أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مصطفى لمودن - قصة قصيرة: الحيرة














المزيد.....

قصة قصيرة: الحيرة


مصطفى لمودن

الحوار المتمدن-العدد: 2138 - 2007 / 12 / 23 - 10:00
المحور: الادب والفن
    



يصعب علي أن أتذكرهم جميعا، حتى سحناتهم ونبرات أصواتهم انْمحت من ذاكرتي، و ذلك بسبب الواقعة التي حدثت... كنا جماعة حائرة وجلة، متراصين على جانب النهر، لست أدري على أية ضفة هل اليمنى أم اليسرى، كل ما هناك أن السماء لم تتوقف لحظة عن إنزال المطر مدرارا، والسحب الداكنة غطت كل الآفاق...مياه النهر هادرة متلاطمة، يرتفع منسوبها باستمرار... تقترب من مواقع نعالنا، تهددنا بالانجراف...

ومما زاد أمرنا سوء تعرضنا لحمى غريبة، تكاد تهلكنا جميعا، ما أن تحل نوبتها حتى ندخل في هستيرية مقرفة، نتصايح جميعنا في صخب ونتشابك بالأيادي والأسنان، لتحل بعدها فترة هدوء قصيرة، تتاح لنافيها فرصة التفكير المقتضب في حالنا، بعدما نكون قد افتقدنا كل ما اختزناه بذاكرتنا...

تكاثرت التفسيرات و التأويلات، هناك من قال أن تربتنا قد سممت، و غذاؤنا لم يعد صالحا، وعلينا أن نغادر هذه الضفة...وهناك من ذكر أن كائنات فضائية سلطت علينا لعنتها، وهناك من ادعى إيجاد الحل لمشكلتنا.

لم توسعنا حيلة، ولم تسعفنا مهارة... أصبحنا مهيئين لتقبل كل أشكال الحلول، مستعدين لتقمص فئران التجارب...قال المدّعون أن الحل على الضفة الأخرى ؛ هناك لوح محفوظ، مخبأ في مكان ما، فيه تفاصيل دوائنا، علينا جميعا أن نبحث عنه، صدق الجميع الفكرة و أصبحت همهم الشاغل.

كان علينا أن نقطع النهر، نظر بعضنا إلى بعض، تحمسنا و عقدنا العزم على التصدي، مصيرنا مرتبط بذلك، غير أن فئة منا انزوت جانبا، تشاورت في أمر، ثم عرضوه على الباقين، وهو ما أثار جلبة و انقساما في الرأي.

لا أتذكر التفاصيل الدقيقة...مجمل القول أنه كان معنا شخص متحمس لا يكف عن توزيع تباشير الأمل في تغير أحوال الطقس، و قرب حلول عهد جديد، ترتفع فيه عللنا و تحل عقدنا لنهنأ و نعيش مرتاحين... ورأت الفئة التي تشاورت أن الشخص المعتوه لا يفيد الجماعة بشيء، بل إن وجوده فيه عناء لما يحتاجه من رعاية و عناية... و بما أن الأمر خطير جدا و يهمنا جميعا، فلا بد له من أن يبدي تضحية لصالح الجماعة، أي أن يقطع هذا المبشر المعتوه النهر وحده، فإن نجا تبعناه و نجونا كذلك، و إن هلك، نكف عن أية محاولة ستكون عاقبتها أخطر...

و رأت فئة ثانية أن الرجل واحد منا، ولا يمكن التفريط في أي عنصر من الجماعة، و إذا كنا مستعدين لقطع النهر، علينا جميعا أن نواجه ذلك... لكن الرجل المعني بالأمر قََََََََبل تحمل المغامرة وتبعاتها.

الأخبار التي راجت بعد ذلك بين سكان المعمور حول جماعتنا اتخذت ثلاثة أوجه، فتضاربت الأقوال؛ الحكاية الأولى تقول أن الرجل المبشر أو المعتوه أصر على قطع النهر وحده قبل الآخرين... أكبروا فيه صنيعه و شجعوه، و عانقوه، وقبّلوه، و أشاروا له بالوجهة المناسبة، أزالوا عنه بعضا مما ثقل من ملابسه، وارتمى وسط المياه الهادرة، يخبط بأطرافه، ينقلب، يختفي، يطفو، والجماعة تتابع... إلى أن ألقت به المياه على الضفة الأخرى، وقد هدّه التعب وأضناه… تزايدت كمية المياه في النهر الغاضب، و رغم ذلك تشجع جميع أفراد الجماعة و قرروا أن يتبعوه كلهم.. بقي الرجل المعتوه أو المبشر مستلقيا على الضفة الأخرى، لم يلتحق به أحد... بعدما كفت السماء مطرها قام من مكانه، خطا إلى اتجاه لا يعرفه غارقا في ضحك هستيري، أو عويل مفجع على فراق أصحابه وفقدانهم.

أما الحكاية الثانية فتقول أن الرجل ألقى بنفسه في النهر... أبدى مقاومة في البداية لكن النهر ضمه بين أمواجه، غيّبه، لم يطلقه، إلا بعدما تقطعت أنفاسه، وأصبح لقمة صائغة في جوف النهر كقطعة خشبية لا تحرك ساكنا... شريط الحدث تفرج عليه الآخرون، كانوا يتراكضون حفاة على الضفة، ينظرون، يتصايحون، يولولون... لما تيقنوا من هلاكه، استنكفوا عن أية مغامرة قد تهدد كيانهم بالفناء، واكتفوا بما هم فيه من مأساة، وضعوا أياديهم على خدودهم وظلوا ينتظرون...

بينما الحكاية الثالثة تذكر أن الرجل ارتمى دون تردد وسط النهر الغاضب، يصارع الأمواج، و يجهد النفس همّه الوصول إلى ضفة الأمان، بدافع الإبقاء على حياته، و لتثبيت جدارته و تأكيد صدقيته... بعد عناء استطاع أن ينجو، و يضع أقدامه بثبات على أرض الضفة الأخرى، أخذ يلوح لأصحابه.. تبعوه، قطعوا نفس الطريق الذي عبره، تفوقوا جميعهم على النهر الغاضب، و بعد هدوء العاصفة أعادوا للرجل الذي سماه بعضهم المعتوه اعتباره...

فعلا ضاعت أنفس أثناء العبور، لكن لا أحد اكترث لذلك...

هذه هي القصة بصيغها الثلاث، اعتبرُها بمثابة نداء لكل من يهمه الأمر أن يدلي بمعلوماته مكتوبة، حتى تتوضح المسألة، و يعرف جميع اللاحقين ما وقع بالضبط، هل كلنا من سلالة تلك الجماعة؟ هل قضي على آفة الحمى؟ هل وجد اللوح المحفوظ؟



#مصطفى_لمودن (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قصة: تاء التأنيث المتحركة
- تأسيس جمعية العقد العالمي للماء بالمغرب (أكمي المغرب) خطورة ...
- حسين السلاوي، جرأة في التعبير وجدارة في الإبداع (من الفن الم ...
- المعروف على الرصيف!
- اسبانيا تستورد اليد العاملة النسوية من منطقة الغرب (المغرب)
- المعروف على الصيف
- أعمال شاقة وعائد هزيل
- قصة قصيرة: الحيرة


المزيد.....




- تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
- انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب
- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...
- -الضربة المصرية لداعش في ليبيا-.. الإعلان عن موعد عرض فيلم - ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مصطفى لمودن - قصة قصيرة: الحيرة