الصهيونية والاسلام السياسي وجهان لعملة واحدة


عصام شكري
الحوار المتمدن - العدد: 7836 - 2023 / 12 / 25 - 11:24
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

جرائم محور الممانعة في سوريا

بعد اندلاع الثورة في سوريا قام ابطال "جبهة الصمود والتصدي" بمجازر مروعة ضد اللاجئين الفلسطينيين في حي التضامن جنوب دمشق وفي مخيم اليرموك الذي يقطنه اللاجئين الفلسطينيين حيث قتل الالاف واجبر اكثر من 180 الف على النزوح تحت القصف المركز للطيران الروسي السوري بالاسلحة المحرمة دوليا (ألنابالم والكيمياوي) وتدمير الاحياء السكنية بكامها. ليس الامر بعيد او من الحرب العالمية الثانية او ادغال فييتنام. لقد جرى هذا قبل سنين قليلة. تابعت تلك الاحداث بنفسي يوما بيوم.

ولكني اتذكر باستغراب كيف ان الامر لم يعن اي من هذه القوى التي تذرف دموع التماسيح على جماهير غزة اليوم. ليس فقط الدول العربية بل حتى اليسار الانتي امبريالي. لم ارى اي تظاهرة استنكار لوحشية فيلق القدس لقاسم سليماني والجيش السوري وحسن نصر الله ولا لميليشيات ابو الفضل العباس وفيلق بدر وعصائب اهل الحق او حزب الله العراقي ضد اللاجئين الفلسطينيين. لم اسمع حتى باستنكار "جبهة التمدن" التي يتم الادعاء اليوم بصفاقة بانها قد لوت ذراع اللوبي الاسرائيلي في الولايات المتحدة او اوربا واجبرتهم على الركوع لمشيئتها المزعومة. لم اسمع باي مطلب لمقاطعة المنتجات السورية او الايرانية ولم اسمع صوت اعتراض على وحشية رمي البشر العزل بالبراميل الحارقة وقنابل النابالم.

اغلب المحاضرات التي كانت تلقن للجماهير كانت تتحدث عن "صراع دولي" في سوريا. وكان اكثر تلك المحاضرات تروج لاهمية محاربة "داعش والنصرة" وتبرر ابادتهما بالكامل حتى لو ادى هذا الى مقتل الالاف من الاطفال والنساء والشيوخ. لم ار اي قوة يسارية تنظم تظاهرات جماهيرية عارمة لمناصرة الضحايا الفلسطيينيين في حي التضامن او مخيم اليرموك (اذا استثنينا المجازر في حلب وحماة ودرعا ضد ملايين من المواطنيين السوريين انفسهم). ربما الفلسفة السياسية الانسانية العميقة التي يتم اعتمادها من قبل قوى النفاق اليساري القومي هي ان البشر الذين يحرقهم "الاخ" هم ليسوا شهداء؟ فقط الشهداء هم من يقتلهم اليهودي؟ هل هو المنطق الديني الذي يتحكم بعقلية وانسانية اليسار المدعي بالانسانية؟

ولكن ليس هذا كل الامر. فسوريا الاسد عادت الى "الحضن" العربي النتن بعد عقد ايران لصفقة مع الغرب اجبرت خلالها على تطبيع العلاقات مع السعودية. والان تتنصل جمهورية "يا قدس انا قادمون" من دعم حماس او الرغبة باثارة اي حرب.

اليسار المعادي للامبريالية

ان المرارة التي يصاب بها المرء من متابعة تصريحات ونشاطات اليسار الانتي امبريالي وطوفان مجاري الاسلام السياسي اثر طوفان الاقصى ممن يتحلون بقدرة هائلة على التسلق تماما كما يحسن القردة تسلق اغصان الاشجار، مرارة عميقة. فنفاق اليسار المعادي للامبريالية مخز. لا قيمة لقول الحقيقة او ما يسمى الموضوعية لديهم. هناك اصنام ايديولوجية يجب ان تعبد ويصلى لها. اصنام معاداة الغرب باعتباره التجسيد العملي الوحيد للرأسمالية. كل تجسيد اخر هو نسخة مقزمة وليست رأسمالية.

بالنسبة لليسار المعادي للامبريالية يتم ادلجة الواقع (اي تزييفه) ولوي عنقه ليناسب نظريتهم الصنمية هذه. كل قوة معادية للغرب هي قوة تقدمية بنظرهم. اما يمتدحونها مباشرة وان "انحشروا" او تم تعرية موقفهم، فانهم في احسن الاحوال يصمتون كما جرى الامر قبل سنين وكما يجري الامر الان مع محور الجمهورية الاسلامية.

فقبل سنين طويلة ثارت جماهير ايران ضد نظام الجمهورية الاسلامية وحينها نكروا الثورة وقالوا انها حركة نظمها الملالي الخضر (حركة الثاني من خرداد لمحمود خاتمي) والاحداث اثبت خطأهم حين اندلعت الثورة بالكامل والكل اعترف بها. واليوم يكررون نفس تلك السخافة ولكن بشكل اكثر تخفيا. كل اللوم على الامبريالية لكي يقفوا بكل صفاقة مع محور جبهة "الممانعة" الذي تحركه الجمهورية الاسلامية الايرانية والحركات المأجورة لها.

جماهير غزة ضحايا الصهيونية والاسلام السياسي معاً

ليدرك الجيل الجديد من الشابات والشباب العراقي واللبناني والفلسطيني والسوري وكل جماهير الشرق الاوسط بان جماهير غزة ككل جماهير فلسطين وعلى مدى 75 سنة لم يكونوا فقط ضحايا الابارتايد لدولة اسرائيل ومعاملتها العنصرية للفلسطينيين وسلب حقوقهم وتهجيرهم وتجريف بيوتهم بالبلدوزرات، بل هم ضحايا لقوى لا تقل وحشية عن الصهاينة وعصابات اليمين المتطرف: انظمة وميليشيات وعصابات الاسلام السياسي وقبله قوى القومية العربية الدموية التي تغذت جميعها من مأساة جماهير فلسطين.

لا يمكن استشراف اي حل انساني ضمن اطار هاتين القوتين الوحشيتين؛ الصهيونية اليهودية من جهة والاسلام السياسي من جهة اخرى، انهما وجهان لعملة واحدة. والامر منوط بجماهير اسرائيل للتخلص من الصهاينة بقدر نضال جماهير فلسطين للتخلص من الاسلام السياسي من اجل استعادة قدرته على قيادة نضال انساني من اجل استرجاع حقوقه وكرامته المهدورة لعشرات السنين.