أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - الفاهم محمد - قراءة في فكر هيدغر















المزيد.....

قراءة في فكر هيدغر


الفاهم محمد

الحوار المتمدن-العدد: 2056 - 2007 / 10 / 2 - 00:19
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


هناك ثلاثة ملاحظات يمكن أن نسجلها بصدد فلسفة هيدغر
أولا :يضع هيدغر كمهمة أولى وأخيرة للفكر المقبل مهمة الانفتاح أمام الوجود المقدس ، والاستعداد لاستقبال هذا النور الذي سيبرز لنا بفعل القلق على المصير والانتباه لنسيان الوجود والحال فان هذه المهمة لا تبتعد كثيرا عن الطموح الذي يسكن كل دين يريد تهيئنا لملاقاة الله .لذلك فالأسئلة التي يطرحها مشروعنا هنا لا تتعلق بانسحاب يمكن استعادته ـ وان كان ليس من المستحيل التفكير فيه ـ بل بانسحاب جدري مبثوث في قدر الوجود ككل .لذلك فنحن لا نتساءل مثل هيدغر لمادا هناك وجود وليس بالأحرى عدم ؟ ولكن إذا كان هناك وجود فلماذا هناك عدم ؟ أو بصيغة أوضح لمادا يكون العالم معطى للزوال وليس للبقاء ؟
ثانيا :حينما يهتم هيدغر ببحث تاريخ الوجود فهو يفعل ذلك انطلاقا من تاريخ الغرب الذي بدأ مع اليونان وانتهى قدره إلى ميتافيزيقا الذاتية التي اكتملت بدورها في التقنية .والحال فإن التفكير في تاريخ الوجود لا يمكن أن يكون بتحليل تاريخ أمم بعينها ، بل لا بد من تناول هذا الموضوع انطلاقا من التاريخ الشمولي للبشرية . لقد كان هيجل محقا في هذا المجال فهو لم يدرس تطور الروح انطلاقا من تاريخ الغرب بل انطلاقا من تاريخ الإنسانية برمتها ، فهذا الطموح ليس رغبة في استعراض الفكر الموسوعي ، ولكنه تعبير عن قناعة أساسية وهي أن تاريخ الوجود لا يمكن أبدا أن يكون مبرزا ومفهوما من خلال تاريخ أمم بعينها ، بل من خلال التاريخ الكوني للبشرية ، وسواء ظل هذا الأمر في فكر هيدغر نتيجة تقصير في مجهود البحت ، أو نتيجة إهمال نظري ، فان ما هو مؤكد هنا هو أن الخلاصة الأساسية لفكره ألا وهي نسيان الوجود تظل غير مفهومة في تمام معناها إن لم ندرجها في تحليل موسع لتاريخ الوجود الشمولي . إن التاريخ الشمولي هو لغة الوجود على أن نفهم التاريخ هنا ـ كما قلنا سابقا ـ ليس كمجرد تسلسل زمني لحياة شعوب وأمم وإنما كاختبار مكرر للانسحاب الجدري . فليس المقصود تاريخ البشرية كأحدات ووقائع وإنما تاريخ الوجود حتى وان كان هذا الأخير لا يستطيع أن يتجلى إلا من خلال الأول ، غير أن ما هو أساسي هنا هو ان معنى الوجود لا يمكن أن يكون مفهوما في تمام معناه إلا من خلال تاريخ البشرية ككل ، وهذا هو معنى قولنا إن الشرق هو قدر الغرب والغرب هو قدر الشرق ، لان الرؤية التاريخية هي التي تنطلق من الغرب باعتباره الكيان الأوروبي ، أو من الشرق باعتباره مجموع الدول الأسيوية وهذا عين الخطأ . إن الشرق هو الاختبار الإنساني الواسع لمعنى سؤال الانسحاب الجدري ، والغرب هو الجواب الكبير الذي تقدمه تجربة بعينها عن هذا الانسحاب .
ثالثا :تنطلق المقدمة الثالثة في التفكير في سؤال الأخلاق دون السقوط في الرؤية الوجودية التي تجعل الإنسان بطلا في مواجهة العدم ،أو الرؤية الدينية التي تراهن على التعالي المطلق للإنسان داخل الوجود من اجل التغلب على انسحابه .فلا الرؤية التي تنظر بعين العبث إلى الوجود الإنساني ككائن مقذوف به إلى هذا العالم الفاني دون نصير له سوى ذاته .ولا الرؤية التي تدعو إلى إنكار العالم هذا الفاني من اجل الدعوة إلى عالم آخر يكتسب فيه الإنسان كيانه بقادرة على تأسيس وإضاءة الفعل الأخلاقي الحقيقي للإنسان .
إن المقصود بالأخلاق هنا ليس مجموع القواعد والشرائع الدينية ، ولا حتى الالتزام البطولي بتحقيق الذات ،وباختصار ليس المقصود بالأخلاق ذلك التخصص المعرفي الذي يخط قواعد الفعل الإنساني بشكل مسبق ، بل ذلك الفعل الذي يضيء حدود الفعل وحدود القرار الإنساني . لكن هذا الفكر الذي يضيء حقيقة الوجود الإنساني من خلال تاريخ الوجود الشامل لا يمكن أن يكون مجرد " فكر للوجود في الوجود ولا شيء غير ذلك " كما قال هيدغر ، وهو وان لم يكن فكرا يعلم الإنسان ما ينبغي عليه أن يسلكه أي فكرا للخضوع والامتثال إلا انه مع ذلك يضيء للإنسان بشكل أكثر أصالة معنى وجوده ويدفعه إلى التوافق معه .وهذا معناه أن الأخلاق التي ندعو إليها هنا ليست هي تلك الأخلاق التي تدعو إلى تجاهل الانسحاب الجدري سواء عن طريق النزعة العدمية الداعية إلى إنكار العالم ، أو عن طريق بناء العقائد الفكرية التي تدعي إمكانية التفوق على الانسحاب الجدري .
إن الأمر إذن لا يتعلق بكسل وخمول أصاب العقول التي ما عادت تمتلك القدرة على المساءلة بل بمرحلة حاسمة من تاريخ الوجود لم يعد بالإمكان بعدها أن نطل على ما يتوارى وما ينسحب ، لان ما يتوارى وما ينسحب قد بدأ يأخذ شكلا بالنسبة لإنسان عصر التقنية الفائقة .المشكلة إذن لا تكمن في الانتباه إلى ما ينسحب ـ كما اعتقد هيدغر ـ بل في صيرورة الانسحاب التي تسم التاريخ العام للوجود وليس فقط التاريخ الغربي أي أن المشكلة لا تكمن في معرفة ما يخفيه الانسحاب وفيما من الممكن أن يقوله إذا تمت استعادته أو عودته ، بل تكمن في الانسحاب نفسه .لم يعد ما يجب التفكير فيه يتوارى عنا في عصر اكتمال الميتافيزيقا ، انه بالعكس يصدمنا ويستحثنا على التفكير فيه ، لقد وصلنا عصر الغياب الكلي للحضور L omni présence d’absence حيث ما يتم إدراكه أو اكتشافه أو التفكير فيه لا يتم إلا في اتجاه المصير العام للكائن .إن مواضيع من مثل التناسخ أو الذرة أو تعمير الفضاء أو الهندسة الجينية أو حتى العولمة كلها مواضيع لم يعد بالإمكان تناولها كما لو أنها مجرد تجارب معزولة أو حالات متفردة بل أشياء يتطلب البث فيها استحضار المصير الكلي للوجود وللكائن بوجه عام . هذه هي المفارقة الكبيرة التي يكشف عنها الوضع الذي تحتله العلوم في القرن العشرين ، ففي نفس الوقت الذي تمنح فيه للإنسان القدرة على فهم الطبيعة واستغلالها لصالحه ، بما فيها طبيعته الخاصة واستغلالها لصالحه ، يكشف أيضا عن تناهينا ووضعنا العابر في الوجود ، غير أن الاكتشاف الأكبر الذي توصل إليه الإنسان في النصف الثاني من القرن العشرين هو أن العلم نفسه هذا العلم الذي كان قد عقد عله الأمل في تأسيس خلاصه لا يمكن إن يكون هو الخطاب الذي سيقول كل شيء بصدد الكينونة البشرية . هكذا لم تعد الحقيقة التي من المنتظر أن تصنع تقدم الإنسان على الأرض منبعها الوحيد هو العلم . لكل هذه الاعتبارات بدأنا نشهد في الآونة الأخيرة عودة هذا الابن الضال إلى الحضن الذي نشأ فيه ألا وهو الفلسفة . إن الحدود القصوى التي بلغتها العلوم في تطورها تدفع العلم نفسه اليوم إلى طرح أسئلة تتجاوز مجرد النشاط الاختباري التجريبي الذي اعتدنا عليه واعتبرناه من تمت حدود تخصصه التي لا ينبغي عليه الخروج عنها
إن الفلسفة اليوم تحتاج اكثر مما مضى إلى البحث عن أساسها الانطولوجي هذا الأساس الذي يحاول تيار نقض الميتافيزيقا تقويضه وتجاوزه . هذا الأساس الانطولوجي الذي لن يكون شيئا آخر غير التفكير في مثلت الطبيعة والإنسان والله . إذ كيف يمكننا اليوم أن نفكر في المكان الذي ينبغي أن يحتله الإنسان في الطبيعة خارج مبدأ الذاتية ، هذا المبدأ الذي وصل سقفه في أزمة الحداثة ؟ كيف يمكن أن تصدر الحقيقة اليوم ليس من الخطاطات الذهنية العقلانية للإنسان ولكن انطلاقا من هذه العلاقات المتشابكة التي تحكم هذا المثلث ؟
إن الأعماق تضمحل لصالح السطوح ، والأشكال تتغلب على المضامين ، والينابيع الحية للفكر والسؤال يتم تجفيفها بخراطيم المادة ، وجنازير الرأسمال تدوس بلا هوادة على ما تبقى من منظومات القيم ، ويوما عن يوم يصبح الفجر مجرد جزيرة من الملح ، غير انه وفي كل مكان هناك أصوات مطحونة تئن ولغة متلعثمة تبحث عن شكل لها يمكنها من قول ما يرفض الرأسمال سماعه ، هنا بالضبط يكمن النبض الحقيقي للفلسفة :العثور على لغة لقول ما يستحيل قوله لا سواء بلغة الميتافيزيقا ولا بلغة الرأسمالية والتقنية التي ما هي إلا التطبيق الفعلي للميتافيزيقا كما أبان هيدغر .إن عصر ما بعد ـ الميتافيزيقا هو ضمن هذا المنحى عصر الحكمة الفعلية التي أجهضها العقل ، فالعودة إلى ما قبل سقراط وافلاطون موجهة من اجل استعادة هذه الحكمة الضائعة التي تقع في الحدود القصية بين الاستعارة والمفهوم ، بين الجسد والروح ، الوجود والعدم ما هي إذن هذه المعرفة التي تقع خارج الميتافيزيقا بما هي التجربة الفكرية الأساسية المحددة لهوية الغرب ؟ ما هي مسارب الوجود ؟ وهل تمت من إضاءات يمكن أن تلمع من اجل تبصر الطريق نحو الكينونة ؟ أية مدارج يمكنها أن تسعفنا من اجل النزول إلى البوابة الأولى حيت تقع هذه الحكمة التي توجد خارج الميتافيزيقا ؟



#الفاهم_محمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في أعماق قلبي
- الأصولية وصدمة الحداثة
- القضية الفلسطينية والمسألة اليهودية


المزيد.....




- شاهد.. رجل يشعل النار في نفسه خارج قاعة محاكمة ترامب في نيوي ...
- العراق يُعلق على الهجوم الإسرائيلي على أصفهان في إيران: لا ي ...
- مظاهرة شبابية من أجل المناخ في روما تدعو لوقف إطلاق النار في ...
- استهداف أصفهان - ما دلالة المكان وما الرسائل الموجهة لإيران؟ ...
- سياسي فرنسي: سرقة الأصول الروسية ستكلف الاتحاد الأوروبي غالي ...
- بعد تعليقاته على الهجوم على إيران.. انتقادات واسعة لبن غفير ...
- ليبرمان: نتنياهو مهتم بدولة فلسطينية وبرنامج نووي سعودي للته ...
- لماذا تجنبت إسرائيل تبني الهجوم على مواقع عسكرية إيرانية؟
- خبير بريطاني: الجيش الروسي يقترب من تطويق لواء نخبة أوكراني ...
- لافروف: تسليح النازيين بكييف يهدد أمننا


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - الفاهم محمد - قراءة في فكر هيدغر