أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في الخليج والجزيرة العربية - عبدالهادي خلف - أزمة الإصلاح السـياسي في البحريْن















المزيد.....


أزمة الإصلاح السـياسي في البحريْن


عبدالهادي خلف

الحوار المتمدن-العدد: 872 - 2004 / 6 / 22 - 07:25
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في الخليج والجزيرة العربية
    


ترجمة لمحاضرة ألقاها الدكتور عبدالهادي خلف في مقر نادي الخليج الثقافي في لندن بتاريخ في 20 مايو 2004 حول
أزمة الإصلاح السـياسي في البحريْن
مســاء الخير

يسـعدني وجودي بينكم هذه الأمسية فلقد كانت آخر زيارة لي لهذا المكان قبل عامين, و حينها ناقشـت معكم و مع ضيوفكم النقاط الأساسية في ورقة كنت قد قدمتها في مؤتمر الجمعية البريطانية لدراسات الشرق الأوسط .

في تلك الورقة كنت أناقش أطروحة قديمة طرحها صامويل هنتينغنون منذ حوالي 35 سنة ، ألا و هي أطروحته حول " معضلة الملك" . والمقصود المجازى بمعضلة الملك هو مجمل الصعوبات التي يواجهها كل حاكم مطلق حين يسـعى إلى تحديث نظام حكمه و إدخال إصلاحات عليه .

و تتلخص هذه المعضلة الصعبة في كيف يسـتطيع الحاكم الذي ينوى الإصلاح أن يوازن بين أمرين متعارضين في جوهرهما، أي كيف يوازن بين مطالب معارضيه بضرورة الإصلاح و التحديث من جهة و بين الضغوط التي يمارسها مؤيدوه و قواعده التقليدية عليه مطالبين بإبقاء الأمور على حالها . هذه هي معضلة الملك كما وصفها هنتيغتون ، أو إذا شـئتم تعبيراً أكثر قرباً للواقع هي فن المشي على حبل مشـدود و الحفاظ على التوازن في الوقت نفسه.

طرحتُ في تلك الورقة ان الملك البحريني كان وقتها مشغولاً إلى أبعد الحدود في محاولات البحث عن حلٍ يخرجه بأقل الخسائر من ٍ من تلك المعضلة .... و بالذات بدون أن يغضب الحرس القديم ضمن العائلة الخليفية الحاكمة .

و بطبيعة الحال ، فلقد كان واضحا لكل متابع ، أن الأمر لم يكن محصوراً , ببسـاطة, في انتقاء مخرجٍ واحدٍ من بيْن مخرجيْن متسـاوييْن من حيث الكلفة أو من حيث النتائج أو من حيث إنعكاسـاتهما على الملك نفسه أو على مطالب المعارضة أو أوضاع العائلة الخليفية. لقد كان لكل من المخرجيْن المتاحيْن كلفته المتميزة و نتائجه و إنعكاسـاته.

و للأسـف الشـديد ، رأينا في نهاية الأمر إن جلالته لم يتمكن من تحقيق طموحه في أن يصبح ملكاً مصلحاً كما كنا جميعاً نتمنى .

و لقد رأينا بعض إنعكاســات ذلك في ظلال التشـاؤم التي خيّمت على الاحتفالات المتواضعة بالذكرى الخامسـة لاعتلاء جلالة الملك عرش البلاد قي مارس الماضي. و مصدر تلك الظلال التشـاؤمية هو الأقاويل التي تتردد في بعض صفوف المعارضة حول إن جلالته, هو نفســه, لم يعد , كما كان في البداية, متحمسـاً لمشـروعة الإصلاحي ، أو الأقاويل التي تقرّر إن مســار الأمور قد تحول مرة أخرى إلى يد عمه خليفة بن سـلمان رئيس الوزراء منذ حصول البحرين على اسـتقلالها من بريطانيا عام 1971 و حتى يومنا هذا .

مهما يكن الأمر ، فان هذا يعنى إن تحولاً مثيراً للحزن و الأســف قد إعترى مسـيرة شـخص شــديد الطموح والجاذبية اسـتطاع من تســنمة مسـئولية حكم البلاد في مارس 1999 أن يقنع أغلب معارضيه بأن يدعموه و يدعموا مرئياته حول الإصلاح في البحرين رغم إن تلك المرئيات كانت مشــوّشــة في جلّها و غير واضحة المعالم. و هو صاحب المبادرات و المكرمات الذي إستطاع حين طرح خطته الإصلاحية المتمثلة في بنود ميثاق العمل الوطني للاسـتفتاء الشعبي في فبراير 2001 ، أن يضمن حصولها , أي تلك الخطة كما معروف, على موافقة ما يزيد على 98% من أصوات النســاء و الرجال ممن شـاركوا في الاسـتفتاء .

كانت نسـبة التأييد المذهلة تلك انعكاسـاً حقيقياً للتوقعات و الآمال الشـعبية بأن جلالته سـيلتزم بما ألزم نفسـه به من وعود بالإصلاح ، بما في ذلك تخفيف القيود المفروضة على حرية التعبير و التنظيم و إلغاء قرارات منع السـفر المفروضة على المعارضين ، و إلغاء قانون أمن الدولة و تفرعاته ، و إعطاء المرأة حقوقها كاملة كمواطنة .

في البداية ، و لبعض الوقت فقط ، كانت الأمور تسـير سـيراً يبشـر بالخير و قام جلالته بعدة مبادرات تاريخية و أصدر بالفعل قرارات العفو مما أدى إلى عودة المبعدين السـياسيين إلى البلاد ، إخلاء السـجون من المعتقلين السـياسيين .

لا شـك أن ذلك كله كان إنجازا مبهراً حققه حاكمٌٍ إتهمه بعض معارضيه , في البداية , بالتردد و عدم القدرة على حزم أمره. فبالفعل بدا الشـيخ حمد طوال السـنتين الأولييْن من فترة حكمة حريصاً أبعد الحرص على إرضاء جميع الأطراف. و حين نســـتعيد مضامين خطبه في تلك الفترة نلاحظ إنها كانت مطرّزة بعناية واضحة بالكثير من الكلمات الكبيرة التي يتوقع المرء سـماعها من حاكم مطلق يعد عدته لبدء مســيرة الإصلاح .

و لعل في هذا ما يفسـر أن كثيرين من أبناء العوائل الحاكمة في بلدان خليجية أخرى أخذوا ينظرون إلى البحرين كنموذج يسـتحق الاحتذاء به . و مع أن هؤلاء ، فيما عدا السـعوديين , لا يبدون على عجلة من أمرهم فيما يتعلق بإصلاح الأوضاع الداخلية في بلدانهم إلا انهم جميعا عبروا ، و بطرق مختلفة عن نواياهم الإصلاحية ، بما في ذلك إعطاء دور سـياسـى أكبر للنخب المحلية .

إلا أن التطورات اللاحقة في البحرين بعد اسـتفتاء عام 2001 سـرعان ما بدّدت روح التفاؤل و أنهت حالة النشـوة العارمة التي غمرت البلاد في بداية قيام جلالته بخطواته الإصلاحية و التصالحية الأولى .

فبعد عام واحدٍ من الاسـتفتاء ، أعلن الشيخ حمد نفسـه ملكاً و أعلن البحرين "مملكة حديثة و ديمقراطية و دستورية" . و في نفس اليوم أصدر جلالته ، من طرف واحد, دسـتوراً جديداً معلناً بذلك نهاية الفترة الانتقالية و نهاية فترة بحثه عن حلٍ غير مكلف لمعضلته الملكية .

ببســاطة, يتمثل الحل الذي تبنّاه جلالة الملك في أنه أختار أن يرصّ صفوف العائلة الحاكمة و أن يدعم القوى المتشــددة فيها وأن يشــاركها رفضها للمطالب المتصاعدة التي كانت تطرحها مجموعات المعارضة الســياسـية .

و هنا تبدأ تصورات جلالته الإصلاحية تتجلى في صورتها الحقيقية الراهنة : نموذجاً باهراً لخطواتٍ و إجراءات إصلاحية لا تتطلب أن تتخلى العائلة الحاكمة عن قيد أنملة من امتيازاتها المتوارثة .

تزداد جاذبية هذا النموذج الذي يقدمه جلالة الملك حمد لأقرانه في المنطقة عن طريق ما يحظى به من مديحٍ يسـبغه عليه بعض القادة الغربيين ، بما في ذلك اشـارات تتكرر حول انهم ينظرون إلى البحرين كنموذج إقليمي على بقية بلدان المنطقة دراســته.

و لسـوء حظ جلالته ، و لســوء حظ شـعب البحرين , فان تلك الجاذبية و ذلك المديح من بعض القادة الغربييين إنما تولدّا بسبب تخليه عن مشـروعة الإصلاحي ، و بسبب إتخاذه مسـاراً معاكسـاً لما التزم به جلالته منذ أن مَحَضَه شـعبه دعماً غير مسـبوق في يوم الاسـتفتاء على ميثاق العمل الوطني.

يسـتطيع المرء أن يخمّن الأسباب التي دفعت جلالته إلي التراجع و إلي اتخاذ المسـار المعاكس للالتزامات التي يضعها ميثاق العمل الوطني على عاتقه . و يسـتطيع المرء أن يخمّن ماذا إذا كان ذلك قد تم نتيجة لقراءة ما للواقع أو أنه تم تحت ضغط الحرس القديم في العائلة الحاكمة و على رأسها عمه رئيس الوزراء .

إلا أن الحقيقة تبقى أن الدستور الجديد ( فبراير 2002) قد وضع قيودا عدة على البرلمان و على قدرته على القيام بأي دور جدي في موازاة السـلطة التنفيذية .

ينقسـم البرلمان حسب الدسـتور الجديد إلى قسـمين لهما مهمات متقاربة – مجلس للنواب ينتخبه المواطنون ، و مجلس للشـورى يعينه الملك . و يتيح الدسـتور للنواب أن يتقدموا بالرغبات و أن يعدوا اقتراحات و مسـودات القوانين ، و لكنه يحصر في أيدي الحكومة وحدها حق طرح مشـاريع القوانين على التصويت. و كصمام أمان إضافي يحتفظ الملك , منفرداً , بسلطة الفصل المبرم في أي خلاف تشـريعى .

و يمنع أحد المراسـيم الملكية البرلمان من مناقشـة أي أمر أو إجراء قامت به السـلطة التنفيذية في أي وقت سـابق ليوم 14 ديسـمبر 2002 ، أي تاريخ انعقاد الجلسـة الافتتاحية للبرلمان .

و حسـب الدسـتور الجديد فان الملك هو "رأس الدولة ، و الممثل الاسـمى لها ، و ذاته مصونة لا تمس ، و هو الحامي الأمين للدين و الوطن و رمز الوحدة الوطنية" . و جلالته هو وحده المختص بتعيين رئيس الوزراء و الوزراء ناهيك عن السفراء و المحافظين و القضاة و أعضاء مجلس الشـورى و أعضاء المحكمة الدستورية وقادة القوات المســلحة و الأمن و الحرس الوطني ، و هو وحده من يختص بإعفاء كل هؤلاء من مناصبهم . و لجلالته حق اقتراح القوانين و تعديلها, وفوق ذلك فله أيضاً حق إبرام المعاهدات مع الدول الأخرى دون الحاجة إلى موافقة البرلمان. و هو كما أشـرنا أعلاه ، صاحب القول الفصل في أي خلاف تشـريعى أو بين السـلطات الأخرى .

و لعل في هذا بعض ما يفســر إشارة اللورد أفيبرى ، و هو أحد المهتمين بمتابعة تطورات الأوضاع في البحرين ، إلى إن اتسـاع السـلطات التي يتمتع بها العاهل البحريني تجعله موضع حسـد الكثيرين من الحكام مطلقي الســلطة , بمن فيهم ملوك عهود الاستبداد في أوروبا أبان القرون الوسـطى .

في ظل هذا الدسـتور ، جرت في 14 أكتوبر عام 2002 أولى الانتخابات البرلمانية في البلاد منذ عام1973 . و سـاهمت دعوة أربعة مجموعات سـياسـية معارضة إلى المقاطعة في أن تصبح نسـبة المشـاركة (4 ,53 % ) باهته جداً إذا ما قورنت بنسـبة المشـاركة التي فاقت التسـعين في المائة أثناء الاسـتفتاء على ميثاق العمل الوطني قبل ثمانية عشر شــهراً.

و ضعت مقاطعة الإنتخابات ، و ملابسـات تلك المقاطعة و تداعياتها ، نهاية للتوقعات المفرطة في التفاؤل بإمكان إنجاز العملية الإصلاحية بسـرعة و بسـلاسـة . إلا أن ما كان يثير القلق حقاً هو أن قرار المقاطعة كان جزءً من مجموعة اشـارات بأن البلاد قد وصلت إلى مشـارف أزمة سـياسـية و دســتورية .

و مما زاد من شدة حالة التشـاؤم إنتشــار الإقتناع لدى بعض قيادات العارضة إن قرار جلالته بالعودة أدراجه عن خط الإصلاح هو قرار نهائي. مرةٌ أخرى لا يملك المراقب إلا التخمين : هل غير الملك رأيه بنفسـه ، أم انه وقع تحت ضغوط الحرس القديم ضمن العائلة الحاكمة .

لا تنحصر المشـكلات التي تواجه البحرين فقط في النتائج المترتبة عن قيام جلالته و بشـكل منفرد بصياغة الدسـتور الجديد و إعلانه . ( فالمسـألة ليسـت محصورة بشـكليات و رمزيات الممارسـة السـياسـية ، فمع إقرارنا بأهمية هذه الشـكليات و الرمزيات بالنســبة للكثيرين من قادة المعارضة و بالنسبة إلى مستقبل الممارســة الســياسية في البلاد , إلا أن أغلب الناس تعرف إن هناك طرق عديدة لمعالجتها إذا ما حسـنت النوايا ) .

تواجه البحرين ما تواجههه الآن بسبب وقوع مســيرة جلالته نحو الإصلاح في عدد من العثرات و الكبوات. و يعود بعض هذه العثرات و الكبوات إلى ثقة جلالته البالغة في قدراته التكتيكية ، بينما يعود بعضها الآخر إلى أخطاءٍ في الحسـابات و في قراءة الوقع، أو إلى مشـورةٍ فاسـدة أو إلى الاســتعجال أحياناً و التردد أحياناً أخرى.

و في تصوري فإن ما تولد عن تلك العثرات و الكبوات من نتائج ســـاهم في تعقيد الأزمة التي يعانى الآن منها مشـروع الإصلاح السـياسى في البحرين .

سـأسـتعرض فيما يلي بعض الأمثلة على ما أسـميه عثرات و كبوات إعترضت مسـيرة مشروع الإصلاح السـياسى في البحرين و حرفته عن مســاره الأصلي.

أولا : قيام جلالة الملك بإصدار مرسوم العفو عن موظفي الدولة، و بخاصة ضباط جهاز الأمن ، من المتهمين بجرائم و بانتهاكات لحقوق الانسـان . و لقد حرم هذا العفو العام آلاف المعتقلين السـياسـين و مئات المبعدين السـياسـين و ضحايا التعذيب من حق ملاحقة المتسببين في انتهاك حقوقهم في المحاكم كما حرمتهم من حق الحصول على التعويضات المادية و الأدبية المناسبة . ( و بطبيعة الحال أدى مرسـوم العفو إلى إلغاء كل أمل في إجراء مصالحة وطنية تقوم على محاسـبة الماضي و المسئولين عن الجرائم و الانتهاكات التي ارتكبت فيه بما في ذلك سـقوط عشـرات الشـهداء ) .

ثانيا : مسـألة "التجنيس الجماعي / السـياسى" و الذي بموجبه تم منح الجنسية البحرينية للآلاف ممن تم اجتذابهم في السنوات الأخيرة للعمل في القوات المسلحة و الأمن و الحرس الوطني. و ثمة مؤشـرات مؤكدة أن الجنسية البحرينية منحت أيضا للمئات من مواطني السـعودية حتى من بين من لم تطأ أقدامهم أرض البحرين.

ثالثا : مسـألة الفسـاد المتفشي و المسـتمر, و هو فسـاد يراه كثيرون في صفوف المعارضة متمثلاً في عم الملك نفسـه ، أي خليفة بين ســلمان، رجل البلاد القوى بدون منازع طوال الأربعة عقود الماضية . و لقد شـهدنا مؤخرا كيف تمت إثارة قضايا الفسـاد و سـوء الإدارة و بشـكل دراميتيكى بعد تسـريب الأخبار عن قرب إفلاس هيئة الضمان الاجتماعي و صندوق التأمينات و هما المؤسستان اللتان تديرهما الدولة و تتوليان إدارة و إستثمار إيداعات التقاعد و التأمينات الاجتماعية لغالبية العاملين بأجر في القطاعين الخاص و الحكومي في البحرين. و لقد أدى تسـريب الخبر إلى أحداث ضجة كبيرة و انتشـار مشـاعر الاسـتياء في البلاد .

و كما يعرف المتابعون فلقد تصدّى مجلس النواب إلي هذه القضية ، في جهدٍ كان يمكن أن يؤدى , فيما لو نجح, إلي إزالة صورة المجلس لدى الكثيرين من إنه لا يعدو أن يكون واجهة تزيينية من واجهات النظام . إلا أن الأمور سـارت في الاتجاه المعاكس و كما تريد الحكومة. فبعد إثني عشر شـهرا من التحقيق و المداولات داخل مجلس النواب ، بما في ذلك اسـتدعاء ثلاثة من الوزراء المعنيين للاسـتجواب ، بعد كل ذلك تمت لفلفة القضية برمتها رغم ثبوت أن الصندوقين خسـرا ما قيل انه مئات الملايين من الدنانير و رغم ترجيح احتمال إفلاس الصندوقين بحلول عام 2007 .

و في النهاية لم تســفر تلك المداولات حول إفلاس هيئة الضمان الاجتماعي و صندوق التأمينات و الضجيج المثار قبل بدء تلك المداولات و أثنائها و بعدها إلا عن تأكيد ســوء الأدوات الدستورية التي يتضمنها دستور 2002 كما أدت إلى إزالة جميع إحتمالات تأسيس مصداقية مجلس النواب لدى الناس .

رابعا : التراجع في مجال حقوق الإنسان . فلقد شهدنا طوال السنتين الماضيتين تراجعاً مقلقاً في مجال حقوق الانسـان. و لقد بدا هذا التراجع في البداية بطيئا و محصوراً في قضايا رمزية و على شـكل حوادث متفرقة. و لكن التدهور المقلق ظل مسـتمراً و متزايداً. ففي الشـهور القليلة الماضية شـملت الإجراءات الحكومية اعتقال عدد من الناشـطين في مجال حقوق الانسـان . و تواصلت التهديدات بإعلان جميعات حقوق الإنسان و أنشـطتها غير قانونية ، علاوة على ذلك تم منع إجتماعات عامة كانت جمعيات معارضة سـياسية تنوي تنظيمها ، بل وصل الأمر إلى منع عروض مسـرحية للهواة.

خامسـا : أما العثرة الخامسة فتتمثل في الإصرار على إبقاء الامتيازات الواسـعة التي تتمتع بها العائلة الخليفية الحاكمة ، و هي امتيازات لا تخضع للنقاش العلني أو المسـاءلة و لا ينظمها لا الدسـتور و لا القوانين المرعية.

و يجب التأكيد على إن هذه الامتيازات المتوارثة تشـــكل عقبة جدية بالنسبة لأي إصلاح في المنطقة . و هي تشـــكل في البحريْن المحك الفعلي لمصداقية المشـروع الإصلاحي. و نلاحظ أن جلالة الملك لم يوفر , حتى الآن , لبنات و أبناء العائلة الحاكمة ما يحتاجونه من مسـتلزمات لكي يصبحوا مواطنين مندمجين في البلاد إندماجاً فعلياً و كاملاً. و لا أقصد هنا بالمستـلزمات التي يحتاجها أبناء و بنات العائلة الحاكمة, تلك الأمور الشـكلية من جواز سـفر أو وثيقة الهوية و غيرهما ، بل أقصد مستلزمات المواطنة بمعناها العميق بما فيه الاندماج في المجتمع و مؤسـسـاته و هيئاته و التمتع بما يتمتع به المواطنون و المواطنات من حقوق و ما يتحملونه من واجبات.

و لقد كنتُ قد صغتُ في ندوة عقدتُها بعد عودتي من المنفى إلى البحرين عام 2001 ، شعاراً لم يتم تبنيه للأسف . فلقد دعوتُ وقتها إلى المطالبة بإدماج العائلة الخليفية في الوطن و في المجتمع البحريني. و دعوتُ إلى إعتبار ذلك جزءً من مشروع بناء المواطنة الدســتورية. و لكن دعوتي لم تؤخذ مأخذ الجد وقتها. و تبقى العائلة الحاكمة, للأسف الشــديد, على إصرارها بأن تظل بعيدة عن بقية المواطنين. و لعلنا نلاحظ ذلك, و أن رمزياً , في انعزالها الفعلي في مدينة الرفاع الغربي التي يحظر على بقية المواطنين ، أغنياء أو فقراء ، التملك فيها أو حتى مجرد السـكن فيها .

و الآن و قبل أن أنهى هذا الحديث سأمر على مسألة طرحها الأخ الدكتور سعيد الشهابي عند قيامه بتقديمي لكم , ألا و هي: هل تصلح البحرين أن تكون نموذجاً للإصلاح في بقية دول المنطقة ؟

و جوابي هو أن الإصلاحات السـياسية التي أدخلها صاحب الجلالة هي أفضل ما تتمناه العوائل الحاكمة في بلدان الخليج العربي. فهو نموذج يتيح للنظام أن يبدو إصلاحياً من الخارج ، بينما يُبقي العائلة الحاكمة متمتعةً بجميع امتيازاتها المتوارثة ، بما في ذلك تحكمها المطلق في الموارد الاقتصادية و المالية و أن تبقى مهيمنة على المؤسسات السـياسية و التشريعية و القضائية و أن تحافظ على سيطرتها التامة على القوات المسلحة و أجهزة الأمن . أي أن تبدو للخارج إصلاحية دون أن تقوم بإدخال إصلاح جدي .

و بقدر جاذبيته للعوائل الحاكمة و حرســها القديم فمثل هذا النموذج لا يمكن أن يكون جذاباً لشــعوب المنطقة. فهؤلاء لا بدّ و أن تقلقهم الصعوبات المتزايدة التي يواجهها العاهل البحريني في إقناع شـعبه بجدية توجهاته الإصلاحية .

يحتاج إنقاذ دور البحرين كنموذج للإصلاح في المنطقة إلى اقتناع جلالة الملك بضرورة الدخول مع القوى التي تعارض تراجعه عن ميثاق العمل الوطني في حوار جدي يهدف لا إلى وضع حلول لخلافات تدور حول أمورٍ شــكلية و قضايا إجرائية أو حول تغيير هذه المادة أو تلك في دسـتور2002 أو 1973 ..... بل حوار جدي يهدف إلى تأسيس مصالحة وطنية تتجاوز العثرات و الكبوات التي أشـرت إلى بعضها فيما سبق.

و يحتاج الطرفان ، جلالة الملك و معارضوه, إلى مسـاعدة كل من يســتطيع مسـاعدتهما لكي تصبح البحرين نموذجا يُحـتذي به فعلاً ...نموذجٌ للتحول , بالتراضي, من نظام اسـتبدادي مطلق إلى مملكة ديمقراطية و دسـتورية و مسـتقرة .

أشكركم على حضوركم وأترك الباب مفتوحاً لملاحظاتكم

عبدالهادي خلف



#عبدالهادي_خلف (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مداخلة للدكتور عبدالهادي خلف في نــدوة الامتيازات و حقوق الإ ...


المزيد.....




- مصدردبلوماسي إسرائيلي: أين بايدن؟ لماذا هو هادئ بينما من ال ...
- هاشتاغ -الغرب يدعم الشذوذ- يتصدر منصة -إكس- في العراق بعد بي ...
- رواية -قناع بلون السماء- لأسير فلسطيني تفوز بالجائزة العالمي ...
- رواية لسجين فلسطيني لدى إسرائيل تفوز بجائزة -بوكر- العربية
- الدوري الألماني: هبوط دارمشتات وشبح الهبوط يلاحق كولن وماينز ...
- الشرطة الأمريكية تعتقل المرشحة الرئاسية جيل ستاين في احتجاجا ...
- البيت الأبيض يكشف موقف بايدن من الاحتجاجات المؤيدة لفلسطين ف ...
- السياسيون الفرنسيون ينتقدون تصريحات ماكرون حول استخدام الأسل ...
- هل ينجح نتنياهو بمنع صدور مذكرة للجنائية الدولية باعتقاله؟
- أنقرة: روسيا أنقذت تركيا من أزمة الطاقة التي عصفت بالغرب


المزيد.....

- واقع الصحافة الملتزمة، و مصير الإعلام الجاد ... !!! / محمد الحنفي
- احداث نوفمبر محرم 1979 في السعودية / منشورات الحزب الشيوعي في السعودية
- محنة اليسار البحريني / حميد خنجي
- شيئ من تاريخ الحركة الشيوعية واليسارية في البحرين والخليج ال ... / فاضل الحليبي
- الاسلاميين في اليمن ... براغماتية سياسية وجمود ايدولوجي ..؟ / فؤاد الصلاحي
- مراجعات في أزمة اليسار في البحرين / كمال الذيب
- اليسار الجديد وثورات الربيع العربي ..مقاربة منهجية..؟ / فؤاد الصلاحي
- الشباب البحريني وأفق المشاركة السياسية / خليل بوهزّاع
- إعادة بناء منظومة الفضيلة في المجتمع السعودي(1) / حمزه القزاز
- أنصار الله من هم ,,وماهي أهدافه وعقيدتهم / محمد النعماني


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في الخليج والجزيرة العربية - عبدالهادي خلف - أزمة الإصلاح السـياسي في البحريْن