أوار الذاكرة ..... قبسات من جمر النضال الوطني


صادق إطيمش
الحوار المتمدن - العدد: 7275 - 2022 / 6 / 10 - 02:15
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     


أصداء لأحداث عشرات السنين من الكفاح في صفوف الحزب الشيوعي العراقي وضمن كوادره المتقدمة التي فرضت عليها سوح النشاط السياسي الهادف ، امام انظمة سياسية مختلفة ، وساءل متباينة في اساليب النضال واتسمت بمواقف آنية شكل الحس الثوري الذاتي فيصل القرار فيها ، امام اجهزة قمعية لا ترحم سخرها العهد الملكي الجائر لقتل وملاحقة وتعذيب وتهجير وإفقار القوى الوطنية المناوئة له ، ولم يكن نصيب الشيوعيين العراقيين منها قليلاً .
إلا ان العهد الملكي لم يكن محطته الأخيرة في الذود عن الشعب والوطن وفي مواصلة النضال تحت راية " وطن حر وشعب سعيد " التي لم تنتكس يوماً ما بين يديه والتي سجلت شعار حياته حتى في سنين عمره المتقدمة التي لم تُثنه عن التعايش مع الشعب العراقي بكل افراحه واتراحه وعلى مختلف سوح نضاله . لقد واصل هذا العراقي بكل ما يحمله من مشاعر، وجل ما يؤمن به من مبادئ ، مع احداث الساحة السياسية العراقية فاعلاً فيها بكل ما يملكه من نشاط جسدي ومؤهلات فكرية وقناعات انسانية جسدتها فلسفة الفكر الذي تبناه وتواصل معه سواءً ضمن تنطيمات مناضلات ومناضلي جيله في الحزب الشيوعي العراقي او في صفوف القوى الوطنية الاخرى التي شكلت محوراً آخراً من محاور نضاله الوطني في كل العهود الجمهورية التي تلت انهيار النظام الملكي بثورة الرابع عشر من تموز التي عاش احداث ايامها الأولى وهو في السجن الذي قذفته فيه اجهزة الأمن الملكي القمعية.
هذه الأصداء التي اطلق عنانها الشخصية الوطنية العراقية التي عرفها كل من زار السجون وعاش في المنافي وساهم في النشاطات والمناسبات الوطنية السرية والعلنية التي عالجت هموم الوطن وآمال الشعب العراقي ، المناضل الشجاع والإنسان الذي ضحى بالكثير دون اهدافه النبيلة ودفاعاً عن حزبه العتيد وصيانة رفاق دربه والصديق الوفي خضير عباس محمد السماوي ـ ابو سهيل ـ في كتابه الجديد الموسوم " اوار الذاكرة " الواقع في 166 صفحة من الحجم المتوسط ، ومن منشورات دار جلجامش لعام 2022 .
يضم الكتاب في صفحاته الاولى تعريفاً به من قِبَل شخصيتين وطنيتين في مقدمتين الأولى للأستاذ القاضي علي الحميدي ، والثانية للأستاذ محمد علي حميد .لقد اجاد الأستاذان الفاضلان في تقديمهما لما سطره المناضل النبطي ، كما نعتاه ، ابو سهيل من مآثر تاريخية ترقى الى مراتب المكنونات التي تشكل حلقات سلسلة زمنية طويلة لنضال وطني عريق وتضحيات جسيمة .
لقد بدأ الكاتب ابو سهيل مأثرته التاريخية هذه بالتعريف بنفسه ضمن التعريف بعائلته السماوية ،في هذه المدينة التي لم تبخل على الوطن ، سواءً بنشاط اهلها الأقربين او بالعشائر التي حولها ، بالمفاخر الوطنية التي شكلت اناشيد واهازيج ثورة العشرين في وطننا العراق صوت الثورة الهادر وإعلان شعاراتها ورفع راياتها الباسقة ، ومن ثم استمراره بالعمل والنضال من اجل إعلاء كلمة الشعب والوطن اينما كان ذلك ينجلي عن واجب وطني لا يمكن التغاضي عنه ليس في السماوة فقط .
ماذا يعني ان يتقحم شاب في السادسة عشر من العمر سوح النضال الوطني التي كانت مستعرة عام 1950 حينما اقدمت حكومة نوري السعيد قبل ذاك بعام على اعدام قادة الحزب الشيوعي العراقي اثر انتفاضة عام 1948 العارمة التي هدّت عروش الطغاة وكل الملوثين بقذاراتهم والمساهمين في طغيانهم . لقد كانت بدايات ابو سهيل في صفوف اتحاد الطلبة ومساهمته في تاسيسه في متوسطة السماوة في الصوب الصغير من المدينة . ولم يطل عمل الشاب هذا في اجواء مدرسته التي رأى فيها الطغاة وفيه ايضاً خطراً على كياناتهم الهزيلة التي لم تطق نشاطاً سياسياً لشاب لم يبلغ سن الرشد القانوني بعد ، فاعتقلته عام 1951 مع غازي موسى الخطيب رفيق دربه وصديق عمره حتى اليوم وهما يقاربان التسعين من العمر.
لقد كانت انطلاقة الملاحقات عام 1951 بداية لسلسلة تواصلت طيلة العمر النضالي للكادر الشيوعي والشخصية الوطنية خضير عباس محمد السماوي ـ ابو سهيل . إذ تلاحقت الإعتقالات والملاحقات التي انتهت حملتها الأولى عام 1953 بالسجن لمدة خمس سنوات ، سنتان منها تحت مراقبة الشرطة .
تشير المحطات النضالية لأبي سهيل في سفره التاريخي هذا ، اوار الذاكرة ، الى استمرار حملات الملاحقات التي غالباً ما تنتهي بالسجن ، حيث اصبح نزيلاً لسجناء الوطنيين العراقيين من حملة الفكر التقدمي المناهض لسياسات الحكومات القمعية التي تعاقبت على العراق منذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة وبروز الحزب الشيوعي العراقي على ساحتها السياسية والنضال الذي خاضه مناضلوه على هذه الساحة .
وفي احدى هذه المحطات وبالتحديد في سجن نكرة السلمان تعرفت على ابي سهيل كواحد من الرفاق الذين لم يألوا جهداً في تنظيم امور السجن وتوفير مستلزمات الراحة الممكنة للسجناء الذين ازدادت اعدادهم بما لا تتحمله طاقة السجن المنصوص عليها رسمياً.
العلاقات التي تنشأ تحت ظروف استثنائية في صعوبتها وتعقيدها تتميز باصالتها وثبات اسسها ، وهذا ما برهنت عليه الحياة بالعلاقة مع ابي سهيل التي لا زالت وحتى يومنا هذا تقوم على ما يتمتع به هذا الإنسان النبيل من الطيبة والإخلاص ، خاصة اذا ما تعلق الامر بالوطن وبالصحابة .
المحطات النضالية التي عاشها ابو سهيل والتي بلور اهم احداثها في كتابه القيم هذا والذي يشكل مأثرة تاريخية يمكن ان تظل مصدراً لكثير من احداث الماضي النضالي على الساحة السياسية العراقية وبالذات في صفوف الحزب الشيوعي العراقي . هذه المحطات التي تقع في مجالات التجارب اليومية المعاشة فعلاً ، اكثر مما هي سيرة ذاتية ، تعكس صوراً من النضال الذي لا يخلو من انعكاسات ظروف العمل السري وتبعاتها التي قد تولد وجهات نظر مختلفة من هذه القضية او تلك ، او التي تُحاط بكل معوقات التحليل الفكري الملائم في مرحلة تاريخية من مراحل النضال المعقد الطويل الذي خاضه الشيوعيون العراقيون في مختلف مراحل نضالهم التي اتسمت بالتضحيات الجسام والإخلاص المتفاني من اجل الشعب والوطن .
لذلك فإنني ارى ، وقد يختلف معي البعض في هذه الرؤيا ، بان اطروحات ابي سهيل في كتابه هذا قد تشكل حافزاً لمراجعات كثيرة يمكن توظيف نتائجها الإيجابية في مسيرة العمل الحالية التي تزداد تعقيداتها وتلح بشكل يتزايد يوماً بعد يوم بطلب المواقف الوطنية وما يرتبط بها من حلول للمشاكل المتفاقمة التي يعاني منها شعبنا ووطننا ، خاصة بعد ان تواصل حكم الإسلام السياسي مع حكم البعث في سياسة القمع والتنكيل ونهب الوطن وتزييف ارادة الشعب وانتهاك كل حقوقه.
الدكتور صادق إطيمش