أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - تيسير خروب - عبد الله بن سباء...بين الاسطورة والواقع















المزيد.....


عبد الله بن سباء...بين الاسطورة والواقع


تيسير خروب
كاتب وباحث

(Taiseer Khroob)


الحوار المتمدن-العدد: 1958 - 2007 / 6 / 26 - 10:45
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


لم يواجه المسلمون معضلة في تاريخهم الديني والسياسي مثلما واجهتهم مشكلة اختيار الخليفة او الامام بعد مقتل الخليفة عثمان رضي الله عنه .فقد اصبح المسلمون يوم مقتل عثمان بدون خليفة او امام يدبر لهم شؤونهم اليومية سواء كانت الدينية منها او السياسية واقرار النظام ونشر العدل والمساوآة واحقاق الحقوق بين المسلمين.وقد انشغل المسلمون بهذه المسألة اشد انشغال وانقسموا فيها اشد ما يكون الانقسام والفرقة.فكل طرف منهم كان يرى الحق الى جانبه ويخطيء غيره مهما كانت مكانته من الدين وصحبته للرسول صلى الله عليه وسلم وبلاءه في الاسلام والذود والدفاع عنه.
فأما كثرتهم فكانت ترى وتستهجن بأستغراب ما آلت اليه امور المسلمين وتهم بالاصلاح ونبذ الفرقة فلا تجد لذلك سبيلا .وفريق منهم اختلطت عليه الامور فلم يعد يميز الحق من الباطل فالتزموا الحياد واعتزلوا الفتنة مترقبين ما تؤول اليه الحال.وفريق ثالث لم تصرفه الاحداث ولم تزيده الا انشغالا بهذا الامر والسعي للمشاركة بهذا الحدث العظيم الذي سيجر على الامة البلاء والفرقة واراقة الدماء المسلمة بايدي مسلمة ايضا.
فهذا علي بن ابي طالب الصحابي الجليل وابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم والمشارك في وقائع المسلمين كلها ضد الشرك واعداء الله والسابق الى طاعة الحق والاخلاص في عقيدته ودينه الناصح للمسلمين نراه يقف من هذه الفتنة التي حلت بالمسلمين موقف المصلح المشفق على حال الامة ويسعى باجتهاد الى احتواء الازمة ونبذ الفرقة ولم الشمل ويحاول التوسط بين الثائرين على عثمان لاشياء يرونها خروج عن الشرع واولوها حسب ما فهموها ويعتقدونها وبين عثمان الذي طالت سنوات حكمه حتى مله الناس ومل منهم حسب ما نقلته لنا كتب المؤرخين.وحاول رد الثائرين وتهدئتهم وان يقف الى جانب خليفته ويدافع عنه فلم يستطع لذلك سبيلا.فقد كانت الثورة قد افرخت وعم البلاء اهم الامصار الاسلامية ونقصد بها الكوفة والبصرة ومصر حيث كان لكبار الصحابة مصالح وتجارة مع اهلها وبالتالي لهم فيها عزوة ومناصرين لهم ينتظرون اشارة منهم امثال الزبير وطلحة وعمر بن العاص .
وفي ظل هذه الخطوب تم اختيار علي بن ابي طالب خليفة للمسلمين وبايعه بالخلافة والسمع والطاعة عامة المسلمين في معظم الامصار الاسلامية الشام والذي كان واليها زمن عمر بن الخطاب وعثمان وهو معاوية بن ابي سفيان المطالب بدم عثمان المقتول من قبل الثائرين به والناقمين على سياسته.
ولكن اشخاصا بعينهم ابوا مبايعة الخليفة الجديد :امثال سعد بن ابي وقاص وعبد الله بن عمر وطلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام .فترك الخليفة اثنين بعد ان تعهدا امامه ان لا بأس عليه منهما فخلا بينهم وبين ما ارادوا واقر اجبار الاثنين الاخرين طلحة والزبير على البيعة لانه كان يخشى سعيهم لافساد الامر.
وهنا ظهرت مشكلة القصاص من قتلة الخليفة عثمان التي اراد علي حلها بالتروي والتثبت من الامر والتحقق من قتلته بعينهم والاسباب التي آلت اليه الامور.لكن معاوية بن ابي سفيان والي الشام وولي عثمان والمطالب بدمه لم يرضيه هذا الابطاء او التاجيل وطالب الخليفة بسرعة تسليمه قاتلي عثمان على عجل لينزل بهم القصاص فكان هذا استفزاز وخروج على امر الامام يضاف الى امر اخر ومهم وهو رفض معاوية مبايعة علي بالاخلافة واخذ البيعة له من عامة اهل الشام.
هنا تبرز مشكلة شرعية الامامة وعدم الاعتراف بالخليفة ومن ثم الخروج عليه ومحاولة تدبير خلعه. ومن هنا نرى ان طائفة من المسلمين خرجت من دائرة الدين وجزاء الاخرة وتطلعت الى الدنيا والمصالح الشخصية.بمعنى اخر الخروج من حلقة الدين والعقيدة وتعاليم الاسلام الى النظام السياسي المتأثر بالاهواء والمصالح وابرام الصفقات المنفعية و المبنية على الوعود والاغراءات الدنيوية.
كان مقتل عثمان اذن نتيجة ثورة جامحة وفتنة افرخت قلبت نظام الدولة الاسلامية راسا على عقب وشبه على الرعية امورهم حتى اصبح فيهم الحليم حيران وانتشر الخوف وعم البلاء المدينة كلها اياما طويلة ثم انتشر منها الى بقية الامصار الاسلامية والثغور فأضطربت النفوس اشد الاضطراب وجهز الثائرون الجنود والمقاتلين لا ليرسلوها الى الجهاد ونشر الاسلام وتوسعة الدولة الاسلامية كما كان ينبغي لهم ان يفعلوا ولكن ليرسلوها هذه المرة الى عاصمة الدولة الاسلامية الدينية والسياسية ظنا منهم انهم بذلك يرفعون الخوف والبلاء عن اهلها ويردوا الحق الى اصحابه ليتفرغ الخليفة الجديد لحكمه والسير بهم من حيث انقطعت سيرة عمر وابا بكر.لكن الحالة لم تجري على هذا المنوال فكلما مضى يوم على هذه الفتنة كلما ظهرت خطوب اخرى وتمرد طائفة اخرى وخروج رمزا اخر من رموز الدولة الاسلامية على الخليفة نفسه ومخالفته والتصدي لحربه بالسيف اخر الامر كما جرى من خروج طلحة والزبير وعائشة الى مكة ومحاولة تجهيز معارضة عسكرية ضد الخليفة وبالتالي حدوث الصدام الدموي بينهم وبين علي بعد ان انظم وانحاز الى كل طرف جماعة من المسلمين يرون هذا الحق مع هذا فيتبعونه ويرون غيرهم على الباطل يبغضونه ويحاربونه ويكفر بعضهم بعضا ويقتل بعضهم بعضا وهم جميعا مسلمين مثلما حدث في معركة صفين والجمل والتي قتل فيها من المسلمين الالوف بما فيهم المبشرون بالجنة امثال طلحة والزبير وعمار بن ياسر وغيرهم الى ان قتل الخليفة علي نفسه على يد ابن ملجم لتفتح بذلك صفحة جديدة في التاريخ الاسلامي لم تستطع كل الصفحات التي تلتها ان تزين السواد الذي لحق بهذه الامة ايام الفتنة.
ما يهمنا هنا هو موضوع مقالتنا هذه وهو شخصية ابن سباء او ابن السوداء او اليهودي كما يحلوا للبعض ان يسميه سواء كان المؤرخين القدماء والذين نقلوا لنا سيرته والاحداث التي شارك فيها ووقعت نتائجها على الامة الاسلامية او المحدثين الذين اسرفوا في ارجاع اسباب الفتنة والفرقة واراقة دماء المسلمين بايدي مسلمة الى هذا السوبرمان الخارق الذي بيده مفاتيح كل باب مغلق.......
تكاد تجمع كل الروايات التاريخية التي نقلها لنا المؤرخين المسلمين ان بذور الفتنة والسبب الرئيسي لها هو رجل يقال له عبد الله بن سباء وشهرته ابن السوداء لان امه كانت سوداء من بلاد الحبشة وهو من صنعاء او حمير وكان يهوديا من يهود اليمن اظهر الاسلام وباطنه الكفر بالاسلام والسعي للكيد له والتقليل من اثره في البلاد.ثم سلك في مذهبه مبداء التشيع لعلي وهو الذي تنسب اليه فرقة السبئية الذين قالوا بالوهية علي واحراقه لطائفة منهم بعد ان غالوا في اقوالهم وهذا ما نقلته معظم الروايات التاريخية في كتب الصحاح والسنن والمساند مثل تاريخ الطبري وتاريخ دمشق لابن عساكر وخبر احراقهم عند ابو داوود في سننه والنسائي والحاكم في المستدرك .
وتسهب الروايات في القول ان هذا اليهودي لما رأى امر الاسلام ينتشر ويقوى بهذه الصورة رأى ان يكيد له من داخله فاول ما بداء بمدينة الرسول ومركز الخلافة الاسلامية وعمود الحكم فيها فأظهر القول بالرجعة أي رجعة الرسول صلى الله عليه وسلم بعد الموت مثلما سيرجع عيسى عليه السلام ليصل اخر الامر الى القول برجعة علي اثر مقتله وانه سيملاء الارض عدلا كما ملئت جورا وظلما.ثم نراه يتستر بمحبته لآل البيت ونصرته وتأييده لخلافة علي وان من سبقه من الخلفاء قد اغتصب حقه وهو الاولى بولاية المسلمين وحكمهم وقد سلك في ذلك مسالك وعرة محاولا اثبات احقية علي في الامامة وخلافة المسلمين وهو اثناء ذلك يكسب الاتباع والمؤيدين له ولقضيته سرا وعلانية.ثم نراه لا يرضى بهذا العمل اليسير غير مكتفيا بمن سلك مسلكه ولا من رأى رايه فنراه يترك المدينة الى الشام محاولا زيادة اتباعه ونشر مذهبه ثم عندما لم يجد ضالته هناك من كسب الاتباع توجه الى الكوفة ومن ثم البصرة... وهناك نراه يجد ضآلته ويرى في هذين المصرين تربة خصبة لتعاليمه وبث سمومه فيكسب الى جانبه ما لم يكسبه في المدينة والشام من الاتباع الى ان يصل به الترحال الى مصر ليستكمل هناك ما بدأه في المدينة فيزيد في اتباعه حيث بلغ عدد من تبعه سواء في البصرة او الكوفة او مصرستمائة الى الالف في كل مصر من الامصار الثلاث (ما مجموعه 1800في المقل و3000في المكثر)
بعد ذلك اتجه ابن سباء الى هدفه المرسوم وهو خروج الناس على الخليفة عثمان فصادف ذلك هوى في نفوس بعض القوم بعد ان حسن لهم حق علي في الخلافة وانه مهضوم الحق وجعل عثمان مغتصبا لحذا الحق ومعتد عليه ثم جرت المراسلات بين اتباعه في كل مصر والاتفاق في الشخوص الى المدينة والقيام بما عزم عليه القوم وهو التخلص من عثمان نهائيا بعد تصفيته جسديا بقتله0 وهذا ما تم فعلا وجر على الامة البلاء العظيم.
وفي اثناء هذه الخطوب كلها بدءا من قتل عثمان وتولية علي وخروج والي الشام معاوية مطالبا بدم عثمان وعدم اعترافه بشرعية استخلاف علي ومحاولة رأب الصدع بين الفريقين والتوفيق فيما بينهم لحقن دماء المسلمين وارجاع الامر الى ما كان عليه ايام دولة الرسول صلى الله عليه وسلم وخلافة عمر وابا بكر والنصف الاول من خلافة عثمان من الامن والاستقرار ورغد العيش ونشر الاسلام وارساء قواعد الدولة الاسلامية الفتية وتثبيت اركانها نرى ابن سباء يكيده هذا كله ويقض مضجعه فلا يثنيه ذلك الا الكيد للاسلام والنيل من اصحاب النبي عليه السلام مدركا ان الصلح والعافية بين الفريقين علي ومعاوية لا يتفق واهدافهم وسيجعل علي يقوى بانضمام المسلمين حوله فيجعله في النهاية قادرا على النيل منهم واقامة الحد عليهم وانزال القصاص بهم باعتبارهم قتلة عثمان ولذا نرى زعيمهم عبد الله بن سباء والموجود في معسكر علي غصبا عنه مع اتباعه المشاركين له في سياسته وتخطيطه فلا يجد علي قوة ولا حيلة لاستبعادهم واتقاء شرهم او النيل منهم لقوة نفوذهم وعصبية قبائلهم مما اضعف من صلابة وتماسك جيش علي ووحدته وتجانسه واثار الفرقة والانقسام فيما بعد. فأي عصبية كان يشكلها ابن سباء؟ وهو لا يعرف عنه الا انه من اليمن كان يهوديا اعتنق الاسلام زمن خلافة عثمان ولا ندري في أي سنة من خلافة عثمان الطويلة اسلم وكيف كان اسلامه وسلوكه الديني بين المسلمين وهل ظهر في حياته الاسلامية ما يثير الشكوك قبل الفتنة والخروج على الخليفة؟ وهل كان اتصاله فقط مع المارقين والمنافقين والمشكوك في اسلامهم ؟ واذا كان الامر كذلك هل خفي امرهم على الخليفة واعوانه ومستشاريه وكبار الصحابة وابنائهم؟. الذين لا يقلون عنهم حرصا وخوفا على الدين والدفاع عنه حيث راح ضحية هذه الفتنة الغامضة في معركة الجمل قرابة ال20 الفا من المسلمين بمن فيهم صحابيان مبشران بالجنة : طلحة والزبير الذين كانا في مواجهة خليفة مبشر ايضا بالجنة بالاضافة الى (عمار بن ياسر الذي قتل في هذه الفتنة) وخروج عائشة ام المؤمنين مع الجيش الثائر ضد علي! فاذا كان عبد الله بن سباء تستر بالاسلام على يهوديته وكاد للمسلمين. فما الذي دعا ودفع كبار الصحابة مع ابنائهم للخروج والاقتتال فيما بينهم؟ حتى راح ضحية هذا القتال الالاف من المسلمين والابرياء امثال طلحة والزبير وعائشة وابن عباس وعلي والحسن والحسين ومحمد بن ابي بكر وغيرهم كثير.
لنعود الى شخصية ابن سباء وتعدد الروايات في اصله ونسبه. قلنا سابقا انه من اليمن سواء كان من سباء او حمير كما جاء في تاريخ الامم والملوك للطبري او في تاريخ دمشق لابن عساكر.لكن البلاذري يقول لنا في انساب الاشراف ان ابن سباء من قبيلة همدان وهم بطن من كهلان من القحطانية . ثم ينسب عبد القادر البغدادي في روايته عن ابن سباء في الفرق بين الفرق ان ابن سباء من اهل الحيرة.
ويروي ابن كثير في البداية والنهاية ان اصل ابن سباء من الروم فيقول:وكان اصله روميا فأظهرالاسلام واحدث بدعا قولية وفعلية قبحه الله.
نلاحظ مما سبق اختلاف الرواة والمؤرخين في اصل ونسب ابن سباء هل هو عن غفلة وعدم دراية به وباصله ونسبه وموطنه من قبل المؤرخين؟ لطول الفترة التي انقضت على تلك الفتنة وتأخر التدوين وكتابة التاريخ الاسلامي الذي بداء تقريبا في العصر العباسي الاول والذي لم يخلوا ايضا من التحريف والتزييف والاهواء وكتابة ما يريده السلطان.ام عن قصد وتعمد لالصاق تهمة ما حدث الى شخصية اسطورية. تارة يقودنا الحدث والنتيجة الى تصديقها. وتارة يبعدنا الخيال والتشتت الى استبعادها وفي النهاية اسقاطها من حساباتنا.فما هو الهدف من الاختلاف في اصل ونسب شخصية كان لها اكبر الاثر في احداث شق واسع في جسم الدولة الاسلامية وانقسامها واحداث احداث جسيمة طالت الدين نفسه والعقيدة نفسها والثوابت التي قام عليها الاسلام.كيف لا وقد انقسم المسلمون وحارب بعضهم بعضا وقتل بعضهم بعضا وسفك بعضهم دماء بعض بدون تثبت او تحقيق اللهم الا مقولة علي بن ابي طالب التي قال فيها ردا على سؤال احد اتباعه:ما مصير من قتل من الطرفين المتقاتلين.فكان جواب علي ان من قاتل فقتل وهو لا يريد بقتاله الا الحق ولا يبتغي به الا رضى الله فهو شهيد!!!؟. وهناك حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمار بن ياسر حيث يقول له:تقتلك الفئة الباغية.فيدرك عمار الفتنة وينحاز الى جيش علي ونصرته ويقتله جيش معاوية فيقوم احد اتباع علي مروعا لمقتل عمار فيقول لمعاوية انحن اذا الفئة الباغية التي عناها الرسول صلى الله عليه وسلم؟ فيرد عليه معاوية بكل هدوء واطمئنان: الفئة الباغية هي من اتت به الى ساحة القتال وتسببت في قتله(يعني علي).فيسكت الرجل مقتنعا ويقتنع معه من كان ينتظر ويترقب جواب معاوية. فاين ذهب الدم المسفوك؟ وما مصير من قتل...واين هو الظالم ومن هو المظلوم؟ ومن هي الفئة الباغية؟. واين هي فئة الحق والنور؟. اسئلة كثيرة لا نقدر على الاجابة عليها .ببساطة لان من كان يعرف اجابتها وشارك في مجريات احداثها واكتوى بنارها هو من اخفى عنا الاجابة وصرفنا عن الخوض فيها حتى لا نستنتج اجابات من عندنا ونحكم على الافراد كافراد مثلما كانوا ينظرون الى بعضهم البعض كافراد لا قداسة لهم ولا تعظيم. تجمعهم وتفرقهم اجتهاداتهم وتوجههم مصالحهم واهوائهم محاولين التوفيق بين الدين والدنيا... وفقوا في بعضها وفشلوا في بعضها الاخر .
ومن خلال تلك الروايات التاريخية والاشارات او الوقوف عند الحد الفاصل بين الحق والباطل وبين ما جرى حقيقة وبين ما لم يجري حقيقة نستطيع ان نقول ان المعلومات التي وصلتنا عن تلك الفتنة الكبرى قليلة جدا ومقتضبة جدا ومحيرة جدا لا تهدي الى سبيل ولا تشفي غليل ولا تغني عن جوع وتعطش لمعرفة الواقع الذي حدث. خصوصا تلك المصادر الاسلامية التي لم تبين او تذكر حقائق وافية عن نشأة ابن سباء.و سبب تلك الفتنة ومحركها ومن اشعل شرارة نارها المؤججة فعلا؟ وما هو استعداده لاشعال وهيجها ؟ ومتى بداء ذلك؟ قبل اشهار اسلامه ام بعد! وما هي تحضيراته للمضي في فعلته تلك؟ ومن هي الفئة الباغية التي ايدت طروحاته وسلكت الطريق التي سلكها هذا اليهودي الدخيل؟ او من هي الرموز المعروفة والمشهورة التي ساندته سواء في العلن او الخفاء ؟ فالمعلومات التي بين ايدينا لا تكاد تخبرنا عن ماضي حياة ابن سباء قبل نشوب الفتنة فهناك صمت مطبق على كل شيء يخص هذه الشخصية وما يتعلق بها سوى الصاق تبعة ما حدث على هذا المتمرد الباغي على الاسلام واهله... وكأنه جسم من السماء هبط فجأة لينشر الفساد والفتنة في جسم الدولة الاسلامية التي بناها الرسول صلى الله عليه وسلم بوحي من الله فكان القران دستورها وصحابته القائمين عليها يحمونها ويذودون عنها بالغالي والنفيس بذلوا ارواحهم وضحوا بفلذات اكبادهم وباعوا الدنيا بثواب الاخرة ابتغاء الجنة امثال ابا بكر وعمر وابو عبيدة وابو هريرة وسعد بن ابي وقاص وشرحبيل بن حسنة وجعفر بن ابي طالب وآل ياسر وغيرهم وغيرهم كثير...فكيف يعقل ان يأتي فرد واحد مشكوك في اسلامه واخلاصه للمسلمين فيثير فتنة كبيرة راح ضحيتها الالوف من المسلمين بايدي مسلمة تعطل خلالها الجهاد والفتح وحماية الثغور واطمع فيهم الروم لولا ان اشترى معاوية بن ابي سفيان حيادهم بالمال ليتفرغ لمحاربة علي بن ابي طالب وانصاره . فاي خطب عظيم اصاب هذه الامة بفعل تحريض ودسائس شخص واحد! وهل يغفل المسلمون عن هكذا امر ويتركوا استفحال امره ليصير الى ما وصلت اليه الامور ويفتن المسلم في دينه حتى ركب بعضهم اللبس والتشكك في كل حياتهم :حاضرها ومستقبلها وبقيت آثار هذه الفتنة حاضرة بيننا نحن المسلمون لغاية الان يتحرج فيها العاقل والحليم المبصر ان يخوض فيها خوفا من اتهامه بالخروج عن الجماعة والزندقة ويخشى العامة مثل ذلك خوفا من التهلكة والانجراف في اطلاق الاحكام على صحابة رسول الله وتخطأتهم وفيهم المبشرون بالجنة (مغفور لهم ما تقدم وما تاخر من ذنوبهم باذن الله).
والغريب ان المؤرخين اكثروا من ذكر وتعظيم عبد الله بن سباء واصحابه المجهولين ايام حياة عثمان وعند مقتله وبعده ثم زادوا واكثروا من ذكرهم اياه اثناء المراسلات التي جرت بين الخليفة علي بن ابي طالب وخصومه الذين التفوا حول ام المؤمنين عائشة وطلحة والزبير قبل معركة الجمل ثم زعم هؤلاء الرواة انه وفي الوقت الذي كاد الطرفان يتوصلون فيه الى الصلح والسلم وحقن الدماء المسلمة التي حرم الله سفكها الا بالحق. نرى ابن سباء وصحبه يأتمرون على حين غفلة من علي واصحابه(ابن سباء وصحبه كانوا في معسكر علي يحاربون الى جانبه) فينشبون القتال بين الطرفين (علي جهة وام المؤمنين وطلحة والزبير من جهة اخرى) فجأة حين التقى الجمعان عند البصرة وورطوا المسلمين في شر عظيم.في حين ينتهي دور ابن سباء وصحبه عند هذا الحد ولا نكاد نسمع لهم اثرا بعد ذلك خصوصا في المعركة الثانية التي خاضها المسلمين في صفين.
واقل ما يدل على اعراض المؤرخين عن ابن سباء والسبئية في حرب صفين وانتهاء دوره عند معركة الجمل وانشاب الفتنة انما مرد ذلك هو تبرئة الصحابة من تبعة ما جرى وعدم البت فيمن هي الفئة الباغية وخروج جميع الاطراف المتصارعة براء مما حصل والقاء تبعة ما حصل كله على شخصية ابن سباء الاسطورية التي اكثر وزاد فيها جل الرواة والمؤرخين المسلمين وحملوا الرجل مسؤولية ما حصل كونه كان يهوديا واليهود يكيدون للمسلمين في كل ما يجري لهم . واقول هنا ان جميع ما ذكر قد ذكر وكتب في زمن متأخر حين كان الجدال بين الشيعة والسنة وغيرهم من الفرق الاسلامية الاخرى اراد كل خصم ان يطعن في خصمه ويدخل في مذهبه ما ينقص من مكانته ويضعف مركزه فكان هذا العنصر اليهودي الذي اقحم اقحاما وزج به للتخلص من تبعة الفتنة التي جرت في ذاك الزمن . واستخدام هذا العنصر نفسه بعد ذلك في الطعن والتشهير بالفرق الاخرى التي ظهرت في اواخر العصر الاموي واستفحل امرها وعظم خطرها في العصر العباسي والتي راح ضحيتها عبر السنين الالوف من المسلمين الابرياء بايدي مسلمة ايضا .فالكل يكفر بعضه بعضا والكل يقتل بعضع بعضا ويكيد له ويغتنم الفرصة للنيل منه والحط من قدره.
واخيرا لا اقول ان ابن سباء كان اسطورة خيالية ولا شخصية وهمية وانما كان رجلا من عامة المسلمين ( امره عند الله) .لم يكن له دور ذو شأن فيما حدث هناك ولم يكن ذا خطر كالذي صوره ونقله لنا المؤرخون وصوروا حركاته وعظموا خطره انما هو شخص ادخره خصوم المعارضين وكانوا يشكلون عامة المسلمين فأتخذت هذه الخصومة الونا واشكالا من الجدل والاجتهاد والفتوى كثر في بعضها المكر والكيد والتحاسد والبغض والاختراع. فنرى اهل الشام يكذبون اهل العراق واهل العراق يكيدون لهم ويتربصون لهم للايقاع بهم . وبقيت هذه الخصومة مع مضي الزمان وبعد العهد ليصبح التحقق من الوقائع بات عسيرا. فالذين استباحوا لانفسهم ان يضعوا الاحاديث على النبي صلى الله عليه وسلم لا يتحرجون من ان يستبيحوا لانفسهم وضع الاخبار على اهل العراق واهل الشام ونيل كل طرف من الطرف الاخر ما ينقص من مكانته ويضعف شأنه ويجعله الفئة الباغية التي تحدث عنها نبينا محمد صلى الله عليه وسلم واخبر عنها اصحابه من حوله.
وقد اسهب القصاص والحكواتية في الاماكن العامة والخاصة وفي مجالس سمرهم يتحدثون عن الفتنة فيطلقون العنان لخيالهم ويتركون السنتهم على سجيتها ويتعصبون لقبائلهم من العرب ولعلهم كانوا يبيعون الرضى بالمال فيأخذونه من اولئك وهؤلاء ليحسنوا ذكرهم ويعظموا شأنهم ويزيدوا لهم من المآثر ما كان وما لم يكن ويرووا في هذه المآثر من الشعر ما قيل وما لم يقل.
ومن ناحية اخرى ما كان اصحاب الجدل يستندون اليه من اخبار الوقائع السابقة يؤيدون بها مذاهبهم وآراءهم فيزداد الامر تعقيدا وعسرا لانه يتصل بالدين والعقيدة فالجدل بين الفرق لم يكن عند القدماء جدالا في امور الدنيا وانما كان جدالا في اصول الدين وفيما ينبني عليه من الفروع فكان من اليسير والهين ان يتهم المجادلون خصومهم بالكفر والفسق والزندقة والالحاد وان يشنوا عليهم ما شاء الله مما يتوفر لهم من احاديث وابتكار ما يخدم قضيتهم وجدالهم.



#تيسير_خروب (هاشتاغ)       Taiseer_Khroob#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- دراسة تحليليه بين ثقافة المسلم وغير المسلم
- ردة العالم الاسلامي المعاصر
- العراق000بين هدم الماضي وبناء المستقبل
- الديمقراطيه والانتخابات
- هيمنة الامبراطوريه الامريكيه على العالم
- الدور الامريكي والاوروبي في افشال التسوية بين الفلسطينيين وا ...
- احذروا الملابس الامريكيه والاوربيه000
- المرأه المسلمه وحقوقها الزائفه
- الزواج العرفي هل هو الغطاء الشرعي لمنع جرائم الشرف في الاردن ...
- ازدواجية الثقافه في الفكر العربي والاسلامي
- الاسلام في الفكر المسيحي
- المسيحيه في الفكر الاسلامي
- رحاله غربيين في ديار العرب المسلمين
- الاسلام الحضاري والاسلام المعاصر
- الخلافات الامريكيه الاوروبيه..على ماذا...
- ازدواجية الخطاب الاسلامي واختلاف المعايير الاسلاميه
- سوريا وتصفية الحسابات الدوليه في ظل القرار 1559
- الولايات المتحده الامريكيه والمصلحه في اغتيال الحريري
- اغتيال الحريري والاطراف المتهمه
- المستوطنات الاسرائيليه والاستثمارات العربيه


المزيد.....




- صلاة الجمعة الثالثة من شهر رمضان.. الاحتلال يعيق وصول المواط ...
- السعودية.. الأمن العام يوجه دعوة للمواطنين والمقيمين بشأن ال ...
- صلاة راهبة مسيحية في لبنان من أجل مقاتلي حزب الله تٌثير ضجة ...
- الإفتاء المصرية تحسم الجدل حول فيديو إمام مسجد يتفحّص هاتفه ...
- كيف يؤثر التهديد الإرهابي المتزايد لتنظيم الدولة الإسلامية ع ...
- دولة إسلامية تفتتح مسجدا للمتحولين جنسيا
- فيديو البابا فرانسيس يغسل أقدام سيدات فقط ويكسر تقاليد طقوس ...
- السريان-الأرثوذكس ـ طائفة تتعبد بـ-لغة المسيح- في ألمانيا!
- قائد الثورة الإسلامية يؤكد انتصار المقاومة وشعب غزة، والمقاو ...
- سلي عيالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على النايل سات ولا يفو ...


المزيد.....

- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود
- فصول من فصلات التاريخ : الدول العلمانية والدين والإرهاب. / يوسف هشام محمد


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - تيسير خروب - عبد الله بن سباء...بين الاسطورة والواقع