مهدي عامل والاستبدال الطبقي كمفهوم لفهم التطور التاريخي الخاص بالبنية الاجتماعية الكولونيالية .....


هيفاء أحمد الجندي
الحوار المتمدن - العدد: 8465 - 2025 / 9 / 14 - 22:05
المحور: العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية     

مهدي عامل والاستبدال الطبقي كمفهوم لفهم التطور التاريخي
الخاص بالبنية الاجتماعية الكولونيالية .....



تكون الثورة ناجحة في البنية الاجتماعية الكولونيالية ، وفق مهدي عامل وأدبيات الفكر الماركسي الثوري ، إذا تم كسر الإطار البنيوي لتطور البنية الاجتماعية الكولونيالية وانتزعت السلطة من قبل الطبقة الثورية ، وعندها يصبح التغيير ثوريا ويتم الانتقال من نظام إنتاج إلى آخر في إطار القفزة البنيوية واللحظة الثورية ، حين تكون الممارسة السياسية للصراع الطبقي ممارسة ثورية وبقيادة ثورية . ولا تكون هذه اللحظة ثورية الا اذا ظهر التناقض الرئيسي على حقيقته كتناقض سياسي واذا ظهر بمظهر الاقتصادي والايديولوجي، تكون البنية قد دخلت مرحلة الركود التاريخي والتغير المرحلي، وتطرح عندها الطبقة المسيطرة بدائلها وتعيد انتاج هيمنتها بحيث يتبدل طرفي التناقض الرئيسي ، وشكل توزيع القوى الطبقية المتصارعة وتنتقل علاقة السيطرة الطبقية من طبقة الى أخرى ومن تحالف طبقي الى أخر ، يماثله في الجوهر من غير أن يحدث أي تغيير في التناقض الأساسي ، فيبقى بذلك ثابتا كإطار بنيوي لتطور البنية الاجتماعية وهذا ما قصده مهدي عامل بالاستبدال الطبقي ، بمعنى أن التحرك الأفقي للتناقض الرئيسي أي للصراع الطبقي لا يحدث في البنية الاجتماعية ثورة ، الا اذا رافق هذا التحرك تغييرا في التناقض الأساسي نفسه ، لذلك كان من الضروري التمييز بين المراحل التاريخية لتطور البنية الاجتماعية، فلا يأخذ من مرحلة الى مرحلة كانتقال من نظام الى أخر، ولا يتكون وهم نظري أي عمى فكري ذو خطر كبير على الممارسة السياسية الثورية ، فيعتبر ما ليس ثورة بثورة وما هو تغيير لتطور البنية الاجتماعية داخل إطارها البنيوي تغييرا لهذا الاطار ، والاستبدال الطبقي هو محاولة لفهم التطور التاريخي الخاص بالبنية الاجتماعية الكولونيالية سيما وأن البنية الرأسمالية الغربية لم تعرف هذا الاستبدال الطبقي ،لأنها حققت الانتقال التاريخي من نظام انتاج الى اخر ، أما في البنية الكولونيالية فالسلطة تنتقل بين أجنحة البورجوازية الكولونيالية وضمن ثبات التناقض الأساسي المحدد للبنية أي العلاقة بين القوى المنتجة وعلاقات الانتاج، ولذلك نعتبر أن التغير في البنى الكولونيالية هو تغير مرحلي، يتسم بالركود التاريخي ولا ينفتح التاريخ على مسارات ثورية جديدة الا اذا تبلور النقيض الطبقي الثوري، الذي يمكنه أن يحل التناقض الوطني حلا ثوريا وينقله الى نظام انتاج جديد ، ومن الوهم اعتبار التناقض الوطني تناقضا غير طبقيا ،لأن حل التناقض الأساسي يكون بالثورة التحررية الوطنية، التي تنقل البنية الى الاشتراكية . ولكن وجود البورجوازية الصغيرة في القيادة ، يختلف كل الاختلاف عن الطابع الذي يعطيه اياه وجود الطبقة العاملة في هذه القيادة الطبقية، لأن المرحلة الديمقراطية بقيادة البورجوازية تختلف بنيويا عن المرحلة الديمقراطية بقيادة الطبقة العاملة ، في الحالة الاولى لا تخرج هذه المرحلة التاريخية عن الاطار البنيوي الخاص بالبنية الكولونيالية ، أما في الحالة الثانية فتخرج هذه المرحلة عن اطارها الكولونيالي كي تتطور في اطار بنيوي خاص بالبنية الاشتراكية ، بهذه الحالة أي بوجود الطبقة العاملة في القيادة الطبقية للتحالف الثوري، تتحدد المرحلة كمرحلة انتقال الى الاشتراكية وانتقال القيادة من البورجوازية الى النقيض الثوري، ليست استبدالا طبقيا في اطار نفس البنية بل هو انتقال من بنية اجتماعية الى اخرى ، لأنه عندما يكون هنالك توافقا بين البناء الفوقي والتحتي في اطار الزمن البنيوي ،يتجلى هذا التوافق بعملية اعادة انتاج دائمة لعلاقات الانتاج الرأسمالية التبعية ، وكأنها تتم بآلية طبيعية معنى هذا أن التوافق بين البناء التحتي والفوقي قائما ما دام التوافق قائما بين تطور القوى المنتجة وعلاقات الانتاج ، وفي هذا التوافق يكمن شرط تجدد السيطرة الطبقية التي تهدف الى الحفاظ على علاقة التوافق بين البناءين ، والتغيير الذي تجريه الطبقة المسيطرة في البناء التحتي ، يستحيل أن يكون تغييرا لعلاقات الانتاج لأن بقاء هذه العلاقات ، هو شرط بقاء سيطرتها والتغيير لا يكون الا بلجم تطور القوى المنتجة كي لا تدخل في تناقض عنيف مع علاقات الانتاج، والتغيير الذي تجريه في البناء الفوقي يستحيل أن يكون هدما له لأنه وبأجهزته الايديولوجية هو عامل ديمومة لسيطرتها الطبقية ، والتغيير الذي تقوم به يقتصر على اصلاحات مؤسساتية شكلية ، دون المس بعلاقات الانتاج أو علاقات الملكية . والمفارقة أن البورجوازية الاستعمارية ، قادرة على اجراء اصلاحات بنيوية تساعدها على لجم القوى المنتجة بشكل تأ زمي وأحيانا تعمل على تطويرها ، اما البورجوازية الكولونيالية فغالبا ما تلجأ في عملية اعادة التوافق بين البناءين، الى حل واحد وهو لجم تطور القوى المنتجة الملجومة اصلا، ويمنعها من التطور لكونها تتطور في اطار العلاقة الكولونيالية . واستطاعت البورجوازية الاستعمارية أن تقدم حلولا لأزمات التطور في علاقة هذا التوافق البنيوي، وكانت في صالح تطور القوى المنتجة ، أما البورجوازية الكولونيالية " عميلتها" فهي في عجز بنيوي عن اعطاء حلولا مشابهة ، ومهما أجرت من اصلاحات لتأبيد علاقة التوافق فهي بالنهاية عاجزة عن ذلك الى ما لا نهاية ، لأن كسر هذه العلاقة في منطق تطورها والعامل المحدد في تطور هذا التناقض ، هو تطور القوى المنتجة وكسر التوافق لا يتم بشكل آلي وبفعل تطور القوى المنتجة بل يتحقق في عملية معقدة داخل الصراع الطبقي وبقيادة طبقية ثورية ، المخولة بكسر هذا التوافق وتفجير التناقض بين البناءين ،كي لا يعاد انتاج ثبات علاقات الانتاج وكي تدخل البنية مرحلتها الثورية التي تنقلها الى نظام انتاج جديد . لأن الاصلاحات التي تجريها الطبقة المسيطرة تهدف الى قطع الطريق على التغيير الجذري ، والتنظيم الثوري الذي يمثل مصالح الطبقات الشعبية ،هو الأداة السياسية التي يقع على عاتقه عملية هدم جهاز التحالف الطبقي الحاكم . والاحزاب اليسارية اليوم ،تحولت الى أجهزة بيروقراطية ذات طابع اصلاحي تلتقي مع توجهات السلطة البورجوازية ، وأصبحت وظيفتها لجم العملية الثورية واطالة أمد السيطرة الطبقية البورجوازية واخراجها من أزماتها، وسيما وأن هدم الفوق الطبقي السلطوي لا يتم بقرارات بيروقراطية وأجهزة مروضة تم احتواءها من قبل البورجوازية وأجهزة هيمنتها ، بل يتم بتنظيم ثوري له المصلحة بالمواجهة الثورية ضد البورجوازية ، وهذه المواجهة هي من صميم منطق الحزب الثوري نقيض الدولة البورجوازية ، وحين تكون الاصلاحية كما يحصل اليوم هي الافق الايديولوجي للممارسة السياسية للطبقات الكادحة وللاحزاب البيروقراطبة هذا يعني بأنها خاضعة لسيطرة ايديولوجية السلطة ، ويستحيل على هذه الطبقات والاحزاب ان تخوض صراعها الطبقي بشكل ثوري، لأن ممارستها للصراع هي ممارسة اقتصادية ...
لا ضير من القول أن الماركسية أيدت نضال العمال لزيادة الأجور وتأمين اصلاحات سياسية واجتماعية ، ولكن الفرق بين الماركسية والتحريفية ممثلة بكاوتسكي وبرنشتاين والاقتصادية والنقابية ، هو الموقف من الاصلاجات والتي تستخدمها الماركسية لتعميق أزمة الرأسمالية وزيادة حدة التناقض بين العمال والرأسمالية ، من أجل دفع الصراع الطبقي الى الامام وهي تستخدم هذه المعارك الصغيرة كي تهيء الطبقة العاملة للمعركة الحاسمة ، أي الاطاحة بالرأسمالية واقامة ديكتاتوريتها الثورية في المرحلة الانتقالية .
ان الماركسية واللينينية تربط النضال من أجل الاصلاحات بالهدف النهائي، وهو هدم السيطرة الطبقية البورجوازية ومن هنا نلاحظ الدور التضليلي الذي تلعبه التحريفية ،عندما تصرف أنظار العمال عن الاهداف الرئيسية لنضالهم، وتعللهم بالأوهام وتحصر استراتيجية النضال في اصلاحات البنية ..الثورة العنيفة لدى ماركس ولينين وانجلز نابعة من تحليلهما لطبيعة الطبقة البورجوازية ،على اعتبار انها لا يمكن أن تتخلى عن سلطتها وملكيتها الا بالقوة لأنها طبقة مسلحة من خلال جهاز دولتها ، وهي مستعدة أن تقاتل الى الرمق الاخير دفاعا عن ملكيتها وللحفاظ على سلطتها . اذ من غير الممكن أن تأتي الدولة البروليتارية بعد عملية ذبول الدولة البورجوازية ، ولا يتم ذلك الا بصراع طبقي وثورة عنيفة ، وهو قانون عام للتغيير وكتب انجلز وماركس عن شرف هذه الثورة كما ورد في البيان الشيوعي وبؤس الفلسفة ونقد برنامج غوته عندما نقد ماركس الطابع الانتهازي للبرنامج ...
الثورة العنيفة كامنة في صلب نظرية ماركس عن التغيير الثوري، والخيانة التي ترتكبها الاحزاب والكاوتسكية الجديدة اليوم هي خيانة فاضحة بحق نظرية ماركس ورؤيته بما يخص بناء الدولة الاشتراكية بالصراع الطبقي والعنف الثوري...