شعارات سادت ثم بادت


صادق إطيمش
الحوار المتمدن - العدد: 8515 - 2025 / 11 / 3 - 20:53
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

في خمسينات القرن الماضي كنت اتابع قراءة مجلة لا أتذكر كثيراً مما يتعلق بها من ناحية الإسم او البلد الذي تصدر فيه . اعتقد ان اسمها كان " العربي " وتصدرربما في بيروت. في هذه المجلة كان هناك باب ثابت اسمه " حضارات سادت ثم بادت ". إستعرت شكل هذا المصطلح بمضمون آخر وانا اتابع ما شابهه من المصطلحات والشعارات التي انتشرت وتنتشر هذه الأيام والتي لم تتناول الحضارات او الثقافات ، بل تناولت الجانب السياسسي لأحزاب وتجمعات سيساسية أُتيحت لها الظروف للوقوف على قمة السلطة السياسية في العراق فبلورت شعارات كانت مقتنعة تماماً بها حتى اثبت التاريخ لهذه القوى بانها واهمة فيما ذهبت اليه. إذ ان التاريخ اباد بعضها ولا يزال البعض الآخر ينتظر الإبادة التي تفرضها معطيات االتطور لا محالة.
بدأ استعمال هذه المصطلحات في تاريخ العراق الحديث حيث كان أولها هو ذلك الشعار الذي اطلقه المقبور نوري السعيد في منتصف خمسينات القرن الماضي حينما أراد ان يبرهن على صمود دولته امام انتفاضات العراقيين الذين لم تهدأ ضد زمرته الباغية وضد تسليم الدولة العراقية برمتها الى المملكة المتحدة التي أتت بالملك المستورد والغريب عن العراق بكل شيئ ليحكم هذا البلد حسب مواصفات السياسية البريطانية التي تبلورت في الشرق الأوسط إثر معاهدة سايكس بيكو السيئة الصيت. لقد اطلق نوري السعيد شعاره العتيد " دار السيد مامونة " قاصداً بذلك ثبات النظام السياسي القمعي الذي وقف على قمته قرابة أربعين عاماً بشكل مباشر او غير مباشر.
فلم يتحقق هذا الشعار حينما أطاحت به ثورة الرابع عشر من تموز البااسلة وأبادته.
وحين عادت البعثفاشية المقيتة الى حكم العراق عام 1968 وبعد ان استحال الأمر لزمرة جرذ الحفرة وعائلته الإجرامية اطلقوا شعار " جئنا لنبقى " ، واستمروا بتنفيذ جرائمهم ليس بحق الشعب العراقي فقط، بل وطالت هذه الجرائم جيران العراق ايضاً .
فسقطوا وسقط وأُبيد معهم شعارهم هذا .
وبعد ان اسقط إحتلال العراق عام 2003 دكتاتورية البعثفاشية، وحينما تبلورت مسيرة العملية السياسية ليصبح العراق ساحة لصراعات ألإسلاميين الطائفيين والقوميين العنصريين بكل ما تملكه عصاباتهم المسلحة من إنفلات واستهتار بالقيم والقوانين، اطلق عتاة الإسلاميين الذين جاء بهم الاحتلال للحكم شعار " ما ننطيها ". وبمرور الزمن وحينما اصبح الحكم بالعراق بقيادة زمر الإسلام السياسي واعوانهم وبقوة عصاباتهم المسلحة التي زاد انفلاتها مع الوقت، اصبح التمسك بالسلطة السياسية التي افرزت لصوصاً مهنيين يجيدون اللعب بمشاعر الناس بيد ، لكي يسرقوا الجمل بما حمل بيد أخرى، فتحدثوا عن الخير والرفاه الذي يعم العراق ودعوا الى شكر الله على هذه النعمة التي جاءوا بها قائلين " انكم في نعمة ما بعدها نعمة " وإن كان هناك مَن لم تصله هذه النعمة الآن فذلك لا ضرر منه إذ ان نعمته تنتظره في مأواه الأخير الجنة التي أُعدت للمؤمنين الصابرين في الحياة الدنيا.
وحينما اعلن الشعب العراقي انتفاضته الباسلة في تشرين عام 2019 انكشف اكثر مما مضى زيف هذا الشعار الذي اسقطته تشرين فعلاً بعد ان ازدادت جيفته وجيفة قائليه واعوان قائليه من قتلة شباب تشرين ووضعت الجماهير المنتفضة شعارها البديل " باسم الدين باكونا الحرامية ".
اما الشعار الجديد الذي برز في نشاطات الحملة الانتخابية فقد تبناه واحد من هؤلاء اللصوص الذي تجاوز اللص الأكبر صاحب شعار " ما ننطيها " فبلور شعارا اكد فيه سعة الرفاه والعيش الرغيد طالباً من أنصاره في اللصوصية ان " لا تضيعوها ". نعم لا تضيعوا الفرص بابتكار وسائل وطرق جديدة في اشكال اللصوصية وأنواع الجريمة وادنى المستويات الأخلاقية التي اصبح فقهاء الشياطين في دولة الإسلاميين واعوانهم اساتذتها الأعلام ، بحيث ان ابليس سجل في جامعاتهم على الدراسات العليا تحت منابرهم التي تفوق مستوى الكذب والدجل فيها على كوبلز ومسيلمة وعرقوب.
إلا ان مجريات التاريخ تقول ان ما خطط له اللصوص باسم الدين او القومية او أي انتماء آخر يتنكر للإنتماء الوطني سيزول حتماً بزوال منابر الكذب ودعاة الجهالة وروادها الأشرار.
ان غباء وجهل خطباء التضليل والتجهيل ودعاة الإنحطاط الخلقي جعلهم يعتقدون بانهم بهذه الأكاذيب يكسبون الآخرين الى ضَلالهم ، مراهنين طبعاً على الجهل بالعلوم وقلة المعارف التي تسود الغالبية من الجالسين تحت منابر هؤلاء الخطباء والذين يرددون صيحات التعجب ، دون وعي منهم لما يرددون
تجهيل المجتمع بهذا الأسلوب الغوغائي والسير به نحو التخلف والظلام من خلال شعارات تأخذ طابع الإيمان الديني ،تجعل كل ذي عقل يستفسر عما سيؤول اليه مصير وطننا وشعبنا اذا ما استمر هؤلاء ببيع الوطن واستنزاف خيراته وتجويع وتشريد اهله في الوقت الذي ضمن كل لص من هؤلاء ما يعتقد بانه سيكون مأواه ألأخير اذا ما سقطوا وسقطت كل شعاراتهم المزيفة، وما ذلك على التاريخ بغريب.
الدكتور صادق إطيمش