رسائل خطاب العرش.
سعيد الكحل
الحوار المتمدن
-
العدد: 8421 - 2025 / 8 / 1 - 15:15
المحور:
السياسة والعلاقات الدولية
1 ـ تثمين المنجزات ضمن رؤية إستراتيجية.
تتجلى أهمية خطاب العرش لهذه السنة (2025) في مضمون الرسائل التي تضمنها، وهي موجهة إلى أطراف بعينها، اعتبارا لمسؤولياتها الدستورية أو مواقفها، سواء من الأداء الحكومي أو الإستراتيجية المتبعة. ذلك أن الواقعية تقتضي من الفاعلين السياسيين، أيا كان موقعهم، أن يبرزوا ويثمنوا ما تحقق من منجزات على مستوى القطاعات الحكومية، وضمن ما عبر عن الخطاب الملكي بـ "رؤية بعيدة المدى، وصواب الاختيارات التنموية الكبرى، والأمن والاستقرار السياسي والمؤسسي، الذي ينعم به المغرب". فرغم توالي سنوات الجفاف، وتأثير وباء كرونا والحرب الروسية الأوكرانية على الاقتصاد الوطني، تمكّن المغرب من الحفاظ على توازناته الماكرو اقتصادية والرفع من "الصادرات الصناعية، منذ 2014 إلى الآن، بأكثر من الضعف". والفضل في هذا، كما جاء في الخطاب الملكي يرجع إلى "التوجهات الاستراتيجية، التي اعتمدها المغرب" بحيث "تعد اليوم، قطاعات السيارات والطيران والطاقات المتجددة، والصناعات الغذائية والسياحة، رافعة أساسية لاقتصادنا الصاعد، سواء من حيث الاستثمارات، أو خلق فرص الشغل".
ليس صدفة أن يصمد الاقتصاد الوطني بموارده المحدودة في وجه الأزمات الاقتصادية الدولية، ويتحمل آثار الجفاف لسنوات طوال وتكاليف الحرب المفروضة عليه من طرف أعداء وحدته الترابية على مدى نصف قرن، إذا لم تكن له إستراتيجية واضحة وأهداف محددة أجملها الخطاب الملكي في "بناء مغرب متقدم، موحد ومتضامن، من خلال النهوض بالتنمية الاقتصادية والبشرية الشاملة، مع الحرص على تعزيز مكانته ضمن نادي الدول الصاعدة. فما حققته بلادنا لم يكن وليد الصدفة، وإنما هو نتيجة رؤية بعيدة المدى، وصواب الاختيارات التنموية الكبرى، والأمن والاستقرار السياسي والمؤسسي، الذي ينعم به المغرب". وبفضل هذه الإستراتيجية انتقل الناتج الداخلي الخام من 100 مليار دولار سنة 2011 إلى 140 مليار دولار سنة 2023، ثم 154.5 مليار دولار سنة 2024.
إنها رسالة إلى المعارضة البرلمانية التي تنشغل بتبخيس العمل الحكومي ونشر الإشاعات عن قرب التعديل أو الإقالة في صفوف الوزراء بدل الانخراط، بكل جدية، في بلورة برامج تنموية، سواء على المستوى الوطني، أو على مستوى الجماعات الترابية التي تشرف على تسييرها.
2 ـ التشديد على التأهيل الشامل للمجالات الترابية.
إن تثمين جلالة الملك لنتائج العمل الحكومي لا يلغي عدم رضاه عن استمرار الفوارق المجالية: "غير أنه مع الأسف، ما تزال هناك بعض المناطق، لاسيما بالعالم القروي، تعاني من مظاهر الفقر والهشاشة، بسبب النقص في البنيات التحتية والمرافق الأساسية". ومسؤولية هذه الفوارق المجالية تتحملها القطاعات الحكومية المعنية التي لم تبذل ما يكفي من الجهد والابتكار، من جهة، لتقليص تلك الفوارق التي نتج عنها وجود مغرب يسير بسرعتين، ومن أخرى لربط المسؤولية بالمحاسبة في كل أبعادها. ولعل عدد البرلمانيين ورؤساء الجماعات الترابية المتابعين في ملفات الفساد خير دليل على التقصير في تحمل المسؤولية. ومن أجل تدارك هذا التقصير، شدد جلالته على "ضرورة توفير المنظومة العامة، المؤطرة لانتخابات مجلس النواب، وأن تكون معتمدة ومعروفة قبل نهاية السنة الحالية". ومما يتوجب تضمينه في هذه المنظومة ضمانا للنزاهة والاستقامة: حرمان كل المشبوهين والمتابَعين والمحكومين في ملفات الفساد من الترشح للانتخابات سواء البرلمانية أو المحلية. إذ لا يعقل تزكية من أدين في ملفات الفساد أو قضيته معروضة أمام القضاء أو صدرت في تجاوزاته تقارير المجلس الأعلى للحسابات. فكفى من العبث بتزكية الفاسدين.
من التوجيهات التي تضمنها الخطاب الملكي كذلك: الدعوة إلى "الانتقال من المقاربات التقليدية للتنمية الاجتماعية، إلى مقاربة للتنمية المجالية المندمجة" وذلك بـ "اعتماد جيل جديد من برامج التنمية الترابية، يرتكز على تثمين الخصوصيات المحلية، وتكريس الجهوية المتقدمة، ومبدأ التكامل والتضامن بين المجالات الترابية". وهنا على كل الأحزاب أن تنفتح على الكفاءات المغربية، داخل المغرب وفي المهجر، لإشراكها في بلورة مقاربة للتنمية المجالية المندمجة منفتحة على الخصوصيات المحلية وليس مكاتب الدراسات المعزولة عن الواقع الاجتماعي المغربي.
3 ـ مد طوق النجاة لحكام الجزائر.
التزاما من جلالته بمبادئ حسن الجوار، ومراعاة للروابط التاريخية والاجتماعية والدينية التي تربط المغرب بشعوب الجوار، وخاصة الجزائر، ومساعدة منه لإيجاد مخرج من النفق المسدود الذي دخله حكام الجزائر خصوصا بعد "الدعم الدولي المتزايد لمبادرة الحكم الذاتي، كحل وحيد للنزاع حول الصحراء المغربية"، جدد جلالته التأكيد على "التزامنا الراسخ باليد الممدودة لأشقائنا في الجزائر، نابع من إيماننا بوحدة شعوبنا، وقدرتنا سويا، على تجاوز هذا الوضع المؤسف"، مع حرص جلالته على "إيجاد حل توافقي، لا غالب فيه ولا مغلوب، يحفظ ماء وجه جميع الأطراف". ولعل هذه الدعوة هي الأخيرة من جلالته لحكام الجزائر قبل أن يطوي مجلس الأمن ملف الصحراء إلى الأبد. حينها لا عتاب على جلالته الذي سبق وأكد للجزائريين، حكاما وشعبا، في خطاب العرش 2023 "أن المغرب لن يكون أبدا مصدر أي شر أو سوء" لهم.
وكما أوجد الملك الراحل الحسن الثاني مخرجا "مشرفا" لبومدين إثر أسر عشرات العسكريين الجزائريين في معركة أمغالا في 1979، من طرف الجيش المغربي، يقدم الملك محمد السادس طوق نجاة لحكام الجزائر للخروج "بشرف" من الهزيمة الماحقة التي لحقتهم وعصفت بمخطط تقسيمهم للمغرب. وسواء بعد حرب الرمال أو أمغالا أو الآن حيث يحقق المغرب انتصاراته الدبلوماسية على قوى الشر الجزائرية، يظل ملوك المغرب يتصرفون بحكمة في مواجهة مؤامرات حكام الجزائر ويمدون يد الإنقاذ والصلح وهم في عز الانتصار. بالتأكيد لن يتخلى حكام الجزائر عن غيهم ولن يطفئوا نار أحقادهم أو يتخلصوا من ميولهم العدائية تجاه المغرب الذي ناصر ثورتهم وآوى قياداتهم. تلك طبيعتهم وسيبقى المغرب ماض في بناء قوته وتطوير اقتصاده ولو كره الحاسدون.