قيادة الاتحاد والتداول على المسؤوليات؟


إبراهيم العثماني
الحوار المتمدن - العدد: 7364 - 2022 / 9 / 7 - 14:01
المحور: الحركة العمالية والنقابية     

مـــــــقدّمة:

نشرت جريدة "الموقف" بتاريخ 27 فيفري 2009 مقالا موسوما ب"القيادة النقابية تواجه تحدي التداول "بقلم فتحي الرحماني (ص 8) تحدث فيه عن" محنة الفصل العاشر" من النظام الداخلي للاتحاد العام التونسي للشغل والمسألة الديمقراطية ودعا فيه النقابيين إلى الإسهام في النقاش. وفي المقال جملة من النقاط نختلف فيها مع الأخ الرحماني نريد إثارتها ونرجو منه أن يتقبل آراءنا بصدر رحب.

1 - في الرّدّ على جملة من المغالطات:

يؤكد الأخ فتحي الرحماني أن الديمقراطية في الاتحاد حقيقة ثابتة لا جدال فيها. يقول"لا يشك أحد في ديمقراطية الاتحاد سواء في قدرته على إدارة الاختلاف أو في دفعه للقوى المتناحرة في الأصل نحو العمل المشترك وإدماجها في مختلف هياكله أو في آليات اتخاذ القرار، أو في تكريس فكرة التداول على المسؤولية خاصة في مستوى المكتب التنفيذي الوطني والهياكل القاعدية".
يبدأ الأخ الرحماني كلامه بالقول "لا يشك أحد في ديمقراطية الاتحاد". ونحن نستغرب منه هذه الصيغة التعميمية الإطلاقية. فهل أجرى استبيانا استنتج منه أن كل النقابيين مجمعون على ديمقراطية الاتحاد ؟ ولنفترض جدلا أنه قام بذلك فما عليه إلاّ أن يستثنينا لأننا نشك في ذلك . ثم ما المقصود بديمقراطية الاتحاد؟ هل هي ديمقراطية القيادة أم ديمقراطية سائر الهياكل؟
و لكن عندما نعمق النظر في الفقرة نتبيّن أن الكاتب يعني بكلامه هذا قيادة الاتحاد. ويبدو لنا أنه جانب الحقيقة وخالف الصّواب. فتاريخ الاتحاد يثبت أن قياداته تعاملت مع معارضيها منذ السبعينات إلى الآن باستعمال أساليب لا تمت بأي صلة إلى الديمقراطية. فالتجميد والتجريد والزج بالنقابيين في السجن أحيانا (الجيلاني الهمامي من قطاع البريد/ رشيد النجار من قطاع الفلاحة/ منجي صواب من قطاع التّجهيز وأحمد بن رميلة عضو مكتب تنفيذي في شهرأفريل 1997 والتّهمة هي إمضاء عريضة تطالب بعقد مجلس وطني لم ينعقد منذ ست سنوات.)،والتهجم عليهم وتجريحهم هو الأسلوب المعتمد مع قطاع التعليم الثانوي في السبعينات و اليسار النقابي في الثمانينات وقطاع البريد في التسعينات، والسبب قد يكون اتخاذ قرار لايرضي قيادة الاتحاد أو تضمين موقف في لائحة داخلية( مناداة قطاع التعليم الثانوي بإرجاع الأساتذة المحاكمين سياسيا في 1974، رفض إلغاء إضراب الوظيفة العمومية سنة 1984، رفض جامعة البريد تأهيل القطاع بغية تفكيكه سنة 1997). وكم من مرة رفضت قيادة الاتحاد الإمضاء على لوائح صادرة عن مؤتمرات قطاعية وهيئات إدارية؟ ولا يزال قطاع التعليم العالي يعاني من سلوك قيادة الاتحاد التي أدخلته في نفق مظلم منذ عشر سنوات وعجزت عن تسوية وضعيته وتخليصه من تعددية نقابية وهمية هي مسؤولة عنها أساسا ، وآخر ما فعلته هو إمضاؤها على زيادات خصوصية طفيفة رغم رفض القطاع لها ودون استشارة مكتب الجامعة العامة للتعليم العالي و احترام التضحيات الجسيمة التي قدمها الأساتذة فأربكت القطاع وزادت وضعه تعقيدا. وهل التشفي من أعضاء الاتحاد الجهوي بتونس والانتقام من الكاتب العام ممارسة ديمقراطية؟ ثم لم التخفي وراء الملف المالي لتغطية حقائق أخرى يعرفها النقابيون؟( نعني بذلك عدم اصطفاف السيد توفيق التواتي الكاتب العام للاتحاد الجهوي بتونس وراء الإخواني علي رمضان في مؤتمر المنستير 2006 ودعمه قائمة معارضة له شأنه شأن الاتحاد الجهوي بنابل وبنزرت). وهل النقابيون مطالبون بالاصطفاف وراء شق من قيادة الاتحاد؟. فعن أي ديمقراطية يتحدث الأخ الرحماني؟ وإذا كانت قيادة الاتحاد تتعامل بهذه الشدة مع معارضيها فهل دفعت القوى المتناحرة إلى العمل المشترك؟
إذا كان الكاتب يقصد بالقوى المتناحرة التيارات اليسارية فهي تارة متناحرة وطورا متصارعة ولكنها توحدت أكثر من مرة لمواجهة المركزية النقابية وليس تحت إمرتها. وإن كان يعني بذلك اليمين واليسار فالواقع يثبت أن عناصر من قيادة الاتحاد انحازت سنتي 1984 و 1988 إلى قوى اليمين في حين شنت حملة شعواء على اليسار النقابي فكرا وممارسة وجريدة "الشعب " لسنة 1985 شاهد على ذلك. وقد قاد هذه الحملة الحبيب عاشور الأمين العام سنة 1984 ( تجميد النقابيين وتجريدهم من المسؤوليّة النقابيّة / مصادرة جريدة "الشّعب" وهي في المطبعة/ عزل الطيب البكوش المسؤول عن الجريدة وتعويضه بكمال سعد / فتح أبواب الجريدة على مصراعيها لنقابيّين إسلاميّين ليشنّوا حملة شرسة على النقابيّن اليساريّين )، وقد تكفّل نقابيّون إسلاميّين من الاتحاد الجهوي بباجة بأداء هذه المهمّمة كأفضل ما يكون الأداء)، وتواطأ علي رمضان مع القوى الظلاميّة الّتي أتت بدعا لم يُسبق إليها مثل الهروب بصناديق الاقتراع الّتي أشرف عليها علي بن رمضان نفسه (نقابات البريد نموذجا) سنة 1988 كما دعّمت هذه القوى قائمته في المؤتمر الاستثنائي المنعقد بسوسة (17-18أفريل 1989).

2- هل تؤمن قيادة الاتّحاد بالتّداول على المسؤوليّات؟

تستوقفنا فكرة التداول على المسؤولية في مستوى المكتب التنفيذي و الهياكل القاعدية. وهذه الفكرة تحتاج إلى توضيح. فالمتأمل في تشكيلة المكتب التنفيذي الحالي يلاحظ أن بعض الأسماء تتحمل المسؤولية النقابية منذ الثمانينات( دون نسيان فترة "الشرفاء" التي امتدت من سنة1986 إلى سنة 1988 ). فالأمين العام الحالي ( عبد السلام جراد ) وعلي بن رمضان اُنتخبا في المكتب التنفيذي ( ديسمبر1984) ، ومحمد شندول ومحمد الطرابلسي (أفريل 1989 )، وعبيد البريكي ومنصف اليعقوبي ( 1993) ، ورضا بوزريبة (1999). ولقائل أن يقول إن المكاتب التنفيذية تجددت بشكل ملحوظ رغم أنّ النّظام الدّاخلي للاتّحاد لا يحدّد عدد الدّورات. هذا صحيح لكن المطلعين على دواليب الاتحاد يدركون أن المغادرين عرفوا مسارات مختلفة: فهناك من زُج به في السجن ثم طرد (أحمد بن رميله)، وهناك من اُضطر إلى الالتحاق بمنظمات إقليمية (خير الدين بوصلاح، عبد المجيد الصحراوي ...)، وهناك مجموعة ثالثة تخلص منها السحباني لأنه اختلف معها أو لم يكن راضيا عن أدائها، وفي مؤتمر جربة (2002) تم التخلص من المجموعة المحسوبة على السّحباني وأعيد انتخاب عناصر كان قد تخلّص منها السّحباني مثل علي بن رمضان وعبد النّور المدّاحي والمنصف اليعقوبي. فهل يُعدّ هذا السلوك تداولا على المسؤولية ؟ وهل استمرار أعضاء في المكتب التنفيذي لمدة عشرين سنة أو ربع قرن يُسمّى تجديدا؟
أما بالنسبة إلى الهياكل القاعدية فالأمر يختلف لأن أوضاعها غير متشابهة و رهاناتها محدودة.
وبما أنّ طول المدة و توظيف المسؤولية في اتجاهات غير نقابية أضعفا أداء الاتحاد وألحقا به أضرارا جمة ومكّنا إسماعيل السحباني من اختلاس أمواله فقد كان المؤتمر الاستثنائي الذي انعقد في جربة تحت شعار"التصحيح النقابي" مناسبة لطرح المسألة الديمقراطية ومن بينها تحديد الدورات (الاقتصار على دورتين بالنسبة إلى أعضاء المكتب التنفيذي أو ما يُسمّى الفصل العاشر). لذا لم يكن هذا الطرح متسرعا أو مرتجلا أو رد فعل على سياق سياسي بل يعكس وعيا نقابيا متطورا، ومن الضروري التمسك بالفصل العاشر لتكريس سنة التداول على المسؤولية ولفسح المجال للطاقات المناضلة التي تزخر بها هياكل الاتحاد والتي بوسعها تقديم الإضافة النوعية أداء وفكرا، ولن يخسر الاتحاد شيئا خلافا لما ذهب إليه صاحب المقال وللصورة القاتمة التي رسمها لواقع الاتحاد إن تمّ تطبيق هذا الفصل، ولأسلوب التخويف الذي اعتمده. فما هي الخسائر التي سيتكبدها الاتحاد نتيجة خروج عناصر من القيادة الحالية بقيت أكثر من اللزوم ؟ وما هو هذا الأداء الذي سنتأسف عليه؟ إن الزعم بأن تطبيق هذا الفصل سيسبّب خسائر جمة لن يتخلص منها الاتحاد سريعا وسيكبل أداء المنظمة ويحد من نجاعتها ويقلص حضورها في الحياة العامة أمر غريب وليس من اليسير فهمه. بالله عليك هل هناك محدودية وتكبيل أكثر مما هو عليه الاتحاد الآن.؟ ولماذا هذه الشخصنة ؟ فهل يتوقف مصير الاتحاد على بعض الأشخاص فيتأزم بغيابهم ويندثر باندثارهم؟ اُغتيل فرحات حشاد وما أدراك وتواصل النشاط النقابي !

3- فترة إسماعيل السّحباني أو العشريّة السّوداء (1989- 1999):

لقد تحول الاتحاد منذ بداية التسعينات إلى هيكل خاو باهت الصورة قليل الفاعلية يقتصر دوره على زيادات تقع كل ثلاث سنوات لاتغني ولاتسمن من جوع. وعرفت هذه الفترة ما لم تعرفه العقود السّابقة مجمّعة. وسنقتصر على ذكر بعض الأمثلة: انتخاب إسماعيل السّحباني أمينا عامّا من النقابيين مباشرة قبل بدء أشغال المؤتمر الثّامن عشر المنعقد في أميلكار(16/17/18- ديسمبر1993)، التّخلّص من العناصر المختلفة معه مثل علي بن رمضا ن ومحمد الطاهر الشايب وكمال سعد أو اقتعال قضايا للزّج بالبعض الآخر في السّجن ( أحمد بن رميلة عبد المجيد الصحراوي)، انحسار العمل النّقابي في المكتب التّنفيذي ثم اختزاله في شخص الأمين العام، تصفية اليسار النّقابي الرّافض لهذا التّمشي بعد أن اصطفّ شقّ آخر من اليسار وراءه. وقد يكون التداول على المسؤولية بداية منعرج حاسم في مسيرة الاتحاد فينخرط في الدفاع عن الحق النقابي و الحريات الفردية والعامة ويساند القوى الديمقراطية ويكرس الاستقلالية الفعلية للاتحاد وينادي بتنمية جهوية عادلة ويدعم النقابيين الذين يؤطرون التحركات المنادية بالعدالة الاجتماعية لا يجمدهم مثلما فعل مع المناضل عدنان الحاجي.
لا نبالغ إن قلنا إنّ الاتّحاد أصبح في فترة السّحباني أشبه بخليّة حزبيّة تابعة للتجمّع الدّستوري الدّيمقراطي تزكّي مجمل سياساته وتسانده في التّفويت والخوصصة وتغضّ الطرف عن ممارسة القمع ا لمستشرية، ولا تنخرط في الدّفاع عن الحريات النّقابيّة أوحقوق الإنسان...

خاتمة:

إن المطروح اليوم هو التمسك بالفصل العاشر للقضاء على الولاءات والجهويات ونصرة بعض المسؤولين النقابيين/ المقاولين ومن الضروري إعداد برنامج عملي يتضمن نقاطا أخرى لمزيد دمقرطة هياكل المنظمة بمختلف مستوياتها وليس الدعوة إلى هيئة إدارية أو مجلس وطني للالتفاف على ما تحقق أو تأجيل النظر في الفصل العاشر موضوع القضية لإنضاج الظروف وأي ظروف؟ !.
إنّ ما ذكرناه ليس إلاّ غيضا من فيض. فالديمقراطيّة النّقابيّة معضلة في الاتحاد العام التّونسي للشّغل منذ أوّل انقلاب قادته السّلطة الحاكمة على القيادة الشرعيّة الّتي انتخبها النقابيّون في المؤتمرالسّادس (20/21/22/سبتمبر1956) وأعادوا انتخاب أحمد بن صالح أمينا عامّا. وقد تواطأت عناصر من داخل المكتب التنفيذي لتنفيذ هذه المؤامرة يتقدّمها الحبيب عاشور وبدأ مسلسل ضرب الديمقراطية النّقابية الّذي أعاق استقلاليّة المنظّمة عن السّلطة الحاكمة وشلّ نضاليّتها وحرمها من التّموقع السّليم اجتماعيّا وسياسيّا.

مارس 2009