الصراع لتغيير الهوية


سمير عادل
الحوار المتمدن - العدد: 6203 - 2019 / 4 / 17 - 09:17
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

حدثان محليان يكشفان عن سباق في البحث عن الهوية، طائفية كانت او قومية محلية وليس مهما اكل الدهر عليها وشرب. فعندما تفلس البرجوازية ومنذ فجر تاريخها، وعندما تسقط اوراقها السياسيه، وتصبح هوياتها الوطنية مهترئة وغير قادرة على تعبئة الاوهام القومية والدينية وتسويقها ونشرها في صفوف المجتمع، فليس امامها الا مد يدها الى بالوعة التاريخ لتحضير ارواح حتى لو كانت تتقمص اشكال غريبة سواء كانت مريعة او كاريكاتورية مثل المقنعين في الحفلات التنكرية.
الحدث الاول كان قبل اقل من شهر عندما نشرت مواقع قريبة من داعش كلمة باسم التنظيم جاءت على لسان ما يسمى ابو الحسن المهاجر "يا اهل السنة في العراق ان الدولة الاسلامية الا سفينة نجاتكم وقلعتكم الحصينة في وجه المد الصفوي.." واضاف ان الموصل رهن المليشيات الصفوية على حد تعبيره. (التشديد منا). اما الحدث الثاني فجاء من مكتب رئيس الوزراء عادل عبدل المهدي يوم 8 نيسان بتغيير اسم "قوس النصر"* وسط مدينة بغداد الذي فتح عام 1989 احتفالا بالذكرى الاولى للحرب العراقية-الايرانية ليحل محله "اكيتو" وهو الاسم الجديد بدل من قوس النصر.
لنعود الى صفة "الصفويين" واستخدامها من قبل تنظيم داعش، فهي بقدر ما تعبر عن المحتوى الطائفي للخطاب التعبوي بنفس القدر تحمل اكثر ما يمكن من طمس وتضليل للمحتوى السياسي والاجتماعي للإسلام السياسي نفسه بشقيه السني والشيعي. و خطاب داعش الدعائي والتعبوي يلقى آذان صاغية ويستمد قوته من الظلم الطائفي الذي تمارسه سلطة الاسلام السياسي الشيعي في بغداد. واطلاق او استخدام صفة "الصفويين" على الاحزاب الشيعية الحاكمة في بغداد ومليشياتها هو محاولة وقحة وفاضحة للتعمية على كل جرائم دولة الخلافة الاسلامية في العراق والشام بحق الانسانية. بينما يحاول الطرف الاخر في الصراع اي سلطة الاسلام السياسي الشيعي التي تستند على قلاعها في ايران محو كل اثار هزيمة له امام السلطة القومية العروبية الحاكمة في العراق قبل الاحتلال . ان عبد المهدي الذي ينحدر من عتاة الاحزاب الاسلامية الشيعية، يدرك ان الغاءه ل"قوس النصر" واية محاولة لإحلال تسمية اخرى محلها ترمز الى رموز دينية مثلما كانت هناك محاولات في عام 2016 بتغيير اسم محافظة بابل الى "مدينة الامام الحسن"، فستقلب الدنيا عليه ولا تقعد من جهة، ومن جهة اخرى ان الاسلام السياسي الحاكم اليوم الذي فشل بتسويق هويته السياسية الطائفية وفرضها على المجتمع، بحاجة الى استلهام نموذج من مطبخ التاريخ عسى ولعل يكون بأمكانه تعبئة المجتمع خلفه . فالعراق شئنا او ابينا ما زالت امتدادات الهوية العروبية والقومية المحلية "الوطنية" هي السائدة على شكل تقاليد وافكار وتصورات على الصعيد الاجتماعي والسياسي. فتبني عبد المهدي تسمية تاريخية لساحة الاحتفالات واحلال تسمية من الحضارة البابلية انما فذلكة سياسية وبحرفية عالية لمحو اثار مرارة الهزيمة التي تلقتها القومية الفارسية بلباس الاسلام السياسي الشيعي امام القومية العربية. والمثير للسخرية في اختيار التسمية، ان نفس صدام حسين الذي وقف امام المد "الصفوي" و "المجوسي" و "الفارسي" وحامي البوابة الشرقية هو ايضا استلهم من عمق التاريخ شخصيات من عتاة المجرمين وصفهم بأنهم عظماء الامة مثل نبوخذ النصر وهو احد ملوك البابليين. واذا كانت السنة البابلية مهمة لعبد المهدي لمحو ذكرى حرب وحشية ذهب ضحيتها اكثر من مليونين انسان من عمال وكادحي ايران والعراق، فانه بنفس القدر تمتلك اهمية بالنسبة لصدام حسين لتعبئة مثلما يقولون بالعامية العراقية "ابن الخايبة" الى محرقة حروبه القومية، لكن الاول اراد مسح اي تاريخ يمس او يقلل من شأن الجمهورية الاسلامية وانكسارات مشاريعها، بينما الثاني اراد تثبيت الامجاد القومية المحلية من بوابة التاريخ لحماية الامة العربية من جانبها الشرقي. وكلا الطرفان استلهما ابطالهما واحداثهما وزمانهما ومكانهما من التاريخ عندما فشلا في ايجاد نموذج يحتذى به من حاضرهما.
واخيرا نقول ان الصفوية كما هي القومية المحلية صفات ومقولات لانتزاع الهوية الانسانية من البشر في العراق، لتعبيد الطريق امام المشاريع السياسية والاقتصادية لبناء دولة معادية للعمال وجميع محرومي العراق. انه صراع على فرض الهوية الطائفية او القومية على المجتمع العراقي. انه صراع لاخفاء حقيقة الاسلام السياسي بماهيته الاجتماعية ومعاداته السافرة لكل ما هو حضاري وانساني ومتمدن، وعلى الصعيد السياسي فهو صراع من اجل النفوذ والسلطة والامتيازات، ومساعي لطمس ماهيته القومية التي تبرز مرة بلباس اسلامي جامع او طائفي او وطني، وعلى الصعيد الاقتصادي انه صراع لاخفاء حقيقة اي من الرأسمال الذي يجب ان يسود ويدر الارباح في السوق العراقية، اهو رأسمال داعش "الاسلام السني" او القومي العروبي الملتحف بلباس الاول المدعوم تركيا وسعوديا وقطريا ومن خلفهم الامريكي والغربي، ام رأسمال "الاسلام الشيعي" المدعوم ايرانيا وسوريا ومن خلفهم روسيا والصين.
ان عبد المهدي كان بإمكانه تسمية "قوس النصر" بمسميات اخرى ترمز الى وحشية الحرب واهوالها وكوارثها وعدم عدالة الاطراف المتحاربة سواء كان الخميني او صدام حسين، الجمهورية الاسلامية او القومية العربية، الا انه يبغي سياسة اخرى وغاية اخرى وهوية اخرى، كما هو حال الذين يفرحون ويتفاءلون من استمرار الظلم الطائفي ويسوقون التسميات والمقولات من بالوعة التاريخ مثل الصفويين والرافضة الذي هو اساس وجودهم الذي يريدون هوية سياسية بما تخدم مصالحهم.
..........................................................
*وهو عبارة عن سيفين يمسكان بهما قبضتين، يحيط بهما 5000 خوذة لقتلى جنود ايرانيين مثقوبة بالرصاص جمعت من ساحات الحرب ،. واكيتو هو عيد راس سنة الاكديين والاشوريين والبابليين والكلدانيين الذي يحتفل به يوم الاول من نيسان ولمدة 12 يوم منذ عصر الدولة البابلية.