على مشارف الحرب العالمية - عملية ترميم نموذج -الأحادية القطبية-
صلاح السروى
الحوار المتمدن
-
العدد: 8376 - 2025 / 6 / 17 - 07:25
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
لا شك أن دول الغرب الأوربي، بالإضافة الى الولايات المتحدة الأمريكية، جميعهم، مهتم بالقضاء على النظام الإسلامي الإيراني الطامح الى ملء فراغ القوة في منطقة الشرق الأوسط. وذلك، على حساب المشروع الغربي، الذي تقوم بتنفيذه (بالوكالة) دولة الكيان الصهيوني. هذا المشروع الغربي الذي يقوم على إعادة تقسيم المنطقة على أسس عرقية وطائفية، بما يضمن، من ناحية، بسط هيمنة إسرائيلية كاملة على المنطقة، وحسم القضية الفلسطينية، بصورة نهائية، لحساب دولة الكيان. ومن ناحية أخرى استئثار الحلف الامبريالي الغربي بكامل ما تتمتع بع به المنطقة من إمكانات نفطية وممرات مائية.. الخ. وبالتالي قطع الطريق في وجه المشاريع التجارية والتنموية الصينية، المتمثلة في مشروع الحزام والطريق، وتحقيق الهيمنة المطلقة على مصادر النفط الأهم في العالم وربما استخدامه كأداة سياسية. تمهيدا لالجام الطموح الصيني وعرقلة تطوره على نحو أكثر فعالية
ولأن العائق الأكثر أهمية، في مواجهة إمكانية تمرير مشروع الهيمنة على المنطقة، يتمثل في القوة الإيرانية، التي تمتلك عقيدة قتالية وقدرة تسليحية واقتصادية بارزة، فقد تم إعطاء الضوء الأخضر لاسرائيل للبدء في مغامرتها الخطرة في ضرب ايران.
ولأن إسرائيل خلال الأيام الثلاثة الماضية قد تضررت بشدة وعلى نحو لم يكن محسوبا، واتضح عجزها عن تحقيق الأهداف التي من أجلها فجرت الحرب. ألا وهي تدمير قدرة ايران على انتاج قنبلة نووية واسقاط النظام الإيراني وتنصيب نظام موال لإسرائيل والغرب، لذلك جاء تصريح ترامب الصادم والمفاجئ للكثيرين ب "اخلاء طهران فورا".
ولا شك أن هذا قرار خطير للغاية ويمثل انعطافا حادا في مسار الأحداث الجارية، فهو يعني اعلان حرب، بكل معنى الكلمة. كما يعني انخراطا مباشرا للولايات المتحدة، بصورة رسمية، في الحرب الدائرة. خاصة أنه قد صدرت الأوامر بتحريك حاملة الطائرات نيميتز، من مواقعها في بحر الصين الجنوبي الى منطقة الشرق الأوسط. وكذلك، تحريك بعض القوى الايرانية المعادية للنظام الايراني (كالجماعات الكردية، والتكفيرية، والبلوشية .. الخ) ويحيل الى العديد من الدلالات المهمة، التي يمكن تحديدها على النحو التالي:
أولا: أن اسرائيل قد أصبحت في موقف ضعيف وعجزت عن تحقيق مهمتها في تدمير البرنامج النووي واسقاط النظام الإيراني، على النحو الذي تم ايراده آنفا. بل ان إسرائيل قد أصبحت هي نفسها في موضع الخطر، مع موجات الصواريخ الايرانية القاتلة، وعدم قدرتها على احتمال مزيد من الخسائر وتضررها من احتمال اطالة أمد الحرب. والأخطر من كل ذلك هو بدء اتجاه الاسرائيليين نحو النزوح عن أراضي الكيان (عشرات الزوارق واليخوت تحمل الإسرائيليين متجهين الآن نحو قبرص) وهو ما يمك أن يؤدي الى كارثة ديموجرافية بالنسبة للكيان الصهيوني.
ثانيا: حاجة ترامب الى ترميم صورة الولايات المتحدة بوصفها القطب الأوحد في العالم حتى الآن، وهو الذي وعد عند انتخابه بترميم هذه "الصورة"، على التحديد، وإعادة أمريكا بوصفها "دولة عظمى من جديد"، خاصة، بعد الاخفاق في اخضاع اليمن.
ثالثا: اختبار مدى نية وقدرة الصينيين والروس على المضي قدما في دعم ايران. (باكستان وكوريا الشمالية قد لا تحتلان الأهمية نفسها في قائمة حلفاء ايران)
وفي تقديري فان تصريحات ترامب لا يمكن أن تخرج عن واحد من احتمالين:
الاحتمال الأول: أنها ليست أكثر من بالون اختبار، وقد وردت هذه التصريحات بوصفها نوعا من الحرب النفسية الخشنة تجاه ايران وحلفائها. فاذا استجابت ايران ورضخت للتهديدات، واذا تراجع حلفاؤها عن دعمها، فان الخطة تكون قد نجحت. أما اذا صمدت فانه من الممكن على طريقة ترامب المتذبذبة أن يتم اعادة بحث الأمر، ولا بأس من التراجع.
الاحتمال الثاني: هو أن أمريكا قد عقدت العزم بالفعل على اسقاط النظام الايراني وتدمير مقدراته النووية، (على طريقة ما حدث للنظامين العراقي والسوري). وقد بات من الضروري أن تتدخل أمريكا بصورة مباشرة لتحقيق ذلك، نظرا للعجز الإسرائيلي، المشار اليه، في هذا الصدد.
وأنا أرجح الاحتمال الثاني، لأن أمريكا واسرائيل لن يحتملا خروج ايران منتصرة، أو على الأقل ناجية مما تم تخطيطه لها، وافشالها للنتائج المتوخاة من الحرب، وأن تنتهي الحرب وهي محتفظة بسلامة نظامها وبقنبلتها وبرنامجها النوويين. ان هذا، لو تم، سيؤدي الى التخفيض، بشدة، من وهج الصورة الرمزية للقوة الأمريكية في العالم. كما أن فشل إسرائيل، مع كل هذه الخسائر، سيجعل منها أمثولة ومدعاة للسخرية في المنطقة. وربما يشجع قوى كثيرة في المنطقة لمهاجمة اسرائيل، بعد أن برز مدى هزالها وعجزها. وربما يشجع بعض دول الاقليم الخاضعة لأمريكا (خوفا من بطشها)، على شق عصا الطاعة على الولايات المتحدة واسرائيل (بوصفها القوة المرشحة للهيمنة المطلقة على الاقليم في المرحلة التالية لتحقيق أهدافها من الحرب على ايران). فضلا عما يمكن أن يحدث داخل إسرائيل نفسها من تحولات وتطورات سياسية وديموجرافية، قد لا يستطيع أحد التنبؤ بحجمها.
وعلى هذا فان الأرجح هو جدية هذا التدخل الأمريكي، خاصة أنه قد تم تحريك بعض المجموعات الكردية والتكفيرية التي تقاتل النظام الايراني منذ فترة طويلة، وهي متشوقة لتلقي اشارة الهجوم. كما تم اعداد حفيد الشاه الذي تمت الإطاحة به بعد ثورة 1979.
أما عن النتائج المحتملة لمضي الولايات المتحدة في هذا الخيار الأخير (أي الانخراط بصورة مباشرة)، فان ذلك سيؤدي الى دخول العالم في حالة جديدة تماما، من المؤكد أنها ستسفر عن قلب الأوضاع والقيم الحاكمة والمستقرة، حتى الآن:
حيث سيتم استنفار القوة الصينية والروسية والباكستانية والكورية، في مواجهة أمريكا وحلفائها. ولعدم تمكينهم من النجاح وستكون فرصة لتحقيق أكبر استنزاف ممكن لقواهم. وتوريط أمريكا في مستنقع جديد لن يقل عنفا عن ورطتها في كل من فيتنام وأفغانستان. وستتوقف صادرات النفط من الخليج، نظرا لقدرة ايران أو بعض حلفائها الاقليميين (الحوثيين على التحديد) على تعطيل الملاحة في كل من مضيق هرمز وباب المندب. وستضرر التجارة العالمية بشدة. وهو ما سيؤدي الى ارتفاع أسعار الطاقة على نحو مرعب. وتزايد معدلات التضخم والأزمات الاقتصادية العالمية، فضلا عن الكوارث الإنسانية التي يمكن تصورها في مثل هذه الأحوال. وفي هذه الحالة سيكون العالم قد دخل العالم في أجواء الحرب العالمية، خاصة، اذا تم استخدام السلاح النووي، وهو ما يمكن أن يفتح باب الجنون العالمي على مصراعيه. وعندها سيكون العالم في مكان آخر.