ضمان البطالة والحرب على الفساد


سمير عادل
الحوار المتمدن - العدد: 6354 - 2019 / 9 / 18 - 00:45
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     


قبل كل شيء نؤكد ما قلناه في مناسبات عديدة، بأن الفساد جزء من البنية والمنظومة السياسية للنظام الرأسمالي. ولذلك عندما تكشف منظمة الشفافية الدولية في تقريرها السنوي عن تسلسل مراتب الدول حسب درجات الفساد فيها، فلا تشير ابدا الى دولة ليس فيها فساد بل تؤكد في جميع ارقامها على تسلسل الدول حسب درجات الفساد فيها، فالعراق مثلا كان يحتل دائما مكانا في سلم العشر الاوائل في العالم في مراتب الفساد، بينما تشير الى بلدان مثل النرويج او الدانمارك او سويسرا بالاقل فسادا، ولا تقول ابدا ينعدم الفساد فيها، لان الفساد ظاهرة ملازمة للنظام الراسمالي مثلما ذكرنا. فالمنافسة بين كبريات الشركات الرأسمالية للحصول على عقود وامتيازات وفرص الاستثمار واقتحام الاسواق، بحاجة دائما الى منح الرشاوى وشراء الذمم للحكومات والمسؤولين السياسيين الذين يمثلون مصالح برجوازية بلدانهم. بيد ان الفرق بين العراق وبين الدانمارك مثلا او النرويج، فأن الفساد فيهما مقنن ومنظم لان فيهما “دولة” بالمعنى المتعارف عليها بحيث لا تعيق الاستثمار الراسمالي وتطور السوق الراسمالية وارتباطاتها العالمية فحسب، بل تساهم الدولة في طمأنة الراسمال وعدم ترويعه كي لا يهرب الى مكان اخر وازالة كل العقبات امام نموه. في حين في العراق ليس هناك “دولة” بسبب التشرذم السياسي للبرجوازية، ولذلك ابواب الفساد مفتوحة على مصراعيها، مما يدفع جميع خبراء الاقتصاد واصحاب الشركات الرأسمالية العالمية والمؤسسات المالية على الاتفاق بأن الفساد هو احد العوامل الجدية التي تعيق الاستثمار في العراق وتمنع قدوم الرأسمال العالمي اليه. واذا ما عدنا الى الوراء قليلا لنستذكر على الاقل مؤتمر اعادة الاعمار الذي عقد في الكويت قبل سنتين، فان جميع الوعود الحكومية وغير الحكومية والدولية بمنح القروض والمنح والاستثمار في العراق بعد القضاء على داعش لم تنفذ حتى ولا عشر منها، معللين ذلك بأن الفساد احد تلك العوامل والذي هو في الحقيقة نتيجة لعدم استقرار الوضع الامني والسياسي بسبب تلك الصراعات .
ان هذا التحليل يقودنا الى انه من الحماقة التصديق بأن المالكي وبعده العبادي واخيرا عادل عبد المهدي قادرين على القضاء على الفساد هذا اذا لم نقل ان وصولهم الى سلم السلطة جاء عن طريق الفساد او عن طريق المحاصصة والاتفاقات وشراء الذمم والمناصب وصناديق الاقتراع. فتشرذم البرجوازية، والصراع بين اجنحتها القومية والطائفية الذي نتج عن المحاصصة، لادارة الازمة هو الذي يصعد من منسوب الفساد ويضع العراق في المراتب العليا للبلدان الفاسدة. بمعنى اخر ان كل الدعوات الى القضاء على الفساد ليس الغرض منها الا دعاية تسويقية للاستهلاك الاعلامي. وحتى المؤتمرات التي تعقد هناك وهناك باسم القانونيين وغيرهم وكان اخرها في بابل، ليست كما يصب ماء في برميل مثقوب فحسب بل وتساهم في نشر الاوهام وتضليل الجماهير ووضعهم في حالة انتظار وترقب او استنزاف طاقاتهم وبالتالي نشر الاحباط واليأس وسلب الارادة الثورية من اجل التغيير، هذا ناهيك انها اي تلك المؤتمرات دعاية انتخابية تنظم عشية كل حملة انتخابية ولن تتجاوز اطر الخطابات والشعارات الطنانة التي لا تشبع ولا تسمن.
هناك قصة شائعة، بأن مفتاحا ضاع في مكان مظلم، لكن صاحبه كان يبحث عنه في مكان اخر، وعندما سئل لماذا تبحث عن المفتاح هناك في حين ضاع هنا في هذا المكان، فرد لانه هنا يوجد ضوء اي انه لن يجد المفتاح ابدا. اي ما نريد ان نقوله ان سبب الفقر والعوز والفاقة والبطالة وغياب الخدمات ليس بسبب الفساد الذي هو تحصيل حاصل لصراع البرجوازية فيما بينها للاستحواذ اكثر ما يمكن من الثروات والامتيازات. وفي حال حتى لو كانت نسبة الفساد في العراق اقل من دول مثل الدانمارك او سويسرا، فأنه لن يحدث اي تطور في الحياة المعيشية للجماهير في العراق. فصحيح ان عراق البعث وصدام حسين، لم تصل نسبة الفساد فيه الى الدرجات التي نقرأ ونسمع عنها اليوم في عراق الاسلام السياسي، الا انه كان هناك ايضا فقر مدقع ودولة فاسدة بأمتياز والعائلة الحاكمة مثل عدي وقصي وحسين كامل وصدام كامل وساجدة وزعيمهم صدام حسين والموالين لهم يديرون الشركات ويستولون على خيرات النفط بينما كان الحصار الاقتصادي ينخر بطون الملايين والملايين من العمال والمحرومين في العراق.

لذلك علينا ان نضع استراتيجية لحربنا على الفقر والفساد والعوز، ونسخر كل امكانياتنا وبوصلتنا نحو تلك الاستراتيجية. ان العمل على انتزاع حق ضمان البطالة يجب ان يكون محور نضالنا اليوم.
ان واحدة من المعضلات الحقيقية التي تواجه المجتمع هي مسالة البطالة. ان قوة المليشيات ونشر الخرافات الدينية وكل اشكال الافكار القدرية والرجعية التي تنال من كرامة الانسان وتحط من قدره تستمد ارضيتها المادية من الفقر والعوز، وهي تعمل على استغلال اوضاع العاطلين الذين يبحثون عن ما يسد رمقهم وتجنيدهم في صفوفها.
ان البرجوازية لا تنهي فسادها وجشعها الا عندما تجد ان هناك قوة مادية تهددها وحينها تقنن فسادها وتتنازل عن قسم من امتيازاتها التي تحصل عليها عن طريق الفساد الى تلك القوة. فهي ستفكر الف مرة ومن اجل الحفاظ على سلطتها ان تغير برامجها وتبحث عن الحلول لحل مشكلة البطالة سواء عن طريق اعادة تأهيل وتشغيل المعامل والمصانع او تجديد البنية التحتية مثلما فعلت ادارة اوباما بعد الازمة الاقتصادية عام ٢٠٠٨ في تجديد البنية التحتية للولايات المتحدة ضمن خطة لحل مشكلة البطالة.
اي بعبارة اخرى نحن مثلما قلنا في العدد الفائت لا نعطي برامج ومشورة للبرجوازية، بل علينا ان نفكر بطبقتنا مثلما تفكر هي بطبقتها. ان رفع شعار “ضمان بطالة او “بدل بطالة” والنضال من اجله لتحشيد القوى في المحلات والمناطق المعيشية وتشكيل شبكات في تلك المناطق متصلة ببعضها وتنهض من اجل تنظيم الاعتصامات والاحتجاجات باشكال مختلفة هو الطريق الوحيد لتغيير حياتنا، وتأمين مستقبل اسرنا وعوائلنا واجيالنا.
نحو حركة ضمان بطالة، ولنوظف جميع طاقاتنا من اجل تحويل احتجاجات الخريجين في جميع الميادين وكل العاطلين عن العمل الى حركة منظمة وذات شعار واحد وتسعى نحو هدف واحد وهو “ضمان بطالة”