يوميات نصراوي: تحرر الناصرة من التنظيمات الحزبية، فتح الطريق للمنافسة على الخدمات


نبيل عودة
الحوار المتمدن - العدد: 6987 - 2021 / 8 / 13 - 11:31
المحور: المجتمع المدني     

بوصول علي سلام لرئاسة بلدية الناصرة؛ تخلصت مدينة الناصرة من تحكم فئة سياسية فرضت نفسها بظن انها الوحيدة القادرة على البقاء والنشاط البلدي. وبتجاهل لقوى قادرة على المساهمة وتطوير النشاطات الخدماتية والتطويرية لمدينة الناصرة. لا أعني علي سلام فقط انما علي سلام نموذج لمئات النصراويين القادرين على النشاط البلدي وتحمل المسؤولية الكبيرة برئاسة بلدية الناصرة، والنهج السليم بكل ما يخص القضايا التطويرية والشخصية للمواطنين. والأمر ليس وقفا على فئة سياسية مغلقة تقرر حسب مصالحها مسار بلدية الناصرة او أي سلطة محلية أخرى. المنطق ان يفتح المجال لقوى تملك المعرفة والقدرة على إدارة سلطة محلية بدون التزامات لهيئة سياسية مغلقة.
هذا ما اثبته علي سلام مثلا، لذا ليس بالصدفة تجدد الثقة به ، وفشل اكبر تنظيم سياسي، مع مرشح متفق علية، بالتنازل عن مرشح الجبهة (وهي حماقة سياسية للجبهة) فشلوا في اضعاف مكانة علي سلام كرئيس لبلدية الناصرة وتجديد الثقة به. .
الظن ان تنظيم ما، رغم كل تاريخه السياسي ودوره الاجتماعي والنضالي، هو الوصي والمقرر والمتحكم بكل ما يتعلق بانواع الخدمات والتوظيفات، التي غلبت عليها الصبغة الانتهازية والقرارات الشخصانية والمصالح الحزبية والانتهازية الشخصية والعائلية، هي ظاهرة كان واضحا انها ستقود عاجلا او آجلا الى سقوطها وتقلص مكانتها في الناصرة او في أي بلدة عربية أخرى. وهذا التحول عشناه في الناصرة ويمكن ملاحظته بسائر السلطات المحلية، خاصة التي سارت على درب الناصرة، ولا نكشف سرا بالقول انه قاد الى فقدان الجبهة لمكانتها القيادية التي سادت أكثرية سلطاتنا المحلية الرئيسية, وكان الرد في الناصرة على الانقلاب ضد حليفهم الجبهوي علي سلام صفعة مدوية اسقطتهم في الناصرة أيضا ، المدينة التي انطلقت منها فكرة التنظيم الجبهوي .
مرحلة علي سلام، أعطت أهمية كبيرة لمن يريدون دراسة التجربة الجبهوية في النشاط باطار السلطات المحلية وثم اقتباس نفس النهج بالاطار السياسي للكنيست. في الناصرة شاهدنا وصول شخصيات نصراوية مستقلة، لها مكانتها الاجتماعية والمهنية، نفس الأمر في سائر السلطات المحلية العربية، وبنفس الوقت عشنا مرحلة ضعف وتراجع مكانة الجبهة بقيادة العديد من السلطات المحلية على أثر انتصار الناصرة. للأسف الهبة الشعبية التي احدثتها الناصرة لم يجر الحفاظ عليها وتطويرها، وربما عرض التفاصيل سيفسر كأمر شخصي، لذا امتنع عنه، لكنه كان ضمن عوامل السقوط الذي قاد لاحقا الى انهاء دور الجبهة في الناصرة وما تبعها ايضا بالعديد من السلطات المحلية.
. الانتصارالجبهوي قاد تدريجيا الى اغراق الناصرة بطريق انتفضت الناصرة ضدها، والعجيبة ان الأمر استغرق وقتا طويلا حتى سقطت الجبهة نهائيا بينما سقوطها في السلطات المحلية بالقرى العربية كان سريعا. رغم ان المعارك الانتخابية قبل خسارة بلدية الناصرة كانت تشير الى تضاءل متواصل بقوة الجبهة في مدينة الناصرة، لكن لم تجر أي محاولة لفحص الأسباب وإعادة تصويب المسار السياسي والبلدي، بعد ان سقط احتكار التنظيم الحزبي، الذي قام ببداياته بدور هام، لكنه مع الأسف، لم يجر التغيير الجوهري في الإدارة، انما مجرد طرح شعارات لم تقد الا الى فك الشراكة مع الحلفاء في التنظيم الجبهوي، من وقتها رأيت ان الرياح لا تجري كما تشتهي السفن، ربما الجمهور النصراوي كان بعيدا عما يدور في داخل البلدية، كان التغيير اشبه بحلم تحقق، لكن التغيير سرعان ما استنفذ نفسه وبقي شكليا لكن بدون الحلم الذي قاد مواطني الناصرة الى تنفيذ التغيير.
عدنا لأساليب انتفضنا بوقته ضدها، وأقمنا جبهة الناصرة الديموقراطية بجهود القائد الطلائعي للحزب الشيوعي المرحوم غسان حبيب، الذي يجري تجاهله من احتفالات الجبهة بانتصارها، وهو في الحقيقة أبو الانتصار الجبهوي في الناصرة. وقائد ومنظم مخيمات العمل، وضع في الظل، ثم جرى التخلص من قائد الانتصار الجبهوي وقائد ومنظم مخيمات العمل الرفيق غسان حبيب، في ظل عبادة الشخصية، وهدم تدريجيا مشروع الجبهة في الناصرة.
اتحدى من يستطيع ان ينكر دور هذ القائد الفذ الذي نشطت انا شخيصا الى جانبه واعرف كل التفاصيل للعمل المرهق لتاسيس القوى النصرواية، مثل رابطة الطلاب الجامعيين أبناء الناصرة، رابطة التجار والحرفيين في الناصرة، رابطة الأكاديميين أبناء الناصرة، وذلك من اجل تنفيذ المشروع الهام رفع مكانة الناصرة السياسية والتنظيمية والبلدية الى ارقى مستوى حلمنا به. واضيف اننا في فترة معينة بدأنا بإصدار مجلة باسم "الطريق"، عن رابطة الجامعيين في الناصرة، وكنت انا شخصيا رئيسا لتحرير المجلة مع مجموعة أسماء بارزة من الأكاديميين في الناصرة. لكننا لم نستطيع الاستمرار بظل تفكك الجبهة وانسحاب الجامعيين وقسم من التجار والحرفيين والطلاب، من التنظيم الجبهوي.
للأسف جرى التخلص من غسان حبيب ثم فصله من الحزب الشيوعي، واستقال الكادر الذي عمل مع غسان حبيب وسرعان ما أصيب النشاط البلدي بشلل الأطفال، فاستقال الحلفاء ومنهم نواب الرئيس. وعادت إدارة البلدية لنفس أساليب التعامل والتوظيف والارتجال التي قادتنا لتأسيس جبهة الناصرة من اجل التغيير، وكل ما تبقى هو الخطاب السياسي الثوري، الذي لو استعرضناه اليوم لكان مهزلة كبيرة.
الجانب السياسي الثوري الهب حماس الجماهير، ظنوا ان الخطاب هو الخدمات التي حلموا بها، فوجدوا امامهم ابوابا مغلقة، وجدوا ان حلمهم لم يتجاوز تغيير الشخصيات، الخدمات البلدية كانت بواد والخطاب السياسي كان بالمقدمة. حقا مخيمات العمل في وقته كانت اعراسا كبيرة هامة سياسيا وخدماتيا، لكن بلدية بمستوى مدينة مثل الناصرة، لا يمكن ان تعتمد فقط على مهرجانات سياسية وخدماتية سنوية، البلدية وادارتها ظنت انها حققت التغيير الذي كنا نصبوا اليه، وكل مميزاته خطابات لا تغني ولا تسمن عن برامج التطوير، وفي الواقع، أي مراجعة للمشاريع والقرارات بما يتعلق بالوظائف، تظهر بشكل قاطع ان الاستقامة كانت مفقودة، والتعيينات القائمة على العلاقات العائلية والشخصية التي سادت في بلدية الناصرة، وليست التوظيفات حسب القدرات الشخصية لطالبي الوظائف. والأخطر فقدان التواصل بين إدارة البلدية والمواطنين. أصبحت مقابلة الرئيس او مسؤول بلدي تحتاج الى وسائط. وأفضل ان لا اروي ما تكرر مرات معي لأن الدافع لمقالي ليس شخيصا. وانا لن اطرح قضيتي الشخصية، احتراما لأسم الجبهة ودوري الى جانب غسان حبيب في تأسيسها، بصفتي سكرتيرا للشبيبة الشيوعية في الناصرة وعضوا في ادارة فرع الناصرة للحزب الشيوعي. وكان الحل الشخصي لي ان أستقيل من كل مهامي الحزبية واذهب للعمل في الصناعات المعدنية كمدير للعمل ثم مديرا للإنتاج، ثم موفدا لتنفيذ مشروع بناء مصنع بتروكيماوي في ايران أيام الشاه. وبعد سنوات، استقلت من الحزب الشيوعي على أثر انقلاب ضد شخصية شيوعية مركزية، رأيت ان الحزب بالسماح (غباء وخوفا) بتنفيذ ذلك الانقلاب، وضع الخطوط العريضة لتفكك الجبهة والحزب الشيوعي. واضيف ان رفيق شيوعي رئيس سلطة محلية في احدى القرى العربية المشهورة بان رؤساء سلطتها المحلية كانوا دائما من القوى الشيوعية او المقربة للشيوعيين، قال لي وهو يتألم حزنا، اذهب تكلم مع الرفيق توفيق طوبي ليمنع الانقلاب، ويفرض على الجميع الالتزام بقرارات المكتب السياسي واللجنة المركزية للحزب، ودستور الجبهة الذي يمنع ترشيح شخص لنفسه في بشكل يناقض دستور الجبهة. وأضاف: الانقلاب على الرفيق الشيوعي المركزي، سيدمر الجبهة والحزب الشيوعي. ذهبت وتكلمت مع الرفيق توفيق طوبي، وجدت انسانا مرعوبا فاقدا للقدرة على اتخاذ موقف تنظيمي وسياسي حسب قرارات الحزب ولجنته المركزية ومكتبه السياسي، قال لي توفيق طوبي بصوت مخنوق "يعني يا رفيق بدك ينشق الحزب" اجبته: ان السمكة تخمج من راسها والانقلاب يعني ان الحزب أصبح بلا قدرة على الحفاظ على قراراته وتنظيمه، وانا أرى بذلك نهاية الحزب ونهاية الجبهة، وهذا ما يخاف منه رئيس شيوعي في سلطة محلية طلب ان لا اكشف اسمه، مع الأسف على جبنه، واظن أن آخرين أيضا لهم نفس الموقف، وكل مؤيدي الانقلاب هم اصفار فكريا وتنظيميا!!
لم انتظر نتائج الانقلاب. قدمت استقالتي وخرجت من مؤتمر الجبهة، والنتائج كانت ان الجبهة فقدت أكثر من مقعد ونصف المقعد في انتخابات الكنيست تلك الأيام، ولم تستعيد قوتها حتى يومنا هذا، واليوم نحن شهود لتفكك كامل للتنظيم، للتثقيف، للإعلام وضمور بالعضوية، وغياب دم جديد لهذا الجسم السياسي الذي شكل بكل تاريخه قوة سياسية مركزية بحياة الأقلية العربية.
واقعه اليوم يستحق الرثاء. واراهن انه اذا خاض انتخابات الكنيست وحيدا، لن يصل لنسبة الحسم.
جعلوا البلدية قلعة مغلقة لهم ولمن يحني الرأس لمن يتزعمهم .. بل ولكل متحمس يثرثر بما يرضي عنجهيتهم، وما أكثر من ضُللوا وما زالوا على ضلالهم. لكن شمس الحقيقة لا تغطى بعباءة، ولا بشعار ولا بتاريخ لم يعرفوا كيف يصونوه. طبخوا مؤامرات ضد أقرب الناس لهم. وهو تصرف لا شيء فيه ينتمي لأبسط بنود الزمالة والتعامل الأخلاقي. كان وهمهم انهم أشبه بالمرسلين في بلدية الناصرة. ازعلوا القريب والبعيد. اغلقوا الأبواب .. ووضعوا الحراس وكان الوصول لرئيس البلدية اشبه بالوصول الى جنة رضوان. طبخوا مؤامرة التخلص من علي سلام. ما السبب؟ ماهي جريمتك يا علي سلام؟ هل لأن مكتبك كان مفتوحا أمام الناس حين أغلقوا مكاتبهم؟ هل لأنك كنت فردا من الشعب وليس امبراطورا متوجا من المهد الى اللحد؟ او لأنك أضأت الأمل وافشلت من ان تصبح العتمة على قدر أيديهم؟ كان علي سلام للحقيقة جاهزا للتقاعد وتسليم الدفة لدماء جديدة تبعث حياة جديدة وأكثر انفتاحا على المواطنين.
لكنه استطاع في الوقت القصير المتبقي، ان يوقف اندفاعهم وان يكيل لهم الصاع صاعين، بالتفاف نصراوي قل ما شهدنا مثيلا له، يذكرني بالانتصار الجبهوي الأول، الذي صار تاريخا لمواطني الناصرة وليس لمن تسلط على إدارة المدينة .
لست ضد أي مرشح، بل احترم جميع من يرى بنفسه رئيسا قادرا على تقديم أفضل الخدمات لمواطني مدينته.
علي سلام فتح لكم الطريق.
لا تستهتروا بهذا الإنجاز الكبير… انه تحرير المدينة من سلطة ظنت ان الزمن ملك لها، وفي لحظة الحقيقة سقطت من عليائها بشكل مدو.