|
من مُفكّرة شيوعيٍّ فحماويٍّ
خالد تركي
الحوار المتمدن-العدد: 2048 - 2007 / 9 / 24 - 11:11
المحور:
سيرة ذاتية
للأهل في عاصمة المثلّث الصّامد ألف تحية من عروس الكرمل كنتُ تطرّقْتُ في الحلقة السّادسة عشرة من "يَوْمِيَّات بَرْهُوم البُلْشُفِيّ" للجمعيّة التّعاونيّة في حيفا "قوت الكادحين" وفروعها العديدة في الجليل، ولم يدرِ أو لم يعلم مُحدِّثِيَّ أنّه كانت للجمعيّة فروعٌ في منطقة المُثلّث، فقد كانت الاتّصالات بين مناطق الوطن، من قرى ومُدن، بعد احتلال البلاد مُتَعَثِّرة وصعبة ومُنْقطِعة بشكلٍ منهَجِيٍّ، فالحكم العسكري الظّالم عاثَ بالوطن فسادًا، قاطِعًا أوصاله، كتقييد الحُرِّيَّات بأنواعها المُختلفة والعديدة، كي لا تعرف اليدُ اليُمنى ما تفعله اليُسرى، ولا ترى العين اليُسرى ما تراه اليُمنى من الجسم الواحد الأحد، بهدف قطع دابر وتواصل الأشقّاء من أهل البلاد الأصليين الّذين لا وطن لهم سواه. حين نُشِرت الحلقة في صحيفة الإتّحاد الغرّاء وبعدها نُشِرت اليوْميّات من على الموقع الإلكتروني للجبهة، عقّب الرّفيق د. زياد محاميد مشكورًا، على أنّه كان لجمعيّة "قوت الكادحين" فرع في أمّ الفحم، ووجّهني إلى الرّفيق الحاج إبراهيم الحُصري أبو البديع، حيث حصلت على رقم هاتفه من الرّفيق العزيز أبو وطن، عبد اللطيف حصري. أمّ الفحم أو عرين الثّوّار، اسمان لبلد واحد، يُطابق الأوّل منهما الآخر بانسجام تام، فقد أطلق الرّفيق والأستاذ تيسير خالد اغباريّة اسم عرين الثوار على كتابه عن التّاريخ الثّوري لأم الفحم، إشارة وتأكيدًا منه، وبحقّ، على أنّها منبت الثّوار والأبطال الميامين، وهل ننسى مطلع النّشيد " أمّ الفحم جبل النّار ويا ويل اللي يعاديها"، فقد كانت أمّ الفحم قبل الاحتلال تابعة لمنطقة جنين وانضمّت للوطن السّليب في شهر أيّار من العام 1949، بموجب اتّفاقيّة رودوس، مع باقي قرى المُثلّث، وهي اتّفاقيّة أو مؤامرة أسموها "هدنة" موقّعة بين المملكة الهاشميّة، لبنان واسرائيل. وقد استوعبت قرية أم الفحم، في حينه جميع لاجئي القرى المجاورة كاللجون، خبّيزة، أم الزّينات، الرّوحة، أبو زريق، المنسة وغيرها من القرى وحالاً فُرِض على القريّة كما على باقي قُرى المثلّث والوطن، الحُكْم العسكري لتكون في الهمّ واحدٌ، وهذا يعني، كما قال الحاج أبو البديع: حصار عسكري، اقتصادي، منع تجوّل، اعتقالات، تحديد حريّة المواطنين بهدف تجويع الأهل وإذلالهم وتركيعهم الأمر الّذي زاد الوضع سوءًا... فهؤلاء المواطنون اختارتهم إسرائيل، بمؤامرة من القوى الرّجعيّة العربيّة حسب اتّفاق رودوس ليكونوا مواطنيها طمعًا في أراضيهم ورزقهم، فضمّتهم لتعذيبهم ومصادرة أراضيهم و"لتُقضّي فيهم الحسايب".... ولم يستطع المرء معرفة أخبار باقي الوطن وكيف يعيش الأهل في مناطقهم البعيدة كحيفا والنّاصرة. ويقول الحاج أبو البديع: لقد تسلّلَتْ صحيفة الإتّحاد إلى أمّ الفحم بواسطة بعض المرضى الّذين سَمَح لهم الحاكم العسكري بتلقّي العلاج في مستشفيات النّاصرة أو العفّولة، ومنها وصلتنا أخبار الأهل والوطن ومستجدّات الأوضاع. مع أنّ أوّل لقاء للحاج إبراهيم الحُصري بصحيفة الإتّحاد كان خلال عمله في حيفا، في فترة الانتداب البريطاني. وقد أُقيمت أوّل خليّة حزبيّة في قرية أم الفحم بواسطة الرّفيق محمّد موسى، أبو موسى، عضو عصبة التّحرّر الوطني والّذي انتقل من حيفا إلى أم الفحم لبناء خلية حزبيّة فيها، وكان يهرّب معه صحيفة الاتحاد، لكنّ الحاكم العسكري بعد اتّفاقيّة رودوس طرده من أمّ الفحم، ومن البلاد، خوفًا من تزايد نشاط الفرع وازدياد عدد الرّفاق المُنتسبين للحزب الشّيوعي وكانت حجّته الواهية، أنّه ليس فحماويًّا، هذا الأمر وَضَعَ الرّفاق أمام تحدٍّ صعب، لكنّ ومنذ تلك اللحظة بدأ عملهم يزداد باطّراد بتنظيم أهل البلد واللاجئين للمُطالبة بحقّهم بالعمل الشّريف والعيش الكريم وتوفير لقمة العيش الحلال. فبدأ الرّفاق بكتابة العرائض وتنظيم المُظاهرات. ويُتابع الحاج: لقد كانت اجتماعات الرّفاق سريّة للغاية في بيوت الرّفاق أو في السّهول المجاورة. فقد نظّموا أوّل مظاهرة شعبيّة كانت قد طافت كلّ أزقّة وحارات وساحات القرية إلى أن وصلت مقر الحاكم العسكري، حيث تشكّل وفد للتّفاوُض وتسليم الحاكم العرائض ومطالب أهل البلد، وحين رفض الحاكم العسكري استلام العريضة الموقَّعَة والمطالِبة بتحسين الأوضاع المعيشيّة من زيادة كميّة المؤن للأهل في القرية من سُكّر وملح وبيض وزيت وطحين، وزيادة فُرص العمل والتّصاريح للخروج من القرية طلبًا للعمل وتوفير الرّعاية الصّحيّة، اعتصمنا أمام مقرّ الحاكم العسكري رغم تهديداته بإطلاق الرّصاص علينا، وحين رأى أنّ الفتك والتّرهيب والوعيد لن يثنِي أحدًا من الرّفاق عن مواصلة الكفاح وأنّ الرّفاق يقابلونه بالعزم والثّبات والصّمود وبتحدٍّ، وافق على مُقابلة المُتظاهرين الّذين شكّلوا وفدًا مكوّنًا من الرّفاق: محمّد الشريدي، أحمد خضر حسن وجميل الحاج يوسف. وكانت النّتيجة نجاح المُظاهرة بتحقيق اللقاء مع الحاكميّة واستجابتها لبعض المطالب حيث أصبح المُخصّص للفرد الواحد وبالسّعر الرّسمي عشرة كغم طحين، كيلوغرام واحد سكّر، كيلوغرام واحد من الأرز، وكذلك تصاريح سفر العُمّال للعمل لأهل البلدة بحيث يتناوبون على توزيع هذه التّصاريح فيما بينهم وكان عدد التّصاريح ستّين، وكذلك فُتِحت عيادة طبّيّة... لكنّ موافقة الحاكميّة لمطالب الرّفاق، كان على مضض، الأمر الّذي أرّق سكينتها وزاد من احتقانها وحقدها وضغينتها وبدأت بتنظيم حركة عميلة للاحتلال، تمتدح الحاكم العسكري وتهاجم الشّيوعيّين "الكفرة" لا بل حتّى تُطالب بطردهم من القرية لأنّ الشّيوعيّة تعني الإلحاد والإباحيّة، "بآمنوش بألله"، مروّجين مقولتهم أنّ المواطن في البلدان الاشتراكيّة لا يُفرّق بين زوجته واخته أو زوجة أخيه، أي أنّه يعيشُ في مجتمع مُنْحلّ من كلّ النّواحي حتّى الأخلاقيّة، "فهل ترضون بمجتمع كهذا عندنا". لقد حاول الحاكم العسكري جاهِدًا بكلّ ما أوتي من قوّة وتحايُل وخداع قلع شوكة الصّبّار الّتي بلعها بطمعه وخداعه وخيانة الأنظمة العربيّة العميلة، حين ضمّ هذه المنطقة لدولة اسرائيل، وكيف السّبيل لإخراج شوكة الصّبّار الجارحة من حلقه! وبدأ النّشاط المضاد لكسر وتحطيم النّواة المُقاوِمة للظّلم والغبن من الشّيوعيين. إذ كتب عملاء الحاكم العسكري عريضةً ووقّع عليها بعض سُكّان القرية دون أن يقرأ أحدٌ منهم ما جاء فيها، حيث أن غالبيّة السكّان كانت أُمِّيَّة، وحين قرأ الحاج أبو البديع ما جاء في العريضة لبعض الموقّعين، فهموا فحوى الرّسالة وصرخوا مُستنجِدين بأبي البديع "مزّقها مزّقها دخيل الله". وبعد أن فشلت عريضة الحاكم العسكري، أصدر أمرًا باعتقال الرّفاق ونفيهم. وكان من بين المُعتقلين محمّد الشريدي، إبراهيم ألحُصري وأحمد خضر جبّارين وقد قام لاحقًا بنفي الرّفاق المُعتقلين إلى قرية برطعة الحدوديّة لمدّة ثلاثة شهور، وهناك التقى الأبطال الميامين بعدّة رفاق مثلهم، في الهمّ والغمّ والنّفي والنّضال والبطولة من الطّيبة والطّيرة ويذكر الحاج أبو البديع بعض الرفاق وهم: عبد الحميد أبو عيطة، فيصل عبد الرّزّاق ومحمود أبو زياد، وقد أكرمَ أهلُ برطعة وفادة الرّفاق كرمًا حاتميًّا طائيًّا، فلولا كرم أهل برطعة الأشاوس لمات رفاقنا جوعًا، مع أنّهم هُدِّدوا وأُنذِروا بعدم مخالطة المنفييّن أو حتّى استضافتهم. يقول الرّفيق الحاج إبراهيم الحُصري: إنّ عمليّة النّفي إلى برطعة لم تكن محض صدفةٍ فهي قرية حدوديّة، يقسمها وادٍ صغير إلى قسمين: الغربي تابع لبرطعة والشّرقي تابع لغربي نهر الأردن التّابع للمملكة الأردنيّة. وعندما تمّ النّفي إلى هُناك، كان الحاكم العسكري يأمل راضيًا ومتمنّيًا من الله، إذا كان يعرفه، هروب الرّفاق إلى شرقيّ الأردن وبذلك يرتاح مِنْ همّ الشّيوعيّين. عندما عاد الرّفاق المنفيّون إلى قريتهم أمّ الفحم، وجدوا أنّ الحاكم العسكري سمح لبعض البقّالين بتوزيع المؤن، وعلى مقرّبيه حصرًا، وليس بحسب نظام التّقنين والتّموين والحاجة ليكون كلّ بحسب حاجته، بل كان الهدف من ذلك يقول أبو البديع "شراء الذّمم"، ممّا اضطر النّاس، يُتابع الحاج، بيع أملاكهم من أثاث ومفروشات حتّى الفراش لسدّ رمق أطفالهم وشراء الحاجيّات الغذائيّة "بالسّوق السّوداء". لقد قرأ الرّفاق في الحزب الشّيوعي في قرية أمّ الفحم من خلال صحيفة الإتّحاد والمُهرَّبة إليهم سِرًّا، أنّ رفاقهم في حيفا والجليل أقاموا جمعيّة تعاونيّة، كلّ بمدينته وقريته واسمها "قوت الكادحين" التّابعة لمؤتمر العمّال العرب. وقاموا بدعوة الرّفيق طيّب الذّكر يوسف عبده إلى قريتهم ليُطلِعهم على المشروع وكيفيّة إدارته ونجاحه. وأُقيمت الجمعية التّعاونيّة "قوت الكادحين" وتسجّلت تحت رقم "تسعون" في دائرة التّسجيل وصادقت عليها دائرة المؤن وعندما طلبوا موافقة دائرة الصّحّة، "التَزَمَت" الأخيرة بشرط موافقة الحاكم العسكري أوّلاً، بدون أي سبب مقنع أو قانوني أو شرعي، لكنّه بعد المماطلات والطّلبات التّعجيزيّة صادق على طلب شيوعيّي القرية بإصدار موافقته على تأسيس "قوت الكادحين" في أمّ الفحم ومن بعده وافقت وزارة الصّحّة على هذا المشروع، المشروع. وكان مدير الجمعيّة الحاج والرّفيق ابراهيم الحُصري. لقد كان عدد المشتركين يزيد عن أربعمائة مشترك في قرية تعد ثلاثة آلاف وخمسمائة نسمة أو يزيد، فقد تحدّ المساهمون في الجمعيّة كلّ تهديدات المأجورين وعملاء السّلطة والّتي دعتهم الى سحب أسهمهم بهدف إفشال المشروع... لقد حاول الحاكم العسكري شلّ عمل الجمعيّة من خلال تآمره مع عملائه أو فرض الضّرائب الباهظة على السّكّان، وطُلِب من أبي البديع جمع الإلتزامات الضّريبيّة بصفته رئيس اللجنة، ومن لا يملك المال لدفع الضّرائب فليدفع بيضًا مقابل استلام مؤونة سُكّر، مثلاً. لكنّه رفض ذلك مُعلِنًا: لقد أقمنا الجمعيّة لخدمة جماهير قريتنا ولاجئيها وليس لاستغلالهم فنحن في خدمة شعبنا دائمًا ولسنا جُباة ضرائب لكم! لقد صمدت أم الفحم وما زالت ولم تركع، صمدت ولم تخنع، صمدت ولم تهجع، ولم ترجع قيد أنملة عن حقّها بفضل شيوعيّيها ودعم شرفائها الكثرة، صمدت ولم تُذَل فهيهات مِنّا الذّلّ. فللأهل في عاصمة المثلّث الصّامد عرين الثّوّار ولكُلّ الأهل في المثلّث الفلسطيني ألف تحية من عروس الكرمل الأشمّ، عروس الساحل الشّامي. ولصانعي مجد وعزّة وصمود المثلّث ألف ومليون تحيّة سلام وإكبار. لنسيرَ معًا وأبدًا على هذا الدّرب، لأننا نهتدي بشرارة النّور السّاطع في الظّلمات القاتمة الّتي لا نخشاها، ليطلعَ البدر علينا من ثَنَى شمسنا وثنايا سنديانتنا الحمراء لنرى بنوره وسناه نصرنا الآتي قريبًا.
(حيفا)
#خالد_تركي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مصدر يوضح لـCNN موقف إسرائيل بشأن الرد الإيراني المحتمل
-
من 7 دولارات إلى قبعة موقّعة.. حرب الرسائل النصية تستعر بين
...
-
بلينكن يتحدث عن تقدم في كيفية تنفيذ القرار 1701
-
بيان مصري ثالث للرد على مزاعم التعاون مع الجيش الإسرائيلي..
...
-
داعية مصري يتحدث حول فريضة يعتقد أنها غائبة عن معظم المسلمين
...
-
الهجوم السابع.. -المقاومة في العراق- تعلن ضرب هدف حيوي جنوب
...
-
استنفار واسع بعد حريق هائل في كسب السورية (فيديو)
-
لامي: ما يحدث في غزة ليس إبادة جماعية
-
روسيا تطور طائرة مسيّرة حاملة للدرونات
-
-حزب الله- يكشف خسائر الجيش الإسرائيلي منذ بداية -المناورة ا
...
المزيد.....
-
سيرة القيد والقلم
/ نبهان خريشة
-
سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن
/ خطاب عمران الضامن
-
على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم
/ سعيد العليمى
-
الجاسوسية بنكهة مغربية
/ جدو جبريل
-
رواية سيدي قنصل بابل
/ نبيل نوري لگزار موحان
-
الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة
/ أيمن زهري
-
يوميات الحرب والحب والخوف
/ حسين علي الحمداني
-
ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية
/ جورج كتن
-
بصراحة.. لا غير..
/ وديع العبيدي
-
تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون
/ سعيد العليمى
المزيد.....
|