عزت العلايلي .. والإنسان الشعبي المصري في السينما ..


حمدى عبد العزيز
الحوار المتمدن - العدد: 6815 - 2021 / 2 / 15 - 13:37
المحور: الادب والفن     

برع عزت العلايلي في أعمال عديدة مثلما كان في فيلم (الاختيار) يجسد بعمق موغل في. الإبداع دور الكاتب المثقف المصري الذي يعيش مأزوماً بشخصيتين متصارعتين داخله هما سيد ومحمود ..
، كما برز عزت العلايلي كفنان له ثقله وقيمته الإبداعية في عشرات الأعمال السينمائية ، وحتي آخر ظهور له علي شاشة السينما المصرية في دوره القصير جداً والعميق جداً في نفس الوقت والذي جسد فيه شخصية النائب العابر للعهود والأزمنة والأنظمة والسياسي المحنك العارف بالقانون والمدرك جيداً لكيف ومن أين تؤكل الكتف ومن أين تتحقق الثروات والمكتسبات الإجتماعية (محروس برجاس) وهو الدور الذي أعطي للجميع فيه درساً مهماً وبليغاً في كيفية أنه يمكن - عبر آداء مشهدين أو ثلاث فقط في مساحة زمنية تقدر بمالايتجاوز دقيقة أو دقيقتين في شريط فيلم مدته ساعات - أن يستحوذ عظمة الآداء علي مساحة تتجاوز زمن الفيلم بل وازمنة عشرات الأفلام ..
لكن في رأيي المتواضع كمتابع محب وعاشق لسحر السينما .. أن من أهم ماتنعقد له أولوية التركيز في التناول لقيمة إبداع الفنان الراحل عزت العلايلي .. هي قدرته علي تجسيد الشخصيات بطريقة تمسك بتفاصيلها وسماتها الخاصة ونوازعها ودوافعها بأنسنة شديدة دون أن يبدو أن وراء ذلك أي نوع من أنواع الكدح الإنفعالي أو الجهد العصبي أو الوقوع في غواية الإيمان الشديد بالشخصية ، ومن ثم الوقوع في فخ المبالغة والإفتعال في الآداء (باستثناء فيلم المواطن مصري لظروف تتعلق بأسلوبية الفيلم نفسه) ..
وغالبية الأنماط والشخصيات التي جسدها (وان لم تكن جميعها) هي شخصيات مصرية قدمها عزت العلايلي بفهم عميق لدقائق مصريتها وبأسلوبية تفك شفرات التلقي في الوجدان المصري المتلقي ..
لا أحد ينسي المعلم (شوشه) السقا الذي يحمل علي ظهره أهم الماء عناصر الحياة ولوازم استمرارها بينما تختطف مخالب الموت أحبائه واحداً تلو الآخر في فيلم (السقا مات) فيصرخ بأسئلته عن الحياة والموت وصيرورة الإنسان بوجدان شعبي مصري صادق وبسيط وبالغ العمق في ذات الوقت ..
ولا أحد في مصر لايستطيع عند تذكر عزت العلايلي إلا أن يستحضر - بكل شغف وتعاطف - آدائه الرائع لشخصية (عبد الهادي) الفلاح المصري صاحب القراريط في الأيقونة السينمائية المصرية الخالدة (الأرض) إلي جوار عملاق فن التشخيص السينمائي المصري محمود المليجي (أبو سويلم)
كذلك تجسيده لدور الإنسان الشعبي الكادح الفقير سليل أسرة عاشور الناجي التي يضطهدها أقوياء الحارة ، والذي تمرده علي الهيمنة المزلة إلي الصراع مع قوي الهيمنة في الحارة إلي أن يصبح فتوة حارة الحرافيش في فيلم (التوت والنبوت) ..
ولايمكن نسيانه عندما أدي دور (حنفي البلطي) في فيلم توفيق صالح (السيد البلطي)
وعندما وقف أمام البحر ليطرح سؤاله - ليس فقط علي أبوه الصياد الغائب في البحر - بل ربما علي ذلك العالم المأزوم بافتقاد العدالة وبظلم استغلال الإنسان للإنسان وتمدد نوازع القهر والهيمنة كماتتمدد غيامات السماء وأمواج البحر المتلاطمة ( .. وإيه العمل يا سيد؟ السما بتنطبق على الأرض ، والزمن بقى كلب واتسعر) ..
عندما كان عزت العلايلي وهو يجسد الإنسان الشعبي المصري البسيط فقد كان يحمل فوق عظامه وخيوطه العصبية الدقيقة كوامن الوجدان الشعبي المصري كما لو أنها استخلصها عبر تكثيف موغل في حياة الإنسان المصري عبر مئات والآلاف السنين ، وخصوصاً عندما تبدأ هذه الشخصيات في طرح أسئلتها الباحثة عن العدل والكرامة الإنسانية ، في وجود تتنازعه المظالم وتستحوذ عليه الهيمنات الباطشة ، وتغيب عنها إجابات الأسئلة العاصفة عن سر الوجود والحياة وهبوب عواصف الموت الغادرة كلما اختمر الشوق للحياة ..
نستطيع أن نستحلص من كل ماسبق ومايستحدث من معان أن عزت العلايلي قد قدم للسينما المصرية قيمة فريدة هي أنسنة طريقة تجسيد الشخصية الشعبية المصرية في تنوعاتها النفسية وظروفها الحياتية والمهنية والإجتماعية ، عبر الصدق السلس المصحوب بالإستيعاب الذكي والمتعمق لطبيعة الشخصية المصرية والوجدان الشعبي المصري ، بعيداً عن التنميط والنمذجة الكاريكاتورية المفتعلة والمشوهة التي حفلت بها السينما المصرية عبر تاريخها الممتد من منتصف عشرينيات القرن الماضي وحتي الآن ..