أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - أحمد صبحى منصور - شريعة الله وشريعة البشر















المزيد.....

شريعة الله وشريعة البشر


أحمد صبحى منصور

الحوار المتمدن-العدد: 2132 - 2007 / 12 / 17 - 12:02
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


بسم اله الرحمن الرحيم
د. أحمد صبحى منصور

شريعة الله جل وعلا وشريعة البشر

1 ـ عاش الإمام الشافعي في العراق وأسس مذهبه الفقهي ، ثم جاء إلي مصر واستقر في الفسطاط قبل إنشاء القاهرة بنحو قرن ونصف قرن من الزمان ، وحين عاش بمصر أسس مذهبه الفقهي الجديد تبعا لاختلاف الأحوال في الزمن الواحد بين مصر والعراق .
ومع ذلك فإن التيار الديني السياسي يريد أن يطبق الفقه الشافعي ــ وغيره ــ في حياتنا ونحن فى القرن الحادي والعشرين .مع أن الشافعي نفسه ـ وهو الإمام المجتهد ــ لو خرج من قبره وسار في شوارع القاهرة الآن لمات ثانيا من الدهشة وتغير الأحوال!!

2 ـ إن الفتاوى الفقهية هي أشد أمور التدين التصاقا بالواقع الحياتي لكل أمة. ولذلك فإن الشافعي في مذهبه العراقي غير الشافعي في مذهبه المصري .
إن الأساس في اختلاف المذاهب الفقهية يرجع إلي الاختلاف في شخصيات الأئمة وظروفهم الاجتماعية والنفسية ، وعلي سبيل المثال فإن الإمام مالك في مذهبه هو أكبر تعبير عن ظروف المدينة المنورة في القرن الثاني الهجري، فالإمام مالك انفرد بين الأئمة باعتبار عمل أهل المدينة من مصادر التشريع عنده ، وكان التكثيف في المذهب المالكي علي الأحاديث حتى لو كانت ضعيفة أو متناقضة ، ولاعجب أن يخلو كتاب الموطأ للإمام مالك من أي آية قرآنية ، وفي نفس الوقت تراه قد سجل أحاديث نسبها ليس للنبى بل للصحابة والتابعين من أهل المدينة معتبرا ما قالوه من مصادر الدين عنده .
وذلك الاحتفال بأهل المدينة في كتاب الموطأ يعبر عن الروح السائدة لمجتمع المدينة في القرن الثاني الهجري ، حيث انحسرت عنها الأضواء إلي العواصم الجديدة في دمشق والفسطاط والكوفة والبصرة وبغداد فأصبحت تعيش علي المجد القديم الذي كان لها في عصر النبي محمد عليه السلام والصحابة ، ولهذا تخصصت في علم المغازي أو غزوات الرسول وتاريخ الخلفاء الراشدين لأنه في الحقيقة تاريخها الشخصي ، ثم برز ذلك في الفقه المالكي فأصبح ترجمة وانعكاسا لأحوال أهل المدينة النفسية والتاريخية والاجتماعية .

3 ـ هذا في الوقت الذي كان فيه أبو حنيفة في مذهبه الفقهي تعبيرا عن مجتمع العراق المفتوح المتعدد الثقافات والأجناس ، لذلك تطرف الفقه الحنفي في الاجتهاد إلي درجة التحايل علي النصوص فيما يعرف بفقه الحيل . فقه الحيل أو التحايل على الحكام الشرعية أوجد رد فعل مناقضا في ظهور مذهب فقهي جديد يعادي ذلك التطرف بتطرف عكسي وهو المذهب الحنبلي والمذهب الظاهري ، وكلاهما ـ مع بعض الاختلاف ـ يتمسك بالنصوص ويلتزم بها ويعلي من شأن أقاويل السلف والأحاديث .

4 ـ وفي الأندلس في عصر ملوك الطوائف كان حول كل ملك طائفة من الفقهاء تفتي له بما يريد وتتفنن له في فقه الحيل مما حدا بابن حزم الى االثورة عليهم وإقامة المذهب الظاهري في الفقه الذي يتشدد في الوقوف مع النص ضد محاولات التأويل والتعطيل..

5 ـ وهكذا كان الفقه في عصور الأئمة معبرا عن الظروف التي عاش فيها صاحب المذهب الفقهي. ومن الطبيعي أن يحاول كل مذهب تأييد آرائه بالأدلة والأحاديث . وفي النهاية فالاختلاف قائم لأنه اختلاف يقوم علي أساس الظروف الاجتماعية والمحلية والشخصية ، وذلك كله تطور طبيعي في مسيرة المجتمعات البشرية وفي التاريخ الديني للأديان الأرضية التى يملكها اصحابها وتعبر عنهم .

6 ـ وهنا يبرز الفارق بين الدين السماوى والدين الأرضى ،
فالدين السماوى نزلت فيه الكتب و الشرائع السماوية ، واختتمت بالقرآن العظيم . وكلا نبى له كتاب واحد وحيد ، لم يقل أى نبى أو رسول من رسل الله إن معه كتاب وسنة ، بل هو كتاب واحد يستمسك به ذلك النبى ويعانى من أجله هو والمؤمنون معه، ثم تتغير الأحوال فيما بعد ، ويأتى من يقيم أديانا أرضية على أنقاض الدين الالهى بزعم الوحى الالهى ، وفى هذه الأديان الأرضية يتحول فيها النبى ومن حوله الى آلهة ، ويستلزم الأمر مبعث نبى جديد يصحح المسيرة ويكرر نفس ما قيل قبل ذلك فى الرسالات السماوية ، ويموت النبى وتتكرر نفس القصة ، الى أن جاء خاتم الأنبياء بالقرآن المحفوظ حجة على الناس الى قيام الساعة.
ولكن تكررت نفس القصة وأنشأ المسلمون أدينا أرضية من سنة الى تشيع وتصوف ، بل وأصبح لكل دين أرضى شريعته التى تعبر ليس فقط عن أصحاب ذلك الدين وأئمته بل أيضا تعبر عن شخصية كل إمام ومستواه العقلى وظروفه الاجتماعية والجغرافية ، ولذلك يقعون فى الخلاف بين كل دين أرضى وآخر ، بل داخل كل دين أرضى بمذاهبه وطوائفه و فرقه وتياراته. ويظل كل دين أرضى مفتوحا على مصراعية دون اكتمال يقبل التغيير وتكوين مذاهب جديدة أو إنفصال مذهب عن أصله واستقلاله بدين جديد.

7 ـ الكتاب السماوي ينزل من السماء لإصلاح أهل الأرض ولا يكون بالتالي متأثرا بظروف أهل الأرض ولكن يبغي السمو بهم والتأثير فيهم.
أما الدين الأرضى فهو الذى يعكس ملامح أصحابه ، ولأنه يريد استغلال الدين الالهى واسمه وكتابه السماوى فان أئمة الدين الأرضى يتجهون الى الكتاب السماوي بهدف تشكيله حسب ظروفهم وأهوائهم ، بالاضافة اليه ( مثل صناعة الأحاديث الكاذبة ) أو الحذف ( مثل اسطورة النسخ ) والتحريف (مثل قولهم القرآن حمال أوجه ، والتفسير و التأويل ) وبتلك الوسائل كلها تقام شرائع الدين الأرضى .
هذا مع أن الله تعالى أنزل خاتمة الرسالات السماوية قرآنا منزها عن التحريف حتى لا يستطيع أصحاب الأديان الأرضية تغييره، وتخيل لو أوكل الله تعالى للأزهر حفظ القرآن لما وجدنا معنا سوى أساطير البخارى و الشافعى والغزالى و الشعرانى .

8 ـ كان النبي محمد عليه السلام مستمسكا بالقرآن حتى اعترفوا هم بأنه كان خلقه القرآن ، وكانت سنته هي التطبيق التام لأحكام القرآن وفق المتاح من ظروف عصره . ثم حدثت فجوة بين أحكام القرآن وأهواء الناس واحتاجت تلك الفجوة إلي مسوغ تشريعي فقامت الأديان الأرضية بهذا الدور ، ولا تزال . وقام كل دين منها بكتابة الصيغة القانونية التشريعية المعبرة عن ثقافة وقتها ، ومن الطبيعي أن تختلف الروشتة التشريعية من مذهب إلي آخر ، بل من شيخ إلي آخر ..
وأخيرا ، ومن بين أحضان الدين السنى ظهر التيار الديني في عصرنا ينادي بتطبيق الشريعة السنية التى تم تأليفها فى العصور الوسطى على أساس الاختلاف. إن العبارة الذهبية فى ذلك الفقه السنى التى تعلمناها فى الأزهر :كلمة ( إختلف فيه العلماء ) ولقد أختلفوا فى كل شىء ، ولم يتفقوا إلا على الاختلاف ، بل ان الكتاب الواحد تجده يتناقض فى الصفحة الواحدة بأحاديث متناقضة أو فتاوى وأحكام فقهية متعارضة .
ماذا يفعل الاخوان المسلمون بكل هذا التشريع الفقهى (الذى يحمل اسم الاسلام زورا وبهتانا ) والذى يعبر عن عصره وأئمته و يتناقض مع بعضه ؟ هل قاموا بتجديده و استخلاص صورة عصرية منه؟ لا يستطيعون . ولو اقتربوا منه ، وكانت لهم الأهلية العلمية ـ لوقعوا فى اختلاف فقهى وعقيدى ينتهى بهم الى انقسام سياسى وتكفير بعضهم بعضا. لذلك فالأفضل لهم أن يرفعوا فقط الشعار ؛ شعار تطبيق الشريعة ، المفهوم ضمنا أنها شريعة الاسلام ، ولكن الحقيقى أنها شريعة وهمية هلامية مفترضة ، ولكنها لن تخرج عن شرائع العصور الوسطى من الشافعي الى أبن حنبل الى ابن تيمية الحنبلي . شريعة الثعبان الأقرع و قتل المرتد وأخذ الجزية من أهل الذمة و الرجم و قتل تارك الصلاة ، و ضرورة تعبئة المراة فى النقاب ، وحق الخليفة فى قتل ثلث الرعية لاصلاح حال الثلثين .!!
ولقد عاش المسلمون تلك العصور ومعهم تلك الوصفات التشريعية التي سوغت الظلم واستبداد الحكام فازدادوا بها خسارة فى الدنيا والآخرة .
وذلك بالضبط ما يريده بنا الاخوان المسلمون ؛ يريدون إحياء تلك الوصفات التشريعية السامة وتطبيقها علينا فى عصر الحرية و الديمقراطية وحقوق الانسان وحقوق المواطنة ..






#أحمد_صبحى_منصور (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- النبى نفسه لا يجسد الاسلام .. فكيف بالمسلمين ؟
- بين تجربة الحوار المتمدن وتجربة رواق ابن خلدون
- الخلط بين الاسلام و المسلمين
- لقرآن الكريم ليس حمّال أوجه
- طوبى للمضطهدين فى الأرض
- هذا العلمانى الضحية ..صريع السلفية ..!!
- فى اصلاح الأقباط
- صراع الأصوليات
- التبرك ببول شيخ الأزهر
- فى اصلاح الثمارالسامة لثقافة التطرف الوهابية فى مصر
- دمقرطة الاخوان المسلمين
- حكاية أول عيد للفطر فى القاهرة
- الإعجاز العلمى ومعجزات داود وسليمان عليهما السلام
- المرأة العاملة فى قصة موسى عليه السلام
- ابن الحاج العبدرى ينتقد الغش فى اسواق القاهرة المملوكية
- حزب الله وحزب الشيطان
- فى الرد على شيخ الأزهر ووزير الأوقاف .
- منكرو الأعجاز العلمى للقرآن وقضية التدرج العلمى
- جدلية الإعجاز العلمى فى القرآن الكريم
- المنهج القرآنى للفكر الاسلامى


المزيد.....




- بالفيديو.. مستوطنون يقتحمون الأقصى بثاني أيام الفصح اليهودي ...
- مصر.. شائعة تتسبب في معركة دامية وحرق منازل للأقباط والأمن ي ...
- مسئول فلسطيني: القوات الإسرائيلية تغلق الحرم الإبراهيمي بحجة ...
- بينهم طلاب يهود.. احتجاجات مؤيدة للفلسطينيين تهز جامعات أمري ...
- أسعدي ودلعي طفلك بأغاني البيبي..تردد قناة طيور الجنة بيبي عل ...
- -تصريح الدخول إلى الجنة-.. سائق التاكسي السابق والقتل المغلف ...
- سيون أسيدون.. يهودي مغربي حلم بالانضمام للمقاومة ووهب حياته ...
- مستوطنون يقتحمون المسجد الأقصى في ثاني أيام الفصح اليهودي
- المقاومة الإسلامية في لبنان .. 200 يوم من الصمود والبطولة إس ...
- الأرجنتين تطالب الإنتربول بتوقيف وزير إيراني بتهمة ضلوعه بتف ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - أحمد صبحى منصور - شريعة الله وشريعة البشر