أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الحركة العمالية والنقابية - عبدالهادي خلف - نظرة على الدور التاريخي لأجور «بابكو»















المزيد.....

نظرة على الدور التاريخي لأجور «بابكو»


عبدالهادي خلف

الحوار المتمدن-العدد: 2120 - 2007 / 12 / 5 - 11:51
المحور: الحركة العمالية والنقابية
    


منذ الطفرة النفطية في سبعينات القرن الماضي، ازداد الاهتمام بمتابعة آثار الاقتصاد الرَيْعي على مجتمعات بلدان الخليج العربية، هذه البلدان ومؤسساتها بما في ذلك نظمها السياسية. ولقد ركزت بعض هذه الدراسات على التنقيب عن الملامح العامة المشتركة بين الدول الريعية في الخليج ومحاولة استشراف احتمالات تطورها في المستقبل[1]. ولقد ناقشتُ في بعض ما كتبتُه في السنوات الأخيرة أسباب تكرار فشل محاولات إنجاز بناء الدولة في البحرين بتداعيات الاقتصاد الريعي بما في ذلك دور السلطة في تنامي تأثير التعاضديات لتكون بديلاً للانتماء الوطني بل وعائقاً له.
بغض النظر عن موقفهم من ‘’الريْع’’ كأداة تحليل يتفق أغلب المهتمين على أنه لا يمكن فهم الواقع السياسي في بلدان الخليج ولا مستقبل تطورها من دون متابعة تأثير النفط، مورداً ومخزوناً وإنتاجاً واقتصادا وعلاقات دولية وإقليمية. إلا أن أياً منهم لا يستطيع الإدعاء أن من الممكن فهم سلوك الدولة في الخليج عبر حصر الاهتمام بهذا الجانب وحده. ليس جديداً هذا الدور المركزي الذي يلعبه النفط في تشكيل مجتمعاتنا وصياغة خياراتها. ولتقدير أهميته التاريخية نحتاج للنظر مثلاً إلى ما كانت عليه أوضاعنا في البحرين قبل اكتشاف النفط. وسأكتفي هنا بالإشارة إلى دور شركة نفط البحرين (بابكو) في تشكيل سوق العمل وزرع اللبنات الأولى التي ستحدد ملامح مجتمع البحرين كما نعرفه الآن. سأركز فيما يلي على دور (بابكو) في إدخال نظام الأجور الحديث معتمداً على معطيات بحثٍ[2] نشرته مجلة ‘’الطريق’’ العام 1980 ضمن عددٍ خاص عن ‘’نشوء وتكوّن الطبقة العاملة في البلدان العربية. معلومٌ انه حتى في فترات ازدهار تجارة اللؤلؤ لم يكن عامل البحر وصيد اللؤلؤ يستلم أجوراً بالمعنى المتعارف عليه. بل كان يستلم سلفةً يقوم بتسديدها حين يُباع المحصول وحين يستلم حصته من ثمن ذلك المحصول. وتتدخل اشتراطات كثيرة وأعراف المهنة في تقليص قيمة المحصول وحصة العامل منها. ولقد ترافق نمط المحاصصة المعتمد في مهنة صيد اللؤلؤ مع نظام توريث الديون مما كان يعني تحويل العاملِ في البحر، غيصاً أو سيباً أو رديفاً أو تباباً، إلى قنٍ يملك قوت عمله وقوت عمل أطفاله ‘’طواشٌ’’ أو ‘’نوخذة’’ لا يرحم. ولم يكن حال قنُّ البحر المثقل بديونه علاوة على ديونٍ ورثها عن أبيه أحسن حالاً من عبدٍ مملوك. فبالنسبة للفئتيْن كانت فترة ما قبل النفط فترة قهر وظلم. ولهذا كانت هاتان الفئتان، العبيد وأقنان البحر، هما أكثر من استفاد من التغييرات التي فرضها الاستعمار البريطاني في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين. ومعلوم أن تلك التغييرات المفروضة والمتعسفة، لكن الثورية في أفقها التاريخي، قد أدت إلى تحريم العبودية بإعلان البريطانيين عن منح صكوك الحرية لكل رقيق يلجأ إلى مقر المقيم السياسي البريطاني. كما أدت إلى إلغاء جباية ضريبة ‘’الرقيبة’’ علاوة على إلغاء توارث الديون مما أدى إلى تحرير الأقنان وأبنائهم من قبضة الفئات المتنفذة.
أدخلت صناعة النفط عنصراً جديداً لم يعرفه الناس من قبل. فلأول مرة يكون صاحب العمل شخصية اعتبارية. وفوق ذلك كانت (بابكو) زرعاً وحشياً ومن دون جذور في المجتمع بل كانت خارجية عنه ومفروضة عليه. ولهذا لم تتصرف (بابكو) مثلما كان يتصرف شيخ القبيلة أو شيخ السوق أو شيخ الدين. ولا هي كانت ابنة طائفة ولا قبيلة أو قرية أو حي.
لم تأتِ (بابكو) بأساليب وأدوات جديدة للإنتاج فحسب، بل أيضاً بنظام عمل غير معهود في تنظيمه وانتظامه وفي ارتكازه على استغلال العمال استغلالاً شموليا وشديداً لكن غير شخصاني. أي من دون النظر إلى خلفياتهم الاجتماعية أو طوائفهم أو أصولهم. كانت تلك عيوب (بابكو) وميزاتها في آن معاً. لقد كان العمل قاسياً وشروطه مجحفة لكنها لم تكن تميز بين عمالها. رغم أن نشاطها اعتمد في بدايته على مقاولٍ لتوريد العمال وكان هذا يقتطع ما يستطيع من حقوق العمال. إلا أن ما هو ثابت أن الشقاء كان عميماً كما كان قاسماً مشتركاً[3]. ستساهم هذه الخاصية مع عدة عوامل أخرى في تأهيل (بابكو) لتولي دور القابلة القانونية لمجتمع البحرين الذي نعرفه الآن حتى بتشوهاته. صحيح ان (بابكو) لم تكن أول شركة أجنبية ذات طابع حديث تعمل في البحرين، إلا انها تميزت عما سبقها بحجمها وبتغلغلها في نسيج المجتمع. وتكفي الإشارة هنا إلى أن (بابكو) كانت في منتصف القرن الماضي تستخدم بشكل مباشر أو غير مباشر ما يقارب 40% من قوة العمل في البحرين آنذاك[4].
من بين أهم ما أدخلته (بابكو) هو نظام الأجور المنتظمة الذي سهل نشوء عدة ظواهر جديدة استندت على حصول العمال على جزء من ثمرات عملهم في صورة أجور ثابتة ومنتظمة ومحددة مسبقاً. سيكون لتوافر الأجر النقدي الثابت والمنتظم انعكاساته في نشوء سوق استهلاكية محلية ستتمكن من النمو مستفيدة من السيولة النقدية التي توفرها أجور العاملين في (بابكو)، والمهن المترافقة معها أو التي نمت في ظلها. كما ستستفيد هذه السوق من استثمار الحكومة لجزء من حصتها من عوائد النفط عبر نمو الجهاز الحكومي وتزايد الوظائف فيه وعبر الإنفاق على البنى التحتية والخدمات الصحية والتعليمية.
ومن بين الانعكاسات الاجتماعية الأخرى لنظام الأجور الحديث يبرز التفتيت التدريجي للعائلة الممتدة لتأخذ مكانها الأسرة النووية التي نشأ فيها أغلب الجيل الحالي. كما يندرج فيها إضعاف مصادر السيطرة الأبوية ضمن العائلة مما سهل استقلال الأبناء والبنات الذين استفادوا أيضاً من اتساع الخيارات التي أتاحها التوسع في التعليم وتكاثر فرص العمل، وخصوصاً في (بابكو) نفسها وفي الحكومة.
جلبت صناعة النفط علاقات وشروط عمل حديثة بما في ذلك العمل المنتظم ومحسوب الوحدات، أجراً وتوقيتاً وإنتاجاً. كما إنها بذرت البذور الأولى لطبقة عاملة محلية ناشطة وكفاحية. فحول هذه الطبقة وعلاقتها بأصحاب الأعمال ستتمحور التطورات السياسة التي ستشهدها البلاد في العقود الأربعة التالية أي إلى منتصف السبعينات وبداية الطفرة النفطية حين بدأ دور هذه الطبقة المحلية في الاضمحلال. وهنا أيضاً يلعب اقتصاد الريْع دوره. إلا ان لذلك قصة أخرى.

[1] انظر على سبيل المثال المساهمات المختلفة في: عبدالهادي خلف وجاكومو لوشياني (محرران): ‘’الاصلاح الدستوري والمشاركة السياسية في منطقة الخليج’’، مركز الخليج للابحاث، دبي .2007
[2] أنظر ، ‘’النفط والحركة العمالية في الخليج - المثال البحراني’’، الطريق، العدد 3-,1980 ,4 الصفحات 259-.280
[3] أحيل المهتمين بهذا الجانب في موروثنا الشعبي إلى قصيدة ‘’مناظرة بين الغوص ومنابع النفط’’. وهي قصيدة طويلة كتبها الملا عطية بن علي الجمري في العام 1353 هجري، أي في السنة الثالثة من بدء عمل بابكو.
[4] انظر مقالي: ‘’حول ملابسات قيام أول تنظيم نقابي في الخليج’’، الطريق، العدد ,1979 ,38 ص .104



#عبدالهادي_خلف (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ملاحظة حول ملكية دستورية حقيقية..غير مملكة غير و غير
- البحرين : بين الجد و الهزل
- الشهيد مزاحم عبدالحميد الشتر: اختلف فيك الطائفيون!
- أزمة الإصلاح السـياسي في البحريْن
- مداخلة للدكتور عبدالهادي خلف في نــدوة الامتيازات و حقوق الإ ...


المزيد.....




- تغير المناخ يهدد صحة أكثر من 70% من عمال العالم..ما أبرز 6 م ...
- سجل الان و استفيد منها.. شروط منحة البطالة 2024 عبر موقع الو ...
- مصر ترفع أسعار الخبز ومواطنون يشكون الغلاء
- شوف مرتبك بعد الزيادة.. موعد صرف رواتب المتقاعدين بالجزائر ب ...
- “وزارة المالية” تُعلن.. زيادة رواتب المتقاعدين في الجزائر بز ...
- مظاهرات حاشدة في شوارع مانهاتن بنيويورك احتجاجا على الحرب ال ...
- “15000دينار جزائري قبل العيد”.. شروط منحة البطالة 2024 عبر ا ...
- 819,000 دينار فوري مصرف الرافدين + أنباء سعيــدة حول سلم روا ...
- البطالة في الأردن عند مستوى 21.4%
- موظفو الإغاثة يحذرون من توقف توزيع المكملات الغذائية بقطاع غ ...


المزيد.....

- الفصل الرابع: الفانوس السحري - من كتاب “الذاكرة المصادرة، مح ... / ماري سيغارا
- التجربة السياسية للجان العمالية في المناطق الصناعية ببيروت ( ... / روسانا توفارو
- تاريخ الحركة النّقابيّة التّونسيّة تاريخ أزمات / جيلاني الهمامي
- دليل العمل النقابي / مارية شرف
- الحركة النقابيّة التونسيّة وثورة 14 جانفي 2011 تجربة «اللّقا ... / خميس بن محمد عرفاوي
- مجلة التحالف - العدد الثالث- عدد تذكاري بمناسبة عيد العمال / حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
- نقابات تحمي عمالها ونقابات تحتمي بحكوماتها / جهاد عقل
- نظرية الطبقة في عصرنا / دلير زنكنة
- ماذا يختار العمال وباقي الأجراء وسائر الكادحين؟ / محمد الحنفي
- نضالات مناجم جبل عوام في أواخر القرن العشرين / عذري مازغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الحركة العمالية والنقابية - عبدالهادي خلف - نظرة على الدور التاريخي لأجور «بابكو»