فى المسألة الحمساوية


حمدى عبد العزيز
الحوار المتمدن - العدد: 7761 - 2023 / 10 / 11 - 19:11
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

بالرغم من الحالة الكاسحة للدعم الشعبي المصرى ودعم كافة شعوب المنطقة العربية للشعب الفلسطيني منذ اللحظة الأولى لنجاح قوى المقاومة الفلسطينية فى مباغتة الكيان الصهيوني واختراق حواجزه وجدرانه الأسمنتية الهائلة التى أنفقت عليها الدولة الصهيونية المليارات عبر آداء والضرب فى العمق الصهيوني وقتل المئات من المستوطنين الصهاينة وأسر عدد كبير منهم وبمستوى آداء أذهل القاصى والدانى بتطوره النوعى وتطور آدواته ومستوى الذكاء التكتيكي فى المباغتة ، وهذا مااشعل أجواء من الابتهاج والحماس المتفائل المتضامن مع المقاومة الفلسطينية فى كل الأوساط الشعبية فى المنطقة العربية ..
بالرغم من هذا فقد آثار البعض على وسائل التواصل الإجتماعى (بحسن نية لدى البعض وسوء نية لدى البعض القليل خصوصاً أولئك القليلون المرتبطون بالنخب التى ترى فى التطبيع مع الدولة الصهيونية أمراً طبيعياً يدل على التحضر والمتوهمون أن فى ذلك تمام الإقتضاء بأوربا والبلاد المتقدمة واللحاق بركب التقدم عبر بوابة التطبيع الذى يرونه فريضة الدولة الديمقراطية الحديثة !!!!!)
آثار هؤلاء وهؤلاء الهواجس حول تصدر حماس (التى نعرف جميعاً أنها نشأت كجناح فلسطيني لتنظيم الإخوان المسلمين) ، وبالتالى ذهبوا إلى طرح أن هذا التصدر يعد نقيصة كبرى تدفع على التردد فى إبداء الدعم للمقاومة الفلسطينية والتشكيك فى جدواها
.. لذا سأحاول كشخص لايزال يحاول مقاومة جهله وفقره المعرفي إجراء مقاربة لعلها تفلح فى تقديم بعض الإجابات تجاه مايثار حول هذه المسألة الحمساوية اوجزها فى النقاط التالية :
أولاً/ حماس ليست هى وحدها من وجهت هذه الضربة المؤثرة فى العمق الصهيونى ، واختزال المقاومة الفلسطينية الباسلة فى حماس وحدها هو أمر مخالف لحقيقة الواقع ومجريات المعركة الدائرة حالياً ، فحماس تقاتل ضمن جبهة واسعة من الفصائل التى تشمل كافة التيارات السياسية والمكونات الشعبية الفلسطينية من حزب الشعب الفلسطيني مروراً بالجبهة الشعبية لتحرير فلسطين والجبهة الديمقراطية انتهاء بالجهاد الإسلامى ، وصحيح انها فى موقع القيادة ولكن ذلك أمر فرضته طبيعة توازنات القوى بين الفصائل الفلسطينية وتنظيماتها السياسية والعسكرية ، وتميز حماس فى القدرات اللوجستية على ارض الواقع ..
ثانياً/ لسنا نحن المعنيون بتعديل الوضع القيادى الفلسطيني فهذا اختصاص الشعب الفلسطيني ، وخاصة بالنظر إلى أن (الدول) العربية لم تعد تقدم دعماً لوجستياً أو حتى دعماً معنوياً جدياً للشعب الفلسطيني (كما كان الحال فى أيام منظمة التحرير الفلسطينية) بل أن عدد من هذه أنظمة هذه الدول قد مارس تآمره على الشعب الفلسطيني ، واتجه للمساهمة فى إحكام الحصار الصهيونى والإستعمارى على الشعب الفلسطيني عبر عقد اتفاقيات سلام مزعوم ، وتطبيع للعلاقات مع الدولة الصهيونية ، وانظمة أخرى بدأت على طريق التطبيع مع الكيان الصهيوني ، وكل هذا يجرى بالخصم على جوهر القضية الفلسطينية .
، لذلك فعلينا نحن المثقفون فى المنطقة العربية أن نكف عن وضع وصايتنا على الشعب الفلسطيني وألا نمارس غوايتنا فى أن نحدد له من يقود نضاله ونرتب له أوضاعه القيادية ونحن جالسون على مقاهينا أو أمام شاشاتنا كل منا ينقر بأصابعه على الكيبورد ليشترط أوضاعاً مثالية (بالنسبة له هو) ليناضل فى ظلها الفلسطينيون ويشترط عليهم استراتيجيات مقاومة محددة ..
وفي ذلك أرى أنه إذا لم ندعم مقاومة الشعب الفلسطيني بأوضاعها القيادية الحالية فعلى الأقل فلنتركه فى حاله ويكفيه دفء الدعم المعنوى وتضامن الغالبية الساحقة من الجماهير الشعبية والبسطاء من مواطني المنطقة العربية ومحيطها الشرقى وأصحاب الضمائر الحية فى العالم ..
ثالثاً/ لا حل نهائي للقضية الفلسطينية بل ولمشاكل المنطقة العربية والشرق الأوسط بوجه عام إلا بتصفية المشروع الصهيوني الذى لن يصفى باستجداء المفاوضات أو معاهدات السلام الواهية التى لاتساوى سوى الورق والحبر الذى كتبت بهما ، ولابالمسار الذى اتخذته قيادة أسلو المتعفنة التى لم يعد الشعب الفلسطيني يعيرها أى التفات والتى لاتستحق سوى الدفن السياسي بعدما لم تبقى منها سوى جثة متعفنة تنتج الرائحة الكريهة ممثلة فى السلطة الفلسطينية ورئيسها الأراجوز العجوز محمود عباس
لا سبيل لتصفية المشروع الصهيوني سوى استنزافه عبر معارك تقوض الأمن الداخلى للدولة الصهيونية وتوسع نطاق الهجرة العكسية مما يفاقم ويعمق أزماته ويستنزف قدراته الإقتصادية ويحد من قدرته على ممارسة القوة وقدرة مجتمعه على التمتع ببقاء آمن على أرض ليست أرضه إلى أن تكتمل عوامل سقوطه وانهياره .. ولذلك فمثل هذه العمليات والمعارك مطلوب ألا تقف بل المطلوب هو تصاعد وتطور المقاومة الفلسطينية وهذا مايحدث ..
لذلك يجب علينا أن نقف داعمين كل دانة أو صاروخ أو حتى خنجر يوجه إلى عمق الكيان الصهيوني طالما كان الشعب الفلسطيني سليب الأرض والوطن وله طبقاً للمواثيق الدولية (المطرمخ عليها) كافة الحق فى اتخاذ مايراه من وسائل لاستعادة أرضه ومقدراته وكافة حقوقه المسلوبة ..
خامسا/ فى قضية حماس تحديداً فإن الأمر كالتالي :
عندما كانت حماس توجه سلاحها فى الاتجاه الخاطئ (سواء فى الداخل الفلسطيني أو دعمها للإخوان المسلمين في ٢٠١١ ، ٢٠١٢ كنا نقف ضدها وكنا ندين أفعالها ونفعل ذلك كلما تكرر هذا الفعل وأياً كان فاعله ، أما وقد وجهت (ضمن جبهة مقاومة فلسطينية واحدة تحت شعار وحدة الساحات) ضرباتها فى عمق الأراضى الفلسطينية المحتلة فعلينا أن ندعم هذا التوجيه الصحيح للمكان الصحيح ، كجزء من دعمنا لأى ضربة تساهم فى استنزاف المشروع الصهيوني أياً كانت اليد التى توجه هذه الضربة وأياً كان نوع ومصدر السلاح الذى توجهه هذه اليد إلى خاصرة وعمق وقلب المشروع الصهيوني ..
أما أن تقود حماس المقاومة أولا تقود فهذا أمر يرتبط بالشعب الفلسطيني ويرتبط بتطور نضاله الوطني ، ويرتبط بعوامل تاريخية لامتسع للخوض فى تفاصيلها الآن ، بل أن هذا ليس وقته ، فاللحظة الحالية لاتحتمل سوى كامل الدعم للشعب الفلسطيني ولقضيته العادلة أياً كانت قيادته وأياً كانت أوضاعه القيادية التى يمكن فى مرحلة لاحقة أن نتناولها بالتقييم والطرح والنقاش ..
أخيراً / سقوط المشروع الصهيوني كفيل بأن تتداعى بسقوطه كل المشاريع الطائفية وكل مشاريع التجارة بالأديان وكافة مظاهر التطرف الديني التى تقتات على وجود هذا المشروع العنصرى الذى كان ظهوره وتمكنه من فلسطين أحد أهم أسباب صعود كل النزعات العنصرية والطائفية فى المنطقة العربية والشرق الأوسط وصعود تيارات التجارة السياسية بالدين والتأسلم السياسي على وجه التحديد ..
وبسقوط المشروع الصهيوني أيضاً سيسقط مشاريع الهيمنة الإستعمارىة فى المنطقة وستسقط معها أوراق التوت عن الشرائح الإجتماعية والنخب المهيمنة فى المنطقة العربية لأنها شرائح ونخب تابعة تستمد سبل هيمنتها من تبعيتها الهيكلة للهيمنة المراكز الرأسمالية الإستعمارية ..