الاسلام السياسي الشيعي والة الدولة


سمير عادل
الحوار المتمدن - العدد: 6286 - 2019 / 7 / 10 - 02:36
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     


لم تستطع سلطة البرجوازية الحاكمة في العراق المتمثلة سياسيا بالاسلام الشيعي من تأسيس الدولة في العراق كهوية جامعة وجهاز قمعي موحد ومؤسسات حاكمة بشكل قاطع ومتناغم ومنسجم في طول جغرافية العراق وعرضها اسوة ببقية الدول في العالم. وعلى الرغم من كل المساعي الحثيثة لتاسيس الدولة بعد تدميرها من قبل الغزو والاحتلال الامريكي في العراق الا ان الاسلام السياسي الشيعي فشل في تاسيس الدولة كما فشل الاول اي الاحتلال ايضا في نفس المسار والمسعى.
وعلى طول تأريخ اكثر من عقد ونصف حاول الاسلام السياسي الشيعي حسم مسألة السلطة عن طريق حسم مسألة بناء الدولة وهويتها وعلمها الذي اصبح خارج الخدمة او غير نافذ الصلاحية منذ عام ٢٠١٠، و ان من يفوز بالة الدولة يفوز بحسم السلطة السياسية. وكان المالكي وبعده العبادي حاولا في اكمال عملية تاسيس الدولة، الا ان الاول عثر بصعود نجم داعش والثاني عثر بافول نجم داعش. وكلاهما حملا نفس البرنامج السياسي والاقتصادي لبناء الدولة في العراق، والمتمثل بتنفيذ سياسات صندوق النقد الدولي وافقار المجتمع وبناء جهاز قمع كبير لكسر المعارضين السياسيين لتحويل العراق الى سوق عمالة رخيصة يتوفر فيه شروط استثمار مشجعة لجذب كبريات الشركات الراسمالية العالمية . فلا الوظائف او فرص العمل توفرت في عهد العبادي ولا تحسن حدث في المستوى المعيشي لعموم جماهير العراق ولا الخدمات عادت ولا الفساد قوض ولا الظلم الطائفي في المناطق المصنفة السنية ضعف ولا السجون والمعتقلات اقفلت اذا لم نقل توسعت، فما بدئه المالكي في ولايتين ادامه العبادي بطريقة حرفية.
ان معضلة وازمة الاسلام السياسي الشيعي هي معضلة وازمة السلطة السياسية في العراق. وانه وفي كل محاولة يسعى لتكملة مسيرة بناء الدولة تواجهه عقبات جدية لتقويض طموحه
من هنا، ان الصراع على ابقاء الحشد الشعبي من عدمه هو صراع بين اجنحة البرجوازية بجميع تلاوينها القومية والاسلامية وببعدها الاقليمي والعالمي ايضا على شكل بناء الدولة وهويتها السياسية التي ستعكس بالاخير المعسكر الذي تتنخندق فيه ، اهو المعسكر الامريكي والخليجي والقومي العروبي ام المعسكر الروسي والصيني والاسلامي الايراني.
وان نفس الحشد الشعبي الذي هو تحالف هش لمليشيات تابعة لقوى اسلامية غيرمنسجمة سياسيا فيما بينها، وغير متفقة ايضا على شكل بناء الدولة. فالمرجعية الرسمية المتمثلة بالسيستاني والتيار الصدري الذين يحتميان تحت شعار “حصر السلاح بيد الدولة” ويملكان فصائل مليشياتية يسعيان الى بناء دولة قومية محلية “وطني” تحسم السلطة السياسية لاسلام سياسي “معتدل” ينسجم مع توجهات الغرب والخليج، بينما الجناح الاخر مثل عصائب اهل الحق وبدر وكتائب حزب الله وغيرهم الذي يحتمي تحت شعار “امجاد الحشد الشعبي” او “ محور المقاومة” فيسعى الى بناء دولة ذات هوية طائفية متخندقة على ضفاف الجمهورية الاسلامية في ايران التي تقف خلفها روسيا والصين.
ان التصريحات الاعلامية المعادية للجيش من قبل قادة جناح الثاني في الحشد الشعبي بعد القرار الديواني الحكومي الاخير بدمج الحشد بمؤسسة الجيش، يكشف عن ان المؤسسة الرسمية القمعية وهي الجيش ليست مؤسستهم وهم غير موالين لها ولا يشاركوها مشروعها السياسي. ولذلك فهم امام خيارين اما الاظهار بشكل علني بأنهم مع الدولة وقرارات الحكومة للمراهنة على عامل الوقت كي تعبر العاصفة التي هبت بسبب التصعيد الامريكي ضد ايران، او التمرد على قرارات الحكومة وهذا ليس بصالحهم ابدا وخاصة هم في قلب العاصفة كما اشرنا، وعلاوة على ذلك اذ انهم فقدوا زخم امجادهم الدعائية حول انتصاراتهمعلى داعش بل واكثرمن هذا هناك سخط جماهيري واسع ضد الفساد وعمليات الاعتقالات والاختطافات واخذ الاتاوات والظلم الطائفي الذي يروج حول هذه المليشيات او الحشد الشعبي.
ما يحدث اليوم في العراق يعكس وجود توجهات لبناء دولة قمعية سواء انخرطت مليشيات الحشد الشعبي في جهاز الدولة او لم تنخرط، فصحيح يبقى عبث المليشيات واطلاق يدها في اي مجتمع هي اخطر على الامن والامان والمدنية والحقوق الاساسية مثل حرية التعبير والتظاهر والاضراب والتنظيم والحريات الشخصية ولكن الصحيح ايضا ان خطر الدولة وفي بلد مثل العراق على تلك الحقوق والحريات ليست اقل من خطر المليشيات وخاصة اذا قنونت قمعها ووضعته في اطار قانوني.
فمسالتين شاخصتين على سبيل المثال لا الحصر تكشف عن كنه الدولة التي يراد تثبيتها وترسيخها، وهي معادية حتى النخاع لتطلعات البشر في العراق نحو حياة كريمة ومرفه وحره. فأذا نظرنا الى مسودة قانون المحكمة الاتحادية، فنجد هناك قوة دفع كبيرة لفرض رجال دين في عضوية المحكمة واعطاؤهم حق الفيتو، اي بناء دولة قوانين اسلامية، وبمحاذاة ذلك او بالتزامن مع ذلك القانون، هناك مناقشة لقانون الخدمة المدني الموحد الذي يحاول اعضاء البرلمان الغاء مخصصات العمال في القطاعات الانتاجية مثل النفط والكهرباء والموانئ وغيرها وتحت شعار وعنوان المساواة بين حقوق الموظفين والعاملين في القطاع الحكومي او الدولة. فبدلا من منح مخصصات لبقية العمال والموظفين وزيادة معاشاتهم ورواتبهم مثلما هناك امتيازات ومخصصات لاعضاء البرلمان يحاولون الغاء مخصصات من يٌعَيَشَ اعضاء البرلمان الطفيليين من خيراتهم.
فعلينا النظر الى وجود الحشد الشعبي من عدم وجوده من هذه الزاوية، زاوية مصالحنا الطبقية، اي مصالح العمال ومحرومي المجتمع الذين يشكلون الاغلبية المطلقة لجماهير العراق، الذين يسعون عبر الاحتجاجات السلمية في نيل حقوقهم المشروعة في السكن اللائق والخدمات وفرصة عمل وكرامة انسانية، الا انهم يواجهون بقمع شرس سواء كان عن طريق المليشيات او عن طريق جهاز الدولة.
ان مجتمع خالي من المليشيات افضل بكثير بما لا يقارن مع مجتمع تعبث فيها المليشيات، ولكن في نفس الوقت علينا ان لا ننخدع ابدا بشعار حصر السلاح بيد الدولة، فلا يعني ذلك انه سيكون هناك امن وامان ومساواة امام القانون، فالدولة هي دولة الطبقة البرجوازية، ووحشيتها وهمجيتها مؤجلة حسب توازن القوى بين الجماهير وبين الممثلين السياسيين للبرجوازية في السلطة. والدولة البرجوازية في حال اختلال توازنها في اي صراع مكثف بينها وبين الجماهير المتطلعة الى الحرية والكرامة والعيش الكريم، تلجا الى تشكيل مليشيات مختلفة لقمع معارضيها مثل مليشيات الجنجويد السودانية او بلطجية مبارك او شبيحة الاسد او المليشيات العشائرية لصدام حسين والمالكي او المليشيات الشيعية التي قمعت احتجاجات البصرة في العام الماضي.