نتائج دراسة استطلاعية أعدها المركز المغربي للمواطنة حول السلوك المدني لدى المغاربة (ماي 2025)


أحمد رباص
الحوار المتمدن - العدد: 8403 - 2025 / 7 / 14 - 08:05
المحور: المجتمع المدني     

بالنسبة إلى السياق الذي تمت فيه هذه الدراسة فقد طبعته تحولات عمرانية واجتماعية عميقة في المغرب واتسم رضعف التضامن التقليدي وانتشار الفردانية. كما عرف تراجعا واضحا في احترام الفضاء العام والانضباط.
وأما الهداف من الدراسة فهو رصد تمثلات وممارسات المغاربة في الفضاء العام واقتراح آليات لتكريس السلوك المدني.
تمثلت المنهجية في إجراء إستطلاع إلكتروني خلال المدة الفاصلة بين شهري فبراير ومارس من السنة الجارية، فيما تم تحديد العينة النظر سنة في 1173 مشارك، 76٪ منهم ذكور و24٪ إناص، ويمثل ذوو الشهادات العليا نسبة 44٪. هذا، وقد لوحظ تمثيل قوي لجهات الرباط، البيضاء وفاس، وانتماء أغلب المشاركين إلى الطبقة المتوسطة والمتعلمة.
في موضوع العلاقات في الفضاء العام، أفضى البحث إلى معاينة ضعف في احترام قواعد اللباقة (45%)، احترام الجار (44%)، واحترام النساء (52%). ومن مخرجات البحث على هذا المستوى ملاحظة سلوك إيجابي نسبي فقط تجاه كبار السن (43%)، والأشخاص في وضعية إعاقة (43%).
بالنسبة إلى مجال البيئة والنظافة، أبانت الدراسة عن تقييم سلبي واسع تجلى من خلال رمي النفايات (74%)، تدمير تجهيزات الفضاء العام (70%) والتدخين في الأماكن العامة (50%).
وكشفت الدراسة عن ضعف على مستوى احترام المساحات الخضراء (67%)، وعن تراجع على مستوى النظام والانضباط واحترام الوقت (61%)، احترام الطوابير (46%)، قوانين السير (61%)، اللباس اللائق (33%)، الهدوء في الأماكن العامة (53%).
ومن الظواهر السلبية المنتشرة التي أماط البحث عنها اللثام هناك الغش التجاري (83%)، التسول (92%)، إحتلال الملك العام (93%)، تشويه الفضاء العام (84%)، المضايقات في الشوارع (65%)، ووجود الكلاب الضالة والمرضى النفسيين والمختلين عقليا في الشوارع (86%).
وحاولت الدراسة التقاط صورة المغرب قبل كأس العالم 2030 من خلال عرض أبرز الممارسات المقلقة التي كشفت عنها كالغش التجاري (85%)، ضعف النظافة (82%)، تسول الأطفال (77%)، غياب مراحيض نظيفة (74%)، ومشاكل سيارات الأجرة، ضعف الخدمات الصحية، التحرش، وعدم احترام الطوابير.
ومن خلاصات البحث في مجال الوعي والسلوك مستوى تسامح متوسط (55%)، التزام بالسلوك المدني ضعيف إلى متوسط (58%)، أكثر من نصف المستجوبين تدخلوا شخصيا لتصحيح سلوك غير مدني، ثلثا المستجوبين يعتبرون أن الحكومة لا تبذل جهودا كافية.
وفي ما يتعلق بتأثير كأس العالم على السلوك المدني، فقد تبين أنه غير محسوم: محدود (37%) أو إيجابي (23%). أما العوامل المؤثرة في السلوك المدني فهي الأسرة (80%) باعتبارها حجر الزاوية، المدرسة (60%) التي تؤدي دورا تكوينيا، القانون (55%) مع ضرورة الصرامة في إنفاذه، الدين والقيم (44%) وقد بان أن لهما تأثيرا معنويا، العدالة والمسؤولية الفردية (43%)، الإعلام وشبكات التواصل (39%)، الشفافية والنزاهة الإدارية (37%)، القدوة والنماذج الإيجابية (25%)، والمشاركة المجتمعية (21%)
بعد الانتهاء من عرض النتائج، يحين أوان تقديم التوصيات الرئيسية، منها دمج المواطنة والسلوك المدني في المناهج الدراسية، تقوية دور الأسرة والقدوة، حملات توعوية وطنية مكثفة، تفعيل صارم وعادل للقوانين مع شرطة للقرب، تأهيل الفضاءات العمومية وتجويد خدمات النقل والصحة، إشراك المجتمع المدني في برامج الرصد والتحسيس، وستثمار كأس العالم 2030 لإطلاق حملة وطنية للسلوك الحضاري.
في الختام، نقدم تلخيصا تحليليا للتقرير مع تعقيب على المقدمة. هكذا نجد أن أول خلاصة التقرير تكشف عن تناقض صارخ بين الهوية الدينية (التي يُفترض أنها تحث على الأخلاق والانضباط) والواقع العملي. يظهر ذلك من خلال أرقام صادمة: 74% يُلقون النفايات في الشوارع، 93% يحتلون الملك العام، 92% يتسامحون مع التسول. ثم هناك انهيار قيم التعايش: ضعف احترام الجار (44%) والنساء (52%)، رغم أن الإسلام يُؤكد على هذه القيم.

ويرى التقرير أن الأسباب الهيكلية تتلخص في تراجع دور المؤسسات التقليدية، وعلى رأسها الأسرة التي، رغم اعتبارها المؤثر الأول، فشلت في غرس السلوك المدني، تليها المدرسة (60%) التي فشلت في ترجمة التعليم إلى ممارسة.
في خانة الأسباب الهيكلية، أدرج التقرير غياب العقاب: 67% يرون أن الحكومة لا تفعل ما يكفي من أجل فرض القانون، مما يعزز الإفلات من العقاب. وفي نفس الخانة أدرج الفجوة بين القيم الدينية والممارسة: رغم اعتبار الدين عاملا مؤثرا (44%)، لكنه لم يمنع انتشار الفوضى، ما يشير إلى تديّن شكلي غير قادر على ضبط السلوك.
ومن السحب السوداء التي تشوب أفق كأس العالم 2030 ما يظهر على شكل مخاوف رهيبة من خلال الغش التجاري (85%)، ضعف النظافة (82%)، التحرش (65%)، وهذه المظاهر كلها تناقض صورة “بلد الزوايا والفقه”.
كتعقيب على المقدمة (“المغاربة يغيرون على إسلامهم”)، نقول إن التقرير يُفنّد هذه الفرضية التي مفادها أنه لو كانت الغيرة على الإسلام حقيقية، لانعكست على السلوك العملي (النظافة، احترام الملك العام، الأمانة…).
من هنا نتأدى إلى هذه المفارقة: إنتشار المساجد والزوايا لا يقابله إلتزام أخلاقي في الفضاء العام، ما يُشير إلى استهلاك ديني (طقوس دون أثر اجتماعي). ونلمس بالتالي أزمة قدوة، حيث أن الفقهاء والزوايا لم ينجحوا في تحويل الخطاب الديني إلى ثقافة مدنية. والأرقام لا تكذب: إذا كان 93% من المغاربة يحتلون الملك العام (وهو حرام شرعاً)، فكيف يُقال إنهم “يغيرون على إسلامهم”؟ لكن يبقى هناك استثناء وحيد وهو أن بعض الممارسات الإيجابية (مساعدة كبار السن والأشخاص ذوي الإعاقة بنسبة 43%) قد تعكس قيماً دينية، لكنها تبقى محدودة أمام السلبيات الطاغية.
الخلاصة النقدية هي أن الإسلام كقوّة ضبط إجتماعي في المغرب تعرض لـ”تأثير الإسفنج”: يمتص الخطاب دون أن يُنتج نظاماً قيمياً فعّالاً. واتضح أن المشكلة ليست في الدين، بل في آليات نقله كغياب التربية المدنية المصاحبة للتربية الدينية، إنفصال الزوايا عن قضايا المواطنة اليومية (مثل النظافة، احترام القانون).
وتبقى الحلول المطلوبة (كما يطرحها التقرير) هي: ربط الدين بالمسؤولية المدنية بحيث تكون “الغيرة على الإسلام” مرتبطة باحترام المرفق العام، والعقاب الرادع، إذ لا يكفي الوعظ، بل يجب تفعيل القانون (مثال: غرامات رمي النفايات،في محاسبة المحتلين للملك العام).
وتمثىت النتيجة في كون المغاربة قد “يغيرون على الإسلام” كهُوية، لكنهم لا يترجمون ذلك إلى سلوك، بينما التحدي الذي يجب رفعه هو تحويل هذه “الغيرة” من شعار إلى ممارسة