خسائر بشريّة مدمّرة لسحب ترامب للمساعدات العالميّة التي تقدّمها الولايات المتّحدة


شادي الشماوي
الحوار المتمدن - العدد: 8370 - 2025 / 6 / 11 - 17:04
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية     

جريدة " الثورة " عدد 909 ، 9 جوان 2025
www.revcom.us

في الأسبوع الماضي ، دعا نظام ترامب الفاشيّ الكنغرس لسحب التمويل ب 8.3 بليون دولار الموجّه بعدُ لوكالة الولايات المتّحدة للتنمية العالمي ( USAID ) . و هذه الوكالة سلاح بيد حكومة الولايات المتّحدة يموّل و يسيّر برامجا حول العالم تقدّم مساعدات غذائيّة و وقاية من الأمراض و أصناف أخرى من " المساعدات الإنسانيّة " . و هذا التراجع عن التمويل يأتي بعد أن قلّص ترامب أو ألغى أقساطا كبيرة من تمويل هذه الوكالة في الأشهر الأولى لهذا النظام الفاشي – متّهما إيّاها بأنّ من يسيّرها هم " أشخاص يساريّون مجانين " – و وضع ما تبقّى تحت تصرّف قسم الدولة .
ما هي تبعات هذا السحب الدراماتيكي لتمويل وكالة الولايات المتّحدة للتطوّر العالمي ؟ في سلسلة من المذكّرات الداخليّة ، مسؤول سامي في الوكالة توقّع الخسائر البشريّة الهائلة لهذه التحرّكات . و كما جرى تلخيص ذلك في جريدة النيويورك تايمز(1) التي حصلت على نسخة من تلك المذكّرات ، ضمن تبعات قطع التمويل :
- " إلى 18 مليون حالة إضافيّة من المالاريا سنويّا و ما يقدّر ب166 ألف وفاة إضافيّة ؛
- " شلل 200 ألف طفل بسبب مرض شلل الأطفال ، و مئات الملايين من الإصابات ؛
- " عدم معالجة مليون طفل يتعرّضون سنويّا لسوء تغذية حاد وهذا عادة قاتل ؛
- " أكثر من 28 ألف حالة سنويّا من مثل هذه الأمراض المعدية كإيبولا و ماربورغ ؛
لنكون واضحين ، المساعدة المقدّمة عبر الوكالة الأمريكيّة إيّاها طوال العقود الماضية – باسم " الكرم " الأمريكي – كانت جزءا من شبكة المساعدة / السيطرة المستخدمة من الولايات المتّحدة لتقدّم نفسها على انّها ديمقراطيّة كبيرة " محسنة " لأجل مزيد حماية الموقع الأمريكي كقوّة مهيمنة ضمن النظام الرأسمالي – الإمبريالي العالمي . فعلى سبيل المثال ، في اليمن ، أحد أفقر البلدان في العالم حيث أكثر من نصف السكّان مرتهنون بيأس بالمساعدات ، موّلت الوكالة الأمريكيّة الغذاء للناس الواقعين على حافة المجاعة ، و الرعاية الصحّية للأطفال الذين يعانون من الكوليرا و غيرها من البرامج . لكن عاملا كبيرا في كارثة هذه البلاد الإنسانيّة كان سنوات من حرب العربيّة السعودية العنيفة بدعم من الولايات المتّحدة ضد اليمن – و الولايات المتّحدة نفسها ، بما في ذلك في ظلّ الفترة الرئاسيّة الأولى لترامب ، قد نفّذت هجمات عسكريّة عدوانيّة في اليمن بإهمال تام للحياة البشريّة ، باسم المضيّ ملاحقة المجموعة الحوثيّة المدعومة من إيران و آخرين معتبرين حجر عثرة في طريق مصالح الولايات المتّحدة .
و الواقع هو أنّ " المساعدات الإنسانيّة " المقدّمة من خلال الوكالة الأمريكيّة و غيرها من وكالات الغوث حول العالم لا تلبّى بأيّ حال من الأحوال الحاجيات الكبرى و الإستعجاليّة لمليارات البشر عبر العالم – في الغذاء و السكن و الرعاية الصحّية إلخ . في سنة واحدة ، يموت ما يناهز 5 مليون طفل عالميّا قبل بلوغ عمر 5 سنوات – نصف هذه الوفايات مرتبط بالأطفال و الأمّهات التي ليس لديهنّ ما يكفى من الغذاء ! و بالنسبة إلى البقيّة ، تعدّ الأمراض المعدية مثل الأمراض الرئويّة و المالاريا من أهمّ الأسباب . و هذا الوضع الذى لا يُطاق تعود متجذّر في طبيعة و سير النظام المهيمن على العالم – الرأسماليّة – الإمبرياليّة – الذى أدّى إلى نهب و تدمير المناطق المضطهَدَة من العالم ، و التدمير اللصوصيّ للبيئة ، و بون هائل في ظروف الحياة بين البلدان الغنيّة و البلدان الفقيرة . و التعاطي الحقيقي مع هذا المشكل سيتطلّب ليس المزيد من المساعدات و إنّما ثورة فعليّة للقضاء على هذا النظام و إنشاء نظام جديد راديكاليّا و نمط حياة كامل للإنسانيّة .
و مع ذلك ، الواقع هو أنّ القطع المفاجئ لتمويل الوكالة الأمريكيّة إيّاها له إنعكاسات و ستكون له إنعكاسات بعيدة المدى و قاتلة على ملايين البشر ، خاصة في المناطق الأفقر والأكثر إضطهادا في العالم . أثناء جلسة سماع بالكنغرس في ماي ، زعم سكرتير ترامب للدولة، ماركو روبيو، أنّ " ما من أحد مات بسبب قطع تمويل وكالة الولايات المتّحدة للتنمية العالميّة". و كان ذلك محض كذب . كتب الصحفي بجريدة نيويورك تايمز ، نيكولا كريستوف ، لمحة عن الضحايا بجنوب السودان و موتهم يمكن أن يُعزى مباشرة إلى قطع برنامج الوكالة الأمريكيّة المسمّى PEPFAR ، الذى كان بواسطته يقع تقديم الأدوية و غيرها من الرعاية للناس المصابين بالأيدز في عشرات البلدان – و ضمنهم بيتر دونتى ، طفل عمره 10 سنوات ، و آشول دنك ، طفلة عمرها 8 سنوات ، و كلاهما كانا مصابان بالأيدز عند الولادة . هؤلاء الأطفال و مصابين آخرين بالأيدز ، ماتوا لأنّهم لم يعد بوسعهم الحصول على الأدوية التي كلفتها أقلّ من 12 سنتا في اليوم .
و هذا ليس سوى مجرّد بداية للكارثة المحدقة ، خاصة في أفريقيا التي لديها 25 مليون من الأربعين مليون مصاب بالأيدز في العالم . و يُلاحظ كريستوف ، " في جنوب أفريقيا أين يوجد أكثر من 7 ملايين مصاب بالأيدز ، مؤسّسة صحّة دسموند توتو تقدّر أنّ وضع نهاية لبرنامج الببفار PEPFAR سيفضى إلى أكثر من 600 ألف وفاة في عقد في تلك البلاد وحدها ".
و يزعم قسم الدولة أنّ أصدر " تنازلا " عن القطع لبعض برامج وكالة الولايات المتّحدة للتنمية العالميّة بما فيها الببفار . لكن وفق تقارير متنوّعة ، الكثير من المساعدات تبقى معلّقة أو لا تمرّر . و تصاعد الوفايات و العذابات جرّاء الأيدز ، مهما كانت لا تطاق ، هي مجرّد جزء من القصّة .
" مائة بالمائة وفايات كان من الممكن تجنّبها "
إستخدمت بروك نيكولاس ، أستاذة أمراض معدية في جامعة بوسطن ، مناهجا علميّة لتطوير برنامج يقتفى أثر سحب تمويل الوكالة الأمريكيّة على حياة البشر . و في البداية ، إفترضت أنّ أوسع تأثير سيكون على المصابين بالأيدز . إلاّ أنّها قالت ، " صُدمت حقّا بوفايات الأطفال جرّاء الإسهال و الأمراض الرئويّة و سوء التغذية . عشرات الآلاف من الأطفال ماتوا لأنّنا سحبنا تمويلنا لبرامج معالجة الإسهال و الأمراض الرئويّة و الغذاء " .
و حسب عدّاد تأثير نيكولس ، المتوفّر على الأنترنت وهو يحيّن بإستمرار ، التقديرات هي في 7 جوان أكثر من 320 ألف إنسان قد ماتوا نتيجة قطع تمويل الوكالة إيّاها – منهم أكثر من 219 ألف طفل و طفلة . " هذه مائة بالمائة وفايات كان من الممكن تجنّبها " ، قالت نيكولاس . جميعها جدّت بسبب اقطع المفاجئ في تمويل وكالة الولايات المتحدة للتنمية العالميّة ".
و صرّح رئيس سابق عمل مع الوكالة التي سبق ذكرها أنّ 50 بالمائة من الأغذية العلاجيّة لمعالجة سوء التغذية لدي الأطفال حول العالم كانت عادة تُموّلها الوكالة . و الآن ، وضع نهاية أو قطع معظم برامج التغذية هذه يمكن أن يؤدّي إلى " عدم حصول مليون طفل و طفلة على علاج سوء التغذية الحاد ما يفرز وفايات إضافيّة تقدّر ب 163.500 سنويّا " .
منذ نهاية الحرب العالميّة الثانية ، أكثر من 500 مليون طفل و طفلة قد ماتوا بلا ضرورة بسبب المجاعة و الأمراض التي يمكن الوقاية منها ، و أساسا بسبب أنّ العالم ، و خاصة البلدان الأفقر ، هيمن عليه النظام الرأسمالي – الإمبريالي ، و الولايات المتّحدة المفترس الإمبريالي رقم واحد . و الآن ، حتّى أبعد من الوفايات بلا ضرورة التي يتسبّب فيها السير " العادي " لهذا النظام ، و مئات الآلاف الآخرين يفقدون حياتهم بسبب الأعمال بلا رحمة و المجنونة للنظام الفاشي المسؤول عن حكومة الولايات المتّحدة . و يضيف هذا المزيد من الطابع الإستعجالي لهذه المطالب :
يجب على نظام ترامب أن يرحل – الآن !
باسم الإنسانيّة ، نرفض القبول بأمريكا فاشيّة !
هذا النظام برمّته لاشرعيّ – نحتاج إلى و نطالب ب : نمط حياة جديد تماما و نظام مغاير جوهريّا !
هوامش المقال :
1- المسؤول عن وكالة الولايات المتّحدة للتنمية العالميّة USAID ، نيكولاس أهرليش ، الذى كتب المذكّرات قدّم شهادته في جلسة سماع بالكنغرس قائلا إنّه " نتيجة إطلاقي صفّارة إنذار قانونيّة ، وضعت ضمن المسرّحين إداريّا في 2 مارس 2025 ".