الامن والاستقرار مقابل الخدمات وسبل العيش!


نادية محمود
الحوار المتمدن - العدد: 6277 - 2019 / 7 / 1 - 22:59
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

لا بد من قول بضعة نقاط لقيادة عمليات البصرة فيما يخص النقاط التي اثارتها في بيانها حول احتجاجات وتظاهرات البصرة يوم السبت( الثلاثين من شهر حزيران الماضي) حيث تطالب المتظاهرين "باستحصال الموافقات الامنية، ومعرفة الجهة التي تنظم التظاهرات، من اجل "حفظ الأمن والاستقرار"، و"للحفاظ على البنى التحتية للمحافظة"،. "وتعريف القائمين على التظاهرات من اجل تحملهم المسؤولية تجاه المحافظة والوقوف مع القوات الأمنية"!!وضرورة تقيد المواطنين بشروط تنظيم التظاهرات، من اجل حماية التظاهرات من المندسين والمخربين.
انها لنكتة سمجة ما تتحدث عنه قيادة عمليات البصر ومحافظها من اقرارهم بان التظاهرات حق دستوري. ان اقرارهم بحق التظاهر ليس لانه دستوريا، بل لان الجماهير قامت وستقوم به منذ ثماني سنوات. ولا حيلة ولا طريقة لا للمحافظة ولا لقيادة العمليات لوقفه رغم كل ما استخدمته من اعمال قتل واختطاف واعتقالات. ان الجماهير لم تقم بالتظاهر باعتباره حق دستوري، بل قامت به رغم دستورهم!
انهم يطلبون من منظمي التظاهرات الاعلان عن انفسهم. وهم يطاردون المتظاهرين، يقتلونهم، يختطفونهم، يعتقلونهم، ويسرقون ممتلكاتهم الخاصة مثل هواتفهم النقالة!. فعن اية قوانين والتزامات يتحدثون؟ ان الجماهير لا تستأذن السلطات للتعبير عن سخطها واستيائها بل تدخل الميدان رغم انف الحكومة المحلية. انهم يتحدثون عن قانون وهم يعرفون ان ليس هنالك اي قانون في العراق وليس هنالك دولة في العراق. بل هنالك سلطات ميلشياتية تتقاسم وتتحاصص السلطة، هنالك العشائرية التي قانونها فوق قانون الدولة. هنالك من يتمرد على قوانين حكومته بما فيهم محافظ البصرة الذي يعصى اوامر حكومته التي تخيره بين ان يكون محافظا او ان يكون عضو برلمان،حيث ليس بوسعه الجمع بين وظيفتين احدهما تمثيلية والاخرى تنفيذية، الا انه قفز ويقفز فوق القانون ويجمع بين كليهما. ليس هنالك قانون في العراق وليس هنالك دولة ليقوم المتظاهرون بالانصياع لها. ان الجهات التي خطفت المتظاهرين هم ميلشيات وعصابات، وليس مؤسسات دولة.
انهم يتحدثون عن حفظ الامن والاستقرار. عن أمن من؟ واستقرار من يجري الحديث هنا؟ الملايين التي تفتقر الى الماء والكهرباء، لا تعش اي امن واي استقرار، وهي لا تستطع حتى التمتع بساعات قليلة من النوم في درجات حرارة تصل ال50 درجة مئوية او اكثر وفي انقطاع التيار الكهربائي بشكل مستمر. لن يكون هنالك أمن ولا استقرار. بل سيكون هنالك غضب عارم ورفض عارم لاولئك المتربعين على ادارة المدينة والمسؤولين عن تقديم الخدمات. الامن والاستقرار يستتب فقط وفقط حين تكون حاجات الانسان مشبعة وعلى كل الاصعدة. تلك هي الصفقة.
الان، تطور جديد تشهده محافظة ذي قار بعد ان شهدنا جميعا كيف تطورت التظاهرات في العراق من عام 2015 حين رفعت الجماهير صوتها الطبقي الواعي المدوي: باسم الدين باكونا الحرامية. في عام 2018 طوقت الجماهير المحتجة حقول النفط في البصرة، اغلقت الحدود مع ايران، البحارة اوقفوا دخول السفن التي تحمل النفط، واحرقت مقرات الاحزاب. الان بدأت الجماهير محاصرة المسؤولين في مكاتبهم. حيث قامت الجماهير المحتجة في قضاء الاصلاح يوم الثلاثين من شهر حزيران، باشعال محيط
المجلس البلدي والاعضاء في داخله. اي ان احتمالية اختناقهم وعدم قدرتهم على الخروج من مقر مجلس البلدية، كانت قائمة. وهذا تطور جديد يجب ان تنظر اليه ليس قيادة عمليات الناصرية بل والبصرة بعين جادة. وهي ان الجماهير بدأت تصعد من اجرائاتها الغاضبة ضد السلطات الحكومية. وقد وصلت الى استهدافهم كاعضاء سلطات محلية مسؤولين وبشكل مباشر عن عدم توفير الخدمات.
لقد كانت الاحزاب الاسلامية على حق، حين عبرت عن قلقها وتسائلت قبل اشهر قليلة : ان احرق المحتجون مقراتهم في العام المنصرم ما عساعم ان يفعلوا هذا العام؟ لقد اجابهم متظاهروا قضاء الاصلاح في الناصرية حين احرقوا محيط المجالس المحلية محاصرين اعضاء المجالس في مقراتهم. انه دلالة دامغة على عدم قدرة الجماهير على التحمل، ودرجة غضب وحنق الجماهير على مسؤولي هذه السلطات المحليةـ، التي لم تقدم اولى وابسط الخدمات رغم توفر الامكانيات المالية الهائلة.
من جهة اخرى يتحدث بيان قيادة عمليات البصرة عن "حماية البنية التحتية" في مدينة تفتقر الى البنى التحتية، لا شبكات كهرباء ولا شبكات ماء صالح للاستخدام، لا مستشفيات تمتلك المستلزمات الضرورية لمعالجة المرضى، فعن اية بنية تحتية يدافع قيادة عمليات بغداد، او حتى محافظ البصرة اسعد العيداني؟ بل والاكثر من هذا يحّمل المتظاهرون مسؤولية حماية البنية التحتية! ولكن المتظاهرون يطالبون بالبنية التحتية حيث ان عدد الموتى بسبب التلوث وعدم صلاحية الماء وعدم تعبيد الطرق، وعدم وجود ضوابط على الطرق الخارجية، قد وصل الى ارقام تعد بمثابة مجازر بشرية يومية ومستمرة. الجماهير تريد بنية تحتية لتستطيع ان تديم حياتها بامان. ووظيفة الدولة تاسيس هذه البنية، الا اذا كان المحافظ يعني بالبنية التحتية، هو مقر المحافظةّ!
ليست مسؤولية المتظاهرين الذين يفتقرون الى دخل مستقر يديم معيشتهم، امر حماية البنية التحتية، او امر حماية الامر والاستقرار. الجماهير خرجت تطالب بحقوقها، ان لم تجد استجابة لمطلبها، لن يبقى امن واستقرار. ان الرسالة التي يجب ان تصل واضحة وسعت الجماهير الى ايصالها هي كالتالي: الامن والاستقرار مقابل الخدمات. الامن والاستقرار مقابل الماء والكهرباء. الامن والاستقرار مقابل فرص العمل. الامن والاستقرار مقابل تأمين سبل العيش. هذه هي الصفقة الان. ولا صفقة اخرى غيرها. حين لا تتوفر هذه الاحتياجات الاساسية وحين لا يتم ارضاء هذه الحاجات، سيكون حلما ان يستتب للحكام. الامن والاستقرار واولئك الذين قبلوا ان يملكوا زمام السلطة، عليهم ان يقوموا بما يتوجب عليهم القيام به.