لماذا لم تتوحد قوى الاعتراض؟


محمد علي مقلد
الحوار المتمدن - العدد: 7925 - 2024 / 3 / 23 - 12:36
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     


هذا سؤال طرحه الزميل حسان الزين في جريدة نداء الوطن وحاول أن يجيب عليه في أكثر من مقالة، من خلال جولة استند فيها إلى كتاب ومؤرخين وسياسيين ككمال الصليبي وفواز طرابلسي وخالد زيادة وفريد الخازن وفؤاد بطرس وكريم بقرادوني وكريم مروة.
استند أيضاً إلى تجارب أحزاب وحركات سياية وشخصيات لعبت دوراً في تاريخ لبنان الحديث كالحركة الوطنية اللبنانية بقيادة كمال جنبلاط وحزب الكتائب اللبنانية ورفيق الحريري وموسى الصدر وحزب الله والتيار العوني وتحالف 14 آذار.
عرجت الجولة على معارضات للنظام على امتداد العهود منذ اليوم الأول لإعلان لبنان الكبير والدستور اللبناني 1920-1926 وتوزع اللبنانيين بين الحزب الدستوري وحزب الكتلة الوطنية حتى حركات الاحتجاج العلمانية الديمقراطية المدنية اليسارية أيام حكومات رفيق الحريري وبعد اغتياله، من "بلدي بلدتي بلديتي" و"جمعية مراقبة الانتخابات" و"طلعت ريحتكم" و"بيروت مدينتي" إلى الانتفاضة على الرسوم والضرائب التي مهدت كلها لانفجار ثورة 17 تشرين.
كان يمكن أن تطال الجولة أسماء مؤرخين مرموقين من أمثال أحمد بيضون ووجيه كوثراني ومسعود ضاهر وأنطوان حكيم وعبد الرؤوف سنو وعصام خليفة، إضافة إلى سرديات تحكي تاريخ لبنان الفينيقي والكنعاني والأموي والعربي والإسلامي والمسيحي والأممي.
تطلبت هذه الجولة جهداً وعملاً دؤوباً عودنا عليه حسان الزين بتحضير جدي ومعمق لمقالاته ليجعلها أقرب إلى البحث منها إلى المقالة، لكن الجولة لم تقدم جواباً على السؤال بل انتهت بإعادة طرحه، "لماذا لم تنتج قوى وتشكيلات تيار الاعتراض الواسع، كلها أو بعضها، إطاراً جامعاً ومشروعاً وبرنامجاً سياسيين؟"
للعثور على الجواب الشافي، لا تكفي الإشارة إلى وجود اختلافات ولا إلى تفسير ذلك بالقول إنها قدمت"العقائد والمواعظ على السياسة"، بل يحتاج التشخيص إلى معيار واضح ودقيق يحدد طبيعة الاختلافات ويقدم الحل. لكنه استخدم بدل المعيار معايير، من غير أن ينتبه إلى أن تعددها هو مصدر الأزمات المتناسلة منذ الاستقلال حتى اليوم.
معيار وحيد يصلح لا لتوحيد القوى فحسب بل لوضع برنامج إصلاح وخطة إنقاذ للوطن. المعيار هو الموقف من الدولة. حتى الذين يرفعون شعارها ليسوا متفقين على مضمونه. الدولة المنشودة ليست الدولة الأممية ولا الدينية ولا القومية. ولا دولة الوطن القومي المسيحي ولا دولة الخلافة. ولا هي تلك التي يلجأ البعض إلى وصفها بالقوية والعادلة أو المدنية أو العلمانية هرباً من تعريف دقيق جامع مانع يحددها بأنها الدولة الدستورية، أي دولة القانون والمؤسسات. الدولة الديمقراطية
بهذا المعيار يمكن الاتفاق على كتابة تاريخ موحد يبدأ بإعلان الدستور عام 1926 لوطن إسمه لبنان وليس لبنان الكبير لما يتركه التمييز بين الكبير والصغير من التباسات. ما قبل ذلك هو تاريخ ولايات خاضعة للسلطنة العثمانية جرى تجميعها بإرادة الانتداب وعصبة الأمم وصارت تشكل وطناً، وتخلى سكانها عن صفة الرعايا وتحولوا إلى مواطنين.
إذا كانت الدولة هي المعيار يصبح استخدام المصطلحات الطائفية والمذهبية في العمل السياسي أو في كتابة التاريخ مسيئاً للوحدة الوطنية ومبرراً لإحياء مشاريع تقسيمية أو إلحاقية تهدد الجمهورية وتعيد لبنان إلى ما قبل الدستور.
إذا كان الموقف من الدولة هو المعيار لا يعود الصراع على السلطة هدفاً في حد ذاته بل يتحول إلى تنافس شريف في خدمة المصلحة العامة. هذا لا ينطبق على أهل الحكم وحدهم بل من باب أولى على أهل المعارضة أيضاً كما على حركات الاحتجاج والانتفاضات والثورة.
البديل عن الدولة ميليشيات وشريعة غاب وحروب أهلية وخلاف على التاريخ والجغرافيا.