من روائع الشاعر العراقي محمد مهدي الجواهري


نبيل عودة
الحوار المتمدن - العدد: 7137 - 2022 / 1 / 16 - 13:31
المحور: الادب والفن     

نامي جياع الشعب نامي

1 - ملاحظات ثقافية: نبيل عودة

(ولد الجواهري في26 يوليو 1903 – وتوفي في سوريا في 27 يوليو 1997)
يعتبر الشاعر العراقي الجواهري من بين أهم شعراء العرب في العصر الحديث، ان لم يكن اهمهم.
التزم بقصائده عمود الشعر التقليدي، على جمال في الديباجة وجزالة في النسيج، وتميّز شعره بالثورة على الأوضاع الاجتماعية والسياسية.
نشأ في النجف واشتغل بالتعليم في فترات من حياته، وبالصحافة في فترات أخرى، وأصدر صحف عديدة ابرزها «الرأي العام ».
ديوانه الشعري الأول «حلبة الأدب» صدر عام 1923.
أصدر «ديوان الجواهري» في ثلاثة أجزاء بين سنوات (1935 / 1949 / 1953). عاش فترة من عمره مُبْعَداً عن وطنه، وتوفى بدمشق عام 1997 عن عمر ناهز الثامنة والتسعون عامًا.
انتقدت الدكتورة سلمى الخضراء الجيّوسي النقاد العرب المعاصرين من رؤيتها انهم هملوا ابداع الجواهري الشعري تمامًا، وأنّ ذلك نجم عن عدم إدراك للقِيم الثابتة في شعره، وعن الجذور الكلاسيكيّة فيه، على حدّ سواء. ويمكن القول ان النقاد العراقيين هم أكثر من كتبوا عن شعر الجواهري.
يقول البروفسور سليمان جبران، أستاذ الادب العربي الحديث، ورئيس قسم اللغة العربية في جامعة تل ابيب، بكتابه الرائع عن الجواهري: كتاب "صلّ الفلا- دراسة في سيرة الجواهري وشعره" أنّنا نظلم الجواهري وشعره، في الواقع، إذا اعتبرناه شاعرا كلاسيكيّا فحسب، وحكمنا على شعره بمعايير الشعر الكلاسيكي فقط، دونما النظر في نواحي التجديد في قصائد كثيرة، كتبها في الأربعينات والخمسينات خاصّة، سواء من حيث المضمون أو الصياغة.-
الكاتب اللبناني رئيف خوري كتب في وقته: أنّ "الجواهري فحل من فحول الشعر المعاصرين، وهو في التعبير الشعري أميَل إلى النهج الكلاسيكي منه إلى النهج المولّد الحديث، على أنّ الكثير من صوره ومعانيه جديدة، فهو من القادرين على وضع الخمرة الجديدة في الزقاق القديمة".
الدكتور محمّد مصطفى بدوي كتب عن الجواهري: "يتميّز شعره السياسي الراقي بأنّ الشكل فيه كلاسيكي واضح، والمعجم الشعري من غريب اللغة أحيانا، بينما تظلّ درجة الوعي السياسي ونوعه وحرارة النبض الثوري فيه حديثة تماما. ولذا فإنّ الكلاسيكيّين يعتبرونه واحدا منهم، بينما يعدّه غلاة المجدّدين معلّما لهم أيضا".

************************
من روائعه الشعرية التي تبرز عالمه الشعري والفكري بكل اتساعه اخترت هذه القصيدة:
نامي جياع الشعب نامي
للشاعر: محمد مهدي الجواهري

نامي جياعَ الشَّعْبِ نامي حَرَسَتْكِ آلِهة ُالطَّعامِ
نامي فإنْ لم تشبَعِي مِنْ يَقْظةٍ فمِنَ المنامِ
نامي على زُبَدِ الوعود يُدَافُ في عَسَل ِ الكلامِ
نامي تَزُرْكِ عرائسُ الأحلامِ في جُنْحِ الظلامِ
تَتَنَوَّري قُرْصَ الرغيفِ كَدَوْرةِ البدرِ التمامِ
وَتَرَيْ زرائِبَكِ الفِساحَ مُبَلَّطَاتٍ بالرُّخَامِ
نامي تَصِحّي نِعْمَ نَوْمُ المرءِ في الكُرَبِ الجِسَامِ
نامي على حُمَةِ القَنَا نامي على حَدِّ الحُسَام
نامي إلى يَوْمِ النشورِ ويومَ يُؤْذَنُ بالقِيَامِ
نامي على المستنقعاتِ تَمُوجُ باللُّجَج الطَّوامِي
زَخَّارة ً بشذا الأقَاحِ يَمدُّهُ نَفْحُ الخُزَامِ
نامي على نَغَمِ البَعُوضِ كأنَّهُ سَجْعُ الحَمَامِ
نامي على هذي الطبيعةِ لم تُحَلَّ به “ميامي “
نامي فقد أضفى “العَرَاءُ” عليكِ أثوابَ الغرامِ
نامي على حُلُمِ الحواصدِ عارياتٍ للحِزَامِ
متراقِصَاتٍ والسِّيَاط ُ تَجِدُّ عَزْفَاً ﺑﭑرْتِزَامِ
وتغازلي والنَّاعِمَات الزاحفاتِ من الهوامِ
نامي على مَهْدِ الأذى وتوسَّدِي خَدَّ الرَّغَامِ
وﭐستفرِشِي صُمَّ الحَصَى وَتَلَحَّفي ظُلَلَ الغَمَامِ
نامي فقد أنهى ” مُجِيعُ الشَّعْبِ ” أيَّامَ الصِّيَامِ
نامي فقد غنَّى ” إلهُ الحَرْبِ” ألْحَانَ السَّلامِ
نامي جِيَاعَ الشَّعْبِ نامي الفَجْرُ آذَنَ ﺑﭑنْصِرامِ
والشمسُ لنْ تُؤذيكِ بَعْدُ بما تَوَهَّج من ضِرَامِ
والنورُ لَنْ “يُعْمِي” جُفوناً قد جُبِلْنَ على الظلامِ
نامي كعهدِكِ بالكَرَى وبلُطْفِهِ من عَهْدِ “حَامِ”
نامي.. غَدٌ يسقيكِ من عَسَلٍ وخَمْرٍ ألْفَ جَامِ
أجرَ الذليلِ وبردَ أفئدةٍ إلى العليا ظَوَامِي
نامي وسيري في منامِكِ ما استطعتِ إلى الأمامِ
نامي على تلك العِظَاتِ الغُرِّ من ذاك الإمامِ
يُوصِيكِ أن لا تطعمي من مالِ رَبِّكِ في حُطَامِ
يُوصِيكِ أنْ تَدَعي المباهِجَ واللذائذَ لِلئامِ
وتُعَوِّضِي عن كلِّ ذلكَ بالسجودِ وبالقيامِ
نامي على الخُطَبِ الطِّوَالِ من الغطارفةِ العِظَامِ
نامي يُسَاقَطْ رِزْقُكِ الموع ودُ فوقَكِ ﺑﭑنتظامِ
نامي على تلكَ المباهجِ لم تَدَعْ سَهْمَاً لِرَامِي
لم تُبْقِ من “نُقلٍ” يسرُّكِ لم تَجِئْهُ .. ومن إدَامِ
بَنَتِ البيوتَ وَفَجَّرَتْ جُرْدَ الصحارى والموامي
نامي تَطُفْ حُورُ الجِنَانِ عليكِ منها بالمُدَامِ
نامي على البَرَصِ المُبَيَّضِ من سوادِكِ والجُذَامِ
نامي فكَفُّ اللهِ تغسلُ عنكِ أدرانَ السَّقَامِ
نامي فحِرْزُ المؤمنينَ يَذُبُّ عنكِ على الدَّوَامِ
نامي فما الدُّنيا سوى “جس رٍ” على نَكَدٍ مُقَامِ
نامي ولا تتجادلي القولُ ما قالتْ “حَذَامِ”
نامي على المجدِ القديمِ وفوقَ كومٍ من عِظَامِ‏
تيهي بأشباهِ العصامِيّينَ منكِ على “عِصَامِ”
الرافعينَ الهَامَ من جُثَثٍ فََرَشْتِ لَهُمْ وهَامِ
والواحمينَ ومن دمائِكِ يرتوي شَرَهُ الوِحَامِ
نامي فنومُكِ خَيْرُ ما حَمَلَ المُؤَرِّخُ من وِسَامِ
نامي جياعَ الشعبِ نامي بُرِّئْتِ من عَيْبٍ وذَامِ
نامي فإنَّ الوحدةَ العصماءَتطلُبُ أنْ تنامي
نامي جِيَاعَ الشَّعْبِ نامي النومُ مِن نِعَمِ السلام
تتوحَّدُ الأحزابُ فيه ويُتَّقَى خَطَرُ الصِدامِ
تَهْدَا الجموعُ بهِ وتَستغني الصُّفوفُ عَنِ ﭐنقسامِ
إنَّ الحماقةَ أنْ تَشُقِّي بالنُهوضِ عصا الوئامِ
والطَّيْشُ أن لا تَلْجَئِي مِن حاكِمِيكِ إلى احتكامِ
النفسُ كالفَرَسِ الجَمُوحِ وعَقْلُها مثلُ اللجامِ
نامي فإنَّ صلاحَ أمرٍ فاسدٍ في أن تنامي
والعُرْوَةُ الوثقى إذا استيقَظْ تِ تُؤذِنُ بانفصام
نامي وإلا فالصُّفوفُ تَؤُول منكِ إلى ﭐنقِسامِ
نامي فنومُكِ فِتْنَة ٌ إيقاظُها شرُّ الأثامِ
هل غيرُ أنْ تَتَيَقَّظِي فتُعَاوِدِي كَرَّ الخِصامِ
نامي جياعَ الشعبِ نامي لا تقطعي رِزْقَ الأنامِ
لا تقطعي رزقَ المُتَاجِرِ ، والمُهَنْدِسِ ، والمُحَامِي
نامي تُرِيحِي الحاكمينَ من ﭐشتباكٍ والتحَامِ
نامي تُوَقَّ بكِ الصَّحَافَةُ من شُكُوكٍ واتِّهَامِ
يَحْمَدْ لكِ القانونُ صُنْعَ مُطَاوِعٍ سَلِسِ الخُطَامِ
خَلِّ “الهُمَامَ” بنومِكِ يَتَّقِي شَرَّ الهُمَامِ
وتَجَنَّبِي الشُّبُهَاتِ في وَعْيٍ سَيُوصَمُ ﺑﭑجْتِرَامِ
نامي فجِلْدُكِ لا يُطِيقُ إذا صَحَا وَقْعَ السِّهَامِ
نامي وخَلِّي الناهضينَ لوحدِهِمْ هَدَفَ الرَّوَامِي
نامي وخَلِّي اللائمينَ فما يُضِيرُكِ أن تُلامِي
نامي فجدرانُ السُّجُونِ تَعِجُّ بالموتِ الزُّؤَامِ
ولأنتِ أحوجُ بعدَ أتعابِ الرُّضُوخِ إلى جِمَامِ
نامي يُرَحْ بمنامِكِ “الزُّعَمَ اءُ” من داءِ عُقَام
نامي فحقُّكِ لن يَضِيعَ ولستِ غُفْلاً كالسَّوَامِ
إن “الرُّعَاةَ” الساهرينَ سيمنعونَكِ أنْ تُضَامِ
نامي على جَوْرٍ كما حُمِلَ الرَّضِيعُ على الفِطَامِ
وَقَعي على البلوى كما وَقَعَ “الحُسامُ” على الحُسامِ
نامي على جَيْشٍ مِنَ الآلامِ محتشدٍ لُهَامِ
أعطي القيادةَ للقضاءِ وحَكِّمِيهِ في الزِّمَامِ
واستسلمي للحادثاتِ المشفقاتِ على النِّيَامِ
إنَّ التيقظَ لو علمتِ طليعةُ الموتِ الزؤامِ
والوَعْيُ سَيْفٌ يُبْتَلَى يومَ التَّقَارُعِ ﺑﭑنْثِلامِ
نامي شَذَاةَ الطُّهْرِ نامي يا دُرَّةً بينَ الرُّكَامِ
يا نبتةَ البلوى ويا ورداً ترعرعَ في ﭐهتضامِ
يا حُرَّةً لم تَدْرِ ما معنى ﭐضطغانٍ وانتقامِ
يا شُعْلَةَ النُّورِ التيتُعْشِي العُيُونَ بلا اضطرامِ
سُبحانَ رَبِّكِ صُورةً تزهو على الصُّوَرِ الوِسَامِ
إذْ تَخْتَفِينَ بلا اهتمامٍ أو تُسْفِرينَ بلا لِثَامِ
إذْ تَحْمِلِينَ الشرَّ صابرةً مِنَ الهُوجِ الطَّغامِ
بُوركْتِ من “شَفْعٍ ” فإنْ نزلَ البلاءُ فمن “تُؤَامِ”
كم تصمُدِينَ على العِتَابِ وتَسْخَرينَ من الملامِ
سُبحانَ ربِّكِ صورةً هي والخطوبُ على انسجامِ
نامي جياعَ الشعبِ نامي النومُ أَرْعَى للذِّمَامِ
والنومُ أَدْعَى للنُزُولِ على السَّكِينَةِ والنِّظَامِ
نامي فإنَّكِ في الشَّدائدِ تَخْلُصِينَ من الزِّحَامِ
نامي جياعَ الشَّعْبِ لا تُعْنَيْ بِسَقْطٍ من كلامي
نامي فما كانَ القَصِيدُ سوى خُرَيْزٍ في نظامِ
نامي فقد حُبَّ العَمَاءُ عَنِ المساوىء والتَّعَامِي
نامي فبئسَ مَطَامِعُ الواعِي نَ من سَيْفٍ كَهَامِ
نامي: إليكِ تحيّتِي وعليكِ، نائمةً سلامي
نامي جياعَ الشَّعْبِ نامي حَرَسَتْكِ آلهةُ الطعامِ
**************