أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - أزاد أحمد علي - ?كيف عاشت أغاثا كريستي بين عامودا وشاغر بازار















المزيد.....

?كيف عاشت أغاثا كريستي بين عامودا وشاغر بازار


أزاد أحمد علي

الحوار المتمدن-العدد: 2106 - 2007 / 11 / 21 - 11:58
المحور: قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
    


قد تكون معلومة نادرة وخبر يثير الدهشة عندما نعرف أن الروائية الإنكليزية الشهيرة أغاثا كريستي قد عاشت مطولاً في سورية، وكتبت عن تفاصيل تلك المرحلة عند إقامتها, ولم تكتف بالتعبير عن مشاعرها وتوثيق بعض من تفاصيل حياتها اليومية وسيرتها الشخصية في سورية وحسب، وإنما رصدت بعين الروائية الدقيق الكثير من التفاصيل الجغرافية والعمرانية، كما تحدثت عن خصوصية الحياة الاجتماعية في مناطقها الشمالية والشرقية، وفي بعض القرى والبلدات الكردية على وجه التخصيص. لقد عايشت أغاثا كريستي المجتمع، وتعرفت على مكوناته عندما كانت ترافق زوجها العالم الأثري ماكس مالوان، الذي كان بدوره يقوم بأعمال التنقيبات الأثرية في بعض التلال والمواقع التاريخية في الجزيرة الفراتية، وأهم تلك المواقع كان "شاغر بازار" الذي يقع جنوب مدينة قامشلي وشمال مدينة الحسكة، وكذلك عمل في "تل براك" الواقع شمال شرق مدينة الحسكة. وتابع عمله في التنقيب والاستكشاف الأثري في تل أبيض شمال محافظة الرقة.
في الوقت الذي كان ماكس مالوان منشغلا بعمله التنقيبي كانت زوجته أغاثا كريستي تدون تفاصيل تلك الأعمال والرحلات الداخلية في سورية، ومستلزمات العمل، وكذلك استعدادات الرحلات بدءا من لندن عبر أوربا وتركيا وصولاً إلى لبنان. تم سرد كل ذلك في كتاب على شكل مذكرات كان قد نشر بالإنكليزية سابقاً وترجم إلى العربية مؤخرا (1).
توزعت مذكرات أغاثا كريستي على أكثر من عشرة فصول معنونة حسب محتوى الفصل الذي يوضح مرحلة من الرحلة أو مكان الإقامة في سورية، بعضها معنون مثل (التحزيم: في لندن لبدء الرحلة, الخابور والجق جق. استكشاف وادي نهري الخابور والجق جق. شاغر وبراك: التلال اللذان تم فيهما التنقيب, وكذلك عين العروس كمكان أخير للتنقيب في منطقة تل أبيض)
يغطي النص مساحات جغرافية ويتوزع على فترات زمنية متقطعة يتم الربط بينها بأسلوب السرد المباشر, وبالتالي تحكي أغاثا قصة تجوالها وإقامتها في سورية في المرحلة الأولى من نشوء الدولة السورية الفتية، الدولة التي كانت تتشكل في ظل الانتداب الفرنسي، وتحديدا خلال أعوام 1935/1934م.
تقص أغاثا كريستي حكايات عديدة عن علاقتها مع محيطها الريفي الجديد, وكيفية التعامل مع العمال والخدم والنساء، وتكرر معاناتها من عدم معرفتها اللغة العربية, لذلك كانت دائما تستعين بزوجها مالوان الذي كان يلم بالعربية.
سجلت أغاثا كريستي لحظات عن طبيعة الحياة في الجزيرة السورية، والتقطت صوراً لأماكن عديدة للبوادي والسهول ودونتها في الكتاب، إثر تجوالها ومرافقتها لزوجها للبحث عن مكان وتل مناسب للحفريات والتنقيب الأثري، تحكي أجاثا وتبدي شغفها بالطبيعة المحيطة بنهر الخابور:
"من بعد ذلك صعدنا إلى "تل سوار" الواقع على ضفة الخابور اليسرى. المكان مقفر موحش. ليس فيه شيء من الأشياء, لا يقطنه القاطنون حتى أن خيام البدو الرحل لا أثر لها, القمر يطل علينا من السماء. وفي الأسفل نهر الخابور المتعرج على هيئة حرف الـ S في انحناءة هائلة, وأنسام الليل العليلة تنفحنا من بعد حر الهاجرة. كان منظر الطبيعة يخلبني ويأسر مشاعري فأقول: إنه تل رائع فلماذا لا نحفر ها هنا؟ ويرد ماكس في أسى ومرارة وينطق بقراره المحتوم:
- إنه تل روماني.
- ولكنه مكان جميل وجذاب.
- إنني لا أبحث عن الأماكن الجميلة والجذابة, ولكنني أبحث عن بغيتي وعسى أن أعثر عليها.
- وهل تعتقد أنك لن تجد ضالتك المنشودة ها هنا؟ ثم قلت له بتوق شديد, ولهفة: لقد شغفني تل سوار" ص56
ووقع اختيارهم أخيراً على تل شاغر بازار (وأصل التسمية: شكر بازار، أي سوق السكر باللغة الكردية) وفضل ماكس مالوان الحفريات هنالك لرجحان قدمه التاريخي وإقامة الشيخ أحمد القادري في القرية، التي كانت عامرة وكبيرة نسبة لمحيطها الريفي في ذلك الحين. لذلك كان يراهن على تأمين الإقامة الجيدة وعدد كافي من العمال وكذلك الحماية لهم، نظراً لنفوذ الشيخ الديني الكبير في المنطقة. لقد أعجبت أغاثا بالمكان سواء القرية أم التل، وتفاعلت مع عالمها الجديد والساحر: "أتجول بعيداً عن أماكن العمل.....أتجول في الأماكن البعيدة المحيطة بالتل....أجلس بين الأزهار. أتطلع في اتجاه الشمال إلى الروابي والهضاب. ثم أغفو واستسلم لسبات عذب. مجموعة من النسوة آتية من بعيد باتجاهي. إنهن نسوة كرديات وهذه الألوان المبهرجة تدل عليهن, إنهن ينهمكن بين الحين والآخر في الحفر عن جذور بعض النباتات والبقول وقطف أوراق من الكلأ والأعشاب..إنهن يأتين إلي من طريق النحل "من أقرب" المسالك, وها هن الآن جالسات حولي في دائرة" ص 114
لقد عايشت أغاثا كريستي الناس من عمال وبدو رحل وموظفين ونساء ووقفت إلى جانب زوجها ماكس مالوان ليستمر وينجح في عمله. كما ساعدت في الوقت نفسه النساء والأطفال، وكانت أحيانا تقوم بتطيب بعض النسوة والأطفال، وتعطي لهم ما بحوذتها من أدوية وعقاقير.
إلا أن معاناتها الحقيقية كانت في الإقامة في بيت طيني. لقد استأجروا لها بيتاً طينياً في بلدة عامودا، والمشكلة أن الفئران كانت تسكن إلى جوارها وتسبب لها الأرق وعانت هول العيش مع الحشرات: " ما أن أطفئت القناديل حتى اندفعت الفئران بأعداد لا حصر لها من جحورها في الأرض والجدران ... هرعت إلى إشعال قنديل يا للهول الجدران مغطاة بمخلوقات غريبة فاقعة اللون كالصراصير وفأر قد أقعى على حافة سريري وقد أبدى كل اهتمامه لشواربه فهو يلمسها ويفتلها.." ص 100
لقد عانت أغاثا كريستي العيش في هذا الجو الريفي البدائي لحين تم تشييد مبنى طيني مخصص للبعثة في قرية شاغر بازار, في العام التالي, كان المنزل يحقق طلبها، وقد صمم المنزل مهندس بريطاني مرافق للبعثة: "بمزيد من التأثر والتوق التفت عيناي بمشهد دارنا ..إنها تنتصب هناك شامخة بقبتها كمعبد كرس لخدمة قديس مهيب.
قال لي ماكس: إن الشيخ مغتبط بهذه الدار فقد رأيت الشيخ يتبعه رجال من مريديه يلتفون بالدار وينظرون إليها بإعجاب. لقد بددت أموال طائلة في تشييدها, وهي في النهاية ليست لنا إننا مستأجرون وحسب وسوف يؤول أمرها إلى ملكية الشيخ. انسابت السيارة ثم توقفت بعد أن استعمل ميشيل المكابح بطريقته العنيفة "فرجة" فتدفق إلى الخارج كل من كان في البيت. رأينا وجوهاً أخرى جديدة وغريبة"
وهذه الدار التي شيدت بطريقة تراثية من مادة الطين وصممه مهندس بريطاني مرافق لماكس مالوان لم يعد قائما الآن.
إن قراءة مذكرات أغاثا كريستي الممتعة هذه تكشف النقاب عن الكثير من التفاصيل والعلاقات الاجتماعية في منطقة الجزيرة وكذلك تصف الواقع العمراني والبيئة الطبيعية في تلك المرحلة.
ويبدو أن أي قارئ أو باحث لا بد من أن يستنتج الكثير ويستمتع بالتفاصيل التي تتضمنها مذكرات الكاتبة الروائية الإنكليزية الأشهر، لأنها كانت تعرف عن ماذا تتحدث, وتسلط الضوء على زوايا معتمة من واقعنا، وتصف تلك المرحلة التاريخية بدقة.
وقد حملت أغاثا كريستي ذكريات جميلة عن إقامتها في سورية، وكانت شديدة الإعجاب بالحياة التي عاشتها في بيئة المشرق إبان تلك المرحلة فتختتم تجربتها وجانب من حياتها في المذكرات: "إنني أتذكر الآن عامودا والنجار الذي صنع لي كرسيا، ووضع لي المغسلة أمام الباب وحضور الليوتنانت الفرنسي والراهبات لاحتساء الشاي، وأتذكر الحصان الجميل بأرجله الرشيقة، والقط المحترف وماك بوجهه الضئيل... أتذكر النساء الكرديات في شاغر كزنابق مخططة، والشيخ الجليل بهيبته المهيبة ولحيته المخضبة بالحناء، أتذكر الكولونيل راكعا ومعه حقيبته السوداء يولي جل اهتمامه لما يكتشف وقد تردد بين العمال وشاع فيهم بأنه طبيب جاء لمعاينة المرضى والمدنفين... وأتذكر تلا صغيرا غطي سطحه بأزهار الأذريون الذهبي حيث تناولنا طعامنا في يوم من أيام العطل.
أغلقت أجفاني ... أستطيع أن استنشق من حولي روائح الزهور العابقة وشذى الأرض الخصبة ... قلت لماكس: إني أفكر ... تلك هي أروع حياة يمكن للمرء أن يحياها. ص 286

رحلت أغاثا كريستي وزوجها عن سورية ولم يعودا وتوقفت الحفريات الأثرية في تل شاغر بازار طويلاً.
شاغر بازار اليوم:
أما شاغر بازار القرية الكبيرة في تلك المرحلة فقد تراجع عمرانها وانكمشت حياتها الاجتماعية نتيجة لهجرة سكانها إلى مراكز المدن في محافظة الحسكة وإلى دمشق وحلب، وتراجعت لتبقى قرية صغيرة، وتهدمت الدار التي شيدها ماكس مالوان في القرية ولم يعد للمبنى أي أثر, حيث عاد إلى الأرض التي أنشأت منها وتحول المبنى إلى تراب من جديد.
هذا وقد استأنفت في السنوات الأخيرة التنقيبات الأثرية في تل شاغر بازار من قبل بعثة وطنية – أوروبية مشتركة لمتابعة ما قام بها الأثري ماكس مالوان وزوجته أغاثا كريستي. ولقد بينت آخر المكتشفات أن تاريخ الإستطان الأول في التل يعود إلى مرحلة حلف أي إلى حوالي خمسة آلالاف عام ق.م.
ــــــــــــ
1- هكذا عشت في سورية, في شاغر بازار وتل براك وتل أبيض أغا كريستي، ترجمة: توفيق الحسني. دار الزمان، دمشق 2007



#أزاد_أحمد_علي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كم سيطول صمت أكراد إيران؟
- العمارة والقرآن
- مخاطر نمذجة تركيا علمانيا ثم إسلاميا
- الحرب الصليبية الأخيرة
- سانحة أدب من ساحة حلب كتاب نادر لمؤلف كردي غير معروف
- نهاية عصر البترول وانعكاساتها السياسية في مطلع الألفية الجدي ...
- إشكالية علاقة الأكراد الراهنة بالإسلام
- مناقشة لباتريك سيل في آرائه الكردية والتركية
- الإنسان وتراث العمارة الطينية
- الكورد وتيارات الإسلام السياسي في المنطقة
- الطالباني والقيادة السورية في مرحلة الاحتضان السياسي المتباد ...
- إعلان حلب حول التراث المعماري العربي والمعاصرة
- العمارة في العصر الأموي
- الكرد الفيليون من الاستعراب التاريخي إلى سياسة التعريب المعا ...
- معاهدة سيفر ومشروعية استقلال كردستان
- الديمقراطيات الصعبة العراق أولا
- الديمقراطيات الصعبة- العراق أولاً
- أنثروبولوجيا المنزل البغدادي في مقام الجلوس
- سيرة الرماد اضطراب النص بين السيرة الجماعية والإيديولوجية ال ...
- اغاغوك: رواية عن الأسكيمو


المزيد.....




- الطلاب الأمريكيون.. مع فلسطين ضد إسرائيل
- لماذا اتشحت مدينة أثينا اليونانية باللون البرتقالي؟
- مسؤول في وزارة الدفاع الإسرائيلية: الجيش الإسرائيلي ينتظر ال ...
- في أول ضربات من نوعها ضد القوات الروسية أوكرانيا تستخدم صوار ...
- الجامعة العربية تعقد اجتماعًا طارئًا بشأن غزة
- وفد من جامعة روسية يزور الجزائر لتعزيز التعاون بين الجامعات ...
- لحظة قنص ضابط إسرائيلي شمال غزة (فيديو)
- البيت الأبيض: نعول على أن تكفي الموارد المخصصة لمساعدة أوكرا ...
- المرصد الأورومتوسطي يطالب بتحرك دولي عاجل بعد كشفه تفاصيل -م ...
- تأكيد إدانة رئيس وزراء فرنسا الأسبق فرانسو فيون بقضية الوظائ ...


المزيد.....

- الكونية والعدالة وسياسة الهوية / زهير الخويلدي
- فصل من كتاب حرية التعبير... / عبدالرزاق دحنون
- الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية ... / محمود الصباغ
- تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد / غازي الصوراني
- قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل / كاظم حبيب
- قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن / محمد الأزرقي
- آليات توجيه الرأي العام / زهير الخويلدي
- قراءة في كتاب إعادة التكوين لجورج چرچ بالإشتراك مع إدوار ريج ... / محمد الأزرقي
- فريديريك لوردون مع ثوماس بيكيتي وكتابه -رأس المال والآيديولو ... / طلال الربيعي
- دستور العراق / محمد سلمان حسن


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - أزاد أحمد علي - ?كيف عاشت أغاثا كريستي بين عامودا وشاغر بازار