حملة الشهادات العليا :اما التعيين او بدل بطالة!


نادية محمود
الحوار المتمدن - العدد: 6326 - 2019 / 8 / 20 - 21:15
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

نظم حملة الشهادات العليا في يوم ال 18 من شهر اب الجاري وهو اليوم الرابع والستين لاعتصامهم في بغداد تظاهرة من نوع جديد لم يشهد العراق مثلها، وهو خروج المعتصمين مع اسرهم واطفالهم متوجهين بـ مسيرة الى الامانة العامة لمجلس الوزراء للمطالبة بعد ان اعتصموا في ساحة التحرير و امام وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، من اجل ايصال صوت مطالب 7 الاف شخص هم من حملة الشهادات العليا من دكتوراه وماجستير في العراق. من المؤكد ان ما قاموا به هو تقليد نضالي جديد لافت للانتباه ويعبر عن رجاحة عقل وادراك لضرورة زج الاّسر في نضال العاطلين من اجل فرض اكبر ضغط ممكن على الحكومة. فافراد الاسرة هم المتضرر الاول والاخير من انعدام وجود سبل عيش للخريجين من الرجال والنساء في اسرهم. وهذه بادرة مهمة ومميزة وجديدة في نضال العاطلين عن العمل.
الا ان هذا ألتقليد النضالي الجديد رغم اهميته الا انه ليس كافيا، ومن المستبعد ان يضفي ضغطا جديدا على الحكومة لتجعلها تنصاع الى مطالب العاطلين من الخريجين. اننا نضع هنا مجموعة من المسائل امام المعتصمين من حملة الشهادات العليا وللخريجين العاطلين عن العمل:
اولا.ان يضع المعتصمون الحكومة امام خيارين لا ثالث لهما وهو: اما فرصة عمل او بدل بطالة اي تعويض حاجة الاسرة عن النقص المالي نتيجة عدم وجود فرصة عمل للخريج العاطل عن العمل. يتم ذلك بالنضال من اجل الحصول على بدل بطالة لكل خريج عاطل عن العمل. بدل بطالة يكفي لتغطية نفقات اسرة متوسطة من حيث الايجار وكلف الطعام ومستلزمات حياتية اخرى وحسب عدد افراد الاسرة اسوة بالانظمة الرأسمالية الاخرى، والتي تتبنى نظام النيوليبرالية كنظام اقتصادي رأسمالي.
ثانيا: بناء جبهة احتجاجية واسعة من العاطلين عن العمل في كل القطاعات التي يناضل فيها الخريجون وغير الخريجين من اجل الحصول على فرص عمل. وهذا يعني تعبئة اكبر قوى من العاطلين عن العمل، خريجين او غير خريجين. ففي خاتمة المطاف وعلى الرغم من اختلاف الشهادات، القوى العاملة تحتاج الى بيع قوة عملها من اجل ان تؤمن معيشتها.
ثالثا: الحصول على تاييد اكبر عدد من نقابات وتنظيمات العمال، الحصول على دعم واسناد العمال في القطاعات الاخرى من قبيل عمال العقود والاجور وخاصة في قطاع الكهرباء والتعليم ومختلف القطاعات التي يتشارك عمالها ومنتسبوها ذات الهم وذات القضية مع العاطلين عن العمل من الخريجين ومن حملة الشهادات العليا.
رابعا: الاتصال والعمل مع الاحزاب التي تنادي وتدافع عن حقوق الطبقة العاملة من اجل الحصول على اكبر دعم وتأييد وباية اشكال كانت من اجل تقوية حركة العاطلين عن العمل او العمالة المؤقتة. وعلى رأسها الحزب الشيوعي العمالي العراقي.
خامسا: لحاجة الى تبلور فهم و وعي طبقي جديد في معترك هذا الصراع، من داخل المعتصمين او من خارجه. بان ما يجري في العراق الان، بحويل اكثرية القوة العاملة الى البطالة، بما فيهم اصحاب الشهادات بحكم عدم الحاجة الى هذه الايدي، هو نتيجة طبيعية لنمط النظام الرأسمالي الذي يسود العالم والعراق ليس استثناءا.
بحصر كلامنا عن العاطلين من حملة الشهادات العليا لا بد من التاكيد بان ان "العلم" في المجتمع الرأسمالي هو عبارة عن "سلعة"، حاله حال اي شيء اخر. ان لم تكن هذه السلعة مفيدة للحكومة فانها لا تكلف نفسها عناء شراءها. المسالة لا تتعلق كما يردد المعتصمون بعدم "تقدير" الحكومة للكفائات بل تتعلق بان " علمهم وشهاداتهم" ليس مطلوبا من قبل الحكومة ولا حاجة لها بها، وان احتاجت الى كوادر، فانها ستشتري ما تريد، وانها ستعرض عدد من الوظائف. وفي الغالب وكما هو سائد في الثقافة والتقليد السياسي في العراق، ستقوم باختيار وتعيين مواليها السياسيين ومن احزابها، حسب قانون الزبائنية والمحسوبية السائد في العراق.
كذلك لا تتعلق المسألة بدور وزير التعليم العالي، قصي السهيل، ووعوده، بل تتعلق بملحقية النظام اقتصادي الرأسمالي في العراق بالسوق العالمي ولاوامره وقوانينه . ان ارادة العراق مرتهنة لقرارات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، وهم يريدون تقليص اساسا الموظفين في قطاع الدولة، دع عنك تشغيل موظفين جدد. وكما رأينا في عمال عقود الكهرباء، بعد ان قاموا بتثبيت عمال العقود وخصصوا لهم جزء من ميزانية 2019 جرى الالتفاف حول الموضوع.
مع قولنا بكل هذه الامور، الا ان هذا لا يعني اعفاء الحكومة من امر تأمين معيشة البشر في بقعة جغرافية. العراق ليس دولة تفتقر الى الموارد الاقتصادية فمداخيل النفط تدر على الدولة اموالا طائلة، ومن اجل ان لا يصار الى نهب وسرقة الاموال الى المسؤولين واحزابهم وقادة ميلشياتهم مقابل تجويع وافقار المجتمع، الدولة مسؤولة ويجب ان تكون مسؤولة عن ضمان حياة المواطنين، ان تؤمن مستلزمات الحد الادنى من المعيشة، والدولة قادرة على ذلك.
ان هذا مرهون بمدى تنظيم واصطفاف العاطلين عن العمل وقدرتهم على الدفع بمطالبهم عبر تشكيل قوة اجتماعية ضاغطة حقيقية على الدولة وبمختلف الاشكال، والتي اقترحنا بعضها في هذا المقال القصير. ان تجربة تظاهرات واحتجاجات البصرة، بكل ما فيها، قد أمنت انسيابية الكهرباء والماء الان في المدينة. انها معركة حقيقية بين الجماهير و الدولة من اجل تأمين مستلزمات الحياة والمعيشة. انها ليست امرا قابل للتنازل عنه، او بالامكان التنازل عنه. انه امر يخص طعام وغذاء وسكن وعلاج الافراد والاسر، انها تتعلق بحياتنا جميعا وفردا فردا.