية البدائية, إلى استبدالها بالحيوانات في مرحلة لاحقة من التحضر؛ ومن المتوقع تطور الأضاحي لاحقا إلى بدائل رمزية وتجريدية. والتعبير الرمزي لهذا التحول التاريخي من التضحية بالإنسان إلى التضحية بالحيوان كبديل عنه, نجدها في قصة النبي إبراهيم الذي كان سيضحي بابنه لولا استبداله بخروف من السماء. وحتى في حالة التضحية بالحيوان أو ذبحه فإن ثمة طقوسا دينية وفنية تجب مراعاتها تبعا لتعاليم الكثير من الأديان, وذلك احتراما للحياة نفسها؛ كأن تكون السكين حادة, وتجري عملية الذبح بسرعة لتسبب أقل ألم ممكن للذبيحة.  وقاد التحضر البشري الديني أولا, ثم المشترك الإنساني ثانيا, إلى وضع مبادئ للصراعات والنزاعات بين الجماعات بحيث يتم فيها احترام الحياة البشرية إلى أقصى حد ممكن.
نصل هنا إلى السؤال الأساسي: لماذا تؤيد معظم النخب والشعوب العربية والإسلامية ثقافة الاستشهاد كثقافة محورية في الصراع مع الأعداء؟ ألانه لم يبق سواها؟. أعتقد ذلك, مع أنها, ويا للأسف, ليست كافية لكسب النصر, الذي يحتاج تحققه إلى إعداد مختلف أشكال القوة والتمكن للفوز في الصراع مع هؤلاء الأعداء. فكيف نفسر التهليل الذي تبارك فيه أمة مفتتة ومنهكة أولئك الشبان الذين يضحون بأجسادهم الفتية دون أن تفعل شيئا يذكر, بحيث يكون هؤلاء, على أقل تقدير, جزءا تكتيكيا من استراتيجية شاملة للمقاومة؟. كما تُحاط ظاهرة الاستشهاد بهالة من القداسة, بحيث تثير مقاربتها بالنقد المشاعر الوطنية والدينية, وما ينتج عن ذلك من إدانة وتخوين وتكفير. 
ففي الحالة الفلسطينية, يقارن بعض المحللين والكتاب ظاهرة الاستشهاديين بما فعله الانتحاريون اليابانيون (الكاميكاز) الذين انقضوا بطائراتهم لتصطدم بقطع الأسطول الأمريكي في المراحل الأخيرة من الحرب العالمية الثانية, أو الجنود الروس الذين كانوا ينسفون الدبابات الألمانية بأجسادهم على أبواب موسكو. بيد أن اليابانيين والروس قاوموا بكافة السبل والوسائل, ومنها الأجساد البشرية. فلا اليابانيون استطاعوا منع الهزيمة بهذه الوسيلة النضالية وحدها, ولا هي وقفت وراء النصر الروسي. لقد كانت تكتيكا مؤقتا, وليست استراتيجيا.
ولكن هل فعل العرب خاصة والمسلمون عامة, شعوبا وحكومات, مثل ما فعله اليابانيون والروس, واستخدموا كل ما لديهم من وسائل القوة, بما فيها التضحية الجسدية؟ أم أنهم يقفون متفرجين على الشبان الفلسطينيين الذين يحاولون ببسالة أن يدفعوا بأنفسهم في معركة صعبة وغير متكافئة ولا تخصهم وحدهم, ذلك أن الشعوب العربية والإسلامية معنية بصورة مباشرة أو لا مباشرة, وهي, أضعف الإيمان, مسئولة أخلاقيا. كما أن شعوب البلدان المجاورة (وخاصة بلدان الطوق) تدفع ثمن الاستعصاء الفلسطيني غيابا للحرية, بسبب الثبات المطلوب في الوضع السياسي حتى الآن, ولو أن ملامح التصدُّع في هذا الستاتيكو بدأت تلوح في الأفق, وبفعل خارجي مع الأسف!.
 والأهم من ذلك كله هو أن ظاهرة التضحية  بالنفوس البشرية لا تقتصر على نضال الشعب الفلسطيني في صراعه العادل, إنما تمتد لتطال البلدان العربية والإسلامية والعالم كله, في ظاهرة انتحارية لا يمكن قبولها وتقبلها بحجة النضال ضد المعتدي, وهي, في الواقع, تطال أبناء هذه البلدان بصورة رئيسة. وإن عمى البصيرة الناجم عن استثارة القشرة المخية, والعائد بدوره إلى أسباب اجتماعية مختلفة, قد يقود في غير اتجاه, ويعرض المكتسبات التاريخية المتعلقة بصيانة الحياة البشرية وحقوق الإنسان, الدينية منها والدنيوية, إلى التقهقر والنكوص. مثل هذه الوسائل في إدارة الصراعات لا يمكن أن تقود إلى أي نتيجة,سوى استمرار دورة العنف, وإعاقة تحقيق التنمية الاجتماعية ضمن الشروط الحالية المتمثلة بالتداخل بين الخارج والداخل, حتى لو افترضنا أنها ستنتهي بالنصر على العدو الحقيقي أو المفترض.
إن ما نشاهده من اتساع نطاق ظاهرة الاستشهاد – الانتحار كوسيلة رئيسة في الصراع مع الخصوم والأعداء, واستهداف المدنيين بصورة خاصة, يطرح العديد من التساؤلات, ويخلط الأوراق في العالم كله, وفي منطقتنا بصورة خاصة. ويستدعي ذلك ضرورة تبلور خطة عقلانية للبحث في أسباب هذه الظاهرة, وسبل معالجتها. لأن الحلول الأمنية وحدها, سواء أتت من الداخل أو الخارج, لا يمكن أن تكون ناجعة على المدى الطويل, وتعبر عن قصر النظر ليس إلاَّ.
وأكثر ما يُخشى أن تتسع دائرة هذه العمليات, وتحصد الكثير من الضحايا, بما فيهم الفاعلون. إن الحياة البشرية ليست رخيصة لهذه الدرجة حتى نزهقها ببساطة, وبمبررات غير متفق عليها. فهل نريد العودة بمفهوم التضحية القهقرى, فنضحي بشبابنا بدل الخراف, ونقلب قصة النبي إبراهيم رأسا على عقب, وما ترمز إليه من التطور الحضاري التاريخي للمجتمعات البشرية, ولمفهوم التضحية؟!. وهل يمكن أن يحدث مثل هذا النكوص التاريخي واقعيا؟. الإجابة هي لا, طبعا, وخاصة في هذه المرحلة من تطور البشرية, فالعالم متشابك ومتداخل كما لم يكن من قبل, وهو معنيٌّ بالمشكلة والحل.
وإن انتشار هذه الظاهرة في بلداننا, ومثلها الكثير من الظواهر الأخرى, قد تعبر عن مراهَقة ونكوص اجتماعيين, حيث تتحكم العواطف والانفعالات بدلا من منهاجية التعقل وحكمته, مثلما تعبر أيضا عن حجم الطاقة المعطَّلة الكامنة (لأسباب داخلية أكثر مما هي خارجية) في المجتمعات العربية والإسلامية, والتي لا تتوفر لها سبل التفريغ والتوجيه الملائمين. وإن انفلات العواطف والانفعالات العدوانية في غير اتجاه, يجعل"نا" خطرين على الآخرين, كما على أنفسنا. ويجدر بنا النظر أيضا من الزاوية التي ينظر من خلالها الآخرون, عندها سنجد أن انتشار فوبيا العرب وفوبيا الإسلام ليس مؤامرة أو صدفة وحسب. ولا يجدر بنا التسرع في الحكم على "الخارج" كله, فنقلِّد بذلك الدوائر الصهيونية التي تزعق بـ "معاداة السامية" عندما توجَّه أبسط الانتقادات إلى الدولة الصهيونية.
ولعل القمع السياسي الذي تعرضت وتتعرض له شعوب بلداننا, وبدرجات مختلفة, تتراوح بين القمع السافر والشامل إلى شتى مظاهر غياب الحريات, كان من الأسباب الأساسية لتزييف الوعي وخمود العقل, فبقيت التجليات العاطفية المتسربلة بالخوف تجترُّ نفسها, كما دفع الخوف بهذه الشعوب إلى ممارسة التقية والنفاق سلوكا, وعلى نطاق واسع.
ومن يحاول انتهاج طريق ثالث, سيجد نفسه بين فكي كماشة الأنظمة السياسية الموظّفة لخدمة مصالحها المرتبطة بمصالح الخارج, والقوالب الدينية الجاهزة والمتكلسة بمعظمها؛ وبالتالي فإن عليه, المواطن, أن يُستقطب في أحد الجانبين, أو يلاحق بتهمتي التخوين السياسي والتكفير الديني معا, أو بواحدة منهما على الأقل. مع أن الغزل بين الأنظمة العربية  والسلطات الدينية حاصل على قاعدة: لا تسييس الدين (مطلب الأنظمة من الفعاليات الدينية) و"تدين" السياسة (مطلب السلطات الدينية من القيادات السياسية), إلى هذه الدرجة أو تلك.
 ونعتقد بأن الخيار الثالث, الذي ترتسم من خلاله معالم الخلاص, مرتبط بالإصلاح السياسي والديني معا, إذ تجري دمقرطة السياسية, بينما يتكيف الدين مع متطلبات الحياة العصرية على قاعدة خير الأعمال ما ينفع الناس, والتركيز على المحتوى الأخلاقي التنويري الذي هو جوهر أي دين.
بيد أن الخطوة الأولى تتمثل في حلحلة الاستعصاء السياسي المتمثل بالاستبداد, وذلك باتخاذ خطوات متدرجة من قبل السلطات لاستعادة الحياة الطبيعية, استجابة للمطالب الداخلية بالدرجة الأولى, مما يتيح تبلور الهُلام الاجتماعي إلى مجتمع مدني بمؤسسات فاعلة. ولا يمكن إغفال دور الخارج في هذه الصيرورة, إعاقة أو تسريعا؛ كما تبقى طبيعة هذا الدور مدعاة للتساؤل والتخمين في تقاطعها مع المصالح الوطنية.
إذا استطعنا الاعتراف بمشاكلنا الخاصة بنا والتصدي لها, ومنها بناء الإنسان الحر الكريم, وجعله مبتدأ السياسات ومنتهاها, وعدم التفريق بين مواطن وآخر فيما يتعلق بعقيدته الدينية أو انتمائه القومي...الخ؛ عندها فقط يمكن لجهودنا المتعددة الخيارات أن تحقق مكاسب ملموسة في  صراعنا مع الأعداء: حينئذ سنجد أن عدد هؤلاء قد تقلص بالفعل.



#منير_شحود (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مثقفو وشعب... حبيبتي سوريا
- تقاسيم على وتر الخوف
- قلب تاريخي
- لبنان: ذكريات حاضرة
- بئس الخطاب القومجي: صاخب ومتعالٍ ولا إنساني
- محللون يحللون التحلل والحلول


المزيد.....




- بعدما حوصر في بحيرة لأسابيع.. حوت قاتل يشق طريقه إلى المحيط ...
- الجيش الإسرائيلي ينشر مشاهد لأعمال إنشاء الرصيف البحري في قط ...
- محمد صلاح بعد المشادة اللفظية مع كلوب: -إذا تحدثت سوف تشتعل ...
- طلاب جامعة كولومبيا يتحدّون إدارتهم مدفوعين بتاريخ حافل من ا ...
- روسيا تعترض سرب مسيّرات وتنديد أوكراني بقصف أنابيب الغاز
- مظاهرات طلبة أميركا .. بداية تحول النظر إلى إسرائيل
- سائق يلتقط مشهدًا مخيفًا لإعصار مدمر يتحرك بالقرب منه بأمريك ...
- شاب يبلغ من العمر 18 عامًا يحاول أن يصبح أصغر شخص يطير حول ا ...
- مصر.. أحمد موسى يكشف تفاصيل بمخطط اغتياله ومحاكمة متهمين.. و ...
- خبير يوضح سبب سحب الجيش الأوكراني دبابات أبرامز من خط المواج ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - منير شحود - بين ثقافة الاستشهاد و-عقيدة- الانتحار