النّضال النّقابي في الجامعة التّونسيّة إلى أين؟
إبراهيم العثماني
الحوار المتمدن
-
العدد: 7340 - 2022 / 8 / 14 - 04:33
المحور:
الحركة العمالية والنقابية
أقرّ أعضاء المجلس القطاعي للجامعة العامة للتعليم العالي والبحث العلمي المجتمعون يوم 08/09/ 2007 خطّة نضالية تصاعدية لحمل وزارة الإشراف على التفاوض الجدّي لفض جملة من المشاكل تراكمت منذ أن تعطّل الحوار بين الوزارة والجامعة. وشرعت هياكل القطاع في تنفيذ هذه الخطّة حسب المراحل المرسومة لها. ويهمّنا أن نبدي بعض الملاحظات المتعلّقة بكيفية تعامل الوزارة مع العمل النقابي في الجامعة وتحركات الأساتذة وآفاق المستقبل.
1- موقف وزارة الإشراف من تحرّكات الأساتذة :
يبدو موقف الوزارة من تحرّكات الأساتذة الأخيرة ثابتا يكرّر نفسه ويراوح مكانه بغية تأبيد الأزمة. فقد حمل الأساتذة الشّارة الحمراء يوم 05/ 10/ 2007 دفاعا عن الحقّ النقابي والحرّيات الأكاديمية، واحتجاجا على الإقصاء على الهوية عند بلوغ سنّ التقاعد، ورفضا لتهرّب الوزارة من التّفاوض الجدّي لإبرام اتفاق يلبي مطالب الأساتذة المادية والمعنوية...إلخ.
إلاّ أنّ الوزارة قابلت هذا التّحرّك باللامبالاة والاستخفاف والتجاهل. ولعلّها أدركت أنه شكل احتجاجيّ "لا يسمن ولا يغني من جوع"، فلم تتعطّل أثناءه الدّروس ولم يتغيب خلاله الأساتذة ولم يتأثر الطّلبة وهم يشاهدون أساتذتهم وقد عصّبوا سواعدهم. أمّا الأقلام الصحفية التي نصّبت نفسها وصيّا على القطاع فقد لازمت الصّمت، فلا همز ولا لمز، ولا تلميح ولا تصريح، ولا تُهَم تُكال جِزافا ولا تهجّم يخلو من ذرّة إنصاف .وهكذا مرّ هذا التحرّك في الخفاء كأنّ به حياء.
ورغم ذلك أصرّت الجامعة العامة على فتح حوار جدّي مع وزارة الإشراف فراسلتها طالبة منها عقد اجتماع تتمخّض عنه اتفاقات ملزمة وتستجيب لطموحات الأساتذة وتطلّعاتهم. فتم لقاء يوم 01/ 11/ 2007 دام ساعات وأحاطته الوزارة بهالة إعلامية استثنائية، ومدّت الصحفَ اليوميَةَ بمادة إخبارية متطابقة المضمون تكاد تقول إن الوفود النقابية التي التقت مسؤولين غير مفوّضين لإمضاء أي اتفاق عادت إلى بيوتها مغتبطة مسرورة بما أن الاجتماع دار في أجواء منعشة انشرحت فيها النفوس وتهلّلت خلالها الأسارير ..."وأكدت هذه الوفود أهمية تواصل الحوار بهدف الارتقاء بمنظومة التعليم العالي والبحث العلمي من حيث الأداء البيداغوجي والعلمي ".
وفي الحقيقة عادت وفود التّفاوض خائبة، منكسرة، خالية الوفاض، وفي حين أحجم ما يسمّى بالأطراف النقابية التي تحبوها الوزارة بعطف أبوي خاص عن إصدار أي بيان قرّرت الجامعة العامة إضرابا بيومين (19 و20 /11/ 2007 ) وأصدرت بيانا علّلت فيه الدوافع التي حفزتها إلى شن هذا الإضراب وأكّدت أن وزارة الإشراف بدت غير مبالية بمطالب الأساتذة وغير مستعدة لفتح باب التفاوض الجدي .
إلاّ أن هذا الإضراب استفزّ الوزارة هذه المرّة، فأصدرت بيانا عدّدت فيه " المطالب" التي تحقّقت للأساتذة ( إقرار منح للأساتذة المؤطرين، مضاعفة منح أعضاء لجان المناظرات والترقية، والترفيع في قيمة الساعات الإضافية المؤمّنة في الجامعات الدّاخلية)، وحمّلت الجامعة العامة مسؤولية الإضراب واتهمتها باختيار التاريخ للتشويش على انعقاد الأيام الوطنية للبحث العلمي والتجديد التكنولوجي بقصر المعارض بالكرم. ولمّا نجح الإضراب لم تتخلّف الوزارة عن تهجينه والتقليل من شأنه وتقزيم نسبة نجاحه .ففي حين حاولت الجامعة العامّة أن تكون موضوعية وتقدم النسبة المائوية الحقيقية ( 85 ./. في اليوم الأوّل و74 ./. في اليومين ) أصرّ المصدر الوزاري على تقديم نسبة واحدة في اليومين أي 88 ،5 ./..
وهكذا تبيّن، مرّة أخرى، الخيط الأبيض من الخيط الأسود، واتّضحت، مرّة أخرى، نيّة الوزارة في المماطلة والتّسويف وربح الوقت والتّهرّب من فتح مفاوضات جدّ يّة، وبدت غير معنيّة بتحديد آجال دقيقة لإنهاء الحوار وتقديم حلول إيجابية لمطالب مزمنة. وبما أنّ وزارة الإشراف تمادت في تجاهل واقع الجامعة المزري وتكلّست وأضحت لا يحرّكها المُدام ولا الأغاريد فإن هذا الوضع يتطلّب أشكالا نضالية أرقى.
2- ضرورة تفعيل التّضامن النّقابي :
ممّا لاشكّ فيه أنّ المقترحات الّتي تقدّم بها الأساتذة أثناء يومي الإضراب من قبيل الإضرابات الدّوريّة والاعتصامات أمام وزارة الإشراف ومقرّات الجامعات وحمل لافتات أمام المؤسسات ... إلخ هامّة وفعّالة وضروريّة ، ولكنّها، في اعتقادنا، غير كافية. فمن الواضح أنّ المحنة الّتي يمر ّبها القطاع ذات طابع سياسي وحلّها يتجاوز قدرات القطاع الذي قدّم أقصى ما لديه ونوّع أشكال النضال وزاوج بين الشّدّة واللين فلم يجد آذانا صاغية. لذا فالأمر يحتاج إلى تظافر مجهودات قطاعات شتّى وإلى دعم المنظّمات الدُّوَليّة الغيورة على قطاع مهمّته صناعة العقول وصياغة ملامح مجتمع المستقبل. فقد آن الأوان ليتحمّل المكتب التنفيذي للاتحاد العام التونسي للشغل مسؤوليته كاملة. فما نطلبه منه هو الالتزام بالبلاغ الخاص بقطاع التعليم العالي والذي صادق عليه نواب المؤتمر الوطني 21 المنعقد بالمنستير أيام 14، 15 ، 16 /12 /2007 والذي جاء فيه:"
- المطالبة العملية والحازمة برفع يد القضاء عن الشّأن النّقابي الداخلي وعدم التّردّد في رفع قضيّة لدى منظمة العمل الدولية في الغرض في حالة استمرار الوضع.
- عقد هيئة إدارية وطنية حول التعليم العالي تتناول كل قضايا القطاع وتأخذ ما تراه صالحا من القرارات الكفيلة بمجابهة هذا الوضع وبتفعيل التضامن النقابي ."
إنّ مهمة المكتب التنفيذي هي الالتزام بمقررات هياكل الاتحاد والسّهر على تنفيذها وتفعيلها. وقد مرّ الآن ما يقارب السنة على اتخاذ هذا الموقف الدّاعم لقطاع يمرّ بأزمة استعصى حلّها وطال أمدها وانسدّت سبل انفراجها والمكتب التنفيذي لم يحرّك ساكنا. لذا هو مطالب الآن باتخاذ الإجراءات الضرورية لإخراج القطاع من هذا الوضع الذي تردّى فيه منذ سنوات ، وهو مطالب أيضا بتوظيف علاقاته بالمنظمات الدولية لتكون خير سند لقطاعنا بعد الشكوى التي رفعتها الجامعة العامة للتعليم العالي لمنظمة العمل الدولية عن طريق منظمة دولية التربية ضد الحكومة التونسية لانتهاكها الاتفاقيتين الدوليتين لمنظمة العمل الدولية... وعلى الجامعة العامة أن تتميّز بالحنكة لتكسب هذه المعركة التي فُرِضت عليها فرضا والتجأت إليها التجاء بعد أن نفد صبرها ويئست من حلّ تُقدِم عليه الوزارة.
إن قطاعنا في حاجة أكيدة إلى منظّمات تكرس التضامن الأممي فعلا وتشدّ أزر الهياكل التي تتعرّض لمظلمة للتعريف بقضيتها في المحافل الدُّولية ومساعدتها على تجاوز محنتها باستعمال كل ما لديها من نفوذ.
خاتــــــــــمة:
وفي الختام نحن نعتقد أن تحريك البرك الرّاكدة لن يتمّ إلاّ إذا حدث تفاعل بناء بين النضالات التي سيقدم عليها القطاع وبين التزام قيادة الاتحاد ببلاغ مؤتمر المنستير ومساندة منظمة دولية التربية للقطاع بكل فاعلية.
[كُتب هذا المقال في شهرديسمبر2007].