موقف من الصراع الأمريكى - الخليجى مع ايران


صلاح السروى
الحوار المتمدن - العدد: 6236 - 2019 / 5 / 21 - 21:29
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

صلاح السروى


موقف من الصراع الأمريكى - الخليجى مع ايران

دأب البعض على مهاجمة ايران بدعوى أنها (وياللغرابة) عميلة لأمريكا والصهاينة ؟؟؟؟ أو أنها فى نظر البعض الآخر ليست أكثر من دولة شيعية "كافرة".. !!!!!
وفى المقلب الآخر هناك من يعتبر ايران القوة الوحيدة الداعمة للمقاومة, وأنها الشوكة الوحيدة فى خاصرة المشروع الأمريكى - الاسرائيلى – الخليجى, الهادف الى صياغة الأوضاع فى المنطقة على نحو مغاير لطموح شعوبها فى العدل والحرية.
الوجه المزدوج لايران
فى البداية لا ينبغى أن ننكر أن الثورة (الاسلامية) فى ايران كان لها دور فى المساعدة على نجاح مخططات "تديين" المنطقة. كما كان لها دور فى تسويغ استنهاض التطرف "السنى". كما كان للوجود العسكرى الايرانى وتمدد مواقعه, على نحو مخيف لجيرانه, دور فى زيادة ابتزاز عرب الخليج من قبل الغرب, وأمريكا بصفة خاصة, بدعوى حمايتهم من هذا الخطر. وكل هذا كما هو واضح يصب فى صالح الغرب الامبريالى واسرائيل. فضلا عن عداء ايران لقوى التقدم (لاننسى المذابح التى جرت فى حق الشيوعيين والليبراليين بعد انتصار الثورة على أيدى الملالى) وعدائها لحرية الاعتقاد والفكر والفن والمرأة .. الخ, ولقد تم ذلك مرتبطا ببروز الوجه الأصولى الدينى للثورة الايرانية (فهى تعد أحد أوضح أشكال الاسلام السياسى)
ولكن هل تقف الصورة عند هذا المشهد أم أن لها أبعادا أخرى؟؟
ان ايران دولة قديمة تمتلك ارثا حضاريا كبيرا وأسهمت بقوة فى ازدهار الحضارة الاسلامية. ولاتزال تمثل ركنا مهما فى ثقافة الشرق الاسلامى. وعلى الرغم من كل التضييقات التى تمارسها على حرية الابداع والفكر لديها, فلا يزال علماؤها يبدعون وفنانوها يكسبون الجوائز العالمية. وبعد أن كانت فى العهود الشاهنشاهية منذ بدايات القرن العشرين دولة تابعة للامبريالية البريطانية ثم الأمريكية, فيما بعد الحرب الثانية, وضالعة فى كل الأحلاف الأمريكية المعادية للسوفيت ولحركات التحرر فى العالم ومعادية لمصر على وجه الخصوص .. وبالطبع كانت (فى تلك الآونة) تساند اسرائيل وتقيم معها علاقات مميزة للغاية .. جاءت الثورة الخمينية التى أطاحت بكل ذلك واختطت لنفسها طريقا خاصا, معاديا للغرب وأمريكا ومساندا بقوة للقضية الفلسطينية حتى أن الثورة قد حولت السفارة الاسرائيلية الى سفارة لفسطين. كما أنه من الضرورى ألا ننسى الدور بالغ الأهمية لايران فى مناهضة اسرائيل ودعم حركات المقاومة والعداء الحاسم للارهاب الأصولي الداعشي.
وعلى الرغم من أن ايران دولة دينية يحكمها رجال الدين وتدين بالمذهب الشيعى فان استراتيجيتها السياسية لاتقوم على التصنيف الدينى: "مسلم وغير مسلم", أو الطائفى: "سنة وشيعة", بدليل موقفها المتحالف مع الصين وروسيا وكوريا .. الخ, والداعم للمقاومة الفلسطينية (السنة). وان كانت تستخدم كافة الأوراق المتوفرة لديها بالطبع .. انما المسألة عندها هى ضمان أمنها القومى فى محيط عربى وشرق أوسطى تم تجييشه ضدها بعد الثورة الخمينية (لاحظ أن ايران تحتل الجزر الاماراتية منذ أيام الشاه وعلى الرغم من ذلك كانت صديقة لعرب الخليج ولم يكن هناك هذا التركيز على احتلال الجزر) بما يعنى أن العداء لايران بعد الثورة انما كان وراءه نوع من الخضوع لاملاءات أمريكية واسرائيلية فى المقام الأول. واذا كان النفوذ الايرانى يتمدد فى دول المنطقة (لبنان وسوريا والعراق واليمن) فاننى اعتقد أن العرب هم الذين أعطوها هذه الفرصة على طبق من فضة , فقد نفضوا ايديهم من القضية الفلسطينية بل طبعوا مع اسرائيل فتقدمت هى لتفعل ماكان ينبغى على العرب فعله, فأصبح لها نفوذ فى لبنان عن طريق دعمها لحزب الله, وفى فلسطين عن طريق دعمها للجهاد وحماس. وتآمر الخليجيون على سوريا وأنفقوا المليارات بغية تدميرها ودعم الارهابيين بها من داعش الى النصرة الى جيش الاسلام .. الخ, فلجأ النظام السورى الى الدعم الايرانى (ولغيره) فأصبح لايران هذا النفوذ المشهود فى سوريا, وقس على ذلك فى العراق واليمن.
ومن هنا يمكن القول من وجهة النظر المصرية التقدمية بأن هناك وجهين لايران: الأول سلبى للغاية والأخر ايجابى الى حد كبير. وعلينا أن نصوغ علاقاتنا معها ونحن واعون بكلا الوجهين معا.

أسباب الصراع
ان عداء الغرب وأمريكا لايران انما ينطلق وبوضوح من نقطتين:
الأولى, هى معاداتها لاسرائيل. فايران, فى تصورهم, هى التى تتسلح من أجل القضاء على اسرائيل, وهى التى تدعم قوى المقاومة المناوئة لاسرائيل سواء أفى جنوب لبنان, أو فى غزة, أو حتى فى اليمن. ومن هنا فضرب ايران فى الحقيقة لن يكون سوى هدية مقدمة على طبق من فضة للعدو الصهيونى, وسيمثل ضربة كاسرة لقوى المقاومة فى كل الأرجاء المشار اليها.
أما الثانية, فهى أن النظام الايرانى جاء بعد ثورة كبرى على نظام تابع للغرب ولأمريكا على التحديد, ومن ثم فهو نظام حريص على استقلاله الوطنى, بل معاد للغرب بحكم تبعية النظام السابق له, وبحكم عداء الغرب للثورة الاسلامية. وبالتالى فايران حسب التصنيف الأمريكى تعد دولة مارقة. وتزداد خطورتها بكونها تحتل موقعا استراتيجيا فى منطقة بالغة الأهمية والخصوصية بالنسبة للاقتصاد الأمريكى والعالمى برمته, بما يعنى حرمان أمريكا من احكام قبضتها على نفط الخليج, وبما يحرمها من استكمال القدرة على فرض هيمنتها على الاقتصاد العالمى.
فلم تكتف ايران بمناوأة اسرائيل وأمريكا وحلفائها من دول الغرب, بل ان من تدعمهم من قوى المقاومة يمكنهم أن يمثلوا حجر عثرة بالغ القوة ورقما صعبا للغاية فى مواجهة المخططات الغربية والاسرائيلية فى المنطقة. وقد رأينا الدور الايرانى المجهض لطموحات الغرب واسرائيل فى كل من العراق وسوريا واليمن. ولقد برزت الأهمية الاستثنائية لحلفاء ايران من قوى المقاومة,بخاصة فى الآونة الأخيرة, عندما ظهر يعرف "بصفقة القرن" التى أعلنها ترامب, التى بدأت بالاعتراف بالقدس عاصمة لاسرائيل وبالجولان تابعة لها, والتى تمتد الى محاولة التصفية الكاملة للقضية الفلسطينية وتمكين اسرائيل من مجمل الأراضى العربية الفلسطينية, وحل المشكلات السكانية المترتبة على ذلك على حساب دول الجوار الفلسطينى. حيث يحسب حساب قوى المقاومة المناوئة لاسرائيل فى تقويض أو على الأقل عرقلة هذه الصفقة.
ومن هنا, يمكن أن نفسر سر توقيت هذه الحملة على ايران, فى هذا الوقت بالتحديد, حيث يصبح ضرب ايران بمثابة مقدمة ضرورية لتحقيق "صفقة القرن", التى تمثل هدفا اسرائيليا (ومن ثم أمريكيا) كبيرا.
كما أن معاداة بعض عرب الخليج مع ايران انما تنطلق من تنازع النفوذ بين ايران والسعودية (التى تقود حلفا قويا من باقى دول الخليج باستثناء قطر) فى محاولتها لملء الفراغ الذى تركته مصر بعد خروجها من ساحة الصراع بالشرق الأوسط. وقد أغراها فائض القوة الاقتصادية النفطية غير المسبوق. (وقبل ذلك حاول صدام حسين القيام بالفعل ذاته مغترا بقوته الاقتصادية والعسكرية, معا, ولكن مشروعه وئد مبكرا). ولا مناص من التذكير بان حالة الفراغ الاستراتيجى التى خلقها الانكفاء المصرى هو الذى يغرى كلا من ايران والسعودية وتركيا (ولا مجال للحديث عن اسرائيل باعتبارها بديلا مرشحا من قبل الغرب فى مقابل كل أولئك جميعا) بمحاولة ملء هذا الفراغ .. وبخاصة أن كلا من هؤلاء (باستثناء اسرائيل بالطبع) يرفع راية اسلامية ويحاول الوصول الى زعامة العالم الاسلامى والعالم العربى ذى الغالبية المسلمة. ولكن القوتين الأكثر احتكاكا, وبالتالى, الأكثر رغبة فى النزال واستعدادا للصدام من أجل تحقيق هذه المهمة هما ايران والسعودية, نظرا للدوافع الخاصة بكل منهما. مع التسليم بأن لكل منهما مشروعه المختلف وحلفاؤه المحددين.
من هنا نستطيع التأكيد على أن الصراع بين ايران والسعودية انما هو صراع سياسى فى الأول وفى الآخر, وان رفع البعض أحيانا شعارات الدينية مثل "ايران المجوسية" , أو "الشيعة" أو "السنة" .. الخ. فما الدين الا أداة وألعوبة فى أيدى الجميع.
ومن نافل القول ذكر أن نهوض مصر وعودة قوتها وتأثيرها فى مجريات الأحداث فى المنطقة كفيل بالقضاء على أحلام كل هؤلاء, أو على الأقل كفيل بالحد منها.

النتائج المحتملة لهذه المواجهة
وعلى ضوء ما سبق فانه لابد من الاقرار بان هزيمة ايران الآن فى الصراع مع الغرب واسرائيل ليست فى صالح بلادنا, حسب توازنات القوى وطبيعة التحديات الحالية. فهى لن تقضى على الأصولية الدينية, بل ستحرم القوى المناوئة للارهاب الأصولى من قوة لا يستهان بها. كما أن نتيجتها المباشرة ستكون تمكين أمريكا واسرائيل من رقاب بلدان المنطقة أكثر وأكثر, الى جانب اضعاف كافة حركات المقاومة ضد الصهيونية. وهذا كله ليس فى صالحنا, سواء من ناحية مكافحة الارهاب, أو من ناحية التوازن الاستراتيجي فى الصراع مع اسرائيل, أو من ناحية قوة النفوذ الامبريالى الأمريكى بالمنطقة.
كما أن خروج ايران من هذه الأزمة قوية معافاة, بالمقابل, سيضعف بقوة من النفوذ الأمريكى وسيقلل الى حد كبير من العجرفة والصلف الاسرائيليين, وربما يسهم فى اجهاض ما يسمى بصفقة القرن التى يدقون طبولها الآن. والقوة الايرانية فى كل الأحوال تمثل عامل ردع لاسرائيل وقوة احتياطية للعرب فى أية مواجهات محتملة معها فى المستقبل. ومن هذه الزاوية فانها ينبغى ان تكون صديقة للعرب لا عدوة لهم.
أما وجهها الأصولى الدينى فيمكن مواجهته عن طريق بناء نماذج حكم مدنية قوية وناجحة سياسيا واقتصاديا, وجاذبة للاحتذاء, ولابديل غير ذلك. فلا ننسى أن المنطقة قد أصبحت أكثر قابلية للتدين بعد هزيمة المشروع القومى الاشتراكى.
.
ومن هنا فان يتعين علينا صياغة موقفنا من الصراع الأمريكى الخليجى مع ايران على ضوء ماتمليه ضرورات الأمن القومى المصرى, وبالتالى الأمن العربى, حسبما تتطلبه طبيعة الظروف السياسية فى المنطقة فى اللحظة الراهنة. وذلك برفض واستنكار أية محاولة لضرب ايران أو تدمير قوتها, فضلا عن عدم الانخراط فى أية أحلاف عسكرية ضدها.
ومهما يكن من أمر ايران فانها تبقى الأقرب الى خنادقنا, وأن "سيفا كان لك .. ليس مثل سيف أثكلك", كما يقول أمل دنقل.