لماذا نعتبر أن هذه الحرب حربنا؟؟


صلاح السروى
الحوار المتمدن - العدد: 8375 - 2025 / 6 / 16 - 04:49
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

يقوم المشروع الصهيوني على جعل اسرائيل هي القوة الوحيدة القادرة على الهيمنة والبطش في المنطقة، وذلك ضمانا لاستمرارها، بوصفها كيانا ودولة. وكذلك لضمان إمكانية الحفاظ على غنائمها التي اغتصبتها والتي تتراكم كل حين (أرض فلسطين ومعها الجولان في سوريا، وقرية الغجر وتلال كفار شوبا في لبنان، وكل ما يمكن السيطرة عليه تدريجيا، مما تسميه "أرض اسرائيل الكبرى" التي تمتد بين كل من العراق وسوريا ولبنان وشمال الجزيرة العربية وشرق مصر). وهذا يقتضي ضرب وتقويض كل القوى ذات الشأن بالمنطقة والقادرة على عرقلة مخططاتها. وسبيلها لتحقيق تلك النوايا هو تسخين الجبهات الأضعف، في مقابل تسكين الجبهات الأخرى، مع العمل على الاستعانة بهذه الجبهات الساكنة، كلما أمكن، لضرب الجبهات الأخرى الأكثر خطورة.
ولذلك كانت إسرائيل تسعى على الدوام الى التقارب مع بعض الدول العربية، ولكن هذا لم يكن يعني أن هذه الدول قد خرجت من دائرة الاستهداف الصهيوني، بل تأجيل ذلك الاستهداف حتى يحين الوقت المناسب.
والقوى التي يمكنها عرقلة المخطط الصهيوني في الآونة الراهنة، بعد القضاء على قوة كل من العراق وسوريا، هي تلك المتمثلة في كل من ايران وتركيا ومصر. (والترتيب هنا يمكن أن يعني الجبهة الأكثر خطورة فالأقل، ويمكن أن لا يعني شيئا سوى تحديد الجبهة المتاحة والأسهل في الإنجاز، مثلما حدث مع تدمير مقدرات الجيش السوري رغم استسلام سوريا تقريبا، وتراجع قوة حزب الله، وقضم بعض الأراضي هنا أو هناك).
وهذه الدول الثلاث (أي ايران، تركيا، مصر) هي موضوع وبؤرة التخطيط (بعيد وقريب المدى) ومنطقة العمليات الإسرائيلية. ويشمل ذلك كل ما يمكن عمله من عمليات تخريبية: سواء، أكان جمع معلومات، أو زرع فتن، أو اثارة نعرات طائفية، وصولا الى اغتيال القادة وافشال الاقتصاد واشاعة التخلف.. وكل ما يمكن أن يؤدي الى اضعاف هذه الدول، تمهيدا للاجهاز عليها في الوقت المناسب.
وما يجعل ايران تمثل أولوية بالنسبة لإسرائيل في الوقت الراهن هو وجود عدة عوامل:
- أن ايران تمتلك مشروعا مناقضا تماما وعلى نحو جوهري للمشروع الصهيوني، يرتكز على تزعم العالم الاسلامي (وبخاصة الشيعي) تحت غطاء نصرة القضية الفلسطينية، بهدف استعادة بعض (ان لم يكن كل) النفوذ الامبراطوري الفارسي القديم في منطقة يراها الجميع منطقة فارغة من القوة ومليئة بالموارد والأموال. وحجر العثرة الرئيس في سبيل تحقيق ذلك بالنسبة لإيران هو وجود الدولة الصهيونية، على التحديد، التي تمتلك مشروعا مناقضا، على النحو الذي تمت الاشارة اليه آنفا. فضلا عما يمثله وجود تلك الدولة بحد ذاته من استفزاز للمشاعر الدينية، ولا ننسى أنىايران دولة دينية ومن انتسابها الى الدين تستمد شرعيتها السياسية.
وتمتلك تركيا، كذلك، مشروعها الخاص، وهو ذلك المتمثل في محاولة استعادة بعض مما كان لديها من هيمنة وسيطرة فيما قبل اتفاقية "لوزان" 1923، التي اقتطعت من أملاكها ما يساوي عشرة أضعاف المساحة الفعلية لتركيا الراهنة. وما زالت تركيا تردد حتى هذه اللحظة أن لها حقا مسلوبا في كل من العراق وسوريا وربما أيضا في الحجاز. وهذا ما يجعلها، من هذه الناحية، متناقضة تماما مع المشروع الصهيوني.
أما مصر فهي البلد المستهدف، بصورة مباشرة، بالتدمير. سواء أكانت تمتلك مشروعا (كان لديها مشروع القومية العربية التقدمي في العهد الناصري) أو حتى وهي لا تمتلك سوى مجرد القدرة على حماية استقرارها. ذلك لأن مصر هي مطمع بحد ذاتها، سواء باجبارها على قبول تصدير الفلسطينيين المطلوب التخلص منهم الى أراضيها، أو لأنها تمثل أرض سفر "الخروج" التي لا بد من العودة اليها. وما محاولات التقارب مع دول الخليج تحت ادعاءات "الابراهيمية" أو الترهيب والترغيب الترامبي، (في رأيي) سوى الرغبة في قطع سبل الدعم المتاحة لمصر، وتحويل الخليج الى أداة للضغط عليها، ان لم يكن تدميرها. وهذا ليس جديدا على أية حال (راجع دور السعودية في التحريض على عبد الناصر وجهودها الهائلة في محاولة افشال مشروعه، ثم دور معظم دول الخليج في محاولات "أسلمة" المجال العام في مصر، عن طريق دعم الاخوان (في فترات سابقة) وتصدير الوهابية (وهذا قائم حتى الآن)، وشراء ولاءات بعض النخب، وازكاء الفتن الطائفية، ومحاولة تقزيمها .. الخ. وتقوم أمريكا وإسرائيل بتلك المحاولات مع دول الخليج مستغلين رغبة عدد من زعمائها في بناء مناطق نفوذ مناهضة للمشروع الإيراني، عن طريق التحالف مع إسرائيل. وكذلك، بغية تحقيق نوع من الزعامة والقيادة والتأثير، على حساب الدور الآفل للقيادة المصرية التقليدية للمنطقة.
من هنا يمكن أن نفهم الكثير من المناورات والسلوكيات التي تصدر عن كل من هذه الأطراف. ويمكن أن نكتشف أيضا الأهداف الخفية أو المتسترة بأهداف أخرى معلنة، مثل الدعم المبني على الأخوة العربية أو الرابطة الاسلامية، أو ما شاكل ذلك من دعاوى.
وغني عن القول أن هناك التقاء واضحا بين كل من المشروع الصهيوني، والخليجي، والمخططات الامبريالية الغربية (المتمثلة في انجلترا وفرنسا وألمانيا وقبلهم جميعا الولايات المتحدة). فاسرائيل بالنسبة للغرب ليست أكثر من (حاملة طائرات أرضية) أو مفرزة متقدمة، لتحقيق أهدافهم في السيطرة على منطقة الشرق الأوسط برمتها، بوصفها حلقة استراتيجية بالغة الأهمية (من جميع النواحي الاقتصادية والعسكرية والجيوبوليتيكية) في الصراع الاستراتيجي العالمي بينهم وكل من الصين وروسيا. بوصفهم ممثلين لأطراف ثلاثة (فكل منهم لديه مشروعه الخاص) والخليج خاضع لأمريكا واسرائيل ما دام الأمريرتبط بالعداء لايران، ويضمن لأمرائه الزعامة على أنقاض مشروعها، وبالطبع على أنقاض المشروع المصري الآفل.
واذا عدنا الى المشروع الصهيوني، فان ايران بالنسبة له تعد الخطر الأقرب والأكثر الحاحا. فهي تقترب، بقوة، الآن من امتلاك القنبلة النووية، وهي من يدعم معظم المناوئين لاسرائيل، سواء "حزب الله" أو "أنصار الله" أو حتى "الحشد الشعبي" في العراق. فلابد اذن من الاجهاز عليها بأسرع ما يمكن. من هنا كان تعجل نتنياهو في توجيه تلك الضربة الى ايران. فأي تأجيل قد يعني ضياع الفرصة الى الأبد، في حال اذا نجحت ايران في امتلاك القنبلة النووية. وهذا يعني ، بالنسبة لاسرائيل، تأجيل ملفات القوى الأخرى، ولا بأس من تهدئة الأوضاع معهم، اذا لم يكن من الممكن استمالتهموالاستعانة بهم في حربها مع العدو الأخطر. وهو ما يحدث بدرجات معينة، وبين حين وآخر، مع دول الخليج، وكذلك ازكاء التناقضات بين كل من مصر وتركيا، ومصر والخليج .. الخ.
واذا كانت تلك هي طبيعة الموقف الاستراتيجي في المنطقة فيمكننا القول بأن اسرائيل تمثل الخطر الأكبر الراهن على جميع بلدان المنطقة دون استثناء واحد. مع الوضع في الاعتبارأهمية المشروعات الأخرى وتقاطعاتها. بيد أنه لو نجحت إسرائيل في هزيمة ايران فان مهمتها مع باقي القوى (وعلى رأسها مصر) ستكون أسهل بكثير مما كان قبلها، فسوف تنفرط المنطقة الى طوائف ودويلات، وميليشيات، وستدخل في صراعات وحروب داخلية (تم طرح هدف تقسيم ايران الى دويلات قومية على لسان أكثر من متحدث صهيوني)لا يستطيع أحد أن يعلم مداها أو نهايتها، وسوف يكون الرابح الوحيد والقوة المهيمنة والباطشة هي الكيان الصهيوني، وستصببح الهيمنة الامبريالية على المنطقة أقوى بمراحا مما حدث بعد القضاء على الجيش العراقي..
ولعل هذا ما يجعلنا نتعامل مع تلك الحرب باعتبارها معركتنا، نحن العرب والمصريين على التحديد.