مآرب عدلاوة في مناهضة التطبيع.
سعيد الكحل
الحوار المتمدن
-
العدد: 8564 - 2025 / 12 / 22 - 16:08
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
جميع تنظيمات الإسلام السياسي جعلت من القضية الفلسطينية "أصلا تجاريا" لما تحققه من مكاسب تنظيمية (الاستقطاب والتوسع التنظيمي)، وسياسية (الفوز في الانتخابات) وإيديولوجية (أسلمة المجتمع + تدجين طيف من التنظيمات اليسارية ومسخ هويتها الأيديولوجية ثم توظيفها في خدمة المشروع الانقلابي للإسلاميين، بحيث تماهت تلك التنظيمات اليسارية في لغتها ومواقفها، مع الإسلاميين (هناوي/وايحمان، منيب/بنكيران، بناجح/غالي..).
لقد اعتاد البيجيديون وعدلاوة على التنسيق في كل القضايا، سواء الوطنية (مناهضة مشروع خطة إدماج المرأة في التنمية ومشاركتهم في مسيرة الدار البيضاء، تعديل الدستور، الانتخابات ما قبل 2021..)، أو قضية فلسطين (تنظيم المسيرات والوقفات الاحتجاجية وجمع التبرعات). لكن ما أن وقّع سعد الدين العثماني على اتفاقية أبراهام حتى انفض التنسيق وتجافى التنظيمان، خصوصا بعد رفض السكرتارية المحلية للجبهة المغربية لدعم فلسطين وضد التطبيع بطنجة، التي تتحكم فيها جماعة العدل والإحسان، أي مشاركة من المبادرة المغربية للدعم والنصرة التي شكلها أعضاء حركة التوحيد والإصلاح وحزب العدالة والتنمية، في مسيرة بطنجة بتاريخ 29 مارس 2025. هكذا صار لك تنظيم مآرب محددة في مناهضة "التطبيع". ويهمنا، في هذا المقام التطرق إلى مآرب جماعة العدل والإحسان كما عبر عنها وكشفها عبد الواحد المتوكل، رئيس الدائرة السياسية للجماعة، في الكلمة التي ألقاها خلال الندوة التي نظمتها الجماعة بمناسبة الذكرى 13 لوفاة مرشدها الشيخ ياسين.
فشل مخططات "القومة".
تقدم جماعة العدل والإحسان نفسها أنها حاملة مشروع "دولة الخلافة على منهاج النبوة" يسعى للقضاء على "دولة السلطان". وقد حدد مرشد الجماعة أسلوب "القومة" (الثورة) للزحف على السلطة والاستيلاء على الدولة والحكم. لأجل ذلك ترفض الجماعة المشاركة السياسية من داخل المؤسسات الرسمية/الدستورية، بحجة أن تلك المشاركة هي "مصالحة مع النظام وترميم لصدعه". ومن ثم، فإن الجماعة تستهدف الشرعية الدينية والسياسية والتاريخية للنظام الملكي عبر اتهامه:
1 ـ بالخروج عن الدين وتخريبه، كما هو ثابت في وثيقة "جميعا من أجل الخلاص" سنة 2008 (لا نعارض من أجل المعارضة، ولا نحصر معارضتنا على مستوى تدبير المعاش، بل نعصي الحكام لأنهم خرجوا عن الإسلام وخربوا الدين وارتضوا أنصاف الحلول وباعوا الأمة لأعدائها).
2 ـ بالوقوف عائقا أمام الديمقراطية والتنمية (إن النظام المخزني بصيغته الحالية وبمنهجيته السياسية أصبح يمثل عائقا أمام الديمقراطية والتنمية في هذا الوطن، كما أصبح مهددا لهوية الأمة في الصميم ومهددا لمصالحها المختلفة، بل أصبح مهددا للاستقرار الإقليمي والمتوسطي بعشرات الآلاف من هكتارات المخدرات، وبهجرة يغذيها بسياسته التفقيرية القاتلة).
لقد فشلت الجماعة في تشكيل تكتل سياسي مناهض للنظام، والذي ظلت تدعو إليه منذ صدور كتاب "حوار مع الفضلاء الديمقراطيين" (1994)، كما فشلت في تحويل احتجاجات حركة 20 فبراير إلى "ثورة" ضد النظام على شاكلة ما حدث في تونس ومصر وليبيا؛ وبعد أن تأكد لها فشل خطة الركوب على الاحتجاجات الاجتماعية لتحويلها إلى "قومة" تأسيا بالثورة الخمينية، غيرت خطتها لتجعل من قضية غزة وقودا للاحتجاجات التي تستغل فيها الجماعة تعاطف المغاربة مع الفلسطينيين ودعمهم المبدئي لقضيتهم، لتوسيع مداها الزماني والمكاني (نظمت الجبهة المغربية لدعم فلسطين ومناهضة التطبيع التي تتحكم فيها الجماعة، 11 مسيرة وطنية شعبية كبرى، و17 يومًا وطنيًا احتجاجيًا تضامنيًا، وأكثر من 210 مسيرة محلية، و700 وقفة محلية، بالإضافة إلى 33 ندوة أو مهرجانًا و90 فعالية أو مبادرة أخرى). كما تمكنت الجبهة من تأسيس 32 فرعًا محليًا جديدًا، ومجموعات مهنية مثل “مغربيات ضد التطبيع”، و”جامعيون ضد التطبيع”، و”مهندسون ضد التطبيع”.
حيّاحَة الجماعة.
كشف عبد الواحد المتوكل عن خطة الجماعة لاستغلال قضية التطبيع في تشكيل جبهة مناهضة للنظام "نحاول أن نجد قضايا راهنة تصلح مادة للنقاش مع أطراف متعددة المشارب، وعيننا دائما على ما يجمع، لا ما يفرق، وعلى ما يؤلف، لا على ما يشتت. فكفى ما نحن فيه من التمزق الذي لا تستفيد منه إلا قوى الفساد والاستبداد". فقد وجدت الجماعة أن قضية دعم غزة ومناهضة التطبيع باتت تشكل ذلك "الجامع" بين الأطراف التي يسهل للجماعة استغلالهم "حيّاحة" لحشد المواطنين في مسيرات تضامنية أو وقفات احتجاجية. فالجماعة تدرك جيدا أنها غير شرعية ولا يمكنها تنظيم مسيرة أو الدعوة إليها، لهذا هي بحاجة إلى أطراف توفر لها المظلة القانونية وتكون لها أبواقا تستعملها في إخراج المواطنين من منازلهم وحشدهم في مسيرات ظاهرها دعم غزة وباطنها تطويق النظام.
إن الجماعة تسعى لاستغلال قضية غزة ومناهضة التطبيع إلى أبعد مدى، ولا تريد لها أن تنتهي. لهذا دعت، عبْر الأطراف "الحيّاحة"، إلى تحديد "يوم وطني ضد التطبيع" هو يوم 22 دجنبر: "إن التأكيد على اليوم الوطني ضد التطبيع، والعمل على إنجاحه، والتعبئة الشاملة له، وإعطاءه بُعده الوطني الجامع، ينبع من الوعي بأن التطبيع ليس قضية فلسطينية فحسب، بل قضية وطنية بامتياز؛ قضية اختراق وفساد، وتهديد مباشر لأمننا القومي، ورهن خطير لمستقبل أجيالنا". بل ذهبت الجماعة وحيّاحوها إلى الربط بين الغلاء في الأسعار وبين التطبيع، في محاولة بئيسة للحشد ضد النظام: "إن غلاء الأسعار، ونهب خيرات البلاد، وتدبير شؤون الدولة لصالح فئة من المفترسين، ما كان ليبلغ هذا المستوى من الاستفحال، لولا استقواء المفسدين وارتهانهم للمحتلّين، وما يفرضه ذلك من سياسات تبعية وإجهاز على الحقوق الاجتماعية والاقتصادية للمواطنين".
ذات التحريض أعاد التأكيد عليه عبد الواحد المتوكل، مايسترو الجوقة " نحن إذن أمام وباء حقيقي ينبغي التصدي له، وترك كل المعارك الهامشية، والخلافات الثانوية جانبا.. والدخول في ائتلاف واسع من أجل بداية صحيحة لنظام سياسي عادل".
واضح، إذن، أن مآرب عدلاوة من مناهضة التطبيع ليس تحرير غزة ولا دعمها، وإنما إعداد القوة البشرية للزحف على الدولة. وحيّاحة الجماعة المشكلون لـ"الجبهة المغربية لدعم فلسطين ومناهضة التطبيع" هم من رفعوا من قبل ولا يزالون يرفعون شعار "الضرب معا والسير على حدى"، بحيث يجمعهم العداء للنظام وليس الحب للوطن.