أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - محمد بن سعيد الفطيسي - وما كفر الجوع ولكن 000















المزيد.....

وما كفر الجوع ولكن 000


محمد بن سعيد الفطيسي

الحوار المتمدن-العدد: 2022 - 2007 / 8 / 29 - 05:00
المحور: حقوق الانسان
    


نردد بين الحين والآخر مقولة أن "الجوع كافر" , وذلك حينما يقرصنا الجوع , أو نشاهد بعض الصور والمناظر المؤلمة على شاشات التلفاز أو أوراق الصحف , وهي تعرض لنا بعض عذابات بني جنسنا في مختلف أرجاء العالم بسبب بحثهم عن لقمة العيش , - وللأسف الشديد – فان هذه الحقيقة المرة والمحزنة , تتأكد لنا بجلاء ونحن نلج مشارف القرن الحادي والعشرون , هذا القرن الذي أملنا جميعا أن نتخطى فيه عثرات القرن الماضي في مسائل هامة وحساسة للغاية , كحقوق الإنسان والديمقراطية والعدالة والمساواة بين بني البشر, ولكن , ها هو إنسان هذا القرن , يصل إلى ابعد مما نتصور في قضايا كالتقدم التكنولوجي وغزو الفضاء , بينما هو غارق حتى أخمص قدميه في وحل اللاإنسانية التي حطمتها المدنية المزيفة , وحضارة الآلة واللامبالاة بالآخرين , تلك الحضارة التي حفرت الإنسانية قبرها بيديها على حد تشبيه الأستاذ الفرنسي روجيه غارودي 0
لذا فإننا ومن خلال هذا الطرح , سنحاول لملمة أوراق قضية من أهم القضايا المصيرية التي تعاني منها البشرية في عصرنا الراهن , آلا وهي قضية البحث عن الغذاء , واتهام الجوع بجريمة موت ملايين الكائنات الحية من سكان الأرض بسبب ندرة تلك الضرورة الأساسية للبقاء , والغريب في الأمر هو تفاقم هذه المشكلة عام بعد عام , وتضخم أعراضها الجانبية وأثارها على الكائنات الحية , وذلك بالرغم من التقدم العلمي والتكنولوجي والصناعي , وارتفاع مستوى الرفاه الاجتماعي , فلماذا يستمر الجوع بإزهاق الأنفس , وتتفاقم مشكلة الغذاء في العديد من دول العالم بالرغم من كل ذلك ؟ وهل حق أن الجوع هو المتهم الأول والأخير بهذه الجريمة العالمية التي كبدت البشرية ملايين الأرواح ؟ أم أن هناك من يتشارك معه في صناعة هذه المشكلة , ويتحمل معه ما يتهم فيه من جرم ومسؤولية ؟
وبداية كان لابد لنا وقبل سبر أغوار هذه القضية , من وضع تعريف لها , يمكن لنا الانطلاق من خلاله لتشخيصها , والبحث عن أسباب تفاقمها واستفحالها في هذا العصر , فما هو الجوع في الأصل ؟ وتطالعنا في هذا الشأن , بعض التعريفات التي نختصرها في هذا التعريف , والذي يدلنا على أن الجوع هو عدم الحصول على مــا يكفي من الغذاء , أو تنوعه اللازم لتلبية احتياجات التغذية السليمة للإنسان , ويعتبر الجـوع والمجاعات ( نتاج مجموعة معقدة التداخل من الأمراض الاجتماعية والتي ترتبط بالاقتصاد العالمي والسياسة العالمية وتكوين طبقات المجتمع , وترتبط أيضاً المجاعات بطرق التنمية والاستهلاك وديناميكية الشعوب ) , وعليه فان الجوع هنا ينقسم إلى نوعين , نوع لا يتأتى فيه الحصول على الغذاء بشكل مطلق , وذلك لعدم توفره بالكل في ذلك المجتمع , بسبب موجات الجفاف أو التصحر, والتي تتعرض لها الكثير من المناطق في العالم بسبب ندرة الأمطار, والتي بدورها تتسبب في المجاعات الكارثية , وموت الملايين من البشر في كل عام , كما هو الحال في عدد من دول أفريقيا الجنوبية كليسوتو وسوازيلاند وبوتسوانا وجنوب أفريقيا على سبيل المثال لا الحصر, وخصوصا في زيمبابوي والتي يعتمد فيها ما يزيد عن 5 ملايين من البشر على المساعدات الغذائية 0
أو بسبب عدم قدرة الأفراد على شراء الغذاء , وهو ما يعرف بالفقر , و(هذا المفهوم نسبي ويتغير من مجتمع إلى آخر , بحسب قوة اقتصاده ودرجة تطوره ونموه ، ولكن يمكن ملاحظة أن من بين العوامل المتسببة في ظهور الفقر, الظروف المعيشية غير الملائمة , والمقصود بذلك الافتقاد إلى التعليم وعدم قدرة الحكومات المعنية على اتخاذ خطوات إصلاحية اقتصادية فعّالة ، إذ أن عدم حصول البعض على التعليم بنوعيه الرسمي وغير الرسمي يتسبب في حرمانهم من الحصول على وظائف دائمة وهو ما يجبرهم بالتالي على الرضا بوظائف مؤقتة ذات أجر ضئيل وهي وظائف لا تمنح أصحابها الأمان الوظيفي بالطبع، ونتيجة لذلك تتسبب الوظائف المؤقتة ذات الأجور المخفضة أيضاً في الوقوع في شرك الفقر( أو بسبب ارتفاع الأسعار أو رفعها عن قصد , أو الاحتكار أو الابتزاز أو الاستغلال الذي ينتج عن جشع أصحاب رؤوس الأموال من التجار والمزارعين والصيادين , وغيرهم من القائمين على تلك السلع الأساسية للحياة في مختلف القطاعات الحيوية والرئيسية 0
أما النوع الآخر فينتج عن نقص المكونات الغذائية السليمة في ذلك الغذاء كالفيتامينات والمعادن على سبيل المثال , وبالتالي يتسبب في مشكلة سوء التغذية , والتي تتسبب في كثير من الأحيان إلى الإصابة بالأمراض الكثيرة , والتي بدورها قد تؤدي إلى الموت في نهاية المطاف , إن لم تحتوى قبل ذلك , ( فأكثر من 5 ،3 مليارات نسمة يعانون من الإصابة من نقص الحديد، ويتعرض مليارا نسمة لنقص اليود و200 مليون طفل دون سن الدراسة لعدم كفاية فيتامين أ ، ويمكن أن يؤدي نقص الحديد إلى تأخر النمو، وانخفاض القدرة على مقاومة الأمراض، والإعاقة الذهنية وعدم النمو الحركي في المدى البعيد ، والإعاقة عن أداء الوظائف الإنجابية , ويسهم هذا النقص في نحو 20 في المائة من الوفيات ذات الصلة بالحمل ، وقد يؤدي نقص اليود إلى إحداث أضرار دائمة بالمخ ، والتخلف العقلي وعدم الإنجاب وانخفاض نسبة بقاء الطفل على قيد الحياة , ويمكن أن يؤدي نقص اليود في الأم الحامل إلى إصابة طفلها بدرجات متفاوتة من التخلف العقلي، وقد يؤدي نقص فيتامين أ إلى العمى أو الوفاة بين الأطفال، كما يسهم في خفض النمو البدني ويعوق مقاومة العدوى مع ما يترتب على ذلك من زيادة الوفيات بين الأطفال الصغار ) 0
وحتى نكون منصفين في الطرح فإننا لابد أن نأخذ تلك الأسباب التي يشير إليها العديد من أصحاب رؤوس الأموال ممن اشرنا إليهم سابق بالاعتبار, كونها السبب الرئيسي في قضية الجوع , ونقص الطعام في كثير من أرجاء العالم , وعلى رأسها شح الطبيعة وفقر الأرض , وندرة المياه بشكل مباشر ورئيسي , وبالتمحيص فإننا نستطيع أن نثبت براءة الأرض والطبيعة من تلك التهم الجزاف , فتشخيص الجوع ( بأنه نتيجة لندرة الغذاء والأرض هو لوم للطبيعة على مشكلات من صنع البشر , 000 ومن الطرق التي يمكن بها إثبات أن ندرة الأرض والغذاء ليست هي السبب الحقيقي للجوع , توضيح انه لا يوجد ندرة في أي منها , والطريقة الثانية هي شرح ما يسبب الجوع فعلا 0 )
فأما بالنسبة للندرة , فهذا استنتاج غير منطقي وعلمي , وتهمة تبرا منها الأرض الغنية بالخيرات والغذاء , فالأرض في حقيقة الأمر قادرة على إطعام كل سكانها , بل ويكون هناك فائض من الطعام يكفي أضعاف من عليها من الكائنات الحية , وهذه حقيقة علمية تثبتها الأرقام والإحصائيات المتخصصة في هذا المجال , وأول الأدلة والبراهين التي نستطيع من خلالها قياس الوفرة الغذائية في الطبيعة , هو من خلال الفرق الشاسع والواضح بين الإنتاج الحالي والإنتاج الممكن , فطبقا للجنة الرئاسية بالولايات المتحدة الاميريكة فان ما يزرع من الأرض في جميع أنحاء العالم لا يتجاوز 44 % منها , أما بالنسبة لشح المياه فربما نعتبر ذلك صحيح إذا ما اعتبرنا أن المصدر الوحيد لمياه الشرب والزراعة هي مياه الأمطار , بينما أن الحقيقة تقول غير ذلك , وهي بان المياه تغطي ما نسبته 70% من كرتنا الأرضية , بينما تشير الإحصائيات بان ما يستخدم منه في مختلف أرجاء الأرض لا يتجاوز 1 % , وعليه فان المشكلة المائية لا تكمن كذلك في الندرة , بل تكمن في أسباب أخرى , على رأسها سوء استخدام المياه المستمدة من مصادره التقليدية كالأنهار والإمطار والمياه الجوفية , حيث يضيع بحسب الإحصائيات ما مقداره 92 بليون متر مكعب سنويا في المنطقة العربية وحدها, وعليه فان مصادر المياه غير التقليدية كتحلية مياه البحر، واستخدام الماء المالح نفسه ، واستخدام الماء المسترجع من الزراعة والصناعة والصرف الصحي، يمكن أن يسد نسبة عالية من الفجوة المائية ) , وغيرها الكثير من الأدلة والبراهين التي لا نستطيع الإحاطة بها في هذا الطرح , والتي تثبت بان الأرض والطبيعة لا تلام بشكل كلي على مشكلة الجوع ونقص الغذاء والمياه , والتي تتسبب بموت ملايين البشر في كل أنحاء الأرض كل عام 0
وعليه فإننا نستطيع أن نؤكد بان مشكلة الجوع المتفاقمة والتي تعاني منها البشرية , هي مشكلة من صنع الإنسان وحده , يتبرأ منها الجوع والأرض والطبيعة , فالأوضاع الاجتماعية الظالمة , وطرق الحياة الاقتصادية السلبية والسيئة , والسياسة العالمية المتحيزة , والتعامل الجائر مع الأرض والثروات الطبيعية , كلها أسباب مباشرة ورئيسية في تفاقم واستشراء هذه المشكلة في جل أصقاع الأرض , لذا فان الحلول المطروحة لاحتواء هذه المشكلة لن تتجاوز التعامل مع تلك الأوضاع الخاطئة بطرق عقلانية وعادلة وعلمية 0
ومن أهم الحلول التي يمكن لنا من خلالها أن نحتوي هذه المشكلة على اقل تقدير , أو نقلل من تفاقمها على سبيل المثال لا الحصر , إصلاح المجتمع الإنساني بالمساواة والعدالة بين أفراده في الحقوق المدنية , وعلى رأسها حقه في العيش والوجود مع التكامل البيولوجي الذي ما يزال محروما منه 854 مليون إنسان جائع في العالم , وخصوصا الأطفال في العديد من المناطق الفقيرة , ونبذ العنصرية والطائفية في تقسيم ثروات الدولة , والحد من الفروقات الكبيرة في مداخيل الأفراد , وتوفير فرص العمل المستديمة للجميع بشكل يساعد على الإنتاج والعمران والبناء , وضرورة تدخل الدولة ولو بالقوة للحد من ارتفاع الأسعار المتعمد من قبل بعض التجار والاستغلاليين , وتوفير الأسواق المحلية للاستهلاك مع توفير المستلزمات الأساسية للبقاء بأسعار معقولة وفي متناول الجميع , ومنع تصدير المنتجات الرئيسية المحلية , كالمنتجات الزراعية والثروات السمكية وغيرها إلى الخارج قبل أن يكتفي المستهلك المحلي أو المواطن في الدولة نفسها , مع ضرورة الاهتمام بالأرض والزراعة , كونها صمام الأمان المركزي للمستقبل , وتوفير المياه الصالحة للشرب للجميع ودون استثناء , والتخطيط لوضع استراتيجيات وطنية لتخفيض مستوى الجوع والفقر 0

كاتب وباحث في الشؤون السياسية والعلاقات الدولية
[email protected]



#محمد_بن_سعيد_الفطيسي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- النفط ,, حلم الغرب وكابوس الشرق
- سيكولوجيا المحفزات الثانوية للإرهاب
- الرماد المشتعل ,, روسيا كنموذج
- الوحوش الرقمية ونشوء نظرية اللامركزية الكونية
- عملية صناعة القرار
- الثابت والمتغير في الصراع العربي الإسرائيلي
- التنصت على الكرة الارضية
- صناعة المؤامرات ام ثقافة الاستراتيجيات
- السباحة في المياه الراكدة
- الفوضى القادمة في السياسات العسكرية
- البروبوغاندا.. العصا السحرية للقوة الإعلامية الصهيونية
- قبل أن ينقرض الجنس البشري !
- أهمية مراكز الدراسات السياسية لمواجهة التحديات المستقبلية
- الذين يكتبون السلام بأقلام الرصاص
- الإمبراطورية الأمريكية واستراتيجية السيطرة على النفط الاسيوي
- مطاردة الظلال وفكرة صناعة الأعداء
- القوة الاميريكية ووهم السيطرة على العالم
- الشعب الفلسطيني والسلاح الديموغرافي
- أبعاد خارج النص السياسي
- مصادر الطاقة بين السياسة والبقاء الإنساني


المزيد.....




- إيران تصف الفيتو الأمريكي ضد عضوية فلسطين في الأمم المتحدة ب ...
- إسرائيل: 276 شاحنة محملة بإمدادات الإغاثة وصلت إلى قطاع غزة ...
- مفوضية اللاجئين تطالب قبرص بالالتزام بالقانون في تعاملها مع ...
- لإغاثة السكان.. الإمارات أول دولة تنجح في الوصول لخان يونس
- سفارة روسيا لدى برلين تكشف سبب عدم دعوتها لحضور ذكرى تحرير م ...
- حادثة اصفهان بين خيبة الأمل الاسرائيلية وتضخيم الاعلام الغرب ...
- ردود فعل غاضبة للفلسطينيين تجاه الفيتو الأمريكي ضد العضوية ...
- اليونيسف تعلن استشهاد أكثر من 14 ألف طفل فلسطيني في العدوان ...
- اعتقالات في حرم جامعة كولومبيا خلال احتجاج طلابي مؤيد للفلسط ...
- الأمم المتحدة تستنكر -تعمد- تحطيم الأجهزة الطبية المعقدة بمس ...


المزيد.....

- مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي / عبد الحسين شعبان
- حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة / زهير الخويلدي
- المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا ... / يسار محمد سلمان حسن
- الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نطاق الشامل لحقوق الانسان / أشرف المجدول
- تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية / نزيهة التركى
- الكمائن الرمادية / مركز اريج لحقوق الانسان
- على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - محمد بن سعيد الفطيسي - وما كفر الجوع ولكن 000