أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ثائر العذاري - فضاء الصغائر .. قراءة في قصص إيناس البدران














المزيد.....

فضاء الصغائر .. قراءة في قصص إيناس البدران


ثائر العذاري

الحوار المتمدن-العدد: 1990 - 2007 / 7 / 28 - 06:21
المحور: الادب والفن
    


لعل أهم ما يميز القصة كفن من فنون السرد، تلك التكنيكات الكثيرة التي يستخدمها كتاب القصة لإكساب قصصهم صفة الواقعية وإمكانية التصديق. و في هذه المقالة أحاول استقراء تكنيكات من هذا النوع وظفتها قاصة أعجبت باختيارها للمواقف القصصية التي تبني عليها قصصها.
في قصص ايناس البدران نلمس توظيفا واعيا للتفاصيل الصغيرة تماما مثل وعي الرسام بأهمية الخلفية التي يرسمها وراء شخصيته في لوحة بورتريت مثلا.
في قصة (إشارات ضوئية) نجد أنفسنا أمام امرأة جامحة تمتلك من الطاقة أكثر مما تستوجب الحياة الروتينية ، وفي النهاية تقتلها طاقتها الزائدة التي لا تجد لها تصريفا. والبدران تجعل سير بطلتها الى الموت مقنعا بالاعتماد على التفاصيل الصغيرة:

((وكعادتها كلما حاصرتها الاسئلة لجأت الى تحريك رأسها والدندنة مع الموسيقى خوفا من الوقوع في مصيدة الاكتئاب .
ترددت اعماقها كالعادة في الاجابة لكن هذا لم يمنع شريط الذكريات من الدوران والتوقف عند اهم المحطات والمعالم التي ارخت فيما بعد اعوام عمرها .
ضغطت بشدة على دواسة البنزين فأنطلقت المركبة بسرعة اكثر جرأة من السابق.))

ذكر دواسة البنزين وتحريك الرأس والدندنة تفاصيل لا تضيف شيئا الى الحكاية، لكنها أضافت الكثير الى بنية القصة، فنحن أمام صورة تفصيلية كأنها مقطع من شريط سينمائي ، والمهم أن ايناس لم تذكر هذه التفاصيل لتكون قصتها قابلة للتصديق فحسب ، بل أننا سنكتشف أن السيارة بحركتها هذه تمثل ثيمة مهمة لفهم طريقة تفكير البطلة إنها تسرع باتجاه الموت كهدف حتمي.
وفي (النمرة) نقرأ:
((من نافذتها لمحته يترجل يقفز درجات السلم بحيوية لا تتفق وسنه .. هاهو النسر يحوم ثانية وعلى محياه مشروع ابتسامه تحمل معنى الظفر ممزوجا بالاستخفاف .. اصداء صرخاته تجلجل في الاجواء تثير شهية نسور اخرى صارت تقترب بلزوجة من غزال نافق))

هذه اللقطة التصويرية ليست فقط لإكساب القصة شيئا من الدينامية بل إن إيناس توظفها توظيفا ماهرا لتنقل الى اذهاننا شعور البطلة وزاوية نظرها.فهي ترى رجلها وقد شاخ ما زال يتصابى ويظهر بمظهر الشباب، وهي تتهمه بالتصنع والنفاق فابتسامته زائفة كان يتصنعها بينما هو في الطريق الى الطابق العلوي.

وفي (الحلزون) تتخذ التفاصيل الصغيرة وظيفة أخرى ، فهي ترسم العالم المعادي للبطل وتتحدى عجزه وهو يقبع في كرسيه.

((في الليالي المسهدات وبعد ان يمل استجداء النوم كان يصيخ السمع لهمهمات الصمت ونقيق الضفادع وهي تعزف بالتناوب نغماتها النشاز علي اوتار اعصابه المتعبة ، فيتشاغل عنها بالتامل في عيون الكتب حتي اذا ادركه التعب انصرف الي مراقبة عنكبوت ضخمة انتقت الزاوية الشمالية من سقف غرفته مكانا لتنسج خيوط بيتها الواهي ، وتتحرك بغرور موزعة لعابها في كل الاتجاهات ، وقد ضايقه بعض الشيء ان نسجها امتد ليحتل ربع مساحة السقف تقريبا))

البطل رجل مشلول يجلس على كرسي متحرك ، وهو يتأمل هذه العنكبوت هنا بحنق وحقد ، فهي تستهتر بعجزه وتحيطه بنسيجها وهو غير قادر على ايقاف هذا الاستهتار.
قصة (عواء ذئب) تحمل تكنيكا متقدما في توظيف التفاصيل الصغيرة , فالقصة مبنية على أسطورة غربية قديمة تسمى(الاستذآب) ، مفادها أن الذئب اذا عض انسانا في ليلة مقمرة فان ذلك الإنسان يتحول ذئبا، ولولا أني أحسن الظن لاتهمت البدران بسرقة القصة من قصة أمريكية ، خاصة أنها متخصصة بالأدب الإنكليزي، ولكن يشفع لها أنها كثيرا ما وظفت الحيوانات كرموز للمشاعر في قصصها.

((قربت وجهها من الشباك اكثر تستجلي ما تخفيه العتمة .. لامست انفاسها الدافئة الزجاج الثلجي مكونة غلافا ضبابيا اعاق الرؤية اكثر .
بأصابع مرتعشة فتحت مصراعي النافذة فدهمتها ريح قاسية تجاهلت سكاكينها وعبثها بالستائر ..))

التفاصيل الصغيرة هنا تصور البيئة ، ويمكن أن نلاحظ كيف أن إيناس أشعرتنا بالبرد القارص ، من غير أن تستعمل كلمة برد أو بارد أو أي مرادف لهما.

في القصة فيما بعد تتحول البطلة الى ذئبة وترافق الذئب الذي دهم بيتها ليلا الى البرية، لكن لنتأمل الحوار الذي يدور بينها وبينه قبل ذلك:

((- ما هذا الاحمر الذي يصبغ خطمك أ هو دم ؟
علت فمه ابتسامة فسقطت منه وردة حمراء .. ثم وهو يوميء لها برأسه
- لقد التقطتها لك يا اميرتي وسقيتها بدماء قلبي الا تعلمين اني اوفى المخلوقات ؟
قالت والدموع في عينيها :
- خذلني الجميع حتى نفسي ، ثم وهي مخنوقة بالعبرات - لكنني ابدا لم اصبح ذئبة مثلكم .. قاطعتها انفاسه البيضاء الغاضبة

- أضحكتني هل صدقت ما يروجونه عنا من اكاذيب نحن لانقتل الا لنظل على قيد الحياة . ونحرص ان يتم ذلك بأنسانية ، عفوا اقصد بذئبية تامة وخلال ثوان ، اما هم فأنهم يقتلون ببطء قد يمتد لأعوام طمعا او كراهية او حتى للمتعة . انبثق من عينيه شعاع شفيف ركز فيه كل عزمه وهو يناجيها
- تعالي معي .. سأحررك الى الابد من كل ما يخيف البشر او يعذبهم ، سنتحد بشعاع الشمس وضوء القمر بأديم الارض وقطرات المطر ، سأعلمك لغة النحل والسنبلة والسير فوق الغمام وقوس قزح ، سنعوم معا تحت شلال الابدية وسأطعمك عنبا بريا))

التفاصيل هنا تصبح مفتاحا لفهم القصة ، فالذئب يقدم للبطلة وردة حمراء ، ونحن نعلم أن هذا عرف إنساني بين المحبين أن يتبادلوا الأزهار الحمراء. وفي هذا الوصف لعملية الافتراس:

((....... ونحرص ان يتم ذلك بأنسانية ، عفوا اقصد بذئبية تامة وخلال ثوان.))

يستخدم الذئب كلمة (انسانية) التي لولاها ما كنا لنفهم قصده بكلمة (ذئبية) ، لكن هذه الكلمة والوردة الحمراء قبلها لابد أن تقودنا الى أن نفهم الثيمة المهمة والتي تعمدت ايناس أن لا تقولها في قصتها وأن تختبر ذكاءنا في قدرتنا على الاستنتاج، وهي أن هذا الذئب ذاته كان يوما ما انسانا لكنه تحول الى ذئب في ليلة مقمرة كهذه.

[email protected]



#ثائر_العذاري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الشفاهية..الداء المستعصي في الثقافة العربية الحلقة 1
- الشفاهية..الداء المستعصي في الثقافة العربية الحلقة 2
- الشفاهية..الداء المستعصي في الثقافة العربية الحلقة 3


المزيد.....




- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ثائر العذاري - فضاء الصغائر .. قراءة في قصص إيناس البدران