أوضاع المرأة في العراق واستراتيجيات النهوض بالنضال النسوي


ينار محمد
الحوار المتمدن - العدد: 7300 - 2022 / 7 / 5 - 11:12
المحور: حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات     

بحث قدمته ينار محمد

في الاجتماع الموسع الثالث للجنة المركزية لمنظمة البديل الشيوعي في العراق


تعيش المرأة الشابة والفتاة في عالم مختلف نهار اليوم عنه قبل عقدين او ثلاثة؛ اذ هي تتصفح مواقع السوشال ميديا من كل أرجاء العالم وفي اوضاع تكنولوجية متقدمة ومعولمة جارفة في تأثيرها على الشباب، وتصطدم خلال تصفحها باوضاع الهوة الطبقية الساحقة التي ترى نفسها في قعرها سواء في الشارع العراقي أوفي أماكن العمل أو الدراسة.وتلمس بنفس الوقت ضغط العائلة التقليدية الذكورية ضمن مجتمع محلي منغلق على نفسه. تمسك الشابة او الفتاة في يدها جهازا يصور لها كل أقاصي العالم الرأسمالي بثرواته ومظاهر الثراء والامكانات فيه مما يجعلها ترى نفسها جزءا من عالم كبير تتوفر فيه كل الفرص بالعلم والثراء والابداع والرفاه، وهي تحلم ان تتمتع بكل هذا وبكل اقتدار ومن دون عوائق اجتماعية كما النساء في الافلام والمسلسلات والقصص الاجتماعية الافتراضية الانترنيتية وبصور جميلة وعصرية قد تجعلها ترى نفسها مقتدرة من خلالها على كل شيء ولا ينقصها اي شيء. وتتنوع مصادر الصور الحياتية الافتراضية هذه التي تصل للمرأة الشابة ولم تبقى تقتصر على سينما هوليوود التي كانت تعكس ثقافة المستعمر الابيض الاوروبي المحتكر للثقافة والعلم بالضد من شعوب العالم، بل اصبحت الصور الافتراضية تأتي من مصادر عديدة في العالم لا يجمعها ببعضها سوى تركيزها على نقل صور طبقة رأسمالية سائدة وثرية ولا ينقصها من الحياة الا “بعض العواطف”. تتفرج الشابة من خلال جهازها على صور وقصص حياتية لمجتمع تتألق فيه المرأة بملابس ثمينة لا يمكن للمتفرجة ان تحلم بشراءها، داخل بيوت فخمة لا يمكن للمتفرجة ان تحلم حتى بزيارتها، وترى الممثلات في قصص عاطفية مستعصية كلياً على المتفرجة التي لا يريد منها المجتمع عواطفها، بل يريد جسدها فقط وبشكل لا يتفاعل مع ذات وحاجات الشابة. وبالرغم من شعور المتفرجة بضآلتها مقابل الهوة الطبقية الواضحة ما بين واقعها والواقع الرأسمالي لشاشات المسلسلات، تظل متمسكة وحالمة بواقع لا تستطيع ان تحصل عليه او ان تعيشه.

تتمسك الشابة بالحلم الافتراضي لهذه النافذة الى العالم الخارجي مثل تمسّك المتدين بحلمه بان يدخل الجنة. ولا تستطيع ان تفارق جهاز حلمها اي الموبايل، اذ ان عودتها الى العالم الواقعي اي المجتمع المحيط بها هو بمثابة صدمة تعيدها الى حقيقة كونها امرأة عاملة تصرف معظم اجرها على إدامة اطفالها او عائلتها وبما لا يكاد يكفي لوجبات طعام مغذية؛ او قد تكون الشابة معطّلة عن العمل كما هم معظم خريجي جامعات العراق، وتقوم بالعمل المنزلي غير مدفوع الأجر ضمن عائلة تسلب منها الامتيازات الاجتماعية لكي تعطيها للذكور. وقد تكون هذه الشابة محرومة من التعليم لكون أسرتها العاملة لم تقدر على توفير التعليم لجميع اطفالهم، مما أعطى الأولوية للأولاد الذكور، وأدى الى تزويج الفتيات الى أول من دق الباب باحثاً عن زوجة. في واقع القهر الطبقي والذكوري، تجد الفتاة نفسها عاجزةً عن الحصول على العلم الذي تريده، والعمل الذي تحلم به، وقلّما يكون زواجها ممن تريد وترغب، اذ ان هذه الامتيازات الاجتماعية في معظمها حصر للذكور. وبعدما تتزوج، فانها لا تستطيع الحفاظ على زوجها بعد سنوات قليلة من الزواج، اذ ان الثقافة الاسلامية تدربه على ان يتجه لزوجة أخرى ويتركها مع اطفال عديدين تصبح هي مسؤولة عنهم وربة أسرة لا يتواجد فيها الأب الا عندما يريد فرض السطوة الذكورية عليها او على بناته كونهن ملكية خاصة له يزورها متى ما شاء. واصبح من المعتاد ان يكون للرجل في العراق، سواء البرجوازي ام العامل اكثر من زوجة واحدة، مما يحوّل الحياة الاجتماعية داخل الأسرة الأولى والثانية الى حرب اجتماعية مستمرة تعبّر عن تمزّق وتأزّم الوضع الاجتماعي وعن معاناة النساء والاطفال ضمن مجتمع الامتيازات الذكورية التي تقدمها المؤسسة الدينية الاسلامية والعشائرية الى الذكور على طبق من ذهب.

وبعد ان يتم إفساد جزء من المجتمع بهذه الامتيازات الذكورية، ويأمل ان ينجح في فرض القمع والهجر والحرمان على الجزء الثاني من الاناث واطفالهن، لا يسكت الجزء الثاني؛ اذ اينما وُجد القمع وجِدت المقاومة، والتي عادةً ما تؤدي الى عنف لفظي، او معنوي او جسدي وعادةً تتحمله المرأة واطفالها. ولا يمر يوم الا ونرى على شاشات الفضائيات او على التواصل الاجتماعي وجها محروقاً لامرأة او وجهاً ممزقاً حاول احدهم ان يقتل صاحبته ولم تحتفظ بحياتها الا بعد تدخل جراحي. وقد تجاوزت مستويات العنف والكراهية لجسد المرأة وحضورها ضمن المجتمع الرأسمالي ذو الطابع الاسلامي والعشائري ما كان يعرفه المجتمع العراقي في الأزمنة الحديثة. وسوف تظل الاستهانة الذكورية لهذا النظام الحاكم بجسد ومصير النساء واطفالهن مصدرا قوياً لازدياد وتيرة العنف هذه بين نصف المجتمع ونصفه الآخر، مما لا يترك الطبقة العاملة تعيش بسلام او تتمكن من الالتفات الى قضاياها المصيرية وهويتها الطبقية ونضالها الموحّد المطلوب.

حرب سياسية واجتماعية ضد اجساد النساء

ان الثقافة الحاكمة في العقدين الأخيرين والمتأرجحة ما بين الأحزاب الاسلامية والتيارات القومية العشائرية تمدّ النظام الرأسمالي بمجمل أدوات السيطرة والقمع لنصف المجتمع من الاناث. ومن المعتاد انه عندما تسيطر على المجتمع جماعات اسلامية متشددة وميليتانتية (عسكرية)، فهي تعلن حربها في المجتمع على مستويين إثنين: المستوى الأول هو السياسي وبالضد من خصومهم ومنافسيهم وليس فقط بالضد من الشيوعيين ولكن ايضا بالضد من الجماعات الاسلامية الاخرى ممن ينافسونهم في الاستيلاء على ثروات ومقدّرات المجتمع. أما المستوى الثاني من الحرب فهو التحكم بالحياة اليومية والطبيعية للجماهير في الشارع والسعي لتغييب النساء واقصائهن خارج الفضاءات العامة. هذان وجهان لا ينفصلان في الحركة الاسلامية الميليتانية؛ اذ ان حجب النساء واخفاءهن داخل الدور بالتهديد بالعنف الفعلي او الارهاب المعنوي ومنع ظهور اي مظهر انثوي في الساحات العامة، وإن خرجت المرأة فيجب ان تخفي كل مظاهر الانوثة، او حتى ان يكون مظهرها شفافاً غير مرئيا وتكون مغلفةً باقمشة سميكة وغامقة، وكأنها حملت بيتها معها عندما خرجت من الدار. ولا يكتفون بالعنف الآني بل ويرهبون النساء بمقولة ان المرأة لا تترك دارها الا في ثلاث: الزواج، والحج، والوفاة. كل ذلك في محاولة ارهاب النساء وفرض السجن المؤبد عليهن وبشكل يبدو انه طوعي. وبعد ان كان الحجاب هو العلم الاسلامي الذي يرسم حدود حكم التيار الاسلامي، اصبحت الجبة واللباس الاسلامي “الميليتانتي” المتعدد الطبقات هو القاعدة، وتتنافس الجماعات الاسلامية في كمية الاقمشة والأحجبة والجبب التي تسعى بواسطتها اخفاء حضور المرأة في المجتمعات، ضمن حرب سياسية معلنة على اجساد النساء وعلى حضورهن الاجتماعي. وقد تكررت حالة رفع الشعارات في المدن ذات التاريخ الديني والحضور العشائري بان حجاب المرأة فرض، ويتم التطرق احيانا الى منع النساء السافرات اي النساء المرتديات ثيابا عصرية وبمظهر طبيعي من الدخول الى مدن بأكملها، وليس في ذلك الا تعبير غير مسبوق في التاريخ العراقي عن كراهية المرأة ومحاولة الغائها من عموم المجتمعات. ومن الجدير بالذكر ان احدى الدراسات قد وجدت بان ما يقارب ربع النساء في هذه المدن الدينية الطابع يقعن تحت تصنيف الزوجة المهجورة والتي غادر زوجها العائلة لكي يبدأ عائلته مع الزوجة الثانية او الثالثة. وهو هذا وضع النساء في ظل سيادة النظام الرأسمالي وحماة النظام الاسلاميين الذي يلتهمها عندما تكون بضاعة مرغوبة وشابة، ويرميها مع اطفالها من دون ان يكون اي أحد مسؤول عنها بعد اقتناء بضاعة احدث.

تجد الانثى نفسها ومنذ صغرها متهمة بكونها لا تعرف كيف تصون “الشرف” الذكوري العشائري؛ بحركاتها ومشيتها وجلوسها واختيارها لكلماتها ونظراتها. اذ ان جسدها القادر على انتاج النوع البشري يتم النظر اليه بمثابة شيء، او أداة او بضاعة خاضعة للملكية خاصة للعائلة التي تسيطر على عملية الانتاج هذه من خلالها كأداة للانجاب او شيء يتم استعماله في التبادل الاجتماعي وبشكل يُرضي الأسرة. ويتم تسليمها الشابة الى الزوج الذي يتم اختياره من قبل ذكور العائلة ويتزوجها او بالاحرى يمتلكها كخادمة منزلية وكمنجبة لولادة اطفاله هو ممن سيصبحون عائلته “الخاصة” وعمالة في المستقبل ومصدر قوته وسيطرته ضمن النظام الاجتماعي السائد – حيث كما يقوم ماركس في مؤلفه الايديولوجية الالمانية تشبيه الزوجة بالبروليتاري الذي يستغله الزوج البرجوازي. وهو يذكره كنموذج أول لسيطرة الراسمالي على العامل. كما وان الأسباب المادية والتأريخية الأخرى لهذه السيطرة والناتجة عن أرث بطريركي تأريخي هو سيطرة الذكور على سلالتهم وهمينتهم الذكورية وامتلاك الزوجة والاطفال بمثابة ملكية خاصة.

من المعتاد ان تسعى المرأة وتتعب لكي تكسب رضا المجتمع عليها، مما يجعلها عِرضةً للضغط الذكوري المستمر، حتى وان كان مصدره من الاناث القريبات ممن تربين على أساس التهيّب من الارهاب الذكوري والحفاظ على سلالة الذكور، اي بلغة عامية، ان يكون رعبهم الأكبر في الحياة ان يتم التعرض الى “شرف” العشيرة الذي يكمن في أجساد النساء اللواتي “تمتلكهن” العشيرة، بينما يتم تشجيع الذكور بان يتمتعوا بكل ما يقدرون عليه وتتباهى الأسرة بذكورها وتمنحهم من الامتيازات ما لا تحلم به الاناث. وينتج عن ذلك سلب معظم الحقوق الاجتماعية من الاناث وفرض الخدمة بشكل اشبه بالعبودية عليهن داخل أسر تحكمها الذكور، مما يتسبب بحرمان الطفلة والحدث الانثى والمرأة ايضا من التكلم والتصرف والتحرك والنظر بعفوية وبراءة كما هو يُفترض من اي انسان، وخاصةً من الصغار بالعمر. ولا تتأخر الأنثى من ان تنظر لنفسها كجسد ومصير يمتلكه الآخرون وهم الذين يقررون ما الذي يحصل به. اما تفكيرها او مشاعرها هي، تخطيطها لمستقبلها، تمتعها بالفن والأدب والفكر او بالرفاه فان القرار فيه والموافقات عليه تأتي من خارجها. اي انها ليست لديها اية قدرة أو حق لتقرير مصيرها بنفسها، مما يعكس حالةً من العبودية والتبعية للآخرين ولا يترك للانسانة فسحة التفاعل بشكل طبيعي مع كل ما ومن يحيط بها ضمن بيئتها، ويتسبب بالنتيجة بحالة من الانسلاح عن الذات او ما يسميه ماركس بحالة من الاغتراب.

اغتراب المرأة عن محيطها كما في المفهوم الماركسي

يرى ماركس في الاغتراب او الاستلاب تشويها لإنسانية الانسان في المجتمع الصناعي الطبقي، حيث ينفصل الانسان عن ذاته وعن محيطه المباشر وعن الافراد المحيطين به بسبب عجزه عن التحكم بالظروف المادية المحيطة به. ويرى الاغتراب عن الذات هو نتيجة كون الإنسان جزءاً مكانيكياً من الطبقة الاجتماعية، ويعيش ضمن بنية اجتماعية واقتصادية تفرض القهر عليه وتنكر عليه جوهره الانساني، وعادةً ما يحصل الاغتراب ضمن البنى الاجتماعية والاقتصادية للراسمالية. ويشرح ماركس اغتراب العامل عن نتاج عمله الذي تنتزعه الطبقة الراسمالية وتختزل عمله الى سلعة يتم تبادلها في سوق العمل، مما يجعل عمله نشاطا خاليا من المعنى ولا يزوّد العامل باية درجة من الرضا، بل يولّد حالة من العجز والعزلة وعدم الرضا عن العمل ضمن العلاقات الانتاجية للاقتصاد الراسمالي. وذهب بعض الباحثون في المدارس النفسية الى ان الاغتراب يؤدي الى حالة من فقدان القوة والعجز وانعدام المعنى والعزلة والغربة عن الذات؛ وكل ما يؤدي الى رفض الواقع المحيط بالفرد بالرغم من كونه أسيرا لهذا الواقع.

وتكرر ذلك مع بعض الاضافات في طروحات الماركسية النسوية عندما يتم شرح الاغتراب كونه تجريدا للعامل من انسانيته من خلال تحويل عمله الى بضاعة يدفع بالعامل- ـة الى الثورة بالضد من مجمل البنية الانتاجية الراسمالية؛ ولكنهن تضيفن اليها عوامل أخرى في وصف اغتراب المرأة العاملة او المعطّلة عن العمل مثل: طغيان الثقافة الذكورية التي تقلل من شأن الانثى، والقمع الجنسي الطابع، والنظر للمرأة على أساس كونها بضاعة جنسية، وحرمان المرأة من حقها في الحاجات الجسدية والعاطفية. كما ويستطرقن الى انه عندما يتم تقييم المرأة بشكل سطحي وميكانيكي مبتذل وعلى أساس شكل وحجم وحركة أجزاء من جسمها، فان في ذلك عملية استلاب مضاعف تتعرض له المرأة ضمن نظام راسمالي ينظر لها كبضاعة صالحة او غير صالحة للتمتع او الانجاب. ان تكالب كل هذه العوامل يفصل المرأة عن التفاعل الخلّاق مع محيطها ويضع حدا فاصلا بينها كأنسان يحتاج ان يتمتع بعلاقات انسانية مما يخلق حالة من الاغتراب المضاعف ويدفع بالمرأة الى الثورة على كل القيم والبنى الاجتماعية المحيطة بها.

يحصل اغتراب المرأة من المجتمع المحيط بها ومن ذاتها بسبب نظرة المجتمع الراسمالي وتقييمه لها على اساس جسدها كمجرد أداة للمتعة والانجاب واستمرار النوع الاجتماعي للعائلة. اذ ان حق الاختيار بالتصرف بجسد المرأة ومصيرها يكون بيد الآخرين وكأنها بضاعة او شيء يخلو من الفكر والمشاعر والرغبة والقدرة بان تقرر ان تخذ حياتها بهذا الاتجاه وليس باتجاه آخر. وكل ذلك بسبب كون المجتمعات الرأسمالية التي تسود فيها القيم والسطوة الاسلامية والعشائرية تنظر للمرأة بمثابة ملكية خاصة تنجب الأولاد للذكور التي تقتنيها كما وتعيد انتاج الطبقة العاملة للراسمالية، كل ذلك مما لا يُترك لها حق القرار فيه او التصرف به.

وفي الوقت الذي تكون المرأة العاملة او المعطلة عن العمل سواء الزوجة او الإبنة او الأم تقوم بكل العمل المنزلي وتربية اطفالها، تقوم القوانين بانتزاع الاطفال منها ان رغب الرجل الزوج ذلك ، فان عدم استجابة البيئة المحيطة مع الاحتياجات العاطفية للأم والزوجة والفتاة يتسبب بحالة من الاغتراب بسبب حرمان المرأة من حق تقرير مصيرها اجتماعيا، او عدم القدرة بالتمسك باطفالها، او عدم قدرة الاجهاض من حمل غير مرغوب بالنسبة لها، واستحالة تحقيق احلامها في التعلم او العمل او الابداع في التفاعل مع محيطها المادي، ناهيك عن تخلّيها عن كل الاحلام التي كانت تراها في العالم الافتراضي الانترنيتي مما لم يكن ممكنا تحقيق ايٍ منه.

ولا تستطيع الانثى ان تكتسب رضا مجتمع ذكوري اسلامي حتى بعد اتباعها كل الشروط المفروضة عليها من قبيل: التضحية من اجل الآخرين، الخدمة المنزلية وتربية الاطفال مما يكون عملا غير مدفوع الأجر، ورضاها بعلاقات السلطة والامتيازات الذكورية المفروضة عليها. ولعل اشد الحالات وطأة على الانثى هي عندما يتم التصرف بجسدها من اجل الحمل او الولادة او الاجهاض او منعه او فرضه بما لا ترتضيه هي، وكأنها مستعبَدة وحامِلة لجسد ليس لها اي قرار بكيفية التصرف به. وقد يؤدي الاغتراب الشديد الى رفض المرأة الكلي لواقع القمع والعبودية مما يؤدي في بعض الحالات الى الانتحار.

وبكل الأحوال، يؤدي الاغتراب عن البيئة المحيطة بالمرأة الى رفض تلك البيئة ورفض الانصياع الى قيمها وتقاليدها والى الادوار التي تتوقعها وتفرضها تلك البنى الاجتماعية على الفتاة والمرأة الشابة. وقد يكون رفض البيئة الاجتماعية باللجوء الى ثورة عارمة من قبل المرأة بان تحمل نفسها وجسدها وتهرب بعيدا عن بيئة القمع والذل، ومن دون ان يكون لديها بديل واضح لحياتها.

اوضاع التمرد النسوي الجماعي وخلق الوعي النسوي على ارضية تحررية ونضالية

لاحظنا كناشطات نسوية ضمن مراقبتنا لأوضاع المرأة الشابة ازدياد حالات الهروب من العنف الأسري بأعداد باتت تشبه عملية النزوح الجماعي بالضد من قمع البنى العشائرية التي اطلقت عقال الامتيازات الذكورية وبطشها بالضد من الفتيات والنساء، وقد ازدادت هذه الظاهرة مع بدء الانتفاضة التي كانت أكبر تحدٍ لأعلى السلطات البرجوازية ومن كان من خلفها من جيوش امبريالية، وذلك مما شجّع الشابات على عدم القبول بأوضاع القمع والعنف داخل أسرهن، وانطلقن باعداد كبيرة هاربات، ووصل عدد غير قليل منهن الى خيم ساحة التحرير. وكما راينا في استنتاجات موضوع الاغتراب أن من خواص النزوح الجماعي هذا هو عدم اكتراث الإناث بالنتائج الكارثية التي قد تحصل لها اثناء الهروب، اذ ان رفضها للظروف الاجتماعية المحيطة بها يتجاوز اي خوف من الهرب الى المجهول مما قد يجعلها ضحية للاتجار او الاستغلال الجنسي.

ويمكن مقارنة هذا التمرّد النسوي الفردي بما كان يشرحه لينين عن وعي التمرّد الفردي العفوي للعامل ومقاومته لرب العمل البرجوازي الذي يستغل عمله، وما كان يطرحه لينين عن وعي العمال بضرورة التنظيم للنضال العمالي الجماعي وبتوجه اشتراكي. ويسترسل لينين حول ضرورة تجاوز هذه التنظيمات البرامج الاصلاحية لتصل الى تحليل مادي ديالكتيكي تأريخي كقاعدة فكرية تبين رسالة هذه الطبقة التاريخية في إيجاد التغيير الثوري الاشتراكي.

يمر المجتمع بظروف متقلبة سياسياً واجتماعيا مما يعرّض العامل والمرأة الى استغلال اقتصادي واجتماعي، حيث ازدادت الهوة الطبقية بين الطبقة الحاكمة في العراق وما بين الطبقة العاملة بمديات لم تكن منظورة او مُتوقَعة قبل عقود قليلة اذ يقع 40% من السكان تحت خط الفقر حسب الدراسة الاخيرة للبنك الدولي. ولعل العنف الشديد الذي تعاني منه المرأة ضمن المجتمع الواقع تحت التأثيرات الاسلامية العسكرتارية اهم سبب لضرورة بناء التجمعات والمنظمات الشيوعية النسوية والثورية لأن تنظر في اهمية تنظيم الاعتراضات النسوية وتحويلها من التمرد النسوي الفردي العفوي الى منظمة نسوية اشتراكية تعتمد التحليل الديالتيكي والتأريخي وتقوم على أسس ماركسية في تنظيم الاعتراض النسوي الجماعي بالضد من الطبقة الرأسمالية الذكورية الحاكمة والتي تستند الى المؤسسة الدينية والعشائرية في سحق انسانية نصف المجتمع قبل ان تنصرف الى سحق واستغلال النصف الآخر.

ولعل اهم مرحلة في بناء هذا التجمع وتحويله الى قوة ضاربة هي بث الوعي الطبقي الماركسي والنسوي ضمن نساء سبق وان رفضن حالة قمعهن وثاروا عليها من دون فهم وتحليل العمل الثوري العفوي الذي قاموا به. اذ انهم قطعوا نصف الطريق عندما رفضوا الاستسلام الى السطوة الذكورية التي تعاملت معهن على أسس المؤسسة الاجتماعية الرأسمالية البطريركية التي تنظر لجسد المرأة كملكية خاصة بينما لا تعير لوعيها او ارادتها اي اهتمام.

وتبقى المرحلة الأخيرة في العمل الثوري النسوي هي بث الوعي النسوي لمساواة المرأة وحقها بتقرير المصير ضمن تنظيم ماركسي اعتاد الفباء معادة الطبقة البرجوازية الرأسمالية، الا انه لا زال لم يحسم أمره مع بعض المفاهيم الاجتماعية الذكورية التي تنظر الى حضور المرأة وجسدها كملكية خاصة للذكور وللعشيرة الذكورية. ومن هناك يبدأ النضال تجاه بث هذا الوعي على صعيد المجتمع ككل.

وبالرغم من ان ماركس لم ينهمك في تحليل ودراسة قمع المرأة، الا انه وفر أرضية تحليل الاستغلال والقمع والثورة على ذلك، بشرحه كيف ان الرأسمالية رأت الطبقة العاملة كمجرد أدوات او وسائل الانتاج لغرض استغلالها من قبل البرجوازي من اجل الربح. كما وتطرق البيان الشيوعي الى ضرورة رفع مكانة المرأة ضمن الوسط الاجتماعي والمنزلي على حد سواء. وكانت دراسات انجلز حول أصل العائلة والملكية الخاصة والدولة الأولى من نوعها في تحليل مؤسسة الزواج الاحادي قائمة على الملكية الخاصة وعلى علاقات سلطة غير متساوية بين الرجل والمرأة. ونشأت الحركة النسوية في بداياتها ضمن اليسار، الا انها تشعبت الى تيارات عديدة بقى جزء منها قريبا على منبعها في اليسار، وبالذات نخص منها بالذكر الحركة الماركسية النسوية والتي تعتبر منظمة حرية المرأة نفسها جزءا منها.

استراتيجيات النضال النسوي في ظل هجمة رأسمالية اسلامية وعشائرية

يهدف النضال النسوي التحرري العمل على انهاء البطريركية والنظام الرأسمالي وما جلبه على العراق من ويلات التقسيم الأثني والطائفي ومن دون اهمال او تناسي الدفاع عن كل من تم تهميشه مثل محاربة التطرف العنصري ضد سود البشرة والشرائح المستضعفة تأريخياً مثل الايزيديين. ومن اجل التخطيط للوصول الى هذا الهدف يجب: أولاً، الرؤية في تشخيص المعضلات التي تعاني منها المرأة والنظر في السعي بالثورة او بالاصلاحات؛ وثانياً: الأهداف النهائية التي نسعى لتحقيقها كالحرية والمساواة والاهداف المرحلية كالقضاء على الرأسمالية والبطريركية وكذلك إضعاف المؤسسات الاجتماعية التي تمثلها مثل المؤسسة الدينية الاسلامية والمؤسسة العشائرية مما يأخذنا بعض الخطوات اقرب الى الاهداف النهائية؛ وثالثاً: وسائل التنظيم والقيام بفعاليات لتمكين المرأة وتسليحها بوعي اشتراكي ثوري مناهض للرأسمالية والبطريركية والعنصرية.

تتضح الرؤية من خلال تشخيص المعضلات الحالية التي تعاني منها المرأة في العراق، ألا وهي سيطرة الايديولوجية الدينية الاسلامية على المجتمع واطلاقها لحربها الاجتماعية بالضد من المرأة متعكّزة على مؤسسة عشائرية تقدّس “عَظَمة الذكور” من شيوخ العشيرة وأولادهم وأحفادهم، وهي مجرد امتيازات سلبوها من النساء والشباب وباقي الرجال ممن هم اقل رتبة عشائرية منهم. ومع بقاء سيطرتهم، تتحول النساء الى مجرد أوعية للمتعة والانجاب وتنهمك في طقوس دينية تهدف سجنها بشكل مؤبد ضمن مجال المنزل. ولعل المُرتَكز الثاني للنظام الراسمالي الذكوري هو لائحة القوانين التي تكرّس عبودية المرأة للرجل وتكرّس كونها ملكية خاصة له هي واطفالها. وتسعى الاحزاب الحاكمة الاسلامية لتشديد الخناق على المرأة كلما سنحت لهم الفرصة، ولذا تسعى المنظمة النسوية الماركسية لتثبيت وعي المرأة بان خلاصها وتحرّرها لن يتحقق مع بقاء وسيادة المؤسستين الدينية والعشائرية، كونهما واجهات النظام الراسمالي.

أما التخطيط للأهداف النهائية عبورا بالاهداف المرحلية، فليس مقصودا بها ان تنتظر المرأة انتصار التيار السياسي الشيوعي لكي “يمنحها” حريتها بعد مراحل عديدة، بل ان سعي المرأة من اجل الحرية والمساواة يرافق النضال السياسي خطوة بخطوة، حيث تطلب المرأة من حلفائها ان لا يكفوا عن محاربة التقاليد والمؤسسات الاجتماعية القديمة وان لا يستسلموا لامتيازاتهم الذكورية متناسين ان الحرب الطبقية والجندرية تمشيان يداً بيد. وان الحرية والمساواة يجب ان تبدأ من اليوم ضمن التنظيمات والحلقات الحليفة المسلّحة بالوعي الشيوعي المساواتي والنسوي. وتظل وسائل التنظيم مسألة تعتمد على الظروف المحيطة بنا من حجم حركتنا، وسعة انتشارها، وقدرتنا على اقناع الحركة على ترك ونبذ معتقدات القرون الوسطى، ومنها الى التأثير على المجتمع. كما ونعتبر أحد وسائل التنظيم لحركتنا النسوية الماركسية الحملات لتغيير قوانين قمع المرأة، والارتباط بحركة نسوية عالمية تحررية، وتثقيف المجتمع على ضرورة التمسك والدعوة الى حق المرأة بالحياة وحقها بالتصرف بحسدها. وتجد المنظمة النسوية الماركسية مكانها وأمانها ضمن حركة شيوعية نسوية تستمع لمطالب المرأة وتطور رؤيتها تجاه النضال من اجل تحريرها.

24-5-2022