أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - راشد مصطفي بخيت - ما بعد الهوية ، جدل الثقافات ضمن حركة التاريخ (4)














المزيد.....

ما بعد الهوية ، جدل الثقافات ضمن حركة التاريخ (4)


راشد مصطفي بخيت

الحوار المتمدن-العدد: 2011 - 2007 / 8 / 18 - 10:57
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


توقفنا في مقالنا السابق عند رصد بعد تجليات التداخل الثقافي بين المجموعات السودانية علي الدين وحده ، وقصرنا في ذات الوقت إهتمامنا أكثر بدراسة نموذج التداخل بين الإسلام والمسيحية عند جزء من المجموعات الثقافية المشكلة لخارطة الثقافة في السودان ، هذا مع العلم بأن هذا التداخل الذي أشرنا إليه لم يكن حكراً علي هاتين الديانتين فحسب ، إنما شمل حتي كريم المعتقدات السابقة لهما ، ضمن نسيج موروثنا المحلي من معتقدات إفريقية متعددة يذخر بها وجداننا العقدي وبيئتنا المتشابكة . وسنحاول في هذا المقال رصد تجليات هذا التداخل علي مستويً آخر من مستويات التَشكُّل الثقافي . ووجب علينا في هذا المقام أن نشير إلي أن هذا التداخل المتسع بين هذه الثقافات ، وصل حداً من الطرافة أصبحت بموجبه بعض المجموعات الإثنية في السودان تتميز عن ماعداه بموروثها الثقافي التي يعود إليها أصل هذا الإرث . وذلك من مثل تميز قبائل البطانة ذات الإمتداد العربي الأصل مثلاً ، بعادة هي في صميمها من أصول العادات الإفريقية الطابع شكلاً ومضموناً وهي عادة ( الجلد بالسوط ) ذات الجذر الأفريقي المتأصل ، والتي لا يجد الباحث أدني إرتباطٍ لها بموروثات شبه الجزيرة العربيه أو مختلف منابت الثقافة العربية الأُخري . وكذا الخال في ممارسات قبائل البقارة بغرب السودان ، المتصلة بنشاط المراعي عندهم ، فهم يتبارون في خلق المعارك الدامية بين ثيرانهم ، وتعود جذور هذه العادة إلي ممارسات بعض القبائل النيلية في جنوب السودان . ولا تغفل عين المستبصر الدقيقة عن مثل هذه التزاوجات بين قبائل وسط السودان المستعربة ، فهم عادةً ما يزاولون الكثير من العادات والممارسات الروحية ، التي تعود هي الأخري إلي أصول الأفريقية ، بحيث يتجاوز ( طقس الزار ) ( مأثور القرن الإفريقي العنيد ) حواجز العرق والنوع والتدين ليتصل بين عدد وافر من المجموعات الإثنية في السودان ، في حالة إعتقاد تام بعوالم الماوراء وتزاوج الأرواح ، بغرض كف شرور السحرة والسحر .
ولا شك في أن العديد من القبال العربية في شمال السودان تميزت هي الاخري بعادات وتقاليد مختلفة عن ذات القبائل العربية التي تجاورها كما هو الحال بين قبائل الجعليين والشايقية – وكثير من القبائل العربيةالأخري - الذي نلحظ في أساس التمييز بينهما أصول موروثات أفريقية أصيلة من مثل عادات " الشلوخ ، ودق الشلوفة ، والمشاط ، وكل صور الأوشام المستخدمة علي الجلد ، وكذلك نجد الطبول الأفريقية التي تستخدم في مختلف أغراض ومناسبات المجتمع ونذكر هنا علي سبيل المثال طقوس الزواج والختان وكسوة نحاس السلطان ( علي دينار ) " ، يضاف إلي كل ذلك ( العنقريب ) الذي يرجع بتاريخه إلي الحضارات السودانية القديمة ، بحيث تطورت أشكاله وإستخداماته وفقاً للحاجة وأساليب الحياة . ونشير في هذا الصدد إلي ( كرسي الككر ) و ( الطاقية أُم قرينات ) . كما يذخر الأدب الشعبي السوداني ، بالعديد من الصور التي صكَّها الخيال الأقريقي الجامح من مثل الشخصيات النمطية التي يقوم عليها بناء الحكاية الشعبية في معظم الأحيان ( ود أُم بعلو ) و ( أبو نيران ) و (أم كروتو ) و (الغول ) و ( الألتية ) وغيرها من الشخصيات المركزية الأخري في بناء الحكاية الشعبية . وكذلك بعض العادات المستخدمة في الطب الشعبي من مثل ( الكي بالنار ) و ( الفصد بالموس ) و ( التشليعة ) و (الحجامة ) .
كل هذا الإرث الثقافي ذو الطابع المزدوج ، لايتم فيه التمييز بين أصل أفريقي وآخر عربي أثناء ممارسة الفعل الإجتماعي والموقف المحيط به ، وتشكل مجموع هذه العادات والممارسات أجنة ثقافة جديدة كلياً ، تختلف عن المنبت الذي أنشأها وتختلف في ذات الوقت عن الوافد الذي لإتصلت به ، لتصبح من بعد ذلك ، بنيةً ثقافية ، لها قوامها الخاص ونسقها الذي تنتظم بداخله . وتحكمها كذلك قوانينها الخاصة أيضاً من حيث التأثير علي منظومات التفكير الخاصة بالفرد المتواجد داخل إطارها العام ، كسمة من سمات التوحد متعدد الأصول والمنابت ، غير المرتبط بمجموعة إثنية محددة أو فواصل جغرافية تعيق مسار حركته أو قانوناً ( للمناطق المقفولة ) . ويمكن في نهاية الأمر إعتبار هذا التزاوج الخلاق ، الأساس الذي تنبني عليه فروض إمكانية التعايش بين هذه الثقافات المختلفة ويشير في ذات الوقت ، للكيفيات التي تنتظم بها عناصر الثقافات السودانية والتي ليس بالضرورة أن يكون إنتظامها هذا ، مبنياً عي أُسس الإنتظام المنطقي للثقافات كما يستبان ذلك في حالات التدين سابقة الذكر ، أو في حالة المرجعيات المتعددة للمجموعة الإثنية الواحدة .
ونقول في ختام مقالنا هذا " أن خير ما يحكي تلاقح عاداتنا الثقافية المختلفة وتزاوجها عبر التاريخ ، هو ما يسجله حفل عرسٍ سوداني . ففية تجتمع أواصر معظم الثقافات المكوِّنة لخارطتنا الإثنية في السودان ، فالعقد والحنة والضريرة ، تشير إلي موروث عربي الأصل والمنبت ، والجرتق والعلجة والسومار والبرش والسوميت والسباتة ، تدل علي موروث التيار النوبي ، والشبال والسكسك تدل علي التيار التبداوي ، وتدل الدلوكة علي أصل أفريقي " .
إذن ، لعب التاريخ دوره المعهود في تغيير بنية الثقافات السودانية أيما تغيير ، وأصبح الحديث عن ( مجموعة إثنية ) في السودان تقوم علي إقتراض النقاء وثبات منظومات القيم بداخلها ، ضرباً من ضروب اللاتاريخية ، والقفز علي معطيات واقع فعلي معاش ، تضافرت لإنتاجه العديد من العوامل المختلفة ، وأصبحت بموجب هذه التحولات الحثيثة ، قضية الهوية السودانية ، قضية تواجهها مهام الإعتراف بمعطيات هذا الواقع الجديد الذي ليس عربياً البتة ، وفي ذات الوقت ، لايمكن النظر إليه علي أساس أنه أفريقي . وتظل المشكلة وفق هذا المنظور ، مشكلةً تعتمد علي ضمان وجود التشريعات القانونية التي تكفل لهذه الثقافات حقها في تمام ما بدأته من تلاقحات خصبة ، في أطار دولة مدنية ومجتمع مدني يحتوي علي كامل مؤسساته المختلفة التي توفر ما يتيح لهذه الثقافات ، ضمان الرهان التاريخي وفق معطيات حركة الطبيعة والمجتمع .





#راشد_مصطفي_بخيت (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ما بعد الهوية ، جدل الثقافات ضمن حركة التاريخ (3)
- ما بعد الهوية ، جدل الثقافات ضمن حركة التاريخ (2)
- ما بعد الهوية ، جدل الثقافات ضمن حركة التاريخ (1)
- الماركسية والفن . جدل السلطة وإعادة البناء
- خطاب الهوية في المسرح السوداني زمرة التجلي والكيقيات
- صياغات جدلية حول أطروحات التجديد في الفكر الماركسي
- حوار مع المفكر اللبناني كريم مروة


المزيد.....




- حكومة حزب العمال البريطاني تنحرف يمينا.. تحوّل ظرفي أم جذري؟ ...
- محطات تاريخية في مسار النزاع بين تركيا وحزب العمال الكردستان ...
- مصطفى علوي// معركة قرية با محمد.. حين يصير الجسد سلاحا في م ...
- كسر الفجوة الرقمية بين اليسار والرأسمالية، مهمة اليسار العاج ...
- م.م.ن.ص// التاسع من مايو 1945: ذكرى النصر على الفاشية وإر ...
- مقدمة من طبخت العشاء الأخير(تاريخ العالم كما ترويه النساء)
- نقاش. ”الفوضى المبرمجة التي تغرق ترامب“
- قرار تاريخي صدر عن المؤتمر العام للنقابات النرويجية: تبنّى ب ...
- فيتسو: سلوفاكيا فخورة بتقاليدها المناهضة للفاشية
- هل سيحلّ حزب العمال الكردستاني نفسه بناء على طلب زعيمه أوجلا ...


المزيد.....

- كراسات شيوعية [ Manual no: 46] الرياضة والرأسمالية والقومية ... / عبدالرؤوف بطيخ
- طوفان الأقصى و تحرير فلسطين : نظرة شيوعيّة ثوريّة / شادي الشماوي
- الذكاء الاصطناعي الرأسمالي، تحديات اليسار والبدائل الممكنة: ... / رزكار عقراوي
- متابعات عالميّة و عربية : نظرة شيوعيّة ثوريّة (5) 2023-2024 / شادي الشماوي
- الماركسية الغربية والإمبريالية: حوار / حسين علوان حسين
- ماركس حول الجندر والعرق وإعادة الانتاج: مقاربة نسوية / سيلفيا فيديريتشي
- البدايات الأولى للتيارات الاشتراكية اليابانية / حازم كويي
- لينين والبلاشفة ومجالس الشغيلة (السوفييتات) / مارسيل ليبمان
- قراءة ماركسية عن (أصول اليمين المتطرف في بلجيكا) مجلة نضال ا ... / عبدالرؤوف بطيخ
- رسائل بوب أفاكيان على وسائل التواصل الإجتماعي 2024 / شادي الشماوي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - راشد مصطفي بخيت - ما بعد الهوية ، جدل الثقافات ضمن حركة التاريخ (4)