نظرية الثورة كضرورة موضوعية لمواجهة التضليل الأيديولوجي البورجوازي
هيفاء أحمد الجندي
الحوار المتمدن
-
العدد: 8470 - 2025 / 9 / 19 - 16:11
المحور:
العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية
في مقدمة كتابه " اسهام في نقد الاقتصاد السياسي " حدد لنا ماركس في نص شهير الشروط التاريخية لتحقيق الثورة الاجتماعية ، أي انتقال البنية الاجتماعية من نظام انتاج الى آخر، هذه الثورة لا تخضع لإرادة ذاتية بل تأتي كضرورة تاريخية نتيجة التناقض الأساسي، أي الأقتصادي في البنية الاجتماعية، في علاقتها المترابطة المعقدة ببقية التناقضات البنيوية داخل التطور الشامل لهذه البنية الاجتماعية . ان القوى المنتجة في المجتمع حين تصل الى مرحلة معينة من تطورها ، تدخل في تناقض حاد مع علاقات الانتاج والتي هي علاقات طبقية، فتصير هذه العلاقات عقبة في وجه تطور القوى المنتجة ، بعد أن كانت أشكالا لتطورها حينئذ ،تبدأ مرحلة الثورة الاجتماعية . واذا لم يتم انجاز هذه العملية ، تدخل البنية في مرحلة انحطاط فكري وسياسي واجتماعي واغتراب وركود قيمي وأخلاقي وانساني ، فاسحة المجال أمام الطبقات الاستغلالية المنتهية الصلاحية تاريخيا ،وغير الضرورية اجتماعيا الى اقامة انظمة رجعية....
وكم من ثورة فشلت في التاريخ ، لأن الفاعلين فيها وبها جهلوا تميز منطقها فلم يفرقوا بينه وبين تطور البنية الاجتماعية داخل اطارها البنيوي، داخل حركة التاريخ الاجتماعي وهنا تظهر أهمية النشاط النظري ، ودوره الفعال في مسار التاريخ فلا حركة ثورية بلا نظرية ثورية ،هذه المقولة اللينينية تعني أن الممارسة السياسية أي الصراع الطبقي لللقوى الاجتماعية الثورية، لا يمكن أن تكون ثورية ، الا اذا استندت الى نظرية ثورية والطابع الثوري لهذه الممارسة السياسية هو أن تكون فعالة ، أي أن تنجح في تحقيق التحويل الجذري للبنية الاجتماعية وذلك بكسر الاطار البنيوي لعلاقات الانتاج فيها واللاجمة لتطورها التاريخي، أما الطابع الثوري في نظرية هذه الممارسة السياسية ، فهو أن تكون هذه النظرية معرفة علمية لقوانين التطور التاريخي للبنية الاجتماعية المحددة، فالثورة الاجتماعية هي الثورة السياسية الوحيدة في المجتمعات الطبقية التي تعتمد العلم أساسا لمسارها التاريخي، فبغير هذه المعرفة العلمية الضرورية لمنطق التطور التاريخي في بنية اجتماعية محددة ، تفقد الممارسة السياسية قاعدتها الاساسية وبالتالي طابعها الثوري ، فتتخبط حينئذ داخل منطق الفشل الثوري بين المغامرة والانتهازية، وهنا يبرز دور الفكر الثوري في تحقيق منطق التاريخ ، فكلما غلب على النشاط النظري لهذا الفكر طابعه العلمي، كلما كان فعله كبيرا في دفع الواقع الاجتماعي الى تحقيق منطق تطوره التاريخي، ونشاط الفكر في انتاج المعرفة العلمية بقوانين تطور الواقع الاجتماعي التاريخي، أساس لنجاح الممارسة السياسية في تحويل هذا الواقع تحويلا ثوريا ،غير أن أثر الفكر في الواقع لا ينحصر في هذا النشاط النظري المنتج للمعرفة في علاقتها بالممارسة السياسية، فعلاقة الفكر بالواقع أكثر تعقيدا ولا يمكن حصرها في جانبها النظري هذا ...ان الوجه النظري في الفكر يبقى تأملا إن لم يتجسد في نضال ثوري ،هو في النهاية مقياس لصحته كما أن القاعدة النظرية لهذا النضال مقياس لثوريته، والعلاقة التي تربط الفكر النظري بالعمل الثوري وثيقة جدا ، وهي أساسية لصحة الفكر ولثورية العمل، وهذا ما أكد عليه ماركس ومن بعده لينين ، حين قال بأن الفكر النظري أي العلم ، لا يصير سلاحا فعالا في عملية التحويل الثوري للواقع الاجتماعي، الا حين يدخل وعي الجماهير الثورية ، فيتجسد في ممارستها السياسية فالتاريخ لا يصنع نفسه بل الجماهير المنظمة كقوى اجتماعية طبقية محددة ،هي التي تصنعه وهذه المقولة الأساسية في الفكر الماركسي ، تعني أن التاريخ هو صراع طبقي أي صراع سياسي وأن كل ثورة اجتماعية هي بالضرورة ثورة سياسية ، فعلى المستوى السياسي في البنية الاجتماعية لا على المستوى الاقتصادي تتحقق قفزات التاريخ البنيوية والتي بها يتكون ...
ان ولادة التاريخ لنفسه لا تتم الا بقوة الصراع الطبقي ، فانتقال البنية الاجتماعية من نظام انتاج الى آخر لا يتم بفعل تطور التناقض الاقتصادي فيها، وأن كان هذا التناقض هو الذي يحدد تطورها التاريخي ، بل بفعل تطور التناقض الرئيسي أي التناقض المسيطر في تطورها التاريخي فصراع الطبقات في بنية اجتماعية ،هو القوة المحركة للتاريخ ولا يتم هذا الانتقال أي القفزة البنيوية بمعزل عن القوى الثورية ، والتي تجد شرط امكان تحققها أي كثورة اجتماعية في بنية الوعي الثوري ، وبذلك يكون اكتمل وفق منظور لينين ما سماه بالوضع الثوري وحدد شروطه بأنه يستحيل على الطبقات السائدة ، الاحتفاظ بسيادتها دون أي تغيير، وأن تنشب عن أزمة القمة صدع وتصدع ناتجة عن أزمة سياسية عامة ، يتدفق من بعدها استياء الطبقات المضطهدة وغضبها ، ومجموع هذه التغيرات يسمى وضعا ثوريا ، ولكن ينبغي أن يرافق هذه الشروط الموضوعية تغيرا ذاتيا ، أي ان تكون الجماهير الثورية منظمة ضمن حزب ثوري كي تكون قادرة على هدم الحكم القديم ، وان لم يتوفر هذا الشرط الذاتي للتغيير ، هذا يعني بأن البنية دخلت مرحلة التعفن على مستوى القمة والقاعدة، وقد تطول هذه المرحلة ويمكن أن يستغل هذا الركود الانحطاطي والتعفن ، العسكر البونابرتي كي ينفذ انقلابه، وفي هذه المرحلة الرديئة تبرز البورجوازية الصغيرة ، بصالوناتها ودكاكينها الحزبية وتجمعاتها الديمقراطية المدنية اضافة الى احزاب بيروقراطية متكلسة، بفعل الفساد والعطالة التاريخية ويستحق هذا العفن الرجعي تسميته بجبهة التكيف مع القائم الراكد ، لأنها أي هذه الجبهة تعتمد المساومات والسمسرات والتسويات والمصالحات الوطنية والطبقية بديلا للتغيير الجذري، ولا يمكن في هذه المرحلة الانحطاطية ، أن تتغير علاقات الانتاج القائمة والتي سوف يعاد انتاجها بشكل دائم ،لأن الحركة المحورية للصراع الطبقي في الزمن البنيوي وفق تعبير مهدي عامل تكون حركة انتباذية ولا تقود الأزمة العامة السياسية الى التغيير الجذري، الا اذا كانت الحركة المحورية للصراع الطبقي حركة انجذابية ، بمعنى أن الممارسة السياسية للصراع الطبقي تكون ثورية وبقيادة الطبقة الثورية الشعبية العمالية ...فالأزمة العامة للطبقة المسيطرة هي بالضرورة أزمة سياسية ، أي أزمة تنفجر داخل الحقل السياسي للصراع الطبقي، بفعل سيطرة الممارسة السياسية للطبقة الرئيسية الثورية فيه ، وبتعبير آخر ليست كل أزمة عامة وان كانت الأزمة العامة للطبقة المسيطرة بالضرورة أزمة سياسية ، مع أن الأزمتين تتحددان بالضرورة داخل الحقل السياسي للصراع الطبقي ، غير أن التمييز النظري في اطار التعدد في حركة الصراع الطبقي بين أزمة الهيمنة الطبقية وأزمة السيطرة الطبقية ،على ضرورته يجب الا يحجب العلاقة الوثيقة التي تربط بينهما ، فكل أزمة سيطرة طبقية هي بالضرورة أزمة هيمنة طبقية ،لكن العكس غير صحيح ، معنى هذا أن أزمة السيطرة الطبقية ، تمر بالضرورة عبر أزمة الهيمنة الطبقية للفئة المهيمنة من هذه الطبقة ، فعلاقة الهيمنة ضرورية لوجود علاقة السيطرة الطبقية نفسها ، لأن سيطرة الطبقة المسيطرة لا تكون الا بهيمنة الفئة المهيمنة فيها ، فأزمة السيطرة الطبقية البورجوازية مثلا تمر بالضرورة عبر أزمة الهيمنة الطبقية للطغمة المالية ، أي لهذه الفئة المهيمنة من هذه الطبقة المسيطرة ، وهذه ليست سوى الضرورة التي يتضمنها قانون تفاوت التطور. الا ان هذا القانون اللينيني العام الذي يخضع له تطور البنية الاجتماعية الشاملة، لا يوجد الا في شكل تاريخي مميز ،أي في اطار محدد من الشروط التاريخية الخاصة بتطور الصراع الطبقي داخل حركته التاريخية الخاصة ، وبالشكل الذي يحدده وجود هذا القانون في أزمة الهيمنة الطبقية ، بشكل يختلف جذريا عن الشكل الذي تحدده به الحركة الانجذابية لهذا الصراع ، وفي اطار هذه الحركة الانجذابية ، تتخذ المقولة السياسية معنى آخر ، فأزمة السيطرة الطبقية بالضرورة هي أزمة هيمنة طبقية ، لأن هذه الأزمة هي أزمة الفئة المهيمنة من الطبقة المسيطرة ، لأن الطبقة الثورية التي تضع الطبقة المسيطرة في أزمة سيطرتها الطبقية ،هي بالضرورة طبقة مهيمنة ، أي الطبقة الرئيسية النقيض، ينتج عن هذا أن وضع الطبقة المسيطرة في أزمة سيطرة طبقية ، لا تكون الا داخل الحقل السياسي للصراع الطبقي وبفعل الممارسة السياسية للطبقة الرئيسية النقيض ، والوجود المسيطر لهذه الممارسة السياسية الثورية داخل هذا الحقل السياسي هو الذي يحدد تطور الصراع الطبقي في اطار جركته الانجذابية ، ويجعل بالتالي الازمة السياسية للطبقة المسيطرة ازمة عامة ، وينتج عن هذا ايضا أن الطبقة المهيمنة داخل التحالف الطبقي الثوري ، اي الطبقة التي تحمل في صيرورتها نظام انتاج جديد ،هي وحدها القادرة على تفجير الأزمة السياسية للطبقة المسيطرة كأزمة سيطرة طبقية ، وهذه الطبقة الثورية هي الطبقة العاملة ، فهي اذن بحكم طبيعتها الطبقية المهيمنة وحدها القادرة على ذلك سواء أكان تحركها في ممارستها السياسية الثورية في اطار الانتاج الكولونيالي أو في ظل الانتاج الرأسمالي أو في ظل البورجوازية الكولونيالية المتجددة ، وهي التي تضع الطبقة المسيطرة في أزمة سيطرتها الطبقية ، وهي أزمة هيمنة يقود منطقها الى امكان تغيير علاقات الانتاج القائمة لأنها تنفجر في اطار الحركة الانجذابية للصراع الطبقي ، فهي إذن وفي هذا الإطار أزمة عامة من حيث هي بالذات أزمة سياسية ...
ووصول الطبقة الرئيسية الثورية في ممارستها السياسية الى السيطرة داخل الحقل السياسي للصراع الطبقي ، يمر بالضرورة عبر أزمة الطبقة المسيطرة داخل الحقل الاقتصادي والحقل الايديولوجي لهذا الصراع ، بل يمكن القول أن أزمة السيطرة الايديولوجية للطبقة المسيطرة هي الطريق الرئيسي لوصول الممارسة السياسية للطبقة الثورية الى السيطرة داخل الحقل السياسي للصراع الطبقي، فكل أزمة اقتصادية للطبقة المسيطرة لا ترافقها أزمة ايديولوجية يستحيل أن تنفجر في أزمة سياسية هي بالضرورة أزمة عامة ، بفعل الممارسة السياسية للطبقة الثورية ، ولهذا السبب وبسبب التفاوت بين حقول الصراع الطبقي، وتلك العلاقة التي تجعل كل أزمة سيطرة طبقية بالضرورة أزمة هيمنة طبقية من جهة أخرى ، ولهذا حدد لينين اللحظة الثورية كمصادفة معينة في تطور الصراع الطبقي، تنصهر فيها جميع التناقضات الاجتماعية في نقطة قطع ، تجد مركزها بالضرورة داخل الحقل السياسي للصراع الطبقي ، سيما وأن الحركة الخاصة بالممارسة السياسية للطبقة المسيطرة حركة انتباذية ، تقوم على نزغ الطابع السياسي عن كل ممارسة للصراع الطبقي، بهدف الحفاظ على سيطرتها الطبقية واعادة انتاج علاقات الانتاج القائمة ، أما الحركة الخاصة بالممارسة السياسية للطبقات الثورية وبشكل خاص الطبقة العاملة فهي حركة انجذابية، تقوم في أساسها على تسييس كل ممارسة للصراع الطبقي سواء أكانت اقتصادية أم ايديولوجية . وذلك في هدف إجراء تحويل ثوري في علاقات الانتاج وانتزاع السلطة السياسية من يد الطبقة البورجوازية ، والتناقض حاصل بين الممارستين بسبب اختلافهما في طبيعة حركة كليهما ، وانعدام هذا الاختلاف في تناقض هذين التناقضين يقود بالفعل الى شل الحركة الثورية نفسها والابقاء على السيطرة البورجوازية ...
لو كان التماثل حاصلا في تناقض حركة الممارسة للطبقات الكادحة، وحركة الممارسة السياسية للطبقة المسيطرة ، لكانت الحركة الأولى كالثانية حركة انتباذية ، أي ينحصرالصراع السياسي في الصراع الاقتصادي ، ويكون الصراع الايدلولوجي في خدمة الصراع الاقتصادي، لا كصراع اقتصادي أي كشكل محدد للصراع السياسي ، بل في ممارسته على أنه الصراع السياسي نفسه ، بهذا الفهم الهيغلي للتناقض ، يحل الصراع الاقتصادي محل الصراع السياسي في تحدده كالقوة المحركة للتاريخ ، فيكون تطوره الحركة المحورية في تطور البنية الاجتماعية وهنا تكمن الانتهازية ، أي الاقتصادية والاصلاحية في تطور الحركة الثورية ، لهذا نرى أن الهجوم الايديولوجي على الماركسية ، قد يتخذ احيانا شكلا خطرا وهو طمس الاختلاف بين التناقض الهيغلي والتناقض الماركسي واظهار الثاني بمظهر الأول، هذا التشويه الايديولوجي للحقيقة تلجأ اليه الطبقة المسيطرة ، حين تتزعزع ايديولوجيتها المسيطرة بفعل الممارسة الايدلولوجية للطبقات الكادحة ، فيكون تزعزع سيطرتها الايديولوجية ايذانا ببدء تزعزع سيطرتها السياسية نفسها ، وبتعبير آخر حين تفقد ايديولوجية الطبقة المسيطرة الى حد ما قوة سيطرتها على الوعي الاجتماعي نتيجة لتطور الصراع الطبقي، تلجأ الطبقة المسيطرة الى تشويه ايديولوجية عدوها الطبقي ، ويكون ذلك بطمس الاختلاف الطبقي بين ايدلولوجية الطبقة الثورية وايديولوجية الطبقة البورجوازية ، لأن قوة الهجوم في ايديولوجية الطبقة الثورية تكمن بالذات في هذا الاختلاف الطبقي ، الذي يميزها عن ايدلولوجية أي طبقة أخرى . فإذا انعدم الاختلاف في علاقة تماثل وتشابه ، فقدت الايديولوجية قوتها كسلاح طبقي ضد سيطرة الطبقة المسيطرة ، وكلما احتدم الصراع الطبقي وكلما زادت حدة الاختلاف بين الطبقات المتصارعة كلما كثرت وتنوعت محاولات الطبقة المسيطرة في طمس الاختلاف بين الايديولوجية البورجوازية السائدة والثورية التي تقود ضدها الصراع من أجل انتزاع السلطة السياسية، كالمحاولات في اظهار الماركسية بمظهر البنيوية ، وباظهار الاسلام وكأنه ايديولوجية الحركة الاشتراكية ، وكلها محاولات تشويه ايديولوجي ، تقوم بها الطبقة المسيطرة للحفاظ على سيطرتها ، بفرض نوع من الممارسة السياسية على الطبقات الكادحة يبطل الفعل الثوري لهذه الممارسة ، باخضاعها لسيطرة ايديولوجية الطبقة المسيطرة . ان الصراع الثوري ضد هذه الممارسة الايديولوجية للطبقة المسيطرة في ممارستها السياسية بالذات ،لا يكون الا باظهار الحد الفاصل وبحسب لينين ، أي باظهار الاختلاف الطبقي بين ايديولوجية الطبقة الثورية وايديولوجية الطبقة المسيطرة ، فالاختلاف سابق على التماثل وهو أساس له ، لذا يمكن القول ان الطبقة التي تعتمد في ممارستها للصراع الطبقي مبدأ تماثل النقيضين في التناقض، ليست بالفعل طبقة ثورية كحال البورجوازية الصغيرة، وهي تحاول شل الحركة السياسية الثورية للصراع الطبقي كي تمنع التناقض الطبقي ، من أن يخرق في تطوره الاطار البنيوي لتطوره. بتماثل النقيضين في التناقض ، يستحيل أن يكون هناك تحول النقيض الى نقيضه تحويلا ثوريا بعكس ما يتم في التناقض الماركسي.... يتبع في الجزء الثاني