أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محاسن الحمصي - (على قلق كأن الريح تحتي)















المزيد.....

(على قلق كأن الريح تحتي)


محاسن الحمصي

الحوار المتمدن-العدد: 2042 - 2007 / 9 / 18 - 07:08
المحور: الادب والفن
    


1

لم يكن يتوقع وهو يحضن نسخه المائة من كتابه الأول - مثلما تتلقف أمّ بحنو فرحتها البكر وأول عطر الأمومة - أن ينتهي به المطاف بائعا متجولا ، تخيل لو أن بضاعته أقراص مرنة لاختلف الوضع ،ووجد من يتحلقون حوله حد الاختناق ...!
واصل طريقه كاتما حنقه ، لاعنا اللحظة التي اكتوى فيها بنار الحرف ، الكتبي العجوز أجابه وهو يقترح عليه الاطلاع على نسخة من كتابه ، ودون فتح حقيبته اليدوية التي يضعها على كتفه محرّكا رأسه بالنفي .. العجوز استكثر عليه حتى الرد بكلمتين .. فكر في أن يقترح عليه أن يغير مهنته ، ويبيع أي شيء غير الكتب ، حث الخطو في اتجاه مكتبة أخرى مقاوما رغبته في التقيؤ على الزمن الرديء !


انتظر صامتا حتى سألْته عن رغبته وهي منشغلة مع زميلتها بالزبناء وحاجياتهم من الكتب المدرسية .. كرر نفس الجملة الرتيبة التي بدأ يحس بكراهية بغيضة اتجاهها ، جاءه ردها باردا بأن صاحب المكتبة غير موجود ، أيقن أنها تكذب ، فمنذ ما يفوق عشر سنوات وهو يلمح طلعتها البهية في هذا الدكان المغبر .. أحس ببقية كلامها كالصفعة : "مرة أخرى ...!!"
" ياااااااااه ، وكأني شحاذ ، تطلب منه أن يعود في يوم آخر" .
خاطبها بلهجة ممتعضة :
- كلامك جارح ، يمكنك أن تقولي أنك لا تقرئين ، ولا تردي علي بما قلت .
- قلت لك :صاحب المكتبة غير موجود ويمكنك أن تعود في مرة أخرى .
- قولي إنك لا تقرئين .
- نعم . أنا لا أقرا ، أمية .. لديك أي اعتراض ؟!
تدخلت زميلتها لتهدئة الأوضاع .
انسحب من أمام دكان الكتب كسيرا ، تتكوم في قلبه كل المشاعر السوداء ...



2

لمح صديقه الشاعر الشاب ينتظره في الزقاق ، بعد أن اتصل به هاتفيا .. مازحه مستفسرا عن سر احتفاظه بشاربه ، إنك تبدو أكبر من سنك .. تجاهل مشاكسته الصباحية قائلا :" تعودت عليه ، لا أحب أن أحلقه ... " ، ناوله أربع نسخ من كتابه وهو يحس بأن هناك من يشاركه فرحه بوليده البكر ..
- اكتب أي شيء ، لو متّ بعد أربعة أيام تبقى كلمتك ..
- ماذا اكتب ؟لا أعرف ما سأكتب..
- اكتب أي شيء ، ضروري ..
ذيل توقيعه بكتابة الساعة التاسعة صباحا ،فعلق مشاكسا : " من يقرأ التوقيع سيقول أنك زرتني مبكرا .. . " !
- لأول مرة استيقظ ومن دون منبه على الساعة السادسة صباحا .
أحس بنشاط غريب يدب في جسده المتعب ..
كتب بضع كلمات على نسخ الأصدقاء الآخرين . أوصاه ألا يوزع كتابه مجانا ، لا يرتكب نفس خطأه ..يوزعه على كل من هبّ ودبّ، وحين احتاج الأصدقاء المبدعون نسخة من كتابه لم يجد أي واحدة ..
- أفكر في الذهاب إلى الثانوية .
- ربما يطلبون منك نسخا مجانية .
- لا أدري ..
التقى أستاذ مادة الفلسفة بشاربه الأشبه بشارب نيتشه وهو يستقل سيارته أمام البوابة يتكلم مع أحدهم ،والتلاميذ الغارقين في تفاصيل الانخراط والدخول المدرسي ...
مد له يده ...
- أستاذ محمد ، كيف الحال ؟
بدا له الفرح يرقص في عيني الأستاذ ، لم يصدق أنه يمكن أن يتذكره بعد عشر سنوات من الغياب ، رغم الشارب النابت كأشواك الصبار ، سأله عن أحواله ، وكم فرح حين عانقت عينا الأستاذ كتابه ، بادره قائلا :
- أعرف حبك القديم للغة العربية .
ناوله الأستاذ قلما طالبا منه أن يكتب أي شيء ، الاستاذ يطلب من تلميذه الفاشل أن يكتب كلمة ...
" إلى أستاذي الخالد في القلب والذاكرة (...) بعض حبي الأزلي للأدب العربي . مع كل الحب " .
ومد يده إلى حفيظة نقوده ...
سأله عن أستاذ اللغة العربية ، أشار بيده إلى مجموعة أساتذة أمام مبنى الإدارة ، لمحه من بينهم ، ألقى تحية عليهم ،مد يده مصافحا " :أستاذ (...)كيف حالك ؟".
وانتحى به جانبا ...
- أمازلت تتذكرني وتتذكر مشاغباتي ؟
أحس أن كل الدنيا لا تساوي شيئا أمام لحظة مودة بين أستاذ وتلميذه رغم كل تقلبات الدهر ..
انتهى لقاءهما على الاتفاق على دعوة حفل توقيع بعد شهر رمضان .

لمح أستاذ مادة الحغرافيا والتاريخ ، حياه ببرود ، وتجاهله أن مشغول بأمر ما في الإدارة ، اعترض طريقه أثناء عودته وهو يتوجه إلى سيارته ، لمح إليه بيده أنه لا يفهم القصص ... لا م نفسه أنه قبل أن يهينها وهو يعرف سلفا أنه مجرد كلب عجوز مراهق ":لو سألته إحدى التلميذات عن أي شيء ، لوزع ابتساماته البلهاء يمينا وشمالا . شكرا من القلب على الإهانة أيها ال (...) !!على اللأقل ، كا ن يفترض بك أن تحييني ، كما يجرد بعد غياب عقد من الزمن .. بدل أن تعاملني كما لو كنت متسولا !! " .
بدأ يستشيط وكتم أنفاس غيظه ، "على قلق كأن الريح تحتي " بلغة المتنبي
ينتظر أن ينتهي أحدهم من اجتماعاته الإدارية القصيرة ، عبر عن رغبته في الانصراف ، وعدم تحمله البقاء في المؤسسة ، فطلب منه أن يترك له نسخة من الكتاب ، ويكتب رقم هاتفه ...

3

اندهش من كلام أحد المثقفين ، أو من تخيل أنه مثقف بحكم دراسته للشريعة الإسلامية ، وهو يستغرب أنه لم يعد له وقت لقراءة قصص وتتبع مسار شخوص وأحداث و..و..و..
- هذه مجرد قصص قصيرة وليس رواية ...
- مضى زمن القراءة ، كبرنا وانشغلنا بمشاغل الدنيا ، مصاريف العيش و نفقات الكراء والدخول المدرسي ورمضان و.. و..و..
" بائع الجرائد أجابك أن لا وقت لديه للقراءة وكتاب أحد المفكرين - منذ سنة- لا زال مغلفا ... ياه! كم أكره من يتشدقون بكلام لا معنى له ، مثلا أحد الموظفين في تلك الإدراة التابعة لوزارة التربية والتعليم سألني عن معنى مجموعة قصصية وزميله الآخر سألني إن كانت قصص أطفال .. في سري قلت : "لا ، بل رسوم متحركة . يا للغباء !!ربما عينتم خطأ هنا ... ربما !!
فلم نلوم الآخرين عن عزوفهم عن القراءة ... ؟؟" .
للتو ، فكر في موضوعه المجهض عن المهرجانات الصيفية ، الغناء ، الرقص وثقافة هز البطون ، في حين لا تجد معارض الكتاب من يطأ أعتابها الشريفة أو يفكر في انتشال مجلة ثقافية من سباتها المزمن ، وهي تنتظر حتفها الأخير في ظلمة السراديب كمرجوعات . كأي شيء مستغنى عنه ، تستخدم في ما بعد في أغراض أخرى .
الفكرة مطروقة لهذا تغاضى عنها ومزق المسودة ...
فكر في الكتاب الذي استنزف كل مدخراته ، في الرواية المشرقية المفروضة على التلاميذ - والتي سيقرأونها رغما عنهم - من طرف الوزارة الوصية وثمنها الخرافي وعدد الطبعات التي لم يحلم بها أي كاتب عربي من قبل .. في حين تصفرّ أغلفة الكتب وأوراقها خلف واجهات مكتبات كئيبة ...
كل هذه الهواجس تدفعه دفعا إلى البحث عن أي تعيس سيء الحظ يفجر في وجهه غيظ وتعب يومه ..
اخترق صدره الهواء الرطب داخل مقر الجريدة المحلية .
مازح السكرتيرة :
- لحسن الحظ أني لم أجدك عصرا ..
كان يفكر في طريقه إلى الجريدة أن يقول لها : " هاتِ النسخة ، لا أريد أن يكتب عنها أحد ولا أن أبيع أية نسخة .. اغربوا عن وجهي جميعا .. !!" .
- قلت لك صباحا : تعامل ببرود مع كل شيء .. صحتك أغلى من كل شيء .

انشغل مع صاحب الجريدة في حديث عن مشاكل الطباعة ونفقات التنقل وأشياء أخرى ، وعده بأن يطلع رئيس التحرير على الكتاب ، ولن يكتب عنه أي شيء قبل الاطلاع عليه .
داعب دواخله بعض الأمل ، وأحس ببعض الحيوية حين علم من السكرتيرة أن صاحب الجريدة أعطاه ضعف ثمن النسخة الواحدة .



#محاسن_الحمصي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قصص في حجم الكف (2)...محاسن الحمصي
- عاشقة الوهم
- وَكَسًّرْتُ أرجُلَ الخَوْفِ ..
- أوراق خريف دعو للتفاؤل
- رسالة من امرأة
- قصص في حجم الكف


المزيد.....




- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
- مهرجان بابل يستضيف العرب والعالم.. هل تعافى العراق ثقافيا وف ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محاسن الحمصي - (على قلق كأن الريح تحتي)