العالم ينتظر اقتحامكم لقصر الرئاسة


ينار محمد
الحوار المتمدن - العدد: 3271 - 2011 / 2 / 8 - 01:27
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

تصر جماهير مصر على شعار اسقاط النطام ولن يرجعوا لبيوتهم دون رحيل رمز النظام، ولا تُرضي عموم المتظاهرين اية مفاوضات تجريها اطراف نصّبت نفسها قيادة مزعومة للملايين المنتفضة.

اذن اتفقت الملايين الثائرة على الشعارات العامة المرفوعة والمطلب الاساسي للتظاهرات ، وتأججت الحالة الثورية واصرار ملايين على المواجهة خلال اسبوعين من التظاهرات والمواجهات مع الشرطة وقوات الامن المتنكر والبلطجية، وتغلبوا عليهم وتعملقت التظاهرة لتصبح مليونية مما يجعلها غير قابلة للسحق لا من قبل شرطةٍ ولا من جيش ولا اية بلطجية... ولكن لماذا لم تتجرأ هذه الجموع لقلب رموز النظام بممارسة حق طبيعي لفرض ارادتها، بالزحف على القصر الرئاسي واقتحامه بهذه الملايين. على ان تليها اقتحامات واشغال لمجمع المصالح الحكومية، مجلس الشعب، مجلس الوزراء، والاعلام الرسمي، لإعلان الجمع الثائر بولادة عصر جديد للحريات والمساواة.

من كان يستطيع ايقاف عملاق بحجم ثلاث ملايين طاقة ثائرة غير قابلة للتراجع. وما الذي يقف لغاية الان حائلاً بين اذكاء حرارة الحالة الثورية المتأججة تحت الرماد ولعقود ثلاثة ماضية، ليمنعها من الغليان الى حسم ثوري اقتحامي للاستيلاء على المرادفات الحديثة لقصر الباستيل او القصر الشتوي. وهل يعقل ان ملايين ثائرة لم تطرح خلال اربعة عشر يوما من ثورتها لجانها الثورية الراديكالية والتي تدرك حجم وقوة وجبروت هذا العملاق الغاضب، بحيث تقتحم ولو ببعض الخسائر، ولكن كثمن للانتصار وليس خسائر لتمسكها بكون التظاهرات سلمية. اذ ان موقف الدفاع عن النفس والتخوف من تهم السلطات بانهم مثيرو الشغب، قد ولى زمنه واتى زمن الحسم الثوري ودون استبعاد العنف من معادلة التخلص من مصاصي دماء الشعوب؛ والذين لا يملكون الان سوى ان يراوغوا ويطيلوا امد الاعتراض الى ان يوهن عزيمة الثوار غير المنظمين ويرسلهم الى بيوتهم بعد تقسيمهم وتقديم النزر اليسير من التنازلات لبعض المتراجعين عن مواقفهم.

كيف يتوقع المتظاهرون من النطام ان يبيد نفسه بنفسه؟ او ان يتخلى بطوعيةٍ عن مصالح مالية وسلطوية اغرقتهم في بحور من الاموال، وجعلتهم السادة المطاعين وذوي الحق "الطبيعي" بالثروات والجاه. اذ لا سبيل لاسقاط النظام الرأسمالي الاستبدادي الا بالعنف، ولا داعٍ للخوف على مصاصي دماء الجماهير والذين لم يتورعوا عن مذابحهم بالضد من المتظاهرين خلال ايام الغضب.

قالها احد المتظاهرين بفصاحة، ان الحكام اغرقها الفساد في اموال الشعب بينما يعيش الشباب بطالة وفقرا، ويأكل عدد كبير منهم من القمامة. وهل هنالك افصح من هذا القول لشرح ان معاناتهم وبالتالي اعتراضاتهم طبقية الطابع، وليست معالمها فقط حرية التعبير عن الذات، او الحد من الفساد. ولن يكون التحرر منها بالقبول برئيس مختلف وبالنظام نفسه، مما يضمن استمرار النهج السياسي الاقتصادي النيوليبرالي نفسه، ولكن بقدر اكثر بقليل من الحريات، واقل بقليل من الفساد المالي. ويظل الامعان بتجويع الجماهير ولكن فتح المجال لبعض الحريات مما قد ينجح به رئيس جديد مثل البرادعي.

وكم من الوقت يحتاج الشباب لادراك ان مطالبهم المساواتية الطابع، لن تجد طريقا للتحقيق دون حزبها الثوري والاقتحامي، والذي يقتلع الجذر الفاسد للنظام وينصب لجنته القيادية مجلسا ثوريا تكتب الفباء دستور المساواة الاقتصادية والاجتماعية والحفاظ على الحريات. وكم من الوقت تحتاج مجاميع الشباب لترى بانها لا تحتاج لاختراع قوانين جديدة لدوران هذه العجلة، بل لها امثلة تاريخية في الثورة الفرنسية والبلشفية. اذ حدثت في لحظات تاريخية اخرى وقادها ثوار تحرريون لم ينتظروا للتغيير ان يكون هبة من الآخرين، بل اقتلعوه اقتلاعا في اللحظة التاريخية المناسبة.

نستطيع ان نلجأ لتبريرات واهية لهذا التأخير او القصور في الحسم في تجربة ميدان التحرير، كأن نقول ان حكما راسماليا مواليا للغرب لعقود ثلاثة عمل وبشكل منهجي على غسل الأدمغة بفساد الاحزاب عوضا عن فساد نظامه بنفسه. كما ونستطيع القول بان العمل الاصلاحي المكثف لمؤسسات المجتمع المدني اصبح البديل الوحيد المتاح امام الشباب؛ حيث ان النضال ضمن هذه الاجندات لا يتجاوز التظاهرات السلمية بمثابة لوبي ضغط على السلطات، دون التفكير بما يتجاوز ذلك، اذ تعتبر المظاهرات غير السلمية بمثابة كفر في هذه الاجندات. وقد نقول بان الجيش الذي يفرح الجميع لوجوده في ميدان التحرير، ليس في نهاية المطاف سوى كابح أمان لمنع سيناريو اقتحام دور الدولة المحيطة بميدان التحرير، ليس الا. اي انه لا يتجاوز كونه مؤسسة قمعية وظيفتها حماية الطبقة الحاكمة وباقل اضرار في الارواح البشرية.

ترقص قلوبنا فرحا مع رقص الثوار في ميدان التحرير، اذ انتظرت خمسة اجيال يوما تثور فيه الجماهير في العالم العربي ضد طغاتها. ويعترينا في نفس الوقت رعب شديد من التفاف البرجوازية على ارادة جماهير الطبقة العاملة والشباب التحرريين والنساء والشابات المرابطات في ميدان التحرير والاسكندرية. اذ بدأت أولى مبادرات المنافقين الرجعيين والديمقراطيين ممن يحاولون "إصلاح الشأن" بين الطبقات من قبيل لجنة من سمّوا انفسهم بالحكماء، واوثان العمل السياسي الشكلي للاحزاب الميتة ورموز الغرب التي تحاول اختطاف قضية الجماهير، من خلال التسلل الى داخل المطالب المشروعة لاحدى المجاميع الشبابية مثل 6 ابريل والعمل على مطلب واحد فقط وهو اطلاق سراح معتقلي الضمير والغاء قانون الطوارئ.

ان الوجه الجميل لخالد سعيد والذي تهشم تحت ايدي جلاوزة النظام، وقضايا الكتاب المعتقلين تحت طائلة قانون الطوارئ، وشرارة الثورة القادمة من تونس، كانت كلها عوامل في تأجيج المواجهة الطبقية لدرجة الغليان؛ مما خلق بصيص امل لدى الملايين الجائعة والمسحوقة والمعترضة ضد القمع، لفرض ارادتها للتغلب على عدوها الطبقي الحاكم والتخلص من رموزه.

هذا المارد التحرري الثائر قد استفاق وحرك عضلاته بما ارعب حكام مصر وبرجوازيتها. بقى على المارد الشجاع ان يتقوى بعمود فقري من الشباب الثوري الاقتحامي ليكسر الطوق ويستولي على شواخص النظام ويطرد منها مصاصي دماء الجماهير. ولن يخسر آنذاك سوى اغلاله.

7-2-2011