بعد اليسارية والقومية ما مصير أحزاب الإسلام السياسي؟


محمد علي مقلد
الحوار المتمدن - العدد: 7827 - 2023 / 12 / 16 - 11:20
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     


هل كانت حماس تتوقع ردة الفعل الهمجية على عمليتها في غلاف غزة؟ هل هدفت إلى استدراج الجيش الإسرائيلي لتثبت أن حروب الجيوش ليست كحروب الشوارع، وأن خسائره ستجبر العدو على تقديم تنازلات رفض تقديمها في الماضي؟ أم أن الهدف المضمر هو حجز مقعد لها على طاولة المفاوضات؟ وإن سئلت عن الثمن، فجوابها، "فما نيل المطالب بالتمني".
سؤال افتراضي مشابه عن مقاومة مشاريع الأحزاب القومية واليسارية المتعلقة بالوحدة العربية والاشتراكية. الأحزاب تبرئ نفسها ومجتمعاتها من المسؤولية وترميها على عدو خارجي متمثل دوماً بالاستعمار والغرب الرأسمالي والصهيونية.
الأحزاب العربية على تعددها واختلافاتها وخلافاتها لم تطرح على نفسها مثل هذه الأسئلة، ولا استجابت لشرط بديهي في علم السياسة: إعرف عدوك. النتيجة أخطاء في التشخيص وخط رماية غير مستقيم وغير ثابت. ألم تكن الحروب فيما بينها أكثر شراسة وعنفاً من حروبها ضد العدو الخارجي؟ من لا يعرف هذه الحقيقة بإمكانه الاستعانة بكتاب شارل رزق، "اللحظة القومية العربية"(موضوع مقالة لاحقة)، أو المقارنة بين الأثمان التي دفعها الشعب الفلسطيني في مواجهة العدو الصهيوني أو التي دفعته شعوب الجمهوريات الوراثية في مواجهة أنظمتها، النظام البراميلي نموذجاً.
الإنسان عدو ما يجهل. أحزابنا لا تهمها التفاصيل. تقتصر معارفها على أن إسرائيل عدو وأنها ربيبة الاستعمار. تجهل مثلاً أن هذا العدو المغتصب صار خلال أقل من قرن أكبر "مصدّر للتكنولوجيا العالية إلى 130 دولة في العالم وأن هذا القطاع بات يمثل في العام 2023 نسبة كبيرة من القوة العاملة الإسرائيلية ونسبة ضخمة من المساهمة في الناتج القومي الإسرائيلي"(جهاد الزين- النهار).
في المقابل، لا يعني أحزاب الأمة أن ما تخصصه الحكومات العربية للبحث العلمي لا يتجاوز خمسة بالألف من مجموع موازناتها، وأن نسبة الأمية في لبنان بمعنى "فك الحرف"، وأين منها السودان واليمن، بلغت ما بعد الحرب الأهلية أكثر من عشرين بالمئة، فيما يُعد أمّياً في اليابان من لا يحوز على شهادة جامعية أو في علوم الكومبيوتر.
هي تعرف أن إسرائيل صنيعة الغرب، فلماذا تستغرب إذن وتستهجن وتستفظع وتستنكر اصطفافه إلى جانب صنيعته. لا يكفيها جهلها، فهي توظفه في تضليل الرأي العام وتعبئ جمهورها ضد الغرب حكاماً وشعوباً، مع العلم أن القضية لم تجد من يتضامن معها إلا في عواصم الغرب.
أحزاب الأمة قرأت تاريخ الغرب إما بعين سوفياتية أو بعين عثمانية، وقرأت تاريخ الأمة بعين اليسار القومي وبعين اليمين الإسلامي فتداخلت صور الماضي على شبكة الوعي. بسبب قراءتها المغلوطة أخفقت في صياغة مشروع للمستقبل وأخرجت أوطان الأمة من التاريخ(خروج العرب من التاريخ عنوان كتاب للمفكر المصري فوزي منصور)
الاستعمار احتل الكرة الأرضية ليعمم التجربة الرأسمالية عن طريق العنف. ولئن كان قد بدل شكل سيطرته بعد الحرب العالمية الثانية، فلأنه توسل عنفاً أشد فتكاً مقنّعاً بالمصالح الاقتصادية. لكن هذا الغرب الرأسمالي حاول أيضاً أن يعمم على البشرية تجربته في الانتقال السياسي من أنظمة الاستبداد القروسطية إلى الديمقراطية.
جهل أحزابنا الحقيقة الأولى جعلها تستغرب ردة فعل الأنظمة الرأسمالية على عملية حماس البطولية، وتفشل في التعامل مع الغرب كصديق أو في مواجهته كعدو. وجهلها الثانية جعلها ترى الديمقراطية نتاجاً غربياً فرفضتها ولفظتها "كأنها الدواء المر" مثلما كانت الشوارع تلفظ خطوات الشاعر محمد الماغوط.
ربما باتت ولادة أحزاب متسلحة بالمعرفة شرطاً لنهوض الأمة وتحررها من الاستبداد الذاتي وشفائها من مرض الأمية السياسية.