الكل يمسك بقبعته حول -سياسة النأي بالنفس- الانتهازية


سمير عادل
الحوار المتمدن - العدد: 6244 - 2019 / 5 / 29 - 02:22
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

انخفض صدى الاصوات التي كانت تصرخ بخروج القوات الامريكية من العراق الى مستوى لعب دور الوساطة بين الولايات المتحدة الامريكية والجمهورية الاسلامية في ايران. وهنا نقصد قوى الاسلام السياسي الشيعي التي تمسك بالسلطة ولها مليشيات اكثر من نصفها موالية لايران وتتلقى منها الدعم السياسي والعسكرية والاستخباراتي . ويجدر بالذكر في مقابلة للصحفي المعروف روبرت فيسك في صحيفة “الاندبندت” البريطانية في شهر اذار المنصرم مع هادي العامري احد قادة الحشد الشعبي، هدد الاخير بشكل غير مباشر القوات الامريكية، الا ان مستوى التهديد استبدل بدعوته عبر خطاب له مؤخرا ،العراقيين بعدم استفزاز الامريكان بعد حادث اطلاق صاروخ عى السفارة الامريكية في المنطقة الخضراء. فيما اعلن فالح الفياض رئيس هيئة الحشد الشعبي المرشح الايراني لتوزير الداخلية عن براءة الحشد من القصف على السفارة الامريكية، متزامنا مع توقيع عدد من المليشيات الشيعية على وثيقة مع القوات الامريكية بعدم الاعتداء اذا ما نشب حرب بين طرفي الصراع في الوقت الذي هددت القوات الامريكية بشن حملة اعتقالات بصفوف قادة المليشيات اذا لم تستطع الحكومة العراقية من ضبط سلوكها.وفي سياق ذلك يجري على قدم وساق تخفيض عديد عناصر الحشد الشعبي بنسبة 20% ودمج البقية مع الجيش.
وتكشف تلك الاحداث عن المكانة الهشة والتهويل والمبالغة سواء في دور ومكانة العراق بالقيام باي دور لنزع فتيل الحرب او حتى خفض نسبة التوتر بين طرفي الصراع او عن مكانة تلك المليشيات التي تعول عليها ايران في صراعها مع امريكا، وبغض النظر عن ما قاله السفير الامريكي في بغداد بعدم علمه بالوساطة فيما قال محمد جواد ظريف وزير الخارجية الايراني عند زيارته الاخيرة الى العراق ان بلاده لا تحتاج الى وساطة، فأن التهويل في امكانية العراق بالقيام بدور الوساطة اقرب الى نكتة سمجة من ان تكون كذبة صدقها عرابي السلطة من شدة الخوف على مصالحهم في خضم الصراع الدائر بين امريكا وايران. فلا العراق يملك اقتصاد قوي على الاقل يضاهي احدى الدول الصناعية العشرين في العالم مثل الهند او جنوب افريقيا او تركيا ناهيك ان الاموال المستحصلة من بيع النفط ما زالت تحت الوصاية الامريكية، ولا تمتلك قوة عسكرية يشار اليها بل ان امريكا تمتلك 14 قاعدة عسكرية فيه، ولا حتى حكومة قوية منسجة فيما بينها في الوقت الذي فشل رئيسها الى الان في اختيار وزراء الداخلية والدفاع والعدل اضافة الى الدرجات الخاصة.
ان التهويل والمبالغة وشحذ الاجواء الحربية لا يمكن ان يطمس حقيقة ان الولايات المتحدة الامريكية في المنطقة وفي العراق ليس نمرا من ورق كما يحاول وصفها قادة الجمهورية الاسلامية، وان امريكا ضعيفة وغير قادرة على فعل اي شيء. انها مساعي لذر الرماد في العيون وبالتالي نشر الاوهام حول قوتها وتعبئة الجماهير المحرومة في ايران والعراق نحو محرقتها وعلى مذبح مصالحها. ان احدى الاوراق التي تلعبها وتحاول ان تعول عليها الجمهورية الاسلامية في ايران هي العراق. وقد فشلت زيارة ظريف الى العراق في محاولة لتعبئة جميع القوى السياسية في العراق حول خطابهم السياسي واستراتيجيتهم ضد الولايات المتحدة الامريكية. وكشفت الزيارتين لظريف وبومبيو الى العراق عن قوة ومكانة الاثنين في العراق. فزيارة بومبيو وزير الخارجية الامريكية الى بغداد لم تستغرق 4 ساعات وقد التقى رئيس الوزراء ورئيس الجمهورية لايصال رسالة تهديد محددة الى العراق، فيما استغرقت زيارة ظريف يومين وثلاثة ليالي ولم يستطع في اخر زيارته لقاء السيستاني. وهذا يدل على ان الاخير غير مستعد للاصطفاف الى جانب الجمهورية الاسلامية، وان فتوى “الجهاد الكفائي” التي اطلقها ضد داعش لا يمكن تكرارها لانقاذ الجمهورية الاسلامية.
صحيح انه لا امريكا تريد الحرب ولا ايران، ولكن الصحيح ايضا ان كلا الطرفين يحاولان انتزاع اي جزء من المنطقة لصالح نفوذهما باي ثمن. وان سياسة الفوضى الامنية والسياسية وحتى الاقتصادية هي الاستراتيجية المتبعة كي يفرض نفوذهما. فواقع الجمهورية الاسلامية يقول ان الاقتصاد الايراني يشهد تضخما بنسبة 40-50% بنمو ناقص 6% اي يشهد انهيارا سريعا، وهذا يفسر سر الدعوة الى توقيع معاهدة عدم الاعتداء بينها وبين دول الخليج الى جانب ارسال مبعوثين الى سلطنة عمان كي يختبروا دق ابواب المفاوضات مع الولايات المتحدة الامريكية بالرغم من استعراض العضلات الاعلامية والعسكرية بعدم التفاوض مع الجانب الامريكي.
وبالنتيجة النهائية، أذا كانت ايران تريد من العراق ان يتحول الى رئتيها للتنفس الاقتصادي باي ثمن، فأن العراق بالنسبة الى امريكا اخر بالونة اختبار او بالاحرى اخر مشروع لها لوقف تدهور نفوذها ومكانتها في المنطقة.
ان سياسة الناي بالنفس بالنسبة لقوى الاسلام السياسي الشيعي هي سياسة انتهازية، سياسة تميط اللثام على ان اي حرب تندلع بين ايران وامريكا من شأنها ان تغير من مكانتها ونفوذها في المعادلة السياسية العراقية وستحرمها من عمليات السلب والنهب التي نعمت بها، ولذلك خفضت من حدة خطابها السياسي ضد الولايات المتحدة الامريكية بعد ان ذكرتها الاخيرة هي من جلبتها الى السلطة وهي من تمسك بخناقها الاقتصادي وهي من تحميها عسكريا عبر قواعدها المنتشرة في طول العراق وعرضه. وان مسلسل داعش لم يختف من المشهد السياسي وورقة تقسيم العراق الى فدراليات طائفية ما زالت قائمة.
ان سياسة النأي بالنفس، هي سياسة تخدم الامبريالية الامريكية، وتعني تأييد العسكرتارية الامريكية في المنطقة وتعني تاييد الحصار الاقتصادي الوحشي على عمال وكادحي ايران التي دفع ثمنه من قبل عمال وكادحي العراق طوال احد عشر عاما.
اما نحن، عمال وكادحي العراق، نقول ان جبهتنا ليس جبهة الاسلام السياسي الشيعي ولا جبهة امريكا ولا جبهة الجمهورية الاسلامية، ان جبهتنا هي جبهة الدفاع عن عمال وكادحي ايران، ويجب الوقوف بوجه السياسة الوحشية التي تفرضها الولايات المتحدة الامريكية على المنطقة.