|
القمار، ثقافة الهوس بالثراء
محسن الذهبي
الحوار المتمدن-العدد: 2130 - 2007 / 12 / 15 - 02:59
المحور:
الادارة و الاقتصاد
كازينوهات القمار تتسلل الى البيوت عبر التلفزيون والكمبيوتر، وشعوب بكاملها مدمنة على العاب الحظ. منذ ان تستيقظ صباحا و حتى تذهب الى الفراش فانك محاصر بالعديد من الاشياء التي تغريك، بل قد تجرك رغما عنك الى عالم اقل ما يقال عنه مثير؛ انها المقامرة. ما ان تشغل التلفزيون حتى تتساقط على راسك المغريات بالمقامرة وكسب الاموال الطائلة باسهل الطرق، وما ان تتصفح مجلة او جريدة حتى تتسابق عيناك لاخبار الذين كسبوا الملايين بضربة حظ واحدة. اما اذا شغلت حاسبك الشخصي فلن تسلم ابدا من رسالة تصل الى بريدك الالكتروني تبشرك بانك ربحت الملايين دون ان تدري او تتصل باحد وما عليك الا الاتصال وارسال معلوماتك الشخصية او صورة جواز سفرك وفقط مبلغ زهيد هو عدة مئات من الدولارات اجور نقل ومحاماة وخلافه. وهكذا قد تنطلي عليك اللعبة وتقع ضحية الاحتيال. او تصلك دعوة لقضاء وقت ممتع في كازينو قمار تلعبها وانت مسترخي في بيتك ووراء حاسبك الشخصي عبر الاف المواقع للمقامرة الالكترونية، بل لن تستغرب ان يكون ثلاث ارباع بريدك عبارة عن نشرات ودعوات واعلانات دعاية لعشرات الاشكال من انواع المقامرة. بل لا تستغرب ان يتصل بك احدهم دون ان تعرفه ويدعوك لزيارة موقع مقامرة او يقدم لك عرضا مغريا جدا.
كل هذا واكثر وانت لم تخرج من بيتك بعد. فما ان تخرج حتى تغرق حتى اذنيك بانواع المغريات المضيئة والملونة وصور الحسناوات يدعونك انت شخصيا بالتمتع بالمقامرة والفوز. وما ان تدخل اي محل صغير او كبير حتى تجد انواع يصعب حصرها من المقامرة في اوراق اليانصيب وارقام الحظ وبطاقات الحظ الملونة تكشطها فتربح، ناهيك عن محلات مراهنات السباق على كل شيء من الخيول الى كرة القدم والسيارات و الكلاب وغيرها. ثم هناك وفي اغلب المحلات والمطاعم مكائن اللعب باشكالها التي لا تعد. فقد قدرت المجلة الدولية للمقامرة العامة مؤخرا ان هناك 4632 وسيلة مقامرة شرعية وان 603 انواع من اوراق اليانصيب الرسمية في 102 بلد في العالم والتي تزيد جوائزها عن ربع مليون دولار، كل هذا ولم تصل الساعة الرابعة مساء حتى تفتح صالات القمار ابوابها فتعمر موائدها الخضراء باللعاب الورق وتدور دواليب الروليت على افراغ الجيوب من كل ما فيها من اموال بسهولة ويسر.
اما اذا ذهبت في سفرة سياحية فستجد نفسك حتما في مدن الملاهي وهناك يتفننون في اغرائك.
يقول جون هاورد رئيس وزراء استراليا السابق ان اكثر من 290 الف استرالي لديهم مشكلة المقامرة وهم مسؤولون عن خسارة اكثر من 3 مليار دولار سنويا، مما سبب مشاكل لمليون ونصف شخص تأثروا بهم بشكل مباشر نتيجة الافلاس والانتحار والطلاق ومشاكل العمل.
وتقدر الاحصاءات الصادرة عن قسم الادمان بكلية الطب في جامعة هارفرد ان هناك 7,5 مليون راشد امريكي و7,9 مليون مراهق يعالجون سنويا من امراض المقامرة فيما اكدت اللجنة الوطنية لدراسة تأثير المقامرة في تقرير احيل الى الكونغرس الاميركي ان عدد الذين لديهم مشاكل المقامرة قد يصل الى ضعف العدد السابق.
ان مئات الملايين حول العالم لديهم وجهة نظر في المقامرة قد تختلف من بلد لاخر، فقد اظهر استطلاع تم في عام 1999 ان المقامرة لم تكن فعلا مشينا لدى ثلثي الامريكيين بل شكلا من اشكال التسلية غير المؤذية نسبيا والسبب هو النشوة التي يحققها الربح وساعات اللهو التي يقضوها في تلك الممارسة بالاضافة الى الاثارة التي تخرج الفرد من برودة الحياة المحيطة والوحدة الفردية التي يعيشها الكثير في البلدان المتقدمة مما دفع الامريكيين لانفاق ما يقدر بنحو 120 مليار دولار خلال عام 2005 على المقامرة المشروعة فقط في حين لم يتجاوز انفاقهم اكثر من 50 مليار عام 1998 وهذا اكثر مما انفقوا على تذاكر السينما والالعاب الرياضية بكل جمهورها العريض وتنوعها والموسيقى المسجلة ومدن الملاهي والعاب الفديو كلها مجتمعة.
اما في استراليا فقد قدرت دراسة حديثة عدد الذين قاموا بالمقامرة في سنة واحدة بنحو 80% من سكان استراليا لمرة واحدة على اقل تقدير، و40% قامروا كل اسبوع، ويقدر انفاق الفرد على المقامرة باكثر من 400 دولار سنويا. وهذا يفوق ما يصرفه الاوربيون او الامريكيون بنحو الضعف وبذلك يحتلون مركز الصدارة مما يجعلهم اكثر الناس ولعا بالمقامرة.
ويدمن سكان بعض البلدان على نوع معين من المقامرة. ففي البرازيل يشترون بطاقات اليانصيب ويصرفون ما يقدر بنحو 4 مليار دولار سنويا عليها. كما في دول اوربا اذ بلغت قيمة الجائزة 180 مليون يورو لليانصيب الاوربي الموحد وللسحبة الواحدة، وفي بريطانيا تباع نحو 12 مليون بطاقة يانصيب ولمرتين في الاسبوع الواحد مما اضاف اكثر من 2000 مليونير لقائمة اصحاب الملاين البريطانيين منذ عام 1994. اما ايطاليا فتعد الرائدة في هذا المضمار اذ بدأ اول يانصيب في العالم سنة 1530 اي قبل ما يقارب من خمسة قرون.
وتنتشر الان دور المقامرة بشكل رسمي في دول الكتلة الشرقية السابقة. فبعد سقوط الاتحاد السوفيتي ونظام الحكومات الشيوعية سادت المقامرة تحت رعاية اعتى عصابات الاجرام والمافيات. ومع عدم وجود احصائيات رسمية، الا ان الواقع يقول ان ملايين الدولارات تنفق هناك على امل الغنى والخروج من نفق النمط الاشتراكي الى اقتصاد السوق، مما حدا بالسلطات الصينية ان تسمح لاول مرة لشراء اوراق اليانصيب سنة 1986 بعد الانفتاح الاقتصادي على الغرب وعودة هونغ كونغ وهي مدينة المال والمقامرة. وقد انضم فعلا اكثر من 1500 صيني الى قوائم ذوي الملايين بعد فوزهم باليانصيب.
كذلك يقبل الكثير من اليابانيين على لعبة "الباتشينكو" وينفقون مليارات الدولارات في المراهنة اثناء اللعب. وهكذا الحال في جميع دول جنوب شرق اسيا تقريبا ففي تايون مثلا ورغم منع السلطات الرسمية للمقامرة والمراهنات ولكنها تمارس بشكل علني تقريبا وتحت انظار الشرطة المتسترة والمرتشية. فقد القي القبض قبل اشهر على ضابط يتستر على صالة مقامرة مقابل رشوة تقدر بمليون دولار شهريا. وعلى هذا يقاس حجم الارباح والاموال التي تسكب على موائد القمار. وفي امريكا اعتقلت الشرطة أمينة سر مجمع العيادات الطبية في مدينة نيويورك بتهمة سرقة اكثر من 2,3 مليون دولار خلال ثلاث سنوات من حسابات الزبائن والاطباء، وقد اعترفت انها كانت تنفق حوالي 6 الآف دولار يوميا على شراء اوراق اليانصيب من اجل اشباع رغبتها الجنونية في المقامرة والتي لم تربح منها مع كل هذا الانفاق اكثر من 100 الف دولار فقط وقد صرحت للصحفيين بانها تعرف الحكم مقدما مابين 4 الى 12 سنة سجن وانها فرحة لانها ستترك المقامرة طيلة هذه السنوات.
ومن المفارقات ان يفوز احد ائمة المساجد في اسطنبول بجائزة اليانصيب والبالغة قيمتها ترليون ونصف الترليون ليرة تركية. وحين سئل عن الجدل في حرمة اليانصيب قال انه حرام شرعا ولكن الديون التي تثقل كاهله هي السبب. ورغم استشارة زوجته التي رفضت هذا الحرام الا انه احتفظ بباقي المبلغ بعد ان سدد ديونه مما حدا بالزوجة ان تهجره فتزوج بواحدة تصغرها وترك الامامة.
ان تغيير النظرة تجاه المقامرة هو النتيجة الحتمية والمباشرة للوقوع تحت تأثير قوة وعنف الحملات الاعلانية التي تروج لها اذ كانت في ما مضى تعد آفة اجتماعية وأخلاقية لكنها اليوم مجرد تسلية يقبلها المجتمع ويتمسك بممارستها رغم ما تسبب من اضرار صحية وخسارة الوظائف والاعانات المدفوعة للعاطلين وجرائم الناتجة عنه كالسرقة والاختلاس والانتحار.
#محسن_الذهبي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مدريد تفخر بنصب تذكاري للشيطان
-
ا لضوضاء تتلاعب بالمزاج العاطفي
-
الامية ... الاستغلال البشع للطفولة
المزيد.....
-
جلفار تبيع صيدليات زهرة الروضة في السعودية بـ444 مليون ريال
...
-
مؤشر الأسهم الأوروبية يسجل أسوأ أداء شهري في عام
-
السعودية توقع مذكرات تفاهم بـ51 مليار دولار مع بنوك يابانية
...
-
موديز: الاستثمارات الحالية غير كافية لتحقيق الأهداف المناخية
...
-
منها حضارة متعددة الكواكب.. ما أسباب دعم ماسك ترامب بملايين
...
-
هاتف شبيه الآيفون.. مواصفات وسعر هاتف Realme C53 الجديد.. مل
...
-
القضاء الفرنسي يبطل منع مشاركة شركات إسرائيلية في معرض يورون
...
-
لامين جمال يوجه سؤالا مثيرا لنجمة برشلونة بعد تتويجها بالكرة
...
-
وزارة الكهرباء العراقية وجنرال إلكتريك ڤ-يرنوڤ-ا
...
-
عملاق صناعة السيارات فولكسفاغن وأزمة الاقتصاد الألماني
المزيد.....
-
الاقتصاد المصري في نصف قرن.. منذ ثورة يوليو حتى نهاية الألفي
...
/ مجدى عبد الهادى
-
الاقتصاد الإفريقي في سياق التنافس الدولي.. الواقع والآفاق
/ مجدى عبد الهادى
-
الإشكالات التكوينية في برامج صندوق النقد المصرية.. قراءة اقت
...
/ مجدى عبد الهادى
-
ثمن الاستبداد.. في الاقتصاد السياسي لانهيار الجنيه المصري
/ مجدى عبد الهادى
-
تنمية الوعى الاقتصادى لطلاب مدارس التعليم الثانوى الفنى بمصر
...
/ محمد امين حسن عثمان
-
إشكالات الضريبة العقارية في مصر.. بين حاجات التمويل والتنمية
...
/ مجدى عبد الهادى
-
التنمية العربية الممنوعة_علي القادري، ترجمة مجدي عبد الهادي
/ مجدى عبد الهادى
-
نظرية القيمة في عصر الرأسمالية الاحتكارية_سمير أمين، ترجمة م
...
/ مجدى عبد الهادى
-
دور ادارة الموارد البشرية في تعزيز اسس المواطنة التنظيمية في
...
/ سمية سعيد صديق جبارة
-
الطبقات الهيكلية للتضخم في اقتصاد ريعي تابع.. إيران أنموذجًا
/ مجدى عبد الهادى
المزيد.....
|