أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد البيتاوي - حكايات من المسطبة / 2














المزيد.....

حكايات من المسطبة / 2


محمد البيتاوي

الحوار المتمدن-العدد: 2035 - 2007 / 9 / 11 - 08:36
المحور: الادب والفن
    


تَرَف


ينحسر الضوء عن زحمة البيوت الترابية الرطبة المعتمة، وقسمات الوجوه المشققة، ليعود إلى حضن الشمس الدافئة.. لتعيد نثره على أماكن أخرى أكثر ترفاً، وأقل شقاءً وعنتاً..


فها هي تجلس مسترخية على أرجوحة في الحديقة الخلفية للفيلا الأنيقة، القائمة عند طرف المدينة، بعيداً عن أي صخب أو ضجيج.. يحجبها عن نظرات المتطفلين سور إسمنتي، قام خلفه دغل من الأشجار الحرجية، لتعمل على تنقية تلك النسمات الرقيقة العذبة التي تداعب شعرها الناعم المرسل على كتفيها، وتعبث بأطراف ثوبها الحريري، لتكشف عن لحم خمري أخضر، أنسى البستاني الشاب الجديد نفسه، فراح يشفط ريقه مع الهواء المتدفق إلى رئتيه حتى كاد يختنق، وعيناه المُتَّقِدتان ناراً، جحظتا وهو يكتم سعاله حتى لا يفسد عليه متعته باسترخائها المشبع بالعطر، إن هي استشعرت وجوده غير المرغوب فيه بالتأكيد. فها هي تجلس مسترخية، تاركة المجال لتلك النسمات الندية الهشة، أن تعبث بفستانها الحريري، لتكشف عن مزيد من اللحم الخمري المكتنز، وقد بدأت رائحة عطرها تتطاير في كل الاتجاهات، لتطغى على عطر أزهار الحديقة، ولتزكم أنف البستاني، ولتزداد حدقتا عينيه اتساعاً، وهو لا يكف عن التلصص من بين أشتال الورد المتناغمة الألوان،ليروي نهمه.. وهذا لسانه يعبث في فمه، ويخرج أحياناً ليرطب شفتيه الغليظتين اللتين تورمتا من عبث أسنانه اللاتي لا تكف عن قضمهما حتى كادت أن تدميهما.. كانت الكلمات المعبأة باللهفة والشبق، تندفع من أعماقه، في محاولة للتعبير عما يعتمل في نفسه، وفي اللحظة الأخيرة، كانت تنحشر في حلقه مع أنفاسه، حتى لا تخدش حضورها المتوهج في وجدانه، فتحرقه النشوة.." يا بوي.. العز للرز والبرغل شنق حاله"، فأتبع العبارة بصفعة من كفه على جبهته، كأنما ليكتم أنفاس اللهب المستعر في رأسه..

كتم رغبته، وإن لم يقو على كبح جماح عينيه اللتين حبلهما شبق اللحم الغض، وهو لا يكاد يستوعب شيئاً من تلك الموسيقى الكلاسيكية الناعمة الهادئة، التي كانت تنثر أنغامها في الحديقة، فتتمايل على وقعها الأغصان، وتثير شبق العصافير الملونه، التي كانت تتبادل القبلات في جذل وهيام. فقط، تمنى لو أنها وضعت شريط "حبه فوق.. حبة تحت"، فلربما كان ذلك أقرب لانسجام اللحظة في قلبه، ولكن... عندما استشعر المستحيل، هَمَّ أكثر من مرة بمغادرة عمله، والعودة إلى منزله، ليفرغ كل ما اختزن في قلبه ووجدانه من طاقه، توهجت لها مشاعرة، فبانت حمرة وعرقاً على وجهه وهو يفرغها، في حجر زوجته.. ولكن..

نعم، ربما كانت زوجته لا تقل عنها ميساً ودلالاً، ولكن بالتأكيد، فإن طعم اللحم يختلف.. إنه لم يذق من قبل طعم اللحم المعجون بالشوكلاطة والحليب والبسكويت.. فطعم الزيت والزيتون والزعتر كوّن لحم زوجته. تذكر فجأة بأن يدي زوجته قد بات ملمسهما خشناً من كثرة تقلب المعول فيهما.. و.. ولكي لا يتوه في اللحظة، ولكي يقنع نفسه بالإنصاف، حك رأسه ولسان حاله يقول:البحتة بنت عم الهيطلية وكله عند العرب صابون"..

وعندما عاد يدغدغ وجه الأرض بمعوله هرباً من سطوة حضورها ومن نفسه، كانت غارقة في التفكير فيما ستقدمه " أم أنيس" في الحفلة التي ستقيمها في تلك الليلة، والتي دَعَت إليها –كعادتها- كل المعارف والأصدقاء، وكانت وزوجها من بين المدعوين.. وقد أفلحت "أم أنيس" بإثارة فضولها، وهي تختم دعوتها لها ولزوجها قائلة بصوت حرصت على رخاوة مخارجه:

- الحفلة ستكون مليئة بالمفاجآت..

- ألا تُسرِّين لي بشيء مما ستقدمينه فيها؟

- لو قلت لك شيئاً الآن، لفقدت المفاجآت رونقها وبهاءها.. ولكن أرجو أن لا يفوتك شيء منها..

- ولكن...

واكتفت أم أنيس بإطلاق ضحكة منمنمة ناعمة نقلتها أسلاك الهاتف إلى أذنيها، فتقلصت حدقتاها، وانمطت شفتاها، لتُعبِّرا عما اعتورها من ضيق وحنق.. وازدادت ضيقاً وحنقاً عندما تذكرت سحر ابتسامة أم أنيس العذبة الشهيرة، وما لها من تأثير على قلوب الرجال في كل حفلة تكون مدعوة إليها، فغذى ذلك مشاعر الاستياء والكراهية والمقت اللاتي تولدت ونمت لديها، وما اعتمل في نفسها من الملل والسأم والضجر اللاتي تكوكبت في روحها الهشة الناعمة الطرية.. واللهفة على ما سيكون، تكاد "تفرتكها"..

وعندما استعصى عليها الحدس، تنهدت وهي تردد لنفسها في تبرم: "وشو يعني .. ستكون حفلة كغيرها من الحفلات.. شرب.. أكل .. رقص ومحاولات لا تنتهي من الرجال لاستمالة قلوب نساء الآخرين. مع نسائم الفجر الأولى، يغادر المدعوون، وهم يتطوحون.. وفي الصباح، يبدأ الرجال بإحصاء مكاسبهم ومخاسرهم، وتستحم النساء، ليغسلن ما علق بجلودهن وقلوبهم من عرق الآخرين، استعداداً لتلقي دعوة جديدة لحفلة جديدة.. وكله لاحق بعضه"..

ثم راحت تضرب فخذها بكفها الطرية الناعمة.. والفستان الحريري ينحسر عن المزيد من اللحم الكستنائي الغض، والبستاني، ما زال يراقبها دون أن تشعر به، وهو يفغر فاه، فتزداد عيناه جحوظاً، وهو يلهث جرياً وراء شبق مارق يعربد في أعماقه...

كانت بتلك الصفعات التي إحمرَّ منها فخذها، تُنَفِّسَ عن شيء من غلِّها وحنقها، وكان البستاني يشفط رغبته في احتوائها، وقلبه يردد: " يا بوي.. بس أمل إبليس في الجنة يا خايب... إلا إذا كنت ناوي على قطع عيشك.. خليك قانع في إللي أعطاك إياه الله، وإللي الكل حاسدينك عليه، وبلاش توقع وتنكسر رقبتك، وساعتها، لا بتطول عنب الشام ولا بلح اليمن...".

واشتدت قبضته على معوله، وراح يضرب وجه الأرض بقوة، ليفرغ طاقته المتأججة عرقاً وتعباً.. ولكن....



#محمد_البيتاوي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حكايات من المسطبة / 1
- بعض من ألم وعبرة
- هذيان خارج النص
- حواريات في الحب
- مقطع من رواية : اوراق خريفية
- الصوت والصدى
- بقايا من ثمالة
- قصص قصيرة


المزيد.....




- مظفر النَّواب.. الذَّوبان بجُهيمان وخمينيّ
- روسيا.. إقامة معرض لمسرح عرائس مذهل من إندونيسيا
- “بتخلي العيال تنعنش وتفرفش” .. تردد قناة وناسة كيدز وكيفية ا ...
- خرائط وأطالس.. الرحالة أوليا جلبي والتأليف العثماني في الجغر ...
- الإعلان الثاني جديد.. مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 الموسم ا ...
- الرئيس الايراني يصل إلي العاصمة الثقافية الباكستانية -لاهور- ...
- الإسكندرية تستعيد مجدها التليد
- على الهواء.. فنانة مصرية شهيرة توجه نداء استغاثة لرئاسة مجلس ...
- الشاعر ومترجمه.. من يعبر عن ذات الآخر؟
- “جميع ترددات قنوات النايل سات 2024” أفلام ومسلسلات وبرامج ور ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد البيتاوي - حكايات من المسطبة / 2