جان كريستوف بايلي: -الأسماء المشتركة- و-الرواية الواقعية- (2/1)


أحمد رباص
الحوار المتمدن - العدد: 8422 - 2025 / 8 / 2 - 00:17
المحور: الادب والفن     

في غضون السنة الماضية (2024)، طلع علينا مارسيلو جاك دي مورايس، أستاذ الأدب الفرنسي في الجامعة الفيدرالية في ريو دي جانيرو، بمقال بعنوان "جان كريستوف بايلي: الأسماء المشتركة والرواية الواقعية"، منشور على موقع journals.openedition.org كما سبق له أن نشر العديد من المقالات النقدية الأدبية في مجلات أكاديمية ومجموعات بحثية في البرازيل وفرنسا. صدرت له عدة كتب، وترجم أعمال العديد من الكُتّاب الفرنسيين إلى الإسبانية، ومنهم مؤخرا جورج باطاي، وليليان جيرودون، ومارييل ماسيه، وجان كريستوف بايلي.
في بداية مقاله عن هذا الأخير، قال دي مورايس:
"لطالما ركّزت أعمال جان كريستوف بايلي، التي أصبحت اليوم واسعة الانتشار، على حدود الغموض بين الأنواع الأدبية. مقالاته، نثره، قصائده ومسرحياته، تستكشف وتُشوّش موارد رسمية واستراتيجيات بلاغية ومجالات تخصصية، انطلاقا من ثيمات ومواضيع ذات اهتمام متنوع للغاية: من بينها، "ملكة اللامحدودية " في اللغة منذ الرومانسية الألمانية؛ وشروط ظهور المعنى في الشعر والنثر والدراما من جهة، وفي الصور من جهة أخرى، لا سيما في التصوير الفوتوغرافي والرسم؛ وتجارب مشاركة المشترك والانفصال منذ تغيّر المكان وانسيابية الحدود الجغرافية والهوياتية؛ أو بالأحرى، أنماط الوجود الحسي للجمادات، وكذلك الحيوانات والنباتات".
بشكل عام، يبدو أن بايلي يتساءل في عمله عن أشكال الحياة وأنظمة العلاقات الفردية التي تأتي منها هذه الأشكال إلى اللغة - وإلى كل واحد منا - كأسماء وجمل، وتنتشر أو تصبح لا نهائية إلى ما لا نهاية، وتشكل أو تؤدي، على هذا النحو ما يسميه مع نوفاليس هذه "الرواية الضخمة" التي هي دائما بدون ناشر وحيث نوجد ونعيش معا.
يتركز اهتمام دي موراليس في هذا المقال على استكشاف بعض خطوط القوة الحاضرة في أعمال بايلي، مع الوقوف بشكل خاص على نهج يبدو أنه يخترق كل تجاربه الكتابية، بينما يبقى بالنسبة له الشرط الأساسي للقصيدة - أو توسعها - كما يحدده ويمارسه في نصوص مختلفة: الحفاظ على اللغة "في حالة اضطراب"، كمنطقة استقبال، كاتصالات، كأصداء، وجعل التلاعب بها من قبل العبارة حركة مقاومة لـ"دافع الإغلاق" تحت اسم "المنفتح"، وهذا يعني ما ينادي علينا من المجهول. باختصار، بالنسبة له، الأمر يتعلق بـ"كشفٍ لا نهاية له"، وبـ"نزع جوهر" المنفتح ، وبإعادة فتح العالم في ظل اللغة، وبـ"نزع تسميته"، إذا استخدمنا هنا المصطلحات والتعبيرات التي يستخدمها غالبًا للحديث عن كتاباته. وبذلك، يتعلق الأمر بإعادة اكتشاف أساطيره ونشرها، أساطير العالم - بكل معاني اسم "الأسطورة"، والتي سيعود إليها كاتب المقال لاحقا - وبإعادة استدعاء الأصوات التي تنبعث من العالم وإعادة تمثيلها. وهكذا نستطيع أن ننتج هذه التجربة المتعلقة بالمعنى التي تظهر في كثير من الأحيان عند بايلي تحت عنوان فقدان الاتجاه، هذا الإحساس بإعادة اكتشاف معنى للواقع في نضارته وكثافته، في ألفته الغريبة، وعلى حدود تبديده.
من هذا المنظور، يُعدّ العمل الذي قام به الكاتب في "خصوصية اللغة". أسفار إلى بلاد الأسماء المشتركة" نموذجيا، إذ هو مجموعة من النصوص القصيرة، ذات استقلالية نسبية، موزعة بين النثر المقالي والنثر الشعري، تحمل أسماءً مشتركة كعناوين لها، مرتبة بدقة وفقًا لمبدأ الترتيب الأبجدي الاعتباطي. تُقدّم هذه المداخل للقارئ تجربة ارتباك في اللغة - وبالتالي في العالم الملموس قليلا أو كثيرا الذي تستحضره - انطلاقا من تنشيط "روح" الكلمات من خلال "التعبير"، كما يقول بايلي، مثلا، في مدخل "صانع الآلات الموسيقية": "للكمان روح، وليس لكلمة كمان روح. لا تصل الروح إلى الكلمات إلا بالصوت والرنة، اللذين يُفجّران المعنى كالزجاج".
لم يغب عن مورايس كون "الصوت" و"الجِرس" اللذين يُضفيان "المعنى" هنا هما، بالطبع، صوت الكاتب. فمن خلال المرور وإعادة المرور، ليس فقط بين الأسماء الشائعة، بل أيضا بين الأسماء العلم التي داخلها وبينها يرتد صداها، يتابع بايلي ويردد صدى "خارجٍ يتراجع بلا نهاية"، هذه "الرواية الواقعية" التي لا تكف اللغة عن سبر أغوارها، والتي تبدو جميع هذه الأسماء بمثابة مؤشراتها، "مؤشرات تائهة، إشارات متناثرة لسردٍ بلا بداية ولا نهاية."
للتأمل قليلاً في رهانات ونطاق تفكير بايلي في العلاقات بين الأسماء والجملة والواقع، بدأ دي مورايس مما سرده، في حواره المطول مع فيليب رو، عن زيارته للسجن من أجل إلقاء دروس في الفلسفة على السجناء وتأطير نقاش معهم حول أحد كتبه. يستحضر الكاتب هذا المشهد في سياق اهتمامه بفكرة "الهروب"، التي يعتبرها ذات أهمية جوهرية للأدب والممارسات الفنية عموما. يقول إنه على الرغم من أنها لم تكن المرة الأولى التي يزور فيها السجناء، إلا أنها "كانت عنيفة وقوية بشكل خاص". ففي هذا السجن، الذي بُني عام 1900، وحيث "كل شيء مُعدّ بحيث لا يمكن للمرء رؤية الأفق أبدا"، يُشكّل هذا السجن نفسه "مساحة للحرمان الحسي".
"في هذا الفضاء المشيد لغرض الحرمان، ندرك من خلال التحدث، ومن خلال التواجد أمام من يمكثون هنا لسنوات طويلة، أن كل ما هو موجود - سواء أكان شيئا أم كلمة - يكتسب قدرا من الرنين لا يُقارن بما يمكن أن يكون عليه في الخارج، لأنه في الخارج موزعٌ على جميع الكثافات الأخرى. هنا، تتركّز الكثافة؛ إنها أشبه بالمسرح، إنها مسرحية مُرعبة."
ويروي بعد ذلك أنه في وسط المناقشة مع السجناء، وبينما كان يستخدم، بشكل لا إرادي، حسب قوله، كلمة الهروب، سمع تنهيدات وتأوهات عميقة، "غير منبعثة من صوت واحد، بل من حناجر أو أفواه متعددة (هنا أخبرني الناس أنهم يحبون الذباب لأنه يأتي من الخارج ويخرج بحرية؛ فهم لا يقتلونه). وينهي الكاتب سرده قائلا: "الهروب هو المعنى الكامل لهذه التنهيدات. الظهور المفاجئ والعنيف لخارج."
يبدو أن هذه "التنهيدات" في جوقة "الأصوات والحناجر والأفواه" - على الحد الفاصل بين الزفير والغناء - تردد صدى عمل هذه "الصمامات" التي، كما يقول الكاتب في مدخل "الخارج" لكتاب "خصوصية اللغة"، "تحكم الدخول من الخارج إلى "داخل" الأجساد"، بقدر ما تمسرح بطريقة رمزية ودرامية "الرغبة في الخروج من الذات" والتي "غالبا [- وقد مررنا جميعا بهذه التجربة بالفعل -]، ما ترتفع من أعماق الداخل مثل نداء".
(يتبع)