الشكل علماني واللغة طائفية


محمد علي مقلد
الحوار المتمدن - العدد: 7964 - 2024 / 5 / 1 - 11:28
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     


الأفكار الطائفية لا تحصى. أما المشاريع الطائفية فليست بعدد الأفكار ولا بعدد الطوائف. هي تقتصر على اثنين لا ثالث لهما، المارونية السياسية والشيعية السياسية. قيادات أهل السنة من السياسيين لم يتجاوز طموحهم الحصول على مشاركة عادلة في الحكم. ضحكوا في سرهم يوم ناب عنهم علمانيو الحركة الوطنية اللبنانية وطالبوا، في البرنامج المرحلي، بإعادة توزيع الصلاحيات بين رئيسي الجمهورية والحكومة. الطائفة الدرزية تتوحد ضد أي خطر يهددها من خارجها لكنها لم تسع يوماً وراء وطن قومي للدروز.
المارونية السياسية ليست الموارنة. الموارنة طائفة أو مذهب لا يلتقي أهلها على رأي سياسي موحد. فؤاد شهاب يختلف عن كميل شمعون أو عن إميل لحود. خطاب سامي الجميل يختلف عن خطابي والده وجده وعمّه. فارس سعيد لا يشبه فدراليي آخر زمن. مخيلة البطريرك الحويك التي رسمت صورة لبنان أوسع أفقاً من مخيلة المعوشي المتهم بانحيازه للمسلمين. حتى الكاثوليكي المهجر إلى كسروان غريب في نظر أهلها، ويبقىى أكثر "غرابة" منه أرثوذكسي من فلسطين أو من سوريا.
الشيعية السياسية ليست الشيعة. مؤتمر وادي الحجير في عشرينات القرن الماضي تهيب من الدخول في تجربة الوطن، وانقسم معه الشيعة بين متحمس للعروبة نكاية بالسلطنة، ومؤيد للثورة السورية ضد الانتداب أو تبريراً لحكم قبضايات الولاية. في الاستقلال توزعوا بين الزعامات المحلية، الأسعد وعسيران والخليل والزين، وحزبي الطلائع والنهضة. وفي الحرب الأهلية انحازوا إلى الثورة الفلسطينية وأحزاب الحركة الوطنية ضد الدولة اللبنانية وسلطتها، وانقسموا بعدها بين تنظيمي أمل وحزب الله المنضويين في جبهة الممانعة بقيادة سوريا ثم إيران.
الكلام عن مشاريع طائفية خارج هذين المشروعين هو كلام طائفي حتى لو صدر عن علمانيين. ما من طائفة أخرى غيرهما قادتها أحلامها أو أوهامها، منذ قيام الجمهورية اللبنانية حتى اليوم، إلى العمل على إقامة وطن قومي لها على غرار الوطن القومي المسيحي أو دولة ولاية الفقيه. قيادات الإسلام السني السياسية والدينية لم تكن يوماً على وئام مع التنظيمات الحزبية الأصولية. أما القرار السياسي الفصل في الطائفة الدرزية فلم يكن مرة في يد المرجعية الدينية.
تمثيل الطوائف في السلطة السياسية شيء والكلام عن حقوقها شيء آخر. الأول ضروري وواجب ليكون التنوع في السلطة انعكاساً للتنوع في المجتمع. أما الحقوق فأداة يستخدمها تجار الدين والسياسة للحصول على مكاسب شخصية على حساب المصلحة الوطنية.
المارونية السياسية شكلت على الدوام تهديداً للوحدة الوطنية، وتهديداً، على وجه الخصوص، للمسيحيين ولدور الكنيسة الرائد في قيام وطن اسمه لبنان، تماماً مثلما تشكل الشيعية السياسية اليوم تهديداً للوحدة الوطنية وللطائفة الشيعية.
التنوع الطائفي كان أرضاً خصبة للنافخين بنار الفتنة، لكنه كان كذلك مادة لكتابات صحافية وأبحاث أكاديمية وكتابات تأريخية ترمي إلى معالجة هذه الظاهرة من موقع علماني، لكنها وقعت ضحية استخدامها اللغة والمصطلحات ذاتها التي يتداولها الطائفيون من أهل السلطة.
مصطلح المارونية السياسية أو الشيعية السياسية لا يحيل إلى الدين بل إلى مشروع سلطة يتوسل وجود مشتركات متعلقة بالعادات والتقاليد والطقوس والشعائر الدينية، يتم توظيفها لتحصيل مكاسب سياسية لا تعود بالنفع لا على الوطن ولا على الطائفة بل على بعض ممثلي الطائفة من أصحاب الحل والربط في السلطة السياسية.
تعميم المصطلح على سائر الطوائف لا يدل فحسب على فهم مغلوط، بل هو ،ككل تعميم، يضيّع الحقيقة ويشتّت الأنظار عن العوامل التي تشكل خطراً على وحدة الوطن والدولة.
هنا لا يصح شعار "كلن يعني كلن"